الأخبار

تخفيف أحمال الكهرباء يضر بالاقتصاد.. صناعات ومشاريع تتعرض لخسائر فادحة وإحباط بين المستثمرين

خالفت الحكومة المصرية وعودها بعدم استهداف مزارع الدواجن وتجميع الألباب والشركات بقرار تخفيف أحمال الكهرباء الذي بدأ تنفيذه منذ نهاية شهر رمضان الماضي.

وكشفت مصادر لـ”عربي بوست” أن الخطة التي أقرتها الحكومة المصرية تسببت لهم بأضرار كبيرة مع استمرارها المتواصل لأكثر من عام.

ولم تضع الحكومة بعد موعداً لإنهاء خطتها وذهبت باتجاه الربط بين عدم انقطاع التيار الكهربائي وبين زيادة فواتير الكهرباء، وهو ما وضع المواطنين والجهات الإنتاجية والصناعية في مأزق صعب، وسط غضب عارم من التأثيرات السلبية على عدة قطاعات إنتاجية.

تخفيف أحمال الكهرباء يرهق الجميع

“عربي بوست” تلقى شكاوى من أصحاب مزارع الدواجن وتجميع الألبان وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة وبعض أصحاب المصانع، حيث فوجئوا بانقطاع التيار الكهربائي في مناطقهم رغم إعلان الحكومة استثناء تلك المناطق، إلى جانب بعض المستشفيات المستثناة أيضاً.

كما اشتكى مواطنون بشكل كبير من تخفيف أحمال الكهرباء جراء توالي انقطاع الكهرباء في منازلهم قبل أيام قليلة من انطلاق امتحانات شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) والأضرار التي تعرض لها البعض ممن يستقلون المصاعد الكهربائية.

وقال المتحدث باسم الحكومة المصرية المستشار محمد الحمصاني، في تصريحات سابقة له، إن الدولة تستهدف توفير مليار دولار سنوياً جراء سياسة تخفيف أحمال الكهرباء.

وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول مدى الجدوى من توفير تلك المبالغ في مقابل خسائر عديدة أغلبها يرتبط بعوامل اقتصادية في القطاعات المتضررة من انقطاع الكهرباء، وسط تأكيدات من جانب خبراء الاقتصاد على أن الاستمرار في تخفيض الأحمال يؤثر سلباً على خطط الحكومة نحو جذب الاستثمارات.

خسائر كبيرة تتكبدها مزارع الدواجن

قال أحد أصحاب مزارع الدواجن في محافظة سوهاج، إن تحديد توقيت قطع الكهرباء من الساعة الثالثة عصراً وحتى السابعة مساءً في ظل العمل بالتوقيت الصيفي أصاب صناعة الدواجن في مقتل بخاصة في محافظات الصعيد أو لدى صغار المربين ممن ليست لديهم إمكانيات تساعدهم على شراء مولدات كهربائية ضخمة.

كما أشار إلى أن درجات الحرارة تصل إلى 45 درجة مئوية وأكثر خلال فترة الظهيرة التي تنقطع خلالها الكهرباء على الأغلب، “ما يؤدي إلى نفوق الدواجن التي تتواجد بأعداد كبيرة في مساحات ليست بالكبيرة”.

وأضاف لـ”عربي بوست” أن أصحاب المزارع تحديداً الذين دخلوا السوق حديثاً -بعد توالي أزمات صناعة الدواجن وخروج قطاعات كبيرة منها بسبب صعوبات توفير الأعلاف وزيادة أسعارها- يعانون من عدم القدرة على الاستمرار في تربية الدواجن.

وأشار إلى أنه لجأ إلى تربية الدواجن قبل عام واحد فقط، ومازال يحاول تحقيق قدر من المكاسب التي تساعده على توسيع مشروعه، لكنه تعرض لأزمة مالية تدفعه للخروج من السوق بعد أن تعرضت مئات الدواجن لديه للنفوق بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات تتراوح ما بين ساعتين إلى 3 ساعات.

وأضاف أن الدواجن ليست لديها قوة التحمل على التواجد في أماكن صغيرة وبأعداد كبيرة وبدون تهوية، خاصة أنها تبقى في أماكن مغلقة، معتبراً أن اللجوء لشراء مولدات كهربائية كبيرة يصل سعرها إلى 200 ألف جنيه يعني أنه سوف يستمر في الخسارة لفترة طويلة ولن يتمكن من تحقيق المكاسب المرجوة.

كما لفت إلى أن أزمته يعانيها عدد كبير من المربين في محافظات الصعيد التي يتزايد فيها عدد ساعات انقطاع الكهرباء في أوقات الظهيرة.

وقال المتحدث ذاته إلى أن الخسائر التي تقدر بالملايين في قطاع الدواجن لا تعبر عن حجم الخسارة الحقيقية لأن الحكومة التي تقول إنها تعمل على توفير الدولار تضطر للاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة، في حين أن صناعة الدواجن كانت ضمن الصناعات التي حققت الاكتفاء الذاتي خلال السنوات الماضية.

وتشير أرقام رسمية إلى أن معدل إنتاج مصر من الدواجن البيضاء العام الماضي سجل قرابة 900 مليون دجاجة، بسبب تراجع استيراد الأعلاف وقتها، مقارنة مع ذروة الإنتاج في عام 2021 عند 1.4 مليار دجاجة.

وبحسب متعاملين في السوق المصري، استوردت مصر قرابة 200 ألف طن من الدواجن البرازيلية المجمدة منخفضة السعر، خلال العام الماضي 2023، أثناء الأزمة التي شهدها السوق من نقص الدواجن وارتفاع الأسعار لمستوى قياسي قارب 140 جنيهاً لكيلو الدواجن.

وقبل أيام علق الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، على شكوى أصحاب مزارع الدواجن من انقطاع الكهرباء، قائلاً: “هنستأذن وزير الكهرباء ميقطعهاش”.

شكاوى عديدة دون جدوى

ما حدث مع الدواجن يتكرر أيضاً مع العاملين في مجال تجميع الألبان المصرية، وبحسب محمد سعيد وهو صاحب أحد مراكز تجميع الألبان في محافظة المنيا، فإن استمرار انقطاع الكهرباء لأكثر من ساعتين يومياً أمر يصاحبه على الأغلب فساد الألبان.

وأشار إلى أن المولدات الكهربائية تعتمد عليها مراكز التجميع الكبيرة وهي تحتاج إلى تكلفة مرتفعة للغاية نتيجة حاجتها إلى السولار وفي النهاية فإن أصحاب المراكز يواجهون خسائر مادية بشكل مستمر.

وأكد أن مراكز التجميع تلعب دوراً مهماً بين المربين وبين المصانع الكبرى، وبالتالي تبقى هناك أطراف عديدة متضررة وفي بعض الأحيان يكون المزارع ومربي المواشي هو من يتضرر لأن عمليات شراء اللبن منه تتراجع خوفاً من فساد الألبان، كما أن إنتاجية المصانع ذاتها تتأثر ويترتب على ذلك زيادة في أسعار منتجات الألبان بشكل مستمر.

وشدد على أن مراكز تجميع الألبان المنتشرة في قرى ومراكز الوجهين البحري والقبلي في مصر ليست ضمن خطط الحكومة لاستثنائها من مسألة تخفيض الأحمال، وأن العديد من المنتجين تقدموا بشكاوى عديدة إلى وزارة الزراعة ووزارة التجارة والصناعة لكن دون أن يلتفت إليهم أحد.

وتأتي مشكلات أصحاب مراكز تجميع الألبان في وقت تستهدف فيه الحكومة المصرية تطوير تلك المراكز وتستهدف توفير غذاء صحي وآمن للمواطنين.

إذ تم حصر مراكز تجميع الألبان على مستوى الجمهورية، وبلغت 826 مركزاً وتحديد احتياجاتها، وارتفع عدد مراكز تجميع الألبان المعتمدة من قبل رابطة تجميع الألبان إلى 130 مركزاً في 2023 مقابل 110 مراكز بزيادة قدرها 20 مركزاً في 2022.

ولفت محمد ممدوح، وهو نائب المدير الإداري، بأحد المصانع الكبرى في مدينة العاشر من رمضان التابعة لمحافظة الشرقية، إلى أن الحكومة لا تلتزم بقرارات سابقة بشأن عدم تخفيف أحمال الكهرباء في أماكن المجمعات الصناعية، وأن التيار الكهربائي ينقطع يومياً لكن لفترة قصيرة قد لا تصل إلى ساعة.

