ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ جيش الاحتلال تتمثل بمهاجمة ضباط كبار برتبة ألوية لقائد الجيش الجنرال هآرتسي هاليفي، وهو مازال على رأس عملهم، فيما تزايدت الدعوات لاستقالته، وتسليم “مفاتيح” الجيش لمن هو أكثر كفاءة منه، بعد إخفاقه الأخطر في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفشله الحاصل في حرب غزة.
صحيح أن هاليفي، باعتباره قائد الجيش مسؤول “شخصياً” عن الإخفاقات المتكررة، ما يستدعي منه أن يطبّق مسؤوليته عن ذلك من خلال الاستقالة من منصبه، لكن أن يطالبه بذلك من هم أدنى منه رتبة عسكرية، فهذا سلوك لا يبدو معهوداً في الجيوش النظامية التي تُبقى خلافات الجنرالات المشروعة خلف الكواليس، ولا ترى النور، والأهم أن تبقى ملتزمة بالأصول المتعارف عليها بين الرئيس ومرؤوسيه، ويزداد الأمر انضباطاً في المؤسسة العسكرية.
ونحن أمام تطور غريب ولافت، فقد جرت العادة أن تكون قيادة الجيش موحدة خلف بعضها في مواجهة المستوى السياسي الذي يستهدفها، ويعتبرها مسؤولة بصورة حصرية عن إخفاق أكتوبر وحرب غزة.
أما أن تشتعل الحرب بين الجنرالات، وفي لحظة الحرب، فهذه ظاهرة تستحق التوقف، لأن القاعدة العسكرية تقول: “لا تغيّروا الأحصنة في وقت السباق”، ما أثار التكهنات بوقوف المستوى السياسي خلف تزايد الهجوم على هاليفي لتحميله كل الفشل الحاصل، وسيترك آثاره السلبية على أداء الجيش في حرب غزة، والمواجهة المرتقبة مع لبنان.
ذروة الخلافات
وسبق أن أعلن هاليفي تحمّل مسؤولية فشل الجيش في مهمته بحماية الإسرائيليين في هجوم أكتوبر، زاعماً أنه يشعر بثقلها على كتفه كل يوم، ويفهم معناها جيداً، لكن هذا الاعتراف لم يمنع نشوب مواجهات خاضها الجنرالات ضده.
وجاء آخرها في الساعات الماضية، حين رفع عدد من أعضاء هيئة الأركان العامة صوتهم أمامه خلال اجتماع لقيادة الجيش، وطالبوه بتحمّل المسؤولية عن إخفاقاته المتلاحقة في مختلف الجبهات، ما اعتبرته الأوساط العسكرية “صفعة” غير متوقعة تلقاها الجندي الأول في الدولة ممن هم أدنى منه رتبة.
الأنظار اتجهت تحديداً للجنرال ساعار تسور، قائد الفيلق الشمالي، الذي قرر هاليفي إقالته فجأة من منصبه، ما دفعه للردّ عليه غاضباً: “هل أنا الذي فشلت؟ وهل أنا من يجب عليه أن يذهب للبيت؟ هناك من يتحمل مسؤولية هذا الإغفال الذي حصل، وما زال في الخدمة”، في إشارة لا تخطئها العين باتجاه هاليفي.
لم تشكّل مواجهة تسور-هاليفي سوى قمة جبل الجليد من الحرب الضروس الدائرة بين جنرالات الجيش الإسرائيلي، حيث تدور مواجهات داخلية من قبل الضباط الكبار الذين يتزايد عددهم، ويطلبون بقوة من قائدهم أن يدرك مسؤوليته عن الفشل، ويستقيل.
صحيح أنه يصعب توجيه انتقادات كهذه ضد رئيس الأركان خلال الحرب، لاسيما من قبل من ضباط هو مسؤول عنهم، لكن الأكثر خطورة هو تجاهل هذه الانتقادات الموضوعية والمهنية والمشروعة التي يوجهها الضباط في قمة قيادة الجيش، وفقاً للتوصيف الإسرائيلي.
