الأخبار

الإعلام الغربي يخفي حقيقته.. قصة ضابط بريطاني “يلمع” صورة الاحتلال ويدعم ترفيه جنوده ويتمنى القتال معهم

يتولى ضابط بريطاني سابق مهمة الدفاع المستميت عن جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويدير منظمة تقدم دعماً لجنود الاحتلال، كما تردد مراراً على غزة خلال فترة الحرب عليها لدعم الجنود، لكن وسائل إعلام غربية تتجاهل ارتباطه بإسرائيل، ودعمه للدعاية السياسية لتل أبيب وأجندتها، وتقدمه لجمهورها على أنه خبير عسكري مستقل، في مؤشر على تحيز لتغليب الرأي المؤيد لإسرائيل لدى الجمهور الغربي.

“عربي بوست” تتبع نشاط الضابط البريطاني السابق ريتشارد كيمب، بعدما نشر صورة له على حسابه في موقع “إكس” يوم 25 يوليو/تموز 2024، أثارت جدلاً، إذ ظهر في مدينة رفح بغزة على بعد أمتار من السياج الحدودي، وظهر من خلفه علم مصر، وقد دأب على الإشادة بـ”السلوك” الجيد لجيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه بغزة، التي تسببت باستشهاد وإصابة ما لا يقل عن 130 ألف شخص.


سبق لكيمب أن خدم في أفغانستان والعراق والبلقان، ويصف نفسه على

موقعه الإلكتروني

بأنه “الآن، كاتب وصحفي”، وأنه “يقدم خدمات استشارية استراتيجية في مجالات القيادة والأمن والاستخبارات ومكافحة الإرهاب والدفاع”.

يظهر كيمب تارة برفقة جنود إسرائيليين مدججين بالسلاح، وتارة أخرى وهو يرتدي القلنسوة، ووصلت صلاته إلى كبرى الشخصيات في الحكومة الإسرائيلية، إذ استضافه وزير خارجية الاحتلال السابق، إيلي كوهين، ويحظى باهتمام بالغ من وسائل الإعلام الإسرائيلية، والمنظمات اليهودية الداعمة للاحتلال.

ويبيّن نشاط كيمب ومواقفه السابقة من إسرائيل وفلسطين، أنه يعد من بين أبرز الشخصيات البريطانية العامة دعماً لجيش الاحتلال، ويعمل على تلميع صورته داخل بريطانيا وفي وسائل الإعلام العالمية، وحتى أمام مسؤولين بالأمم المتحدة.



كيمب.. الضابط الساعي لزيادة رفاهية جنود الاحتلال

يُعد الضابط البريطاني السابق أحد مدراء منظمة “أصدقاء المملكة المتحدة لرفاهية الجنود الإسرائيليين”، التي تعنى بجمع التبرعات من أجل زيادة رفاهية جنود الاحتلال، بحسب ما يُشير إليه موقع المنظمة الذي أصبح الآن مغلقاً جراء خضوع المنظمة للتدقيق من قبل السلطات البريطانية بسبب نشاطها.

من خلال النسخ المؤرشفة على الإنترنت لموقع المنظمة، وجدنا بأنها طلبت من العامة التبرع لجنود الاحتلال ضمن ما أسمتها “قائمة الرغبات“، وتضم القائمة أنواعاً مختلفة من التبرعات التي تدعم في النهاية الجنود.

على سبيل المثال، خصصت المنظمة التي يديرها كيمب، حملة لتمويل إنشاء “منطقة ترفيهية في وحدة قتالية” لجنود الاحتلال، وإنشاء كنيس يهودي، وأخرى لتمويل شراء مكيفات للهواء وأجهزة تلفاز في مناطق الراحة للجنود، إضافة إلى حملة أخرى لشراء شقق للجنود وطلبت التبرع بـ 35 ألف جنيه إسترليني لتحقيق ذلك.


في نسخة من التقرير السنوي (لعام 2022) الذي قدمته المنظمة لمفوضية الجمعيات الخيرية البريطانية، تقول المنظمة إن أهدافها تكمن بـ”تخفيف معاناة الجنود الإسرائيليين العاملين والمُسرّحين وعائلاتهم، وتوفير التعليم للجنود، والمساعدة في توفير مرافق للترفيه”.

وتُشير بيانات السنة المالية المنتهية في 31 مارس 2023 للمنظمة التي يديرها الضابط كيمب، إلى أنها تلقت تبرعات لصالح جنود الاحتلال بـنحو  727 ألف جنيه إسترليني، فيما جمعت في العام 2019، ما لا يقل عن 810 آلاف جنيه إسترليني.


