عزز الواقع الاستيطاني المتفاقم بالضفة الغربية والقدس المحتلة منذ عقود٬ إرهاباً استيطانياً متصاعداً خلال العقد الأخير٬ حيث تعمل الجماعات الاستيطانية بعدما أصبح لها تمثيلاً في الكنيست والحكومة وأجهزة الدولة٬ على تكوين ميليشيات مسلحة مهمتها إرهاب المواطنين الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم وتهديد أمنهم وتعكير صفو حياتهم لتهجيرهم من أرضهم وتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وتمثل الضفة مشروعاً دينياً عقدياً لليهود المتدينين الذين يسمونها باسم توراتي “يهودا والسامرة”٬ حيث يحرض “مجلس حاخامات المستوطنات” بالضفة على احتلال الضفة وطرد سكانها وشرعة الاستيطان بها٬ وكذلك هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم.
وحظي إرهاب المستوطنين برعاية ومساندة كافة الحكومات الإسرائيلية والكنيست والقضاء والشرطة والحاخامات، لكن في السنوات الأخيرة أصبح إرهاب المستوطنين منظماً بشكل واضح وخصيصاً بعد صعود أحزاب الصهيونية الدينية للسلطة واستلامهم وزارات مركزية٬ مثل الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش٬ الذين أصبحا يقفان خلف مجموعة من التنظيمات الاستيطانية المسلحة التي تضخم عددها ونفوذها داخل الدولة وسلسلة الجرائم المتصاعدة التي ترتكبها في الضفة.
“جيش ابن غفير”..
ما هي الجماعات الاستيطانية في الضفة الغربية
ومن أين تستمد أفكارها وقوتها؟
بحسب ورقة بحثية لمركز الدراسات الفلسطينية٬ تبرز المنظمات الصهيونية العاملة في مجال الاستيطان في الضفة الغربية، مثل “فتيان التلال”، كجماعات تعرّف عن نفسها بصراحة بأنهم “طلائعيون يكلمون المهمة الاستيطانية التي بدأها أجدادهم”. وينهلون من الأفكار نفسها التي صاغها “الطلائعيون الأوائل”، على الرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين رواد الاستيطان الأوائل الذين كانوا ذوي توجهات يسارية عمالية، وبين الرواد الجدد الذين ينطلقون من أيديولوجيا دينية خالصة تتمحور حول الوعد الإلهي لليهود، بمنحهم “أرض إسرائيل”.
ويعمل هؤلاء المستوطنون على منع إقامة دولة فلسطينية بأي ثمن، ومنع خلق تواصُل جغرافي بين أجزائها لقتل أي إمكانية لقيامها، في مقابل تعزيز الاستيطان اليهودي للسيطرة على “الأرض الموعودة للشعب اليهودي”.
ويرى الباحث في شؤون القدس د.عبدالله معروف٬ أن تيار “الصهيونية الدينية” يعمل على تشكيل جيشه الخاص في مناطق نفوذه في الضفة الغربية، وفي حال استفحال الشرخ السياسي والمجتمعي في إسرائيل، فإن لديه إمكانية الاستقلال بذاته عن الجيش الإسرائيلي، وتنفيذ حروبه الخاصة التي يكون هدفها المباشر بالطبع محاولة تنفيذ رؤيته في تهجير فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن، وربما تأسيس كيان خاص به في المنطقة.
وتدرك جماعات مثل “فتيان التلال”، ومَن يدعمونهم، أن عملهم سيواجَه بصعوبات جمة، لعل أهمها المقاومة الفلسطينية، واعتبارات حكومة الاحتلال التي تحاول “عقلنة” عملية الاستيطان وتنظيمها بما يتوافق مع مصالحها واعتباراتها الأمنية والسياسية. إلا أنهم يرون أنهم في النهاية سيحققون أهدافهم، يقول أحد فتيان التلال في رمات مغرون: “قبل مئة عام، قيل لمن أتوا لبناء هذه الأرض إن كل ما سيبنونه سيُدمّر. ومع ذلك، في نهاية الأمر، أقمنا دولة”.
وتتلقى العديد من المنظمات والجماعات الاستيطانية المسلحة الإرهابية الدعم والإسناد من العديد من الحاخامات من خلال المشاركة في تأسيس هذه المنظمات٬ أو التحريض على الفلسطينيين عبر مدارسهم الدينية٬ أو إصدار الفتاوى التي تستند إليها هذه منظمات لإباحة إرهابها ضد المواطن الفلسطيني وحتى إراقة دمه.
ويعيش في الضفة الغربية قرابة 500 ألف مستوطن معظمهم مسلحين٬ بين نحو 3 ملايين فلسطيني، في مستوطنات تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي٬ وتتعدد المنظمات الاستيطانية الإرهابية التي تتخذ من عشرات المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة نقطة انطلاق لعملياتها الإرهابية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم؛ ومن أبرزها:
1- منظمة فتيان التلال أو “شباب التلال”
- هي مجموعة استيطانية إسرائيلية متطرفة مسلحة نشأت في نهاية تسعينيات القرن الماضي٬ يعيش معظم منتسبيها في بؤر استيطانية في الضفة الغربية المحتلة ويسكنون عزباً ومبانٍ منفردة ضمن مناطق مفتوحة.
