الأخبار

كيف يمكن أن تنعكس الاضطرابات في بريطانيا على المهاجرين والمسلمين؟

على مدار نحو أسبوع، تشهد عدة مدن وبلدات في بريطانيا احتجاجات عنيفة واضطرابات بعد مقتل ثلاث فتيات في هجوم بسكين استهدف حفلاً راقصًا للأطفال في ساوثبورت قرب ليفربول شمال غرب إنجلترا.

وإثر الاعتداء، أوقفت الشرطة شابًا يبلغ 17 عامًا للاشتباه في ارتكابه “جريمة قتل ومحاولة قتل”، موضحة أن الدوافع لم تتضح بعد.

واتُهم أكسل روداكوبانا بقتل بيبي كينغ (6 أعوام) وإلسي دوت ستانكومب (7 أعوام) وأليس داسيلفا أغويار (9 أعوام)، وبإصابة آخرين. ووفق الشرطة، فإن خمسة من الأطفال الثمانية المصابين في حالة “حرجة”.

واستغلت جماعات معادية للمهاجرين والمسلمين هذه الواقعة بعد انتشار معلومات مضللة مفادها بأن المشتبه به هو “مهاجر إسلامي متطرف”. وذلك على الرغم من أن الشرطة قالت إن المشتبه به ولد في بريطانيا وإنها لا تنظر إلى الهجوم باعتباره عملا إرهابيا، بحسب تقرير لموقع فرانس 24.

في ضوء ذلك، حملت الشرطة مسؤولية الفوضى لمنظمات مرتبطة بـ”رابطة الدفاع البريطانية” اليمينية المتطرفة والمناهضة للإسلام التي تأسست قبل 15 عاما وجرى حلها.

وتأمل بريطانيا في استعادة الهدوء بعدما أوقفت الشرطة المئات فيما يشعر السكان بالصدمة جراء انتشار صور في الأيام القليلة الماضية تظهر مهاجمة فندق ومحاولة إضرام النار في فندق يؤوي طالبي لجوء، ومهاجمة مراكز إسلامية، ونهب متاجر.


وحسب الشرطة، فقد أوقف أكثر من 150 شخصا بعد اندلاع صدامات السبت. وفي بعض الحالات، ألقى مثيرو شغب حجارة وزجاجات على الشرطة، ما أدى لإصابة العديد من عناصرها، ونهبوا وأحرقوا متاجر، بينما سُمع متظاهرون أيضا وهم يطلقون شعارات مناهضة للإسلام.

ووصلت التهديدات إلى مساجد في ساوثبورت ومدينة سندرلاند شمال شرق إنجلترا، ما أدى إلى تعزيز الأمن في مئات المؤسسات الإسلامية وسط مخاوف على سلامة المصلين.

وأصدر قادة دينيون مسيحيون ومسلمون ويهود في ليفربول نداء مشتركا دعوا فيه إلى الهدوء.

“طفح الكيل”.. اليمين المتطرف يحرض على المهاجرين

وأثارت الواقعة حالة من الصدمة والذهول بمدينة ساوثبورت وربوع بريطانيا. واندلعت أول أعمال الشغب في ساوثبورت ليل الثلاثاء قبل أن تمتد إلى أكثر من مدينة خصوصا في ليفربول ومانشستر وبريستول وبلاكبول وهال، إضافة إلى بلفاست في إيرلندا الشمالية.

وتم الإعلان عن المسيرات على صفحات تواصل اجتماعي يمينية متطرفة تحت شعار “طفح الكيل”. وخلال الاحتجاجات، برز متظاهرون يلوحون بالأعلام الإنجليزية والبريطانية ويرددون شعارات مثل “أوقفوا القوارب”، في إشارة إلى المهاجرين غير الشرعيين الذين يبحرون إلى بريطانيا من فرنسا.

وحطم متظاهرون ملثمون مناهضون للمهاجرين نوافذ في فندق يستخدم لإيواء طالبي اللجوء في روثرهام، بجنوب يورشكير. وقالت الشرطة إن فندقا ثانيا معروفا بإيواء طالبي لجوء كان هدفا لأعمال عنف مساء الأحد قرب برمنغهام بوسط إنجلترا.