الغريب أن تندلع مثل هذه المواجهات الداخلية في جيش الاحتلال فيما هو منخرط فعلاً في حرب متعددة الساحات، وعلى سبع جبهات مختلفة، بدءاً بغزة التي تحولت مستنقعاً يتورط فيه الجيش، والضفة التي تتصاعد فيها المقاومة، ولبنان الذي تحرق صواريخه مزارع الشمال.
فيما يواصل سلاح الجو قصف المواقع في سوريا، فضلاً عن الطائرات من دون طيار القادمة من العراق، وأخيراً الهجمات الحوثية من اليمن التي جعلت ميناء إيلات مهجوراً دون سفن، ولا يبدو أن إيران بعيدة عن هذا القوس من التهديدات المحيط بإسرائيل.
وقع الجمل فكثرت سكاكينه
خلال إعداد هذا التقرير، رصد “عربي بوست” العديد من المؤشرات التي كشفت له عن حرب حقيقية يتعرض لها هاليفي، من داخل الجيش وخارجه، بغرض تحميله مسؤولية فشل عدم التصدي لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والتورط الجاري لجيشه في غزة.
أول هذه المؤشرات ما كشف النقاب عنه خلال تخريج دورة للضباط مؤخراً، حيث سمع القادة تصريحات قاسية من الجنود المتدربين فيما يتعلق بمسؤولية هاليفي، بل إنهم فاجأوا مدربيهم بالقول إنه “من أجل مصلحة الجيش والدولة، عليه أن يمارس مسؤوليته، ويخلي مقرّه، لأنه قائد فاشل، ونحتاج سواه ليقودنا”.
ثاني هذه المؤشرات أعلنها، بصراحة، ودون تردد، الجنرال “يفتاح رون تال” القائد السابق للقوات البرية، الذي هاجم هاليفي بشدة بسبب فشل حربه في غزة، واستمرارها، ما يجعله “القائد الأكثر فشلاً في تاريخ الجيش، لأننا بسبب قيادته نتدهور لأماكن آمل أن نجد طريقة للخروج منها، الواقع الحالي للدولة هو عار لا يطاق، وليس هناك من مستوى للذلّ وصلنا إليه، ويكاد يدوس على بقايا الردع لدينا”.
مؤشر ثالث تصدّره وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي استغل جلسة للمجلس السياسي الأمني المصغر لمناقشة تصاعد الهجمات الفلسطينية في الضفة الغربية ضد المستوطنين، موجهاً حديثه إلى هاليفي بسخرية: “لماذا لا يتم القضاء على جميع المسلحين؟ لماذا لا تأخذ طائرة هليكوبتر وتقتل 30-40 منهم”، لكن الأخير ردّ عليه بصورة “صبيانية” قائلاً: لديّ خبرة عسكرية أكثر منك”.
وزيرة النقل والمواصلات ميري ريغيف من حزب الليكود، ومقربة جداً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، هاجمت هاليفي في مؤشر رابع، خلال مناقشة لإخفاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث حاورته بطريقة استجوابية “مهينة”، قائلة: “أين كان الجيش في ذلك اليوم؟ أين كنت أنت؟ ولماذا صمتَّ يومها ولم تفعل المزيد؟ وكيف تجاهلت مراقبة السياج الحدودي مع غزة؟”، لكنه ردّ عليها بقوله: “لا يليق بي على الإطلاق أن أجيبكِ”.
مؤشر خامس حمله وزير القضاء السابق حاييم رامون، الذي خاطب هاليفي قائلاً: “ما قيمة أن تتحمّل مسؤولية الفشل العسكري إن لم تقم بالعمل المطلوب منك، وهو الاستقالة؟ وتفسح المجال لبديل آخر يعمل على تصحيح إخفاقاتك الكثيرة!”.