والمنظمة البريطانية التي يشارك الضابط كيمب بإدارتها، هي أحد أذرع منظمة “رابطة الجنود الإسرائيليين”، التي تعمل مع جيش الاحتلال، ويتبع لهذه المنظمة منظمات (أذرع) تؤدي نفس المهمة في دعم الجنود الإسرائيليين وتسهيل الهجرة إلى الأراضي المحتلة.


ويمتلئ حساب الضابط البريطاني كيمب على فيسبوك، بصوره مع عدد من جنود الاحتلال، بما في ذلك صور التقطها من داخل قطاع غزة، تظهر الدمار الذي خلفته الحرب المستمرة على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023.

في صورة نشرها كيمب يوم 25 يوليو/تموز 2024 من داخل مدينة رفح بغزة، وورائه بقايا أثاث منزل تعرض للتدمير بفعل القصف الإسرائيلي، كتب الضابط أنه على “الجيوش الغربية أن تتعلم الكثير من سير هذه العملية النموذجية (الهجوم على رفح)، وروح القتال والأخلاق لدى جيش الدفاع الإسرائيلي”، بحسب تعبيره.


من بين الصور الأخرى التي نشرها كيمب، يظهر فيها بجانب دبابات إسرائيلية في غزة، إضافة إلى مشاركته لإسرائيليين في “عيد الأنوار” (حانوكا).


كيمب الداعم لإسرائيل يتصدر وسائل الإعلام الغربية

عند استضافة الضابط كيمب في وسائل الإعلام الغربية، فإن الأخيرة تتجاهل بالكامل دوره في دعم جنود الاحتلال، وتتجاهل أيضاً كونه عضوًا في مجلس إدارة “

مبادرة أصدقاء إسرائيل

“، وهي إحدى جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في أوروبا، بحسب ما

كشفه تقرير

أعده باحثان أوروبيان وباحثة أمريكية، ونشرته

جامعة باث

في العام 2016.

وعلى الرغم من أن موقف كيمب المؤيد لإسرائيل ليس حديثاً، إلا أنه مع بدء الحرب على غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبح الضابط البريطاني السابق أكثر نشاطاً في الدفاع عن الاحتلال، وأكثر ظهوراً في وسائل إعلام غربية، إضافة للصحف الإسرائيلية، والمواقع الإلكترونية التابعة لمنظمات أو جهات أخرى داعمة لإسرائيل.

تُقدّم وسائل إعلام غربية كيمب بصفة مستشار وخبير عسكري وضابط سابق، ومما يتم إخفاؤه على سبيل المثال، أن كيمب نفسه تمنى لو بإمكانه الانضمام إلى جيش الاحتلال والقتال معهم، إذ قال لعدد من الجنود الإسرائيليين المشاركين في الحرب، إنه يتمنى “لو كان بإمكانه حمل السلاح والمشاركة معهم في القتال”.


لدى كيمب حضور في عدد كبير من وسائل الإعلام الغربية، التي يكتب آراؤه فيها أو يتم استضافته من قبلها للتعليق على الحرب على غزة، ومن بينها:

هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)

، و”

سكاي نيوز

“، وصحف بريطانية مثل “

تيلغراف

“، و”

الغارديان

“، ، و”

ذا صن

“، و”

إكسبرس

“، و”

ديلي ميل

“، ووسائل إعلام أمريكية، مثل “

foxnews

“، ومجلة “

نيوزويك

“، إضافة لوسائل إعلام إسرائيلية مثل “

يديعوت أحرنوت

“، و”

إسرائيل هيوم

“، و”

جيروزاليم بوست

“، و”

Israel National News

“.

كذلك يُعد كيمب شخصية مفضلة لدى المنظمات الداعمة لإسرائيل، ويتم استضافته فيها كضابط بريطاني سابق وكخبير، ومن بينها: “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في أمريكا، و”نقابة الأخبار اليهودية“، و”منظمة المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل“.



تلميع صورة الاحتلال ورغبة في استمرار الحرب وتهجير الفلسطينيين

يُعد كيمب أحد الكتاب الرئيسيين في الصحيفة البريطانية المشهورة “تلغراف”، وتقدمه الصحيفة لقرائها على أنه “ضابط سابق في الجيش البريطاني”، وأظهر البحث عن مقالاته المنشورة في الصحيفة منذ بدء الحرب على غزة، أنه تبنى آراءً متشددة داعمة لإسرائيل، ولا تخلو من دعوة لاستمرار الحرب على القطاع.

في مقال نشره بالصحيفة في ديسمبر 2023، رفض كيمب اتهام إسرائيل بشن هجمات عشوائية في غزة، وزعم أن الاحتلال “يبذل ما في وسعه” لتقليل الخسائر بين المدنيين.