وتشكل هذه الاضطرابات أكبر تحد يواجهه رئيس الوزراء كير ستارمر بعد شهر فقط من توليه منصبه إثر قيادته حزب العمال إلى فوز ساحق على حزب المحافظين. وحذر ستارمر محتجي اليمين المتطرف من أنهم “سيندمون” على ضلوعهم في أعمال الشغب، وتعهد الإثنين بفرض “عقوبات جنائية سريعة” على مثيري الشغب المتورطين في أعمال العنف.


وقالت الحكومة إن قوات الأمن لديها “كل الموارد التي تحتاج إليها” للتعامل مع الأحداث الأخيرة، وسط مخاوف من اتساع رقعة الاضطرابات.

في المقابل، نظم متظاهرون مناهضون للفاشية مسيرات مضادة في العديد من المدن، من بينها ليدز، حيث هتفوا “ابتعدوا عن شوارعنا أيها النازيون الحثالة”، بينما هتف المتظاهرون اليمينيون المتطرفون “أنتم ما عدتم إنكليزيين”.

وترجع آخر احتجاجات عنيفة في بريطانيا إلى 2011 حين خرج الآلاف إلى الشوارع للتظاهر بعد أن أطلقت الشرطة النار على رجل أسود في لندن وقتلته.


خطاب المحافظين يقف وراء الاعتداءات

ومن جانبه قال محمد أبو العينين، الباحث والأكاديمي السياسي  إن كل المؤشرات حول السبب المبدئي لاندلاع الأحداث الأخيرة في بريطانيا، تشير إلى واقعة مقتل ثلاث فتيات صغيرات.

وأضاف أبو العينين لكن يلحظ أن بعض الجماعات اليمينية تصيدت هذه الأخبار ونشرت أخبارا مضللة، كما قامت بإشعال منصات التواصل الاجتماعي وباستخدام وسائل التضليل ونسب هذه الأحداث إلى المهاجرين والقول إن منفذ الهجوم هو مهاجر وبأنه مسلم.

وبحسب أبو العينين فإن هناك ظروفا وأسبابا متعددة لزيادة معدلات وارتفاع مؤشر استخدام التحريض في مواجهة المهاجرين والأقليات بشكل عام، حتى قبل الأحداث الأخيرة، وكان هناك تقريرا قامت بإعداده لجنة تم تشكيلها في عام 2021، خلص إلى أن اللغة التي يستخدمها كثير من السياسيين اليمينيين في بريطانيا وأغلبهم من حزب المحافظين، كان لها تأثير كبير على زيادة معدلات التطرف اليميني لأقصى اليمين وكذلك استخدام تعابير تحمل الأجانب والمهاجرين والأقليات مسؤولية ما يحدث في المملكة.


وعلى سبيل المثال ما صرحت به سويلا برافرمان وزيرة الداخلية في حزب المحافظين في الحكومة السابقة، والتي قالت إن مسيرات التأييد للفلسطينيين هي مسيرات الكراهية. كذلك فقد كان العديد من الوزراء السابقين يستخدمون تعبيرات شديدة التطرف في الحديث عن المهاجرين.

و توجد مجموعة من المنظمات اليمينية مثل ريد سيلر، رابطة الدفاع البريطاني، وكذلك ما يطلق عليه البديل الوطني وهي إحدى المنظمات الرئيسية الثلاث التي تنسب لليمين المتطرف وتستخدم العنف وتحاول تأجيج هذه المواجهات.

وبحسب أبو العينين فإن هناك أسبابا أكثر تجذرا من مجرد اندلاع أعمال عنف وشغب نتيجة انتشار الأخبار المضللة حول واقعة هجوم الإثنين الماضي. إذ إن هناك جذورا اقتصادية واجتماعية في مناطق الشمال الفقير ببريطانيا، وخصوصا سوء توزيع الفرص الاقتصادية وتركز الثروة ووجود هوة كبيرة بين الفئات المجتمعية تمت تغذيتها خلال أربعة عشرة عاما من حكم حزب المحافظين.

وعلى الرغم من ذلك، فقد سعى السياسيون البريطانيون وخاصة المحافظون والحركة اليمينية منها إلى تحميل مسؤولية الإخفاق الاقتصادي وتراجع مستوى المعيشة إلى القضايا المرتبطة بالهجرة، وتجاهل الأسباب الحقيقية التي هي في الواقع وجود خلل وعدم تكافؤ داخل المجتمع بسبب سياسات المحافظين، والتي ترتب عليها نقص كبير في الخدمات العامة والأندية التي تسمح بتثقيف وترقية الشباب وكذا نقص الموارد المخصصة للتعليم والشرطة والأمن، بفعل السياسات الضريبية التي تم اتباعها من قبل المحافظين مع تخفيضهم الضرائب على الأثرياء، في حين أن هذا أدى إلى وجود هوة بين المناطق الأكثر فقرا وتلك الأكثر ثراء.


