كشف تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الخميس 6 يونيو/حزيران 2024، عن صور من الانتهاكات التي تعرض لها 4000 معتقل فلسطيني ممن احتجزوا في معسكر سدي تيمان بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، حيث شملت الانتهاكات تهديداً بإطلاق النار على المعتقلين ما لم يعترفوا بانتمائهم لتنظيمات مسلحة، وضربهم بالهراوات ومنعهم من الاتصال بمحاميهم، وعزلهم عن العالم الخارجي.
واستند التحقيق الذي أجرته الصحيفة الأمريكية إلى مقابلات مع معتقلين سابقين وضباط وجنود إسرائيليين يعملون في معسكر الاعتقال الصحراوي في سدي تيمان، وهي قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل.
وقال معتقلون سابقون -أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي أنهم جميعاً كانوا محتجزين في سدي تيمان- إنهم تعرضوا لاعتداءات وللضرب بالهراوات أثناء احتجازهم، بينما وصف التقرير حالة السجناء بأنهم كانوا مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين ويمنعون من الوقوف أو النوم إلا عندما يُسمح لهم بذلك.
فيما قال جندي إسرائيلي خدم في معسكر الاعتقال إن زملاءه من الجنود كانوا يتفاخرون بانتظام بالاعتداء على المعتقلين الفلسطينيين.
وأضاف أن أحد المعتقلين نُقل للعلاج في المستشفى الميداني المؤقت بالموقع بسبب كسر تعرض له أثناء احتجازه، بينما أُخرج آخر لفترة وجيزة بعيداً عن الأنظار وعاد مصاباً بنزيف. وأفاد الجندي أيضاً بوفاة معتقل آخر في معسكر الاعتقال متأثراً بجروح أصيب بها في صدره، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كانت إصابته قد وقعت قبل أو بعد وصوله إلى المنشأة.
وبحسب ضباط إسرائيليين، فقد تم إرسال 70% ممن اعتقلوا في معسكر سدي تيمان بعد استجوابهم إلى سجون مخصصة لمزيد من التحقيق والملاحقة القضائية. أما الباقون، أي ما لا يقل عن 1200 شخص، فقد أفرج عنهم وعادوا إلى غزة دون تهمة أو اعتذار أو تعويض.
شهادات صادمة
وقال محمد الكردي (38 عاماً)، وهو سائق سيارة إسعاف أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه كان محتجزاً في سدي تيمان أواخر العام الماضي: “لم يعرف زملائي ما إذا كنت حياً أم ميتاً”.
وأضاف الكردي: “لقد سُجنت لمدة 32 يوماً”. وقال إنه أُلقي القبض عليه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد أن حاولت قافلة سيارات الإسعاف التي كان يقودها المرور عبر نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية جنوب مدينة غزة.
وقال 8 معتقلين سابقين، تحدثوا بشكل رسمي لصحيفة نيويورك تايمز، إنهم تعرضوا للضرب والركل والاعتداء بالهراوات وأعقاب البنادق وجهاز كشف المعادن المحمول أثناء احتجازهم.
وقال أحدهم إن ضلوعه كُسرت بعد أن ركل وضرب ببندقية. وقال 7 إنهم أُجبروا على ارتداء الحفاضات فقط أثناء استجوابهم. فيما قال ثلاثة إنهم تعرضوا للصعق بالكهرباء أثناء استجوابهم.
وأفادت نيويورك تايمز بأن معظم هذه الشهادات التي كشف عنها التحقيق أكدتها أيضاً مقابلات أجراها مسؤولون من الأونروا، وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. وأجرت الوكالة مقابلات مع مئات من المعتقلين العائدين الذين أفادوا بوقوع انتهاكات واسعة النطاق في سدي تيمان وغيره من مرافق الاحتجاز الإسرائيلية، بما في ذلك الضرب واستخدام مسبار كهربائي.
35 حالة وفاة لمعتقلين
ومن بين 4000 معتقل تم احتجازهم في سدي تيمان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تم توثيق وفاة 35 معتقلاً إما في موقع الاحتجاز أو بعد نقلهم إلى مستشفيات مدنية قريبة، وفقاً لضباط في القاعدة تحدثوا إلى صحيفة نيويورك تايمز.
وقال الضباط إن بعضهم مات بسبب جروح أو أمراض أصيبوا بها قبل سجنهم، ونفوا وفاة أي منهم بسبب سوء المعاملة. ويحقق المدعون العسكريون الإسرائيليون في ظروف وفاتهم.