وأضاف أنه فضلاً عن ذلك فإن استمرار تورط الجيش في حرب غزة طيلة الشهور الماضية لم ينجح بتحقيق أهدافها في القضاء على قدرة حماس العسكرية، وإضعاف حكمها المدني، وعودة المختطفين، ما يجعل من سلوكك أحد الشرور الأكثر مرضاً في إدارة رؤساء أركان الجيش على مدى أجيال طويلة”.
خراب الهيكل الثالث
إن مثل هذا الكلام يعني أنه لا يمكن لرئيس الأركان أن يكتفي بالتصريحات حول تحمّل المسؤولية، بل يجب عليه استخلاص استنتاجات شخصية من الفشل الاستراتيجي في حرب غزة، وإخفاق أكتوبر الضخم، ومثل هذه المسؤولية الثقيلة لها تعبير واحد فقط، هو الاستقالة الفورية، وإلا فكل كلامه عن المسؤولية يبدو فارغاً، وفق ما يقول من يطالبونه بالرحيل.
يوفال يوعاز المحاضر الأكاديمي في قضايا الفساد والسلطة، رفع مؤشراً سادساً بتأكيده أنه “حان الوقت، على هاليفي أن يستقيل الآن، لأن استقالته الفورية تبعث برسالة لا لبس فيها للنظام السياسي والجمهور ككل بأنه الوقت المناسب لقبول نتائج الفشل الكامل، قبل وأثناء وبعد السابع من أكتوبر، لأن من قاد سفينة “تايتانيك” الغارقة خلال تلك المراحل لا يمكنه طلب فرصة أخرى، أو ينتظر شهوراً، أو سنوات، قبل المغادرة”.
المؤشر السابع جاء على لسان الجنرال يتسحاق بريك، مفوض عام شكاوى الجنود، والملقب بـ”نبي الغضب الإسرائيلي”، أكثر المهاجمين لهاليفي بوصفه “أحد رؤساء الأركان الأكثر إحباطاً منذ قيام الدولة، ويتجلى فشله في إعداد الجيش للحرب، وإدارتها، والأضرار القاتلة التي لحقت به، لأن طريقته في اختيار ضباطه ملتوية، ولا أخلاقية، وسبّبت ضرراً لا يمكن إصلاحه للجيش والدولة ككل من خلال فقدان الثقة بينهما”.
ولا يتردد الإسرائيليون في الجزم بأن بقاء هاليفي قائداً للجيش بعد ثمانية عشر شهراً فقط من توليه قيادته يشكّل عاراً وكارثة فظيعة لم يشهدوها منذ قيام الدولة، لأنه بعد كل إخفاقاته في حرب غزة يواصل البقاء، معتمداً على شركائه في تلك الإخفاقات، وهما بيبي نتنياهو رئيس الحكومة، ويوآف غالانت وزير الحرب.
وهؤلاء سيقودون الدولة لما يوصف في الثقافة اليهودية بـ”تدمير الهيكل الثالث”، ما يتطلب منهم أن يستقيلوا من مناصبهم، ويجلسوا في منازلهم حتى نهاية أيامهم، ويكفّروا عن خطاياهم.
تاسع هذه المؤشرات أوردها الجنرال خانوخ دوبا، الذي شارك في معارك السابع من أكتوبر/تشرين الأول بمستوطنات غلاف غزة، وخاض الحرب في غزة ضمن الكتيبة 77، ثم حلّ محل قائد الكتيبة 53.
وأكد أن “هجوم أكتوبر سيبقى فشلاً ذريعاً على المستوى الوطني والاستراتيجي والعسكري والتكتيكي، ويبقى أهمها فشل القيادة العليا للجيش، التي تتحمل مسؤولية الكثير من الإخفاقات، لأن ذلك اليوم كان سيبدو مختلفاً لو أن تفكيرها الجماعي لم يعتمد الأنماط السلوكية الثابتة، والنتيجة أنها لم تستوعب أن مجموعة مسلحة من غزة ستفكر بتنفيذ هجوم بهذا الحجم الضخم”.