في مقال آخر في نفس الصحيفة، دعا كيمب إسرائيل لمواصلة حربها على غزة وعدم رضوخها للضغوط، وأعلن الضابط السابق عن تأييده لفكرة تهجير أهل غزة إلى سيناء في مصر، كما اعتبر أن وقف إطلاق النار في غزة “أمر خطير”.

يؤيد كيمب فكرة “السحق الإسرائيلي” في حربها على غزة، ويردد ذات الدعاية الإسرائيلية القائلة بأن فصائل المقاومة الفلسطينية تهدف إلى “القضاء على الدولة اليهودية بالكامل“، كما يروج للقراء البريطانيين مزاعم إسرائيل بأنها “تبذل قصارى جهدها لتقليل الخسائر بين المدنيين“، على الرغم من الأدلة التي تظهر قصف إسرائيل للمدنيين في غزة ضمن المناطق التي أعلنها الاحتلال أنها “آمنة”.

وعلى الرغم من عشرات آلاف الشهداء في غزة، يرى كيمب أن “إسرائيل حققت أدنى نسبة من الخسائر بين المدنيين“، بحسب تعبيره.

من اللافت هنا أن كيمب، وعلى الرغم من مواقفه الداعمة لإسرائيل، تم استدعاؤه في مجلس العموم البريطاني في 24 أبريل/ نيسان 2024، لسماع رأيه حول جلسة استماع رسمية عُقدت حول تجارة الأسلحة مع إسرائيل خلال فترة الحرب على غزة.

كيمب أشاد في رده بما اعتبره “حرص الجيش الإسرائيلي للامتثال بالقانون الإنساني الدولي في غزة”، بحسب مزاعمه، وقلل حينها من ضخامة استشهاد آلاف المدنيين في غزة، وكان يتحدث حينها عن مقتل 9 آلاف شخص في غزة، ووصف ذلك الرقم بأنه “مدهش” في ظل تعقّد الحرب، وفق قوله.



ترديد للدعاية الإسرائيلية

ويظهر تتبع التصريحات المختلفة للضابط البريطاني السابق، أنه يتبنى خطاباً متشابهاً للغاية مع الدعاية الإسرائيلية التي ينشرها المسؤولون الإسرائيليون على المستويين المحلي والدولي.

خلال استضافته على وسائل الإعلام، هاجم كيمب مراراً وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وشيّطن عملها بطريقة مشابهة لما تفعله إسرائيل.

في 30 يناير/كانون الثاني 2024، قال المتحدث السابق باسم الحكومة الإسرائيلي، إيلون ليفي في إحاطة صحفية، إن “الأونروا هي واجهة لحماس”، وفي نفس اليوم كرر كيمب في مداخلة له على قناة “Jewish Ideas” في يوتيوب نفس العبارة حرفياً.

وفي 7 أبريل/نيسان 2024، كرر كيمب خلال مداخلة على قناة “سكاي نيوز”، نفس الدعوات الإسرائيلية بضرورة استبدال “الأونروا” بهيئة بديلة تحل محل المنظمة الأممية التي تدعم حوالي 5.7 مليون لاجئ فلسطيني.


وفي العام 2015، قدّمت منظمة “مراقبة الأمم المتحدة” كيمب للإدلاء برأيه أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وقد زعم حينها أن “إسرائيل تعمل على إنقاذ أرواح المدنيين الفلسطينيين من خلال تحذيرهم بمغادرة المناطق التي سيتم استهدافها”.

تعد منظمة “مراقبة الأمم المتحدة” (Un Watch) من أبرز الجهات التي تحركت من أجل وقف تمويل الأونروا وإنهاء عملها في غزة، ومنذ عام 2015 وحتى يناير/كانون الثاني 2024، قدّمت 10 تقارير مليئة بالمزاعم، متهمةً “الأونروا” بأن المعلمين العاملين لديها في غزة “يروجون للقتل، وكراهية اليهود، ومعاداة السامية، وأنه يتم استغلالها من قبل الفصائل الفلسطينية”، وهي اتهامات نفت “الأونروا” صحتها مراراً.

تمتلك المنظمة علاقات قوية في أمريكا مع جماعات ضغط، وجهات مؤيدة لإسرائيل، ويقع مقرها الرئيسي في جنيف، ومُسجلة في الولايات المتحدة ومُعفاة من الضرائب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2011.

وفيما يواصل كيمب دفاعه عن إسرائيل، فإنه من المقرر أن يتحدث في المؤتمر العالمي لإسرائيل، في

نوفمبر 2023

، وبحسب ما أعلنه “الصندوق القومي اليهودي”، فإن حديث كيمب سيكون عن أداء جيش الاحتلال “وفق أخلاقيات الحرب”، بحسب تعبير الصندوق.

ومنذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة، باستشهاد وجرح ما لا يقل عن 130 ألف شخص، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود.