LIFE
الأخبار المنوعة

تمتاز بنفس صفات صديقك وطريقة تفكيركما متشابهة؟ إنه تأثير الأصدقاء الذي يؤدي إلى نشاط الدماغ بطريقة متشابهة

هناك الكثير من العلاقات مع الأصدقاء التي تعتبر جدا قوية لدرجة كبيرة، حيث يشعر البعض أنهم توأم من كثرة تشابه تصرفاتهم وردات فعلهم، حتى ويمكن أن يصل الأمر إلى الأفكار، في الوقت الذي كانت فيه مظاهر التشابه هذه غير قوية في بداية التعارف.

ومن بين أبرز المواقف التي تحصل بين الأصدقاء، هي عندما يتجنبان التواصل البصري، لأنه في حال تواصلا بصريا فإنه من المؤكد أن ينفجرا من الضحك، كونهما التقاطا نفس اللقطة أو فهما نفس الشيء في وقت واحد.

كل هذه الأمور لها تسمية واحدة، وهي تأثير الأصدقاء، الذي يؤدي إلى العديد من التغيرات على مستوى الدماغ، بسبب التواصل المستمر بينهما.

أبحاث علمية.. هكذا يحدث تأثير الأصدقاء

حسب دراسة أجراها مجموعة من علماء الأعصاب الاجتماعيين والإدراكيين، تبين أن أدمغة الأصدقاء تنشط في مناطق مماثلة استجابة لمقاطع فيديو عُرضت عليهم في المختبر.

إذ تمكن الباحثون حتى من التنبؤ بمدى قرب شخصين، أو عدم قربهما من بعض، بناءً على مدى تشابه استجابات أدمغتهم.

إذ تتوافق نتائجهم مع مفهوم يسمى التماثل، والذي ينص في الأساس على أن التشابه يجلب الاتصال بين الأشخاص.

ويمكن أن ينطبق هذا على كل علاقة تقريبًا التي يمكنك التفكير فيها، من بينها: الزواج، والصداقة، والعمل، والمزيد.


إذ على سبيل المثال في العلاقات الرومانسية، ثبت أن الناس يختارون شركاء يشبهون إخوتهم، أو والديهم، أو يشبهون أنفسهم بشكل استثنائي.

أما بالنسبة للأصدقاء، فغالبا ما يتم الاختيار على بعض السمات المتشابهة، من بينها الطول، واللياقة البدنية، والدين، والسياسة، والعرق، والتحصيل التعليمي، وغيرها من الأمور المتشابهة.

الروابط بين الأصدقاء وتأثيرها

عند الحديث عن الروابط التي من الممكن أن تجمع الأصدقاء فيما بينهم، يمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل التي تؤدي إلى ذلك.

وحسب الدراسة نفسها، تقول المؤلفة الأولى كارولين باركنسون إن السؤال الذي يبدأ هذا العمل الجديد في الإجابة عليه هو ما إذا كانت أوجه التشابه بين الأصدقاء أعمق من تلك الفئات الديموغرافية.

ولمعرفة ذلك، وصفت باركنسون ومجموعتها الروابط الاجتماعية لجميع الطلاب البالغ عددهم 279 طالبًا في برنامج الدراسات العليا في جامعة دارتموث.

وقد سألوا كل طالب عن من هم أصدقاؤه، ورسموا مخططًا لشبكة اجتماعية بناءً على الصداقات المُبلغ عنها بشكل متبادل.

وبعد ذلك، راقب الباحثون الاستجابات العصبية لـ 42 من الطلاب، باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، بينما كان الطلاب يشاهدون مجموعة متنوعة من المقاطع، مثل مقاطع الفيديو الموسيقية، أو مشهد من فيلم وثائقي.