تكشف هذه المؤشرات أنه بالنظر لحجم الفشل الإسرائيلي في هجوم أكتوبر، وما تلاه من حرب غزة، فمازال الإسرائيليون بانتظار قائد واحد يتحمل نتيجته، لكن لسوء حظّهم، فإن معظم قادة جيشهم “يسبحون مع التيار”، ويحاولون، لاعتبارات انتهازية، تحدّي الثقافة التنظيمية العسكرية، والتساوق مع السيطرة “السامة” السائدة في صفوف السياسيين والحزبيين، والمساعدة في “دحرجة الخدعة” على طول الطريق إلى مبنى هيئة الأركان العامة في تل أبيب حيث مقر هاليفي.
سلسلة الإخفاقات
أوساط هاليفي حاولت الردّ على هذا السيل من الانتقادات والهجمات عليه بالإعلان أنه مع انتهاء التحقيق الذي يجريه الجيش في أحداث أكتوبر/تشرين الأول، ويتوقع أن يكون خلال شهر يونيو/حزيران الجاري، سيغادر منصبه الرفيع، دون التأكد بعد من جدّيته في ذلك، رغم أن توالي هذه الاتهامات ضده ستترك تأثيراتها السلبية على أداء الجيش في غزة، فيما ترقب حماس هذه المعارك الإسرائيلية الداخلية وهي “تفرك يديها” فرحاً بذلك.
مع العلم أن إخفاقات هاليفي العديدة منحت خصومه داخل الجيش وخارجه مزيداً من الأسلحة للهجوم عليه، أولها أنه صاحب شعار أن الضغط العسكري على حماس سيؤدي لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، لكنه سرعان ما عاد هو نفسه وأمر بتقليص هذا الضغط، خلافاً لوعده، ما كشف عن عدم وجود خطة جاهزة لدى الجيش لإخضاعها، ويعني أن الخطة الحربية تم وضعها على عجل، والنتيجة هي التورط في مستنقع غزة.
فشل آخر يتحمله هاليفي بنظر الكثيرين، عن تنفيذه لعملية برية بطيئة ومتثاقلة في شمال قطاع غزة فقط، بدلاً من شن حرب خاطفة على كل القطاع بأكمله، أو على الأقل يهاجم جنوبه وشماله في آنٍ واحد معاً، والنتيجة أن حماس كانت تجهّز نفسها عسكرياً جيداً في كل منطقة بانتظار أن يصلها الجيش، فيما تكون في كامل استعداداتها.
فشل ثالث وقع فيه هاليفي يتعلق بانسحاب قواته من كل منطقة تم احتلالها، ما سمح لحماس باستعادة السيطرة عليها، وتوسيع صلاحياتها المدنية والحكومية، وحين كان يُسأل عن ذلك كان يدّعي عدم توفر ألوية كافية، مع أنه رصد للحرب خمس فرق كاملة، أخضعت عدة جيوش عربية في حرب 1967، لكنها عجزت أمام حماس.
فشل رابع يُتهم فيه هاليفي صياغته لنظرية أن حماس ليست مهتمّة بنزاع عسكري في المدى القريب، بزعم أن الردع الإسرائيلي يقلّل من احتمالية خوضها للحرب، وبعد أن تولى قيادة المنطقة الجنوبية مع غزة بين 2008-2021، فقد كشف هجوم أكتوبر عن عمق الفشل والمفهوم المدمر الذي سيطر على فكره العسكري في السنوات الأخيرة، مع حالة من الغطرسة، والتباهي بالتفوق التكنولوجي، وتخفيض القوات المقاتلة، والاعتماد على الاستخبارات، وازدراء صارخ لقدرات العدوّ، أي حماس.
لائحة الاتهام
الفشل الخامس الذي وقع فيه هاليفي، ويستحق عليه الاستقالة، كما يقول بذلك كثير من الإسرائيليين، أن ثمانية أشهر من الحرب كشفت عن حجم إخفاق خططه الدفاعية ضد حماس، وغياب الإجراءات للتعامل مع مئات الكيلومترات من أنفاقها، وتدهور الانضباط العملياتي على خط الحدود مع غزة، بما يتجاوز كل الانتقادات.
