الأخبار

“العطش” يُخرج سكان قرى مغربية للاحتجاج.. يعانون “نقصاً كبيراً” بالمياه والسلطات تعدل بحلول عاجلة

مع توالي سنوات الجفاف في المغرب حذر متخصصون من أن تصل المملكة إلى “كارثة العطش” في بعض المناطق من البلاد، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الماء وتراجع كمية الفرد من المياه الصالحة للشرب، ما دفع سكان بعض المدن للخروج في احتجاجات تصاعدت حدتها خلال فصل الصيف.

إذ خرج سكان بعض المدن والقرى في المغرب في احتجاجات منددة بالانقطاعات المتكررة للمياه الصالحة للشرب لساعات طويلة، وفي بعض المناطق لأيام، وتراجع حصتهم من المياه، ويطالبون المؤسسات المعنية بحقهم في التزود بالماء الصالح للشرب.

هذا الوضع دفع بالملك محمد السادس للدعوة لاتخاذ إجراءات رائدة لتأمين التزود بالماء بشكل مستدام وحماية الموارد المائية، ودعا في خطاب العرش الأخير نهاية شهر يوليو/تموز 2023، للمزيد من “التنسيق والانسجام” بين السياسة المائية والسياسة الفلاحية”.

احتجاجات من الشمال إلى الجنوب

في مدينة تاونات الجبلية في شمال البلاد، خاض سكان بعض القرى التابعة للإقليم شكلاً احتجاجياً جديداً عندما خرجوا في مسيرة ممتطين دوابهم المحملة بقارورات الماء الفارغة في اتجاه عمالة الإقليم (المحافظة).

كما عاشت مدينة سيدي إفني (جنوب المغرب) على وقع الانقطاع المتكرر للماء الصالح للشرب، وهي الوضعية التي زادت حدتها خلال فصل الصيف، وأضحت معها أحياء عدة بالمدينة تعرف انقطاعاً شبه تام لهذه المادة الحيوية.

وبلغ زمن الانقطاع ثلاثة أيام متتالية، في بعض الأقاليم التابعة لجهة الدار البيضاء، اضطر معها المواطنون إلى تخزين كميات من الماء للاستخدام الضروري للشرب والنظافة الشخصية، في ظل غياب أي مؤشرات حول عودة الصبيب بشكل طبيعي.

وإضافة إلى العطش والانقطاعات المتكررة للماء، يشكو سكان أحياء بالدار البيضاء ومراكش من تغير لون وطعم الماء، ما يثير مخاوف من مدى احترام معايير الجودة في الماء الذي يتم تزويد صنابير المنازل به.

وقد حذر فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش بدوره من عملية تزويد عدة أحياء بماء بطعم ورائحة مشبوهة، مما يثير مخاوف السكان، خاصة مع انتشار الأمراض التي يتم إرجاع أسبابها لهذا الماء.

ضغط “غير مسبوق”

يوسف كراوي فيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، اعتبر أن هذه الانقطاعات المائية هي نتيجة الضغط الكبير الذي تعيشه بعض المدن المغربية، نظراً للطلب الكبير على الماء.

كما أوضح كراوي فيلالي في حديثه لـ”عربي بوست” أن المغرب “يعيش ضغطاً مائياً غير مسبوق، إذ انخفضت نسبة ملء السدود الموجهة للقطاع الفلاحي إلى 22 بالمائة، وهو رقم قياسي”.

ولم يستبعد المتحدث أن “تتوالى هذه الانقطاعات حتى فصل الشتاء، إذا ما استمر الجفاف أو ضعف التساقطات المطرية، حيث سيعرف منسوب السدود انخفاضاً قد يصل إلى أقل من 20 بالمائة”.

وتظهر الأرقام الرسمية لوزارة التجهيز والماء، أن مخزون المياه الحالي في سدود المملكة مجتمعة، يبلغ 3 مليارات و739 مليون متر مكعب، من أصل 16 مليار و122 مليون متر مكعب هي مجموع حقينة السدود بالمغرب.

فيما نسبة ثاني أكبر سد بالمملكة، سد المسيرة، لا تتجاوز 1.2 بالمائة، والذي يعد أكبر مزود للخط السكاني بين الدار البيضاء ومراكش سواء بالنسبة للماء الصالح للشرب أو المستعمل لسقي الأراضي الفلاحية.

وقد أصبح هذا السد اليوم يزود سكان هذه المناطق بشكل آني، وليس هناك أي إمكانية للحديث عن مخزون أسبوعي أو شهري في سد المسيرة، مما يدق ناقوس الخطر وبوادر أزمة ماء كبيرة.

رحلة عذاب بحثاً عن الماء

في كل مرة ينقطع فيها الماء بأحد المدن أو الدواوير، تبدأ رحلة البحث عن الماء، يخرج السكان أفراداً وجماعات من أجل ملء قاروراتهم وحتى براميلهم مخافة الوقوع في براثن العطش.