وقد تم اختيار مقاطع الفيديو لتشمل العديد من الموضوعات، من السياسة إلى مقاطع الفيديو اللطيفة إلى الكوميديا، بحيث يمكن أن تكون الاستجابات مختلفة من شخص لآخر؛ حيث تختلف أجزاء أدمغتهم التي تنشط أثناء المشاهدة اعتمادًا على معرفتهم المسبقة بالمحتوى، أو مدى حماسهم أو مللهم منه، أو الأفكار والمشاعر الأخرى التي أثارتها مقاطع الفيديو.


وقد وجدت باركنسون وفريقها أن الاستجابات العصبية لدى الأصدقاء كانت أكثر تشابهًا بشكل ملحوظ من تلك بين الأشخاص البعيدين عن بعضهم البعض في شبكتهم الاجتماعية.

إذ تقول المؤلفة الرئيسية ثاليا ويتلي: “استجاب الأصدقاء بشكل أكثر تشابهًا من الأشخاص الذين هم أصدقاء الأصدقاء، والذين بدورهم كانوا أكثر تشابهًا من أصدقاء أصدقاء الأصدقاء”.

إذ ظل هذا التأثير قائمًا حتى عندما تم التحكم في التركيبة السكانية مثل العمر والجنس والجنسية والعرق.

وتقول باركنسون إنهم لا يريدون التوصل إلى استنتاجات كثيرة حتى الآن حول مناطق الدماغ المحددة التي كانت مرتبطة بالارتباطات الاجتماعية، لأن الأدمغة لها وظائف عديدة.

ولكن بشكل عام، “قد ترتبط بتشابهات في كيفية اهتمام الأفراد وتفسيرهم وتفاعلهم عاطفياً مع العالم من حولهم”، كما يشير البحث.

ما لا يظهره هذا البحث الذي يدرس تأثير الأصدقاء، هو ما إذا كانت هذه الاستجابات العصبية المشتركة تأتي من قضاء الوقت معًا، أو ما إذا كنا ننجذب نحو الأشخاص الذين يرون العالم بالفعل كما نفعل. إذ يصعب فك الارتباط، وهم الآن يتابعون الأبحاث التي ستتناول هذا السؤال بشكل أكثر مباشرة: السؤال عما إذا كان الأشخاص الذين يُصادقون بعضهم البعض لديهم استجابات عصبية مماثلة قبل أن يلتقوا.

لماذا هناك ما يسمى بـ”تأثير الأصدقاء”؟

من المرجح أن يكون مزيجًا من التأثيرات الاجتماعية والبيولوجية: فنحن نصادق أشخاصًا متشابهين في التفكير ويتم تعزيز ذلك وإدامته من خلال التجارب التي نشاركها.

ولكن في بحث سابق، تبين أن الأصدقاء أكثر تشابهاً من الناحية الوراثية، إذ في حال كانت الجينات متشابهة بين شخصين، فهذا يجعلهما يسعيان إلى التعرف على بعضهما البعض.

هذه الأبحاث فتحت باباً لطرح سؤال جديد وهو: لماذا نمتلك أصدقاء بشكل عام؟ وإذا كنا نختار أصدقاء يشبهوننا وراثياً وعصبياً وجسدياً، فهل هناك قوة تطورية تدفعنا إلى القيام بذلك؟

إذ أن الاتحادات التي تجذب كل الكائنات على وجه الأرض هي التزاوج من أجل التكاثر، إلا أن الإنسان بإمكانه ربط نوع علاقة مختلف، وهو الصداقة، لذلك يمكن التساؤل عن السبب الذي جعلنا نمتاز بهذه الميزة.


إذ في ورقة بحثية عام 2014، وجد أنه في حين أن أصدقائك ليسوا أقاربك، فمن المرجح أن يكونوا متشابهين وراثيًا معك كما لو كانوا أبناء عمومتك من الدرجة الثالثة أو الرابعة.

ثم أن الانتقاء الطبيعي يلعب دورًا في العمليات التي نشكل بها صداقاتنا، إضافة إلى الاستجابات العصبية، التي تؤدي في النهاية إلى تأثير الأصدقاء على بعضهم البعض.