“العطلة الصيفية في المغرب ليست للجميع”، هكذا علّق أحد المواطنين المغاربة عندما سأله “عربي بوست” عن سبب الركود الذي تشهده بعض المدن السياحية خلال فصل الصيف هذه السنة، خاصة مدن الشمال مثل تطوان وطنجة والحسيمة التي كانت مدنًا معروفة باستقبال السياح المغاربة.
وأجمع خبراء على أن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب ارتفاع الأسعار كان سببًا مباشرًا في عزوف المغاربة عن التوجه للمدن السياحية، خاصة الساحلية، واختار أغلبهم البقاء في منازلهم استعدادًا للدخول المدرسي وما يصاحبه من تكاليف باهظة.
من خلال هذا التقرير نرصد الأسباب التي دفعت بالمغاربة من الطبقة المتوسطة للعزوف عن عادة التصييف، وكيف يبرر الخبراء في هذا المجال الارتفاع الكبير الذي شهدته تكاليف العطلة الصيفية خلال هذه السنة مقارنة مع السنوات الماضية.
العطلة الصيفية “ليست للجميع”
من أجل قضاء عطلة صيفية في حدود المتوسط من حيث النقل والسكن والأكل فقط، يقتضي ذلك استنزاف ميزانية لسنة كاملة بالنسبة لموظف عادي أو متوسط الدخل، في حين أن الموظف المحدود الدخل، لن تغنيه هذه الميزانية عن اللجوء إلى الاقتراض.
يرى مغاربة أن السفر خلال العطلة الصيفية في المغرب بمثابة “ضغط كبير” لا يفضلون إضافته إلى الضغوطات التي سبقته خلال شهر رمضان وعيد الأضحى، أو التي ستليه كالدخول المدرسي وما يحمله من مصاريف تُكسر ظهر المواطن المغربي.
ناهيك عن ارتفاع أسعار المواد الأولية والمواد الغذائية، التي أصبحت تزداد كل يوم، في حين أن معظم موظفي الدخل المحدود لا ترقى رواتبهم لمواكبة هذه الزيادات.
وحسب الخبير الاقتصادي، محمد جدري، فإن “ارتفاع الأسعار أصبح يهدد وجود الطبقات المتوسطة، فأصبحت بالكاد تدخر بعض المال، وفي غالب الأحيان لا تستطيع ذلك”.
وأضاف جدري لـ”عربي بوست” أن “مجموعة من الأسر من هذه الطبقة سوف تتجه نحو قروض عائلية أو قروض لدى مؤسسات بنكية من أجل تحمل مصاريف العطلة الصيفية في المغرب أو مصاريف ما بعد العيد، بحكم الغلاء الذي عرفه سعر الأضحية هذه السنة”.
ومع تراكم المصاريف الخاصة بالعيد والعطلة الصيفية والدخول المدرسي المقبل فإن الخبير الاقتصادي المغربي يؤكد أن بعض الأسر “ستضطر للتضحية سواء بالأضحية أو بالعطلة الصيفية، أو أنها ستلجأ إلى الاقتراض”.
تكلفة “باهظة” وأسعار مبالغ فيها
من خلال ما رصدته “عربي بوست” سواء في الحجوزات الفندقية أو إعلانات كراء الشقق الموسمية، فإن هذه السنة تعرف ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، ما يؤكد أنه إضافة إلى تراجع وتيرة السفر، من المنتظر أن تقل أيضًا عدد الأيام المحجوزة.
ففي المدن الساحلية التي لم يكن يتعدى كراء الليلة الواحدة فيها دولار أمريكي 30 على أكثر تقدير، أصبحت هذا الصيف تفوق دولار أمريكي 80، فيما يطلب أصحاب الشقق المزودة بالمسابح دولار أمريكي 130 بعدما لم يكن يتجاوز سعر المبيت بها دولار أمريكي 50 لليلة الواحدة.
هذه الزيادات الصاروخية في الأسعار أصبحت موضوع سخرية من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين تداولوا صورًا لشقق وغرف مهترئة معروضة للإيجار الموسمي بأسعار خيالية، مستنكرين ما وصفوه بـ”الاستغلال البشع” للمواطنين.
لكن محمد الوزاني، وهو سمسار عقارات يشتغل في مدينة طنجة، كان له رأي آخر، وقال: “في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، فلا بد من اغتنام المناسبة من أجل تعويض الركود الذي تعيشه المدينة طيلة السنة”.
وأوضح الوزاني في حديثه لـ”عربي بوست” أن من أجل كراء الشقق، “نداوم على الاعتناء بها وتغيير أثاثها كل سنة، وما تقتضيه هذه العملية من مصاريف إضافية وحسب أسعار السوق المرتفعة، فإن ما نطلبه اليوم من مقابل يدخل في نطاق المعقول”.
ولا يختلف الأمر كثيرًا فيما يخص المطاعم والمقاهي، حيث يتضاعف ثمن فنجان قهوة عادي ثلاث مرات مقارنة بالمدن التي ليس لها نصيب في البحر، والسندويش البسيط، يصبح ثمنه كسعر وجبة فاخرة.
وتتحول الشواطئ في ذروة فصل الصيف من فضاء عمومي مفتوح للجميع إلى أشبه ما يكون بشواطئ خاصة تتطلب دفع مبلغ مالي للدخول إليها، إذ تنتشر المظلات والكراسي والطاولات التي لا بد من كرائها من أجل الاستمتاع بأمواج البحر.
وقد لجأ الكثيرون إلى تعويض السفر بأنشطة محلية، خاصة في المدن الساحلية، وسطروا برنامجًا كالذي ينهجونه عندما يقصدون مدنًا أخرى، مستغنين عن الأكل في المطاعم وحجز الشقق، مكتفين بولوج الشواطئ بسندويشات منزلية.
مصايف “VIP” للأغنياء
إذا كانت شريحة كبيرة من المغاربة لا يجدون لعطلة الصيف طريقًا، فإن هناك فئة لا تزال بمقدورها قضاء عطلة الصيف في أغلى الفنادق والقرى السياحية، البعيدة عن المدن، والتي لا تستطيع الفئة المتوسطة مجاراتها.
“مارينا” و”كابونيكرو” وبعض المنتجعات بالداخلة ومراكش مثلًا، باتت وجهات للأغنياء ورجال الأعمال الشباب في المغرب، حيث توجد اليخوت والبحيرات الاصطناعية والسهرات الفنية العالمية.
وتبدأ الأسعار في مثل هذه الأماكن السياحية من دولار أمريكي 500 لليلة الواحدة وللشخص الواحد، وترتفع حسب العروض والخدمات المتوفرة، وقد تتجاوز دولار أمريكي 1000 للشخص الواحد.
ولا حديث في هذه الأماكن عن ارتفاع الأسعار أو غلاء العطلة الصيفية، فكل ما يهم مرتادي هذه المنتجعات هو قضاء وقت ممتع بعيدًا عن ضجيج العمل وضغوطه، غير آبهين بما قد تسفر عنه فاتورة الحساب في آخر العطلة.
مستوى معيشي متدهور
وتأتي العطلة الصيفية في وقت أعلنت فيه المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (هيئة حكومية مكلفة بالإحصائيات)، هذا الأسبوع أن معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرًا السابقة بلغ %82.6.
وكشفت المندوبية عن توقعات متشائمة بخصوص قدرة الأسر على الادخار، مشيرة إلى أنه خلال الفصل الثاني من سنة 2024، صرحت %9.8 مقابل %90.2 من الأسر بقدرتها على الادخار خلال 12 شهرًا المقبلة.
وصرحت %55.8 من الأسر، خلال الفصل الثاني من سنة 2024، أن مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت %42.1 من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض، ولا يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها %2.1.
فيما توقعت المندوبية خلال الفصل الثاني من سنة 2024، أن تشهد %82.8 من الأسر مقابل %6.6 ارتفاعًا في مستوى البطالة خلال 12 شهرًا المقبلة.