ففي المدن المحاطة بالأراضي الفلاحية كمدينة سطات القريبة من الدار البيضاء، يلجأ سكان هذه المدينة إلى العيون الطبيعية أو الآبار التي لم تجف بعد، في رحلة وصفوها بـ”العذاب”.

فيما يلجأ مواطنون إلى بائعي الماء المعروفين بـ”الكرابة”، الذين وصفوه “بـغير” “قابل للشرب وتعافه حتى البهائم” مؤكدين أنه “لا يخضع لأية معايير للجودة، بالإضافة إلى ملوحته الزائدة”.

ويبلغ سعر اللتر درهم ونصف في بعض المدن، فيما يتجاوز الدرهمين في المناطق المعروفة ببعدها عن مصادر الماء كالآبار والسقايات التي ما زالت تجود بالمياه العذبة.

وتضطر بعض الأسر المحسوبة على الطبقة المتوسطة إلى الذهاب إلى البقال من أجل شراء عبوات الماء البلاستيكية، التي تعتبرها أكثر أمانا لصحة الأسرة، بالرغم من تحملها لمصاريف إضافية كانت في غنى عنها.


تقشّف لمواجهة الأزمة

في جهة الدار البيضاء-سطات (وسط المغرب)، أعلنت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، الشروع في تطبيق إجراءات قطع الماء الصالح للشرب إلى حين تحسن الوضعية.

ودعت الوكالة إلى ضرورة الحفاظ على هذه المادة الحيوية وترشيد استعمالها في كافة النشاطات اليومية بعد انخفاض الصبيب في العديد من المناطق التابعة لها.

وفي مدينة آسفي أعلنت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء أن المدينة ستعرف نقصاً في الصبيب يصل في بعض الأحيان إلى حد الانقطاع بجميع أحياء المدينة.

فيما قررت الوكالة عينها اللجوء إلى قطع الماء الشروب ببعض المدن بشكل يومي لمدة ثماني ساعات يومياً، حتى يتوفر الصبيب الكافي لتزويد السكان.

ولم تكن هذه القرارات الوحيدة التي اتخذت من أجل الحد من الإجهاد المائي بالمغرب، بل عممت السلطات المحلية دوريات شفوية على الحمامات ومحلات غسيل السيارات في بعض المدن، لفرض الإغلاق لمدة

3

أيام كل أسبوع.

من جهته أكد رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أنه من أجل وقف تفاقم الأزمة “لابد من تسريع وتيرة إنجاز الأوراش المبرمجة، كالسدود في طور التشييد، ومشاريع الربط بين أحواض سبو، وأبي رقراق، وأم الربيع”.

كما أن “استكمال البرنامج الوطني لمحطات تحلية مياه البحر، وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، واقتصاد الماء على مستوى شبكة نقل وتوزيع الماء الصالح للشرب ومياه الري من شأنه أن يعزز الثروة المائية بالمملكة” يختم محدثنا.

أزمة المياه “قضية دولة”

أزمة المياه التي يعيشها المغرب انعكست بشكل واضح في خطاب الملك محمد السادس يوم 29 يوليو/تموز 2023، حيث تحدث عن الوضعية المائية المقلقة، ومظاهر تبذير المياه وسوء استعمالها، وشدد على أن “الحفاظ على الماء مسؤولية وطنية، تهم جميع المؤسسات والفاعليات، وهي أيضاً أمانة في عنق كل المواطنين”.

كما حثَّ العاهل المغربي السُّلطات المختصة على المزيد من الحزم في حماية الملك العام المائي، وتفعيل شرطة الماء، والحد من ظاهرة الاستغلال المفرط والضَّخ العشوائي للمياه، وتسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية وإنجاز محطات تحلية مياه البحر.

يوم واحد فقط بعد خطاب الملك عقد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اجتماعاً “لـ”لجنة “قيادة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه “السقي 2020-2027”. وأكد أن الحكومة عازِمة على رفع وتيرة الاستثمارات في مجال تعبئة وتدبير الموارد المائية.

وخلال الاجتماع الذي حضره عدد من الوزراء، حثَّ رئيس الحكومة مختلف الوزارات المعنية على الرّفع من وتيرة الاستثمارات المرتبطة بالماء وتنفيذها وفق الأجندة الزمنية المحددة.

فيما عملت الحكومة في المغرب على نهج حلول مبتكرة لتنويع مصادر الموارد المائية عبر إعطاء الأولوية للربط بين الأحواض والأنظمة المائية، والزيادة في استخدام موارد المياه غير التقليدية بما في ذلك تحلية مياه البحر وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، إلى جانب تشييد عشرات السدود الكبرى والصغيرة.