كشفت شركة الإنتاج التركية “القمر” أنها تستعد لبدء تصوير مسلسل جديد لصالح إحدى المنصات الرقمية، التي لم يتم الكشف عنها بعد، إذ سيحكي هذا المسلسل عن قصة أول رجل عصابات في تاريخ تركيا، الذي يحمل اسم نجدت إلماس.
وحسب ما نشرته الصحف التركية، فقد تم الاتفاق مع البطل الرئيسي الذي سيؤدي دور نجدت إلماس، وهو كيفانش تاتليتوغ، والمعروف عند الجمهور العربي باسم “مهند”.
فيما لم يتم الكشف بعد عن بقية تفاصيل العمل، من ممثلين ومخرج وطاقم العمل ومكان التصوير.
وبعد الكشف عن فكرة المسلسل الذي يحكي عن شخصية إجرامية شهيرة في تركيا، عاد اسم إلماس ليشغل بال الجمهور، سواء الأتراك، أو العرب عشاق الدراما التركية.
إذًا من يكون نجدت إلماس؟ وما قصة تحوله إلى أول رجل عصابات تركي؟ وما هي أبرز الجرائم التي قام بها؟
من هو نجدت إلماس؟
ولد نجدت إلماس سنة 1935 في مدينة قونية التركية، وكان ينتمي إلى عائلة فقيرة، وقد حاول تغيير حياته للأفضل، الأمر الذي دفعه للهرب إلى مدينة إسطنبول عندما كان يبلغ من العمر 12 سنة فقط.
عمل في عدة حرف مختلفة، في الوقت الذي كان يكمل فيه دراسته، إلا أنه قرر أن يتوقف في السنة الثانية خلال دراسته للحقوق بجامعة إسطنبول.
وقد تزوج في سن مبكرة، ورُزق بعدة أطفال، ثم شرع في العمل في إحدى المؤسسات الحكومية، إلا أنه فقد أحد أطفاله الذي كان يبلغ من العمر 7 سنوات فقط، بسبب معاناته من مرض السرطان.
هذا الحادث الأليم كان سببًا في تغيير مسار نجدت، الذي قرر ترك العمل، والتوجه إلى القيام بأعمال غير قانونية، حولته إلى مجرم، حيث كان يقضي الكثير من وقته في السجن، قبل الخروج والقيام بجريمة سرقة أخرى، والعودة مرة ثانية.
وكان السبب الذي دفعه للقيام بهذه الأعمال غير القانونية هو رغبته في إرسال أبنائه الآخرين للتعليم في أوروبا ومساعدة الفقراء والمساكين.
سرقة سيارة.. أول عملية سطو
كانت أول عملية سرقة يقوم بها نجدت إلماس هي سرقة سيارة شيفروليه، إلا أن الأمر لم يمر بسلام، وتم القبض عليه، والحكم عليه بـ11 سنة من السجن.
لكنه بعد فترة بسيطة من سجنه، تمكن من الهرب، وألقي القبض عليه مرة أخرى، وخلال توجهه إلى السجن، طلب من الجنود الذين كانوا معه أن يقوموا باستراحة شاي، وهو الأمر الذي حصل، ليهرب مرة أخرى، حيث أوهمهم أنه ذاهب إلى الحمام ولم يعد بعدها.
وبالرغم من أنه كان مبحوث عنه، لكنه مع ذلك قرر إعادة السرقة، وذلك سنة 1961، عندما كان يبلغ من العمر 26 عامًا فقط.
فقد ذهب إلى بنك القمح في منطقة تشامبرليطاش مع أحدث طراز من السيارات والملابس الفاخرة، التي جعلته لا يبدو في هيئة سارق.
ترك السيارة أمام البنك، ودخل للقيام بأول عملية سطو على بنك في تاريخ تركيا، والتي لم تستغرق منه دقيقتين فقط، ليهرب بعدها، ويختفي بشكل جعل الشرطة غير قادرة على القبض عليه.
سرقة جديدة.. إلماس يحير الصحافة والشرطة
بعد أشهر قليلة من عملية السطو الأولى على بنك تركي، قرر نجدت إعادة التجربة مع بنك ثانٍ، حيث جاء هذه المرة بسيارة من طراز شيفروليه ذات الأجنحة، مرتديًا ملابس أنيقة ونظارة سوداء، بهدف التمويه.
ثم أعطى كيسًا إلى أحد العاملين في البنك، وأخرج بندقية أوتوماتيكية من ماركة ستين، وطالبه بوضع المال داخل الكيس، حيث حصل على مبلغ يصل إلى 166,000 ليرة تركية من البنك.