تحديات كبيرة أمام حكومة حزب العمال

في المقابل، فإن حكومة حزب العمال الحالية التي تولت الحكم مؤخرا، هي أمام تحديات كبيرة للتصدي لهذه الظاهرة، نظرا للإرث الثقيل الذي خلفه حزب المحافظين، ومن ثم فإن عليها أن تتبنى استراتيجيات بعيدة المدى من خلال إعادة النظر في التنمية الاقتصادية للمناطق الأكثر تهميشا والأكثر حرمانا من خلال زيادة فرص العمال وترقية هذه المجتمعات وإعادة الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل المكتبات العامة وأندية الشباب وما إلى ذلك، ما سيساهم في تسريع وتيرة الاندماج ومحاولة التقريب بين الفئات المجتمعية المختلفة والتأكيد على دور الهجرة والمهاجرين في إطار تنظيمي واضح.

كما هنالك أيضا المقاربات قصيرة المدى، وهي تركز بشكل خاص على سد الفجوات التشريعية والقانونية التي تسمح لهذه المجموعات (اليمين المتطرف) بأن تمارس عنفها، عبر إصدار تشريعات لمحاكمات سريعة وتقديم الجناة للمدعين العامين، ومواجهة خطاب الكراهية، والتأكيد على دور الأقليات في المجتمع والتماسك الاجتماعي ومساعدتها على الاندماج.

السيدة الأولى في بريطانيا زوجة كير ستارمر يهودية

واعتبر أبو العينين أن شعوراً بوجود مخاوف متصاعدة نتيجة تزايد مشاعر الكراهية التي يبثها اليمين المتطرف داخل بريطانيا وخاصة ضد المسلمين والأقليات والمهاجرين شيء طبيعي، لكن، تبقى بريطانيا من النماذج الناجحة في أشكال الاندماج داخل المجتمع.

ويرى أبو العينين  أن وعي الكثير من المسلمين من جهة، وأيضا حرص الحكومة وخاصة حكومة حزب العمال التي هي في نهاية المطاف دائما ما تكون أكثر قربا من المهاجرين والأقليات، من ناحية أخرى، ربما يسمحان بتخفيف حدة هذه المخاوف.

ويضيف أبو العينين من المؤكد ستكون هناك إشكاليات بعد هذه الأحداث، لكنها لن تصل في تقديري لحد تشكيل مخاطر شديدة على المسلمين. وبالنسبة إلى العنصرية، فإن طبيعة المجتمع البريطاني والنظرة التاريخية لمسألة العرق الأبيض والشعر الأصفر والبشرة البيضاء لم تعد موجودة في بريطانيا، فكثيرون داخل المملكة، مدركون لحقيقة أن التنوع والتعدد هو المستقبل. ثم إن مسألة ما يعرف بالإمبراطورية الصفراء لم تعد صالحة لأن تحكم، كما أن قوة بريطانيا جاءت من خلال هذا التنوع والتعدد.


هل يمكن أن يطال التطرف أوروبا كلها؟

وبحسب أبو العينين فإنه من المؤكد أن يكون لهذه الأحداث انعكاس على عدة دول أوروبية وعلى شعور بعض الأطراف بالاستقواء نظرا للارتباط التاريخي والثقافي بين أوروبا وبريطانيا، لكن في الحقيقة، يبقى أن النموذج الأوروبي ربما تكون فيه بعض الاختلافات بالمقارنة مع المملكة المتحدة.

ولا أنسى في هذا السياق أيضا الإشارة بشكل عام إلى مفهوم السياسة في المجتمعات الأوروبية وبريطانيا، والتي لا تتغير بشكل كلي نتيجة تغير الحكومات أو صعود بعض التيارات، فهذا لا يحدث طالما بقيت مساحات التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية متاحة في الأطر داخل المجتمع، وهو ما يسمح بعدم تنامي العنف والوصول إلى درجات مرتفعة منه.