ورغم وجود المولدات الكهربائية فإن الأزمة تتمثل في تزايد معدلات أعطال بعض الماكينات التي تتأثر بانقطاع الكهرباء وتبقى بحاجة إلى قوة دفع كهربائية قوية لتشغيلها، وهو ما يؤدي إلى زيادة تكاليف الصيانة التي يبقى لديها مردود عكسي على إنتاجية المصنع وقوته الاقتصادية.

وأشار إلى أن الحكومة لا تعوض أصحاب المصانع عن الخسائر التي يتعرضون لها بسبب الانقطاع المفاجئ للكهرباء، بل إن بعض المصانع قررت عدم العمل في الساعات التي قالت الحكومة إنها ستقطع بها تيار الكهرباء، ومنحت بعض موظفيها إجازات لحين العمل بالطاقة الكاملة.

وقال المتحدث لـ”عربي بوست” إن هناك آلاف الأسر التي تضررت بسبب تخفيض الطاقة الإنتاجية، مشيراً إلى أن الاعتماد على الوسائل التكنولوجية الحديثة في إدارة بيانات المصانع أيضاً ساهمت في تعميق خسائر الشركات بسبب مشكلات تواجهها إدارات المصانع في التعامل مع الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي.

لكنه يشدد في الوقت ذاته على أن المتضرر الأكبر لا يتمثل في المصانع التي تقع في نطاق مواقع جغرافية تضعها الحكومة في الحسبان، وأن الأزمة تتمثل في أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهؤلاء قد يعتمدون على خروج منتجاتهم إلى النور من داخل مواقع سكنية وليست صناعية، وتتأثر عمليات التصنيع بشكل كبير، ويؤثر ذلك على جدول الإنتاج، ولا تتدفق السلع إلى الجمهور النهائي بشكل سلس، وهو ما يعرض أطرافاً عديدة لخسائر اقتصادية فادحة.

وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قد أعلن خلال مؤتمر صحفى الأسبوع الماضي، عن وضع خطة مع وزيري البترول والكهرباء لوقف تخفيف أحمال الكهرباء مع نهاية التوقيت الصيفي، أو على الأكثر في شهري نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الأول المقبلين.

وأوضح مدبولي أنه تم تكليف وزير الكهرباء بإعداد خطة أخرى لمدة 4 سنوات، لكي يتم فيها بشكل تدريجي تحريك الأسعار، لتكون الفئات البسيطة دائماً مدعومة بصورة كبيرة، ولكن على الأقل أن تبدأ بعض الأنشطة الأخرى في تغطية هذا الفارق، مشدداً على أهمية التحرك بشكل حثيث لإعادة الاستقرار إلى المنظومة من جديد.

وتباطأ نمو الاقتصاد المصري خلال الربع الثاني من 2024-2023 إلى 2.3% من 2.65% خلال الربع الأول من العام المالي و3.9% في الربع نفسه من العام المالي الماضي، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط التي نقلتها المصري اليوم.

تخفيف أحمال الكهرباء “خطورة أمنية”

وأعلنت الحكومة منذ بداية النصف الثاني من العام الماضى تطبيق خطة تخفيف أحمال الكهرباء عبر قطع التيار الكهربائى لمدة ساعتين يومياً فى معظم أنحاء البلاد عدا المدن السياحية والصناعية.

وبررت ذلك في هذا التوقيت لارتفاع الاستهلاك نتيجة الارتفاع الشديد فى درجة الحرارة، غير أن خطة تخفيض الاستهلاك استمرت أيضاً خلال الشتاء، ما دفع للتأكيد على حاجة الحكومة لتوفير الوقود وتصديره للخارج والاستفادة من عوائد العملة الصعبة.

وبحسب أحد الأطباء بالمستشفى الجامعي بمحافظة سوهاج، فإن انقطاعات الكهرباء استمرت طيلة الأشهر الماضية قبل أن تتراجع معدلاتها منذ نهاية شهر رمضان الماضي.

وأوضح أن تشغيل المولدات الذي يستغرق بضع ثوانٍ عند فصل التيار الكهربائي شكل خطراً على المرضى، وأن المستشفى واجهت أزمة في أحد المرات نتيجة تعطل أحد المولدات، ما أصاب المرضى بالذعر، مؤكداً أن المستشفيات الحكومية والخاصة أيضاً لا تسلم من إجراءات تخفيف الأحمال.