أثار هذا الرجل الغامض، الذي سرق بنكين على التوالي ولم يتم القبض عليه، اهتمامًا غامضًا بين الجمهور، الذين شعروا وكأنهم يسمعون قصصًا من أفلام هوليوودية، خصوصًا أن هذا النوع من السرقات لم يكن شائعًا في تركيا.
نجدت إلماس، أرسل مقالات إلى الصحف وأجرى مكالمات هاتفية تحت اسم مستعار وهو “عصابة إسطنبول”، حيث انتقد الشرطة التي لم تتمكن من القبض عليه، واقترح عليهم الاستقالة من مناصبهم، وأعلن عن خططه الجديدة للسرقة.
وقد أظهر ذكاءه وجاذبيته للجمهور من خلال هذه الرسائل والمكالمات الهاتفية التي قام بها، والتي تشير إلى قدرته الخارقة في القيام بعمليات السرقة بذكاء، مخالفًا بقية السارقين.
وخلال تلك الفترة، كانت تركيا تعيش حالة انقلاب ضد حكم محمود جلال بايار ورئيس وزرائه عدنان مندريس، لكن مع ذلك كانت أغلب الأنظار تتجه نحو قصة رجل العصابات الخفي هذا.
ومن بين الجهات التي عملت من أجل القبض على إلماس، كان جمال كورسل، رئيس الانقلاب ورئيس الجمهورية التركية في الفترة ما بين 1960 و 1966.
إذ أمر جهاز المخابرات الوطنية والجيش بالقبض على رجل العصابات الذي فشلت الشرطة في اعتقاله. وبالإضافة إلى أكثر من عشرة آلاف ضابط، تم استخدام المروحيات والطائرات أيضًا في عمليات البحث، إلا أنه تم القبض على الأشخاص الخطأ، وتمت مهاجمة سيارات تشبه سيارة نجدت بوابل من الرصاص، ليتم اكتشاف أنه ليست الهدف الحقيقي.
قائد شرطة أمريكي يدخل في عملية التحقيق
تم إحضار قائد الشرطة الذي كان يحقق في قضايا العصابات الأمريكية لفترة طويلة إلى تركيا، وتم تكليفه بمهمة القبض على نجدت إلماس.
فيما تم عرض مكافأة قدرها 100,000 ليرة تركية لأي شخص تمكن من القبض على رجل العصابات هذا حيًا.
وبعد الإعلان عن هذا العرض المغري من طرف الشرطة، تمت محاصرة منزل نجدت، بعد أن أبلغت عنه السيدة التي كانت تؤجره، وساعدته في البداية من أجل الاختباء لفترة.
رجل العصابات، الذي قاوم أمر الاستسلام في البداية، استسلم لاحقًا دون صراع، بعد أن حلق لحيته، وارتدى بدلته، ولبس نظارته الشمسية، وقيدت الأصفاد في يديه، وهي نفس الملابس التي كان يرتدي ها عندما قام بعملية السرقة الثانية.
نجدت إلماس.. نهاية للقصة بين السجن والعفو
خلال محاكمته، دافع نجدت عن نفسه بمقالة مهذبة وراقية وعقلانية كتبها بنفسه وجاء فيها: “إذا قلت شيئا من شأنه أن يضر محكمتكم أثناء الجلسات، أطلب منكم أن تعزوه إلى حالتي العقلية، إذا كانت النية مطلوبة في جريمة ما، فليس لدي نية في هذه الجريمة. الجريمة قذارة، والعقاب حمام. سوف أغتسل في هذا الحمام”.
وأضاف: “وإذا كانت جرعة الحمام زائدة عن الحد فإن هذا الحمام يسبب ضررًا بدلًا من نفعه. في المستقبل، سأكتب كتابًا وأعرض الوضع على الجمهور. تبقى الدفاعات ثانوية. أريد أن يكون دفاعك الرئيسي في ضميرك، رقبتي أدق من شعرة أمام العدالة”.
نجدت إلماس، المسؤول عن عمليات السطو على بنكين وعدد لا يحصى من سيارات شيفروليه، دون إيذاء شعرة من أي أحد، اعتذر للجمهور وقوات إنفاذ القانون في مؤتمر صحفي، إذ حكم عليه بالسجن 20 عامًا.
خلال فترة حكمه، عمل كوسيط ومرمم وبستاني وميكانيكي في السجن، وأصبح سجينًا محبوبًا، ومن حين لآخر كان يقوم بزيارة إسطنبول من السماء، بعد حصوله على تصريح طيران.
وبعد 13 عامًا من السجن، أطلق سراحه بالعفو عام 1974، قبل أن يبلغ الأربعين من عمره، وقد حصل على كشك خاص مدعوم من بلدية بشيكتاش وعمل فيه لفترة، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه قونية ويعيش حياة هادئة وطويلة، ليرحل عن عالمنا في مدينة أنطاليا عام 2017 عن عمر يناهز 82 عامًا.