وفي الأسابيع الأخيرة، كان معسكر الاعتقال الصحراوي في سدي تيمان عرضة للتدقيق المتزايد من وسائل الإعلام، بما في ذلك تقرير لشبكة سي إن إن الأمريكية استشهد به البيت الأبيض لاحقاً، وكذلك من المحكمة العليا الإسرائيلية، التي بدأت الأربعاء الاستماع إلى التماس من جماعات حقوق الإنسان بشأن إغلاقه، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
ورداً على طلب الالتماس، قالت الحكومة الإسرائيلية إنها تعمل على تقليل عدد المعتقلين في معسكر سدي تيمان وتحسين ظروف الاحتجاز به.
كيف يتم القبض على المعتقلين؟
وقال فادي بكر، طالب الحقوق من مدينة غزة، إنه اعتقل في الخامس من يناير/كانون الثاني الماضي على يد جنود إسرائيليين بالقرب من منزل عائلته. وقال بكر (25 عاماً)، الذي نزح بسبب القتال في وقت سابق من الحرب، إنه عاد إلى حيه للبحث عن الدقيق، لكنه وقع وسط تبادل لإطلاق النار وأصيب.
وأضاف أن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي عثروا عليه وهو ينزف وجردوه من ملابسه، وصادروا هاتفه ومدخراته، وضربوه مراراً وتكراراً واتهموه بأنه ينتمي إلى حركة حماس.
ويتذكر بكر أنه قيل له: “اعترف وإلا سنطلق النار عليك”. ليجيبهم بقوله: “أنا مدني”، ولكن دون جدوى.
وتعكس ظروف اعتقال بكر ما تعرض له معتقلون سابقون آخرون أجرت صحيفة نيويورك تايمز مقابلات معهم.
وقال العديد منهم إنه تم الاشتباه في قيامهم بنشاط مسلح لأن الجنود واجهوهم في المناطق التي اعتقد جيش الاحتلال الإسرائيلي أنها تؤوي مقاتلي حماس، بما في ذلك المستشفيات ومدارس الأمم المتحدة أو الأحياء الخالية من السكان.
قالت “نيويورك تايمز” إنه خلال الحروب السابقة، بما في ذلك الحرب التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة في عام 2014، كانت قاعدة سدي تيمان العسكرية مقراً لاحتجاز أعداد صغيرة من سكان غزة الذين تم أسرهم. والقاعدة هي مركز قيادة ومخزن للمركبات العسكرية، وقد تم اختيارها لأنها قريبة من غزة وتضم موقعاً للشرطة العسكرية، التي تشرف على مرافق الاحتجاز العسكرية.
معسكر سدي تيمان
قالت “نيويورك تايمز” إنه خلال الحروب السابقة، بما في ذلك الحرب التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة في عام 2014، كانت قاعدة سدي تيمان العسكرية مقراً لاحتجاز أعداد صغيرة من سكان غزة الذين تم أسرهم. والقاعدة هي مركز قيادة ومخزن للمركبات العسكرية، وقد تم اختيارها لأنها قريبة من غزة وتضم موقعاً للشرطة العسكرية، التي تشرف على مرافق الاحتجاز العسكرية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، بدأت إسرائيل في استخدام الموقع لاحتجاز الأشخاص الذين تم أسرهم في إسرائيل خلال الهجوم الذي قادته حماس، ووضعتهم في حظيرة دبابات فارغة، وفقاً لقادة الموقع. وقالوا إنه بعدما شنت إسرائيل هجوماً برياً على غزة، استقبل معسكر سدي تيمان عدداً كبيراً من الأشخاص، ما دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى إعادة تجهيز ثلاث حظائر أخرى لاحتجازهم وتحويل مكتب للشرطة العسكرية لتوفير مساحة أكبر للاستجواب.
وبحلول أواخر مايو/أيار، ضم المعسكر ثلاثة مواقع احتجاز: العنبر حيث يخضع المحتجزون لحراسة من الشرطة العسكرية؛ والخيام القريبة حيث يعالج المعتقلون على يد أطباء عسكريين؛ ومنشأة استجواب في جزء منفصل من المعسكر يعمل بها ضباط استخبارات من مديرية المخابرات العسكرية الإسرائيلية والشين بيت، بحسب “نيويورك تايمز”.