قررت الجزائر، الثلاثاء، 30 يوليو/ تموز 2024، سحب سفيرها من فرنسا وتخفيض تمثيلها الدبلوماسي لديها إلى مستوى القائم بالأعمال؛ احتجاجًا على اعتراف باريس بالمقترح المغربي بشأن “الحكم الذاتي” في إقليم الصحراء.
جاء ذلك وفق بيان لوزارة الخارجية الجزائرية نقلته وكالة الأنباء الرسمية، وفي بيانها، اعتبرت الخارجية الجزائرية أن الحكومة الفرنسية “تنتهك الشرعية الدولية وتتنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره” عبر “اعترافها بالمخطط المغربي للحكم الذاتي كأساس وحيد لحل نزاع الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة”.
وأضافت أن “هذه الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة تمت من قبل الحكومة الحالية باستخفاف واستهتار كبيرين دون أي تقييم متبصر للعواقب التي تنجر عنها”، وفق تعبير البيان.
وزادت: “وعليه قررت الحكومة الجزائرية سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري، على أن يتولى مسؤولية التمثيل الدبلوماسي الجزائري في فرنسا من الآن فصاعدًا قائم بالأعمال”.
المغرب تشيد بدعم فرنسا
في وقت سابق الثلاثاء، أشادت الرباط بما قالت إنه “دعم فرنسي” لمقترحها القاضي بالحكم الذاتي في إقليم الصحراء تحت السيادة المغربية.
وحسب بيان للديوان الملكي المغربي، فإن هذا الدعم الفرنسي تضمنته رسالة وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاهل محمد السادس، تزامنًا مع الذكرى الـ25 لعيد العرش (ذكرى تولي الملك للحكم).
ونقل البيان عن ماكرون قوله إن “فرنسا تعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، هو الإطار الذي يجب من خلاله حل القضية” في إقليم الصحراء.
فيما أعربت الجزائر، ، عن “الأسف الكبير والاستنكار الشديد” لقرار الحكومة الفرنسية الاعتراف بخطة الحكم الذاتي لإقليم الصحراء في إطار السيادة المغربية. وقالت الخارجية الجزائرية في بيان حينها إن السلطات الفرنسية أبلغتها بفحوى هذا القرار في الأيام الأخيرة.
أزمة قضية الصحراء
بدأت قضية إقليم الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة “البوليساريو” إلى نزاع مسلح استمر حتى 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
ويقترح المغرب حكمًا ذاتيًا موسعًا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو “البوليساريو” إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
كما تسعى الأمم المتحدة إلى تفاهمات بمشاركة المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة “البوليساريو” بحثًا عن حل نهائي للنزاع بشأن الإقليم.
استنكار من الجزائر
كان تعبير الجزائر عن “استنكارها الشديد” لقرار الحكومة الفرنسية دعم خطة “الحكم الذاتي” التي اقترحها المغرب تحت سيادته، لإنهاء النزاع في الصحراء الغربية، بحسب بيان لوزارة الخارجية الخميس.
وحذرت الخارجية الجزائرية فرنسا من أن قرارها يتعارض مع “المصلحة العليا” للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة.
كانت فرنسا قد أبلغت الجزائر في “الأيام الأخيرة” بقرارها دعم الخطة المغربية للصحراء الغربية، والتي تطالب “جبهة البوليساريو” باستقلالها وإعلان الجمهورية الصحراوية على أراضيها، وتساند الجزائر الجبهة وتستضيف بعض قياداتها.
لم ترد فرنسا رسميًا حتى الآن على بيان الجزائر شديد اللهجة ضد قرارها الأخير.
وقالت الخارجية الجزائرية في بيانها، “أخذت الحكومة الجزائرية علما، بأسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة”.
وأضاف البيان أن “القرار الفرنسي هو نتيجة حسابات سياسية مشبوهة وافتراضات غير أخلاقية وقراءات قانونية لا تستند إلى أي مرتكزات سليمة تدعمها أو تبررها”.
ووصفت الجزائر القرار الفرنسي بأنه “لا يُساعد على توفير الظروف الكفيلة” بتسوية سلمية لقضية الصحراء الغربية، بل أكثر من ذلك فإنه يساهم بصفة مباشرة في “تفاقم حالة الانسداد والجمود”، التي تسببت في خلقها على وجه التحديد خطة “الحكم الذاتي” المغربية لأكثر من 17 عامًا”
واتهمت الخارجية الجزائرية فرنسا بأنها بهذا القرار “تناقض وتعرقل” الجهود والمساعي “الحميدة” التي تبذلها الأمم المتحدة لإعطاء زخم جديد لمسار البحث عن تسوية سياسية للنزاع في الصحراء الغربية.
