الأخبار

الجزائر لن تكتفي بسحب السفير.. ستتخذ إجراءات أخرى ضد فرنسا، وقرار ماكرون بشأن الصحراء يقسم السياسيين

خلال شهر يونيو/حزيران 2024، التقطت عدسات المصورين صورًا وثقت مشاهد ودية بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، واعتبرت وسائل إعلام جزائرية أن اللقاء هو بداية لنهاية الأزمة بين الجزائر وفرنسا، لكن مع نهاية شهر يوليو/تموز، سينقلب الوضع كلياً.

بشكل مفاجئ، أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية يوم 25 يوليو/تموز بياناً، عبرت فيه عن “أسفها الكبير واستنكارها الشديد”، لما وصفته الجزائر بـ”القرار غير المنتظر” الذي اتخذته فرنسا بدعم مخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية.

بينما احتفت الرباط بقرار باريس دعم مخططها لحل قضية الصحراء، بادرت الجزائر بالإعلام عن أول رد فعل تمثل في سحب سفيرها من باريس. فهل تكتفي الجزائر بسحب سفيرها من فرنسا؟ وكيف كان رد تبون على ماكرون؟ وما هو موقف الطبقة السياسية في باريس بعد قرار الرئيس الفرنسي؟

الأزمة بين الجزائر وفرنسا بسبب الصحراء

أخذ موضوع دعم فرنسا للمغرب في قضية الصحراء زخماً كبيرا في الجزائر وخطف الأضواء من الانتخابات الرئاسية والإعلان عن اللائحة النهائية للمرشحين لخوضها بعد نحو شهر من الآن، وكشف وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، تفاصيل جديدة عن الموقف الفرنسي والأزمة بين الجزائر وفرنسا.

الوزير الجزائري قال خلال مؤتمر صحفي بالجزائر العاصمة الأربعاء 31 يوليو/تموز، إنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد أبلغ نظيره الجزائري عبد المجيد تبّون على هامش قمة مجموعة السبع في حزيران/يونيو بإيطاليا بالقرار الذي تعتزم باريس اتّخاذه.

وأكّد عطّاف أنّ ردّ الرئيس الجزائري على نظيره الفرنسي كان “صارماً وحازماً ودقيقاً”، محذّراً من أنّ مثل هكذا خطوة “لن تسهم في إحياء المسار السياسي وإنّما ستغذّي الانسداد الذي أدخلت فيه خطة الحكم الذاتي القضية الصحراوية منذ أكثر من 17 سنة”.

بحسب الوزير الجزائري فإنّ “هذه الخطوة التي تدّعي باريس أنّها ترمي إلى إحياء المسار السياسي لتسوية النزاع في الصحراء الغربية، تسهم على النقيض من ذلك في تكريس حالة الجمود التي تعاني منها العملية السياسية منذ ما يقرب العقدين من الزمن” على حد تعبير المسؤول الجزائري.

وأضاف رئيس الدبلوماسية الجزائرية في تعليقه على الأزمة بين الجزائر وفرنسا بسبب موقف الأخيرة من قضية الصحراء، أنّ الخطوة الفرنسية “يمكن وصفها بعبارة بسيطة تلخّص في مضمونها القيمة القانونية لهذا الاعتراف وهي عبارة (هبة من لا يملك لمن لا يستحقّ)”.

الجزائر لن تكتفي باستدعاء السفير

يوم الثلاثاء 30 يوليو/تموز 2024، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية سحب سفير بلادها من باريس، وأوضحت في  بيان  لها: “لقد أقدمت الحكومة الفرنسية على إعلان تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض فرضاً في إقليم الصحراء الغربية” .

كما أضافت الوزارة في بيانها: “إن هذه الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة، قد تمت من قبل الحكومة الحالية باستخفاف واستهتار كبيرين، دون أي تقييم متبصر للعواقب التي تنجر عنها” على حد تعبيرها.

واتهم بيان الخارجية الجزائرية الحكومة الفرنسية بـ”انتهاك الشرعية الدولية” باعترافها بالمخطط المغربي للحكم الذاتي كأساس وحيد لحل نزاع الصحراء، وعليه، قررت الحكومة الجزائرية سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري.

سحب السفير الجزائري من باريس لن يكون رد الفعل الوحيد على الموقف الفرنسي بخصوص قضية الصحراء، إذ أعلن وزير الخارجية الجزائري أنّ بلاده ستتّخذ إجراءات إضافية ضدّ فرنسا ردّاً على موقف باريس الداعم لخطة المغرب.

وقال عطاف خلال مؤتمر صحافي في الجزائر العاصمة: “سنقوم بالخطوات اللازمة التي سنعبّر من خلالها عن رفضنا لإقدام فرنسا على خطوة خطيرة على المنطقة والجهود التي تبذل خصيصاً في هذا الظرف لإيجاد حلّ سلمي وسياسي لقضية الصحراء الغربية”.


وأضاف أنّ قرار الجزائر استدعاء سفيرها من باريس للتشاور ليس سوى خطوة أولى ستليها خطوات احتجاجية أخرى. وقال: “هذا ليس مجرد استدعاء سفير للتشاور، هذا تخفيض لمستوى التمثيل الدبلوماسي. إنّها خطوة مهمّة للتعبير عن إدانتنا واستنكارنا” لموقف باريس.

وأكد المسؤول الجزائري أنّ “سحب السفير خطوة أولى ستليها خطوات أخرى”، دون أن يكشف عن طبيعة هذه الخطوات .

بينما اعتبرت صحيفة “lexpression” الجزائرية أن ما وقع من استدعاء السفير الجزائري يشير إلى “حالة من التأهب قبل الانهيار التام للعلاقات بين البلدين”، وفق ما جاء في في  تقرير للصحيفة  نشرته الأربعاء 31 يوليو/تموز 2024.

كما أضافت: “خلال 62 عامًا من العلاقات الجزائرية الفرنسية، هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها الأزمة بين الجزائر وفرنسا إلى هذا المستوى، فهو قريب جدًا من (الصفر المطلق)، وكان الاتجاه الذي تسلكه هذه العلاقات غير وارد قبل بضعة أسابيع”.

ماذا عن الطبقة السياسية في باريس؟

على النقيض من الوضع في الجزائر، احتفت وسائل الإعلام المغربية بالموقف الفرنسي الداعم لمخطط المغرب بشأن قضية الصحراء، واحتفت أيضًا  سفارة الرباط في باريس بالموقف الفرنسي خلال احتفالاتها بالذكرى الـ25 لتولي الملك محمد السادس العرش.

كما أكد وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، الثلاثاء 30 يوليو/تموز، أن الرئيس إيمانويل ماكرون، بتأكيده أن “حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية، يكون قد حدد المسار”، مسجلًا أن الأمر يتعلق بقناعة فرنسا أيضًا.

وأكد سيجورني، متحدثًا بمناسبة حفل الاستقبال الذي أقامته سفيرة المغرب بباريس سميرة سيطايل، بمناسبة عيد العرش، “رئيس الجمهورية حدد الاتجاه الذي يود أن تسلكه العلاقات مع المغرب في جميع المجالات، كما حدد التوجه الخاص بقضية الصحراء”.

وقال الوزير الفرنسي “إن حاضر الصحراء ومستقبلها يندرجان في إطار السيادة المغربية. إنه كلام رئيس الجمهورية وهو قناعة فرنسا، هذا المسار طبيعي بالنظر إلى وضوح وثبات موقف فرنسا”. وأوضح سيجورني أن فرنسا ستدافع عن هذا الموقف على المستوى الدولي.

إذا كان قرار ماكرون بدعم مخطط المغرب لحل قضية الصحراء على المستوى الرسمي حظي بإجماع على المستوى السياسي الرسمي، فإنه أثار ردود فعل متباينة بين السياسيين في باريس.


زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، التي تدافع منذ عدة سنوات عن خطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية، دعت عبر حسابها على منصة

X

إلى “دعم جميع المبادرات البراغماتية للسلطات المغربية التي ستساهم في تعزيز تهدئة هذا الإقليم، بما يضمن تطويره” .

كما أعرب عضو البرلمان الأوروبي، تيري مارياني، عن سروره بهذا الخبر وكتب على حسابه بمنصة “إكس” تعليقاً على ذلك: “أخيرًا! بعد 7 سنوات ضائعة، قرر ماكرون الاعتراف بـ ‘مغربية’ الصحراء الغربية”.

بدوره أعرب، رئيس حزب “الجمهوريون”، إيريك سيوتي، المعروف بدعمه للرباط، عن أمله في أن تترجم هذه التصريحات إلى تقارب ضروري ودائم مع صديقنا المغربي، مضيفًا: “تحيا الصداقة بين فرنسا والمغرب.”

في المقابل لم يسر الدعم الفرنسي لمقترح المغرب لحل قضية الصحراء الغربية نواب اليسار كثيرًا، وفق ما ذكرته  وسائل إعلام فرنسية .

مارين توندلييه زعيمة حزب “الخضر” أعربت عن أسفها لما وصفته بـ “فشل دولي”، وأضافت على منصة “إكس” تعليقا على الخبر: “إنه قرار خطير وخطأ تاريخي اتخذه رجل واحد، على رأس دولة بدون حكومة أو أغلبية”.