وشدد على أن خطر انقطاع الكهرباء يشكل خطورة أمنية على المستشفيات؛ لأن كاميرات المراقبة تتوقف ويخشى البعض من ارتكاب جرائم حال طالت فترة الانقطاع، وفي بعض الأحيان تلجأ المستشفيات لإغلاق الأبواب لحين التأكد من عودة التيار الكهربائي أو إصلاح أي أعطال تطرأ على المولدات.

ولفت المتحدث إلى أن المخاوف المستمرة من انقطاعات الكهرباء تعرقل خطط وزارة الصحة التي تقول إنها تسعى لجذب الاستثمارات للقطاع الصحي، هذا إلى جانب الأضرار الصحية بالنسبة للمرضى.

موقف اقتصادي صعب وحرج

مؤخراً كشفت وسائل إعلام محلية مصرية على لسان مصادر بوزارة الكهرباء عن رفع القدرات التى يتم فصلها على المشتركين نحو 5000 ميغاوات يومياً، بدلاً من 3000 في النصف الثاني من مايو/أيار الماضي.

وأوضحت أن زيادة قدرات تخفيف أحمال الكهرباء تأتي على خلفية الموجات الحارة التي تضرب البلاد في الفترة الأخيرة، ما رفعت من استهلاك الطاقة قرب أعلى مستوى في تاريخها؛ لتصل منذ أيام قرب 35 ألف ميغاوات.

ونفى مصدر حكومي مطلع لـ”عربي بوست” تخفيف أحمال الكهرباء عن المصانع أو مزارع الدواجن أو المستشفيات أو الفنادق السياحية، وكذلك الأماكن الحيوية والمناطق التي تتواجد فيها جهات أمنية.

وأشار إلى أن خطط تخفيف الأحمال يتم تطبيقها على نحو أكبر بالأقاليم بعيداً عن القاهرة العاصمة بؤرة الاقتصاد القومي، لافتاً إلى أن انقطاع الكهرباء لفترات قصيرة ليس لديه تأثير قوي على دورة الإنتاج والصناعة، والأزمة تكمن حين اللجوء لقطع الكهرباء لفترات طويلة تتجاوز الساعتين في اليوم الواحد.

ولفت إلى أن معدلات النمو بشكل إجمالي تتضرر من انقطاع الكهرباء، لكن في المقابل هناك حاجة لتوفير الدولار لإحداث حالة من الاستقرار في أسواق الصرف، بما يعود بالنفع مستقبلاً على جذب الاستثمارات الأجنبية.

وأضاف أن الخسائر الحالية يمكن تعويضها على المدى الطويل مع انتهاء أزمة سعر الصرف بشكل كامل، مشيراً إلى أن الدولة مازالت في موقف اقتصادي صعب وحرج، ولم يمر على إجراءات وضع سعر مرن للجنيه سوى ثلاثة أشهر تقريباً، وهو ما يفرض الحاجة لترشيد الإنفاق الدولاري.

وذكر أن أزمة انقطاع الكهرباء في مصر قابلة للحل، ولا يمكن القول بأن هناك أزمة معقدة، وهناك بنية تحتية في محطات الكهرباء تكفي لتحقيق فائض إنتاجي، لكن المشكلة تبقى في توفير الغاز المطلوب لتشغيل هذه المحطات، وأن السيولة الدولارية من رأس الحكمة أو من صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي تجعل هذا الصيف أقل صعوبة عن العام الماضي.

بينما قال طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، إن منظومة الكهرباء كبيرة ومسؤولة عن كهرباء المدن والصناعة، وهي تأخذ حوالي 60% من إنتاج الغاز المصري المحلي، وبالتالي يذهب لمحطات توليد الكهرباء.ولفت إلى أن ساعات الذروة الموسمية في الصيف والحر والشتاء يزيد فيها استهلاك الكهرباء، وأن الدولة تستكمل باقي استهلاك المصريين الزائد في مواسم الحر والشتاء من الخارج، وتنوع المزيد من الوقود لمحطات الكهرباء، وهي تتكلف مبالغ كبيرة لتوفير احتياجات الكهرباء.