تاريخ الصراع في الصحراء الغربية
يُعد الصراع حول الصحراء الغربية أحد أطول الصراعات في قارة أفريقيا، ويطالب المغرب بسيادته على هذه الصحراء ويعتبرها أرضًا مغربية، بينما تطالب جبهة البوليساريو، التي تشكلت من سكان المنطقة، بالاستقلال والانفصال عن المغرب وإعلان جمهوريتها الصحراوية، وتساندها الجزائر في مطالبها ضد المغرب.
المنطقة كانت مستعمرة إسبانية في السابق ولا تزيد مساحتها عن 252 ألف كيلومتر مربع، وتقع على الساحل الشمالي الغربي لقارة أفريقيا، ويسكنها حوالي 567 ألف نسمة، وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة والبنك الدولي.
ويؤكد المغرب أنه يسيطر على 80 في المئة من أراضي المنطقة وأنها جزء من أراضيه، لكنه يوافق على منح السكان “حكمًا ذاتيًا” على أن تظل تحت السيادة المغربية.
لكن جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، المجاورة للمغرب والصحراء الغربية أيضًا، تريد الاستقلال وتطالب بإجراء استفتاء لتقرير المصير، كما ينص اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991.
وتقول الجزائر إن دعمها للبوليساريو مسألة مبدأ مثل دعمها لنيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا من قبل ودعمها للقضية الفلسطينية، بينما يرى بعض المراقبين أن العلاقة بين الجزائر والجبهة باتت تاريخية كما أن الجبهة أصبحت جزءًا من “شبكة الحلول الأمنية الجزائرية”.
بدأ الصراع الطويل على الصحراء الغربية عام 1975، عندما قررت إسبانيا الجلاء عن المنطقة ووقعت اتفاقية مدريد مع كل من المغرب وموريتانيا، ليتقاسما معًا الصحراء وكل منهما يضم جزءًا منها لأراضيه.
لكن هذا الاتفاق لم يُعجب سكان الصحراء الغربية وأسسوا جبهة البوليساريو المسلحة، وأعلنوا رسميًا مطالبهم بالانفصال وتأسيس الجمهورية الصحراوية.
وبدأت الجبهة تنفيذ عمليات مسلحة وحرضت السكان على المظاهرات المطالبة بالاستقلال، فقرر المغرب ومعه موريتانيا اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لإثبات حقهما في المنطقة.
تنظيم المسيرة الخضراء
في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975 أعلن الملك المغربي الحسن الثاني، تنظيم “المسيرة الخضراء” وطالب سكان المغرب بالتوجه نحو منطقة الصحراء باعتبارها أرضًا مغربية.
لكن جبهة البوليساريو ردت في يناير/كانون الثاني 1976 بإعلان قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم من الجزائر، واستمرت في شن عمليات مسلحة ضد القوات المغربية.
وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، قررت السلطات المغربية إنشاء جدار عازل رملي حول المدن الرئيسية في الصحراء المغربية، ومنها السمارة والعيون وبوجدور، لعزل المناطق الصحراوية الغنية بالفوسفات والمدن الصحراوية الأساسية، وحمايتها من هجمات مسلحي البوليساريو.
وبسبب الصراع المسلح في فترة الثمانينيات فر آلاف السكان الصحراويين من منازلهم نحو الجزائر ليقيموا في مخيمات منذ عقود.
ويتباين تقدير عددهم حيث ينسب موقع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين للحكومة الجزائرية القول إنه يوجد 165 ألف لاجئ صحراوي في المخيمات الخمس الموجودة قرب تندوف، في حين تشير بعض وكالات الأمم المتحدة إلى أن العدد يتراوح بين 90 و125 ألف لاجئ.
وتشير وكالات الأمم المتحدة إلى أن هؤلاء اللاجئين يعيشون في ظل ظروف صعبة.
وفي عام 1991 فرضت الأمم المتحدة وقفًا لإطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، لكنه لم يحمل تسوية نهائية للنزاع حتى الآن.
وتمت إقامة منطقة عازلة بطول المنطقة المتنازع عليها، لتفصل بين الجزء الخاضع للإدارة المغربية والجزء الذي تسيطر عليه الجبهة. وتضطلع قوات حفظ السلام الأممية بتأمين المنطقة.