بل إن تأخير هاليفي لبعض العمليات العسكرية في قلب قطاع غزة، جاء، وهذا الفشل السادس، لأنه لم يوفّر خططاً هجومية كانت تتطلب سنوات من الإعداد، وتدريب القوات، ودراسة المنطقة بالتفصيل، وتكليف الجنود بمهام داخل مدن وقرى القطاع، ولم يتم إجراء دراسة على خوض الحرب البرية الجوية البحرية المشتركة في منطقة سكنية على الإطلاق، وهذا السبب الذي جعل الجيش يُطيل أمد عملياته البرية في غزة وشمالها وخان يونس بسقف زمني تجاوز كثيراً ما هو مخطط له.
فشل سابع لا ينتبه إليه الكثيرون لعدم تخصصهم الدقيق يتعلق بأن عاماً ونصفاً من تولي هاليفي لقيادة الجيش، شهدت تعمّقاً للفوضى في الثقافة التنظيمية، وانعدام الانضباط، وعدم التحقق من الأوامر، والفشل في مراقبة ومتابعة القرارات المتخذة، والإخفاق في تعلم الدروس واستخلاص العبر، والتحقيقات غير الموثوقة، وغياب تنسيق المواقف بين المستويات العسكرية، وشيوع ظاهرة التقارير الكاذبة الكيدية ضد الضباط.
الفشل الثامن الأكثر كارثية الذي وقع فيه هاليفي، ويمكن اعتباره الأول والأخير في سلسلة الإخفاقات السابقة، أنه خلال قيادته للمنطقة الجنوبية المسؤولة عن قطاع غزة، وترؤسه لجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، كانت لديه كل المعلومات الخاصة بخطط حماس الهجومية، بما فيها وثيقة من عام 2016 كتبها قادة الحركة.
وعلى حدَ زعم موقع “ميدا” اليميني، يصف بتفاصيل “صادمة” كل ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأسماء المستوطنات التي سيسيطر عليها مقاتلوها، بل تُحدّد أن الهجوم لن يأتي من الأنفاق، بل من فوق الأرض، حتى إنها اختارت الموسم الذي لا تكون فيه التربة مزروعة، لكنها ليست موحلة بعد، وهذا مستوى من التفصيل بالتأكيد مرّ على هاليفي، لكنه لم يفعل أي شيء لمنع وقوع ذلك الهجوم، وهو وحده كفيل بأن يسلّم مفاتيح الجيش لمن هو سواه.
اليوم، وبعد ثمانية أشهر من هجوم أكتوبر، يحاول هاليفي ومن معه من القادة الفاشلين، يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، غسل “عارهم” الشخصي بالاستمرار بإرسال الجنود إلى الموت في أزقة غزة وأنفاقها، ولسان حاله وحالهم أنهم لم يستخلصوا الدروس بعد، رغم تسببهم بمشاهد مهينة غير مسبوقة في تاريخ الاحتلال، ما يستدعي منهم أن تكون الخطوة المطلوبة الأولى هي “تنظيف الاسطبلات”، دون التواطؤ في الفشل الذي حصل آنذاك، ويحصل في هذا الوقت.
في الوقت ذاته، فإن ما يخوضه جيش الاحتلال وقيادته من حرب ضروس بين جنرالاته يعني أنهم يصرفون جزءاً لا بأس به من أوقاتهم وجهودهم في الدفاع عن أنفسهم، واتهام الآخرين، على حساب مهمتهم الأساسية في إنجاز حرب غزة، التي يتورطون فيها يوماً بعد يوم، ما يعني أن جبهتهم الداخلية المنقسمة على نفسها لن تكون متفرغة كلياً لتحقيق الأهداف الفضفاضة التي رفعوها عشية اندلاع تلك الحرب.