صحة

 ليس مجرّد عملية ذهنية عابرة..  دراسات تحذّر:  الجهد العقلي المستمرّ يسبب الشعور بالإجهاد ويؤدي إلى تراكم المواد السامّة في الدماغ

هل تجد نفسك مشغولاً بالتفكير في أمور متعددة بشكل مستمرّ؟ وهل يؤثر الجهد العقلي المستمر على قدرتك على التركيز على المهام اليومية أو إنجازها؟

لا تقلق، فمعظمنا قد يشعر عند محاولة حل مشكلة رياضية معقدة، أو تقييم إيجابيات وسلبيات قرار مهم، أو حتى فك رموز فيلم معقد حول السفر عبر الزمن بالإجهاد العقلي، وهو ما يمكن أن يكون أكثر إيلاماً مما نتصور وفق ما  أظهرته دراسة جديدة نشرت في موقع “psycnet”.

وكشفت الدراسة أن الجهد العقلي المستمرّ ليس مجرد عملية ذهنية عابرة، بل يمكن أن يسبب ألماً عقلياً فعلياً ومشاكل صحية ملموسة، حيثُ يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والقلق،مما يؤثر على جودة حياتنا اليومية.


الجهد العقلي المستمرّ يسبب الشعور بالتوتّر والقلق

قام الباحثون خلال الدراسة بتحليل 170 بحث سابق وقع نشرهم بين عامي 2019 و2020 شملوا 4670 مشاركاً قاموا بمهمّات معرفية مختلفة. وعلى الرغم من التنوع الكبير في الدراسات، فقد استخدموا جميعاً معياراً موحداً يُعرف بمؤشر تحميل المهام التابع لوكالة ناسا (NASA-TLX) لتقييم الحمل العقلي.

وأشارت النتائج إلى وجود رابط قوي ومتسق بين الجهد العقلي المستمرّ والمشاعر غير السارة. وفقًا لمؤشر تحميل المهام التابع لوكالة ناسا، يمكن أن تشمل هذه المشاعر انعدام الأمان، والإحباط، والتوتر، والإزعاج.


وذكر الباحثون الذين أجروا الدراسة أن النتائج التي توصلوا إليها تقدم دليلاً قوياً على أنه حتى عندما نختار القيام بشيء مرهق عقلياً، قد لا يكون السبب في ذلك هو التمتع بالجهد ذاته.

وذكر عالم النفس المشارك في الدراسة إريك بيلفيلد: “غالباً ما يشجع المديرون الموظفين، وكثيراً ما يشجع المعلمون الطلاب، على بذل الجهد العقلي المستمرّ. ظاهرياً، يبدو هذا ناجحاً فالموظفون والطلاب غالباً ما يختارون الأنشطة التي تتطلب تحدياً عقلياً”.

ويضيف: “من خلال ذلك، قد نميل إلى الاستنتاج بأن الموظفين والطلاب يميلون إلى الاستمتاع بالتفكير الجاد، غير أن النتائج التي توصلنا إليها من خلال الدراسة تشير إلى أن هذا الاستنتاج قد يكون خاطئاً، فبشكل عام، قد يجدُ الناس أنفسهم مكرهين على القيام بالجهد العقلي المستمرّ”.


العلاقة بين الجهد العقلي المستمرّ ومشاعر الإحباط والقلق

ثبتت العلاقة بين الجهد العقلي المستمرّ ومشاعر الإحباط والقلق التي يشعر بها الشخص عبر أنواع مختلفة من التجارب التي قام بها الباحثون خلال الدراسة، من إجراء عملية جراحية بمساعدة الروبوت إلى التنقل في محطة قطار افتراضية. وكانت العلاقة واضحة أيضاً بين أنواع مختلفة من الأشخاص، من طلاب الجامعات إلى العسكريين.


وخلُص البحث إلى أنه كلما زاد الجهد العقلي الذي يقوم به الشخص بشكل مستمرّ، زاد شعوره بعدم الارتياح. وفي هذا السياق، يقول بيلفيلد: “تُظهر نتائجنا أن الجهد العقلي يبدو غير مرغوب فيه عبر مجموعة واسعة من السكان والمهام،  ومن المهم أن يضع المهنيون، مثل المهندسين والمعلمين، هذا في الاعتبار عند تصميم المهام أو الأدوات أو الواجهات أو التطبيقات أو المواد أو التعليمات”.

وتتوافق نتائج الدراسة مع الأبحاث السابقة، التي أظهرت أن المهام العقلية الصعبة  والتركيز الشديد لفترات طويلة يمكن أن يؤدي حتى إلى السميّة في الدماغ.


النشاط العقلي وتراكم المواد السامة في الدماغ

أظهرت دراسة نشرت في مجلة Current Biology أن النشاط العقلي المطوّل قد يؤدي إلى تراكم ناقل عصبي سامّ محتمل في القشرة الجبهية للدماغ، وأشار الباحثون إلى أن الدماغ قد يبطئ نشاطه كآلية لإدارة هذا التراكم، ما قد يفسر سبب شعورنا بالإرهاق.


قال أنطونيوس ويلر من معهد باريس للدماغ، المؤلف الأول للدراسة: “حتى عندما تقاوم حكّ الحكة، فإن دماغك يمارسُ سيطرة معرفية، ومطالبتك المتكررة  بالقيام بالفعل الذي ترغب به يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالإجهاد” ما هو الدافع وراء انخراطنا في أنشطة مرهقة عقلياً.

كإجابة عن هذا السؤال يعتقد الباحثون الذين قاموا بالدراسة الأولى أن السبب قد يكون نوعاً من المكافأة التي تحفّز الدماغ مثل الفوز في لعبة، أو التواصل مع الآخرين، أو كسب المال، وفي هذا السياق، يقول بيلفيلد: “عندما يختار الناس ممارسة أنشطة تتطلب جهداً ذهنياً، فلا ينبغي اعتبار هذا مؤشراً على استمتاعهم بالجهد الذهني في حد ذاته”.