- قوامها من مئات المستوطنين الشبّان الذين يحملون أفكاراً توراتية متطرفة تجاه الفلسطينيين والعرب؛ وهم يؤمنون بما يسمونه “أرض إسرائيل الكبرى”، ويرفضون إخلاء أي مستوطنة، وينفذون هجمات ضد الفلسطينيين؛ ومنهم انطلقت نواة جماعة أخرى تسمى “تدفيع الثمن” الاستيطانية.
-
ينتمي أفراد هذه المجموعة إلى تياراتٍ وحركات شعبويّة مختلفة، مثل حركة “أرض إسرائيل” بزعامة الحاخام أفراهام ساغرون وحركة “درب الحياة” بقيادة الحاخام إسحق غينزبورغ وحركة ؛نواة المدينة العبرية” برئاسة مائير بارتلر.
- يشتركُ أفراد هذه المجموعات في جذورهم الأيديولوجية التي تعودُ إلى تيار الصهيونيّة الدينيّة، ويجمعهم إيمانٌ بالسيادة المطلقة لليهود على فلسطين، والحلم بإقامة “مملكة داوود” عليها، وهو ما لن يتم باعتقادهم دون تعزيز وجودهم على الأرض وفرضهم لأمرٍ واقعٍ من خلال الاستيطان ومصادرة الأراضي والعنف حتى “يتسنّى للرب مساعدتهم في الخلاص وإقامة الهيكل”.
2- جماعة “تدفيع الثمن” الاستيطانية
- تعد جماعة “تدفيع الثمن” أو “جباية الثمن” إحدى أبرز المنظمات الاستيطانية الإرهابية المسلحة، وهي جماعة سرّية شبابية يمينية متطرفة، ظهرت في يوليو/حزيران 2008 على يد غرشون ميسيكا (رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات شمال الضفة الغربية).
- تضم هذه المنظمة مجموعات من المستوطنين اليهود “المتشددين” غالبيتهم من صغار السن من تلامذة الحاخامين يتسحاق غينزبورغ، ودافيد دودكيفيتش، ويتسحاق شابيرا، الذين يقفون على رأس المدرسة الدينية “يشيفات” في مستعمرة “يتسهار”، والتي تعتبر إحدى أبرز معاقل المتطرفين اليهود.
- يعتنق ناشطو تنظيم “جباية الثمن” وأنصاره فكراً عنصريّاً قائماً على الكراهية الشّديدة للفلسطينيّين، ويدعو إلى قتلهم أو طردهم من المناطق الفلسطينية المحتلّة من ناحية، وإلى تعزيز الاستيطان في الضفّة المحتلّة، والإسراع في تهويدها وضمّها إلى إسرائيل من ناحيةٍ أخرى؛ فينفذون اعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم؛ ويتعمدون ترك توقيعات وشعارات عنصرية في الأماكن التي تتبنى فيها عملياتها.
- تحظى هذه المجموعة الاستيطانية بدعم واسع من المستوطنين اليهود، بالإضافة إلى تأييد كبير من بعض الأحزاب الإسرائيلية والحاخامات٬ والوزراء مثل ابن غفير وسموترتش.
3- تنظيم “تمرد”
الاستيطاني
- هو تنظيم يهودي إرهابي مسلح انبثق من حركة “شبيبة التلال” اليمينية المتطرفة الإرهابية بنسخة أكثر تنظيماً وتشدداً. يضم شباناً صغاراً أعمارهم بين 16 إلى 25 عاماً، ويتم اختيارهم بعناية فائقة.
- يتزعم هذا التنظيم مئير إتينغر، وهو حفيد الحاخام المتطرف مئير كهانا. ويعمل تنظيم تمرد في الضفة الغربية، على تجميع أفراده في البؤر الاستيطانية، ويعقدون اجتماعاتهم بسرية تامة.
4- جمعية “إلعاد” الاستيطانية
- وهي جماعة أسسها المستوطن “دافيد باري” في أيلول من العام 1986. وكلمة “إلعاد” العبرية هي اختصار لجملة “إيل عير دافيد”، وتعني بالعربية “نحو مدينة داوود”. وهي ذراع ضخم وفعّال للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية والتهويدية في القدس والاعتداء على السكان العرب وإرهابهم.
- ولجمعية “إلعاد” ميزانيات ضخمة؛ إذ توصف بأنها إحدى أغنى الجمعيات غير الحكومية الإسرائيلية. وتعمل على الاستيلاء على العقارات الفلسطينية في القدس وإسكان المستوطنين بها، كما تجتهد للسيطرة على المواقع التاريخية الأثرية، وخلق رواية صهيونية حولها.
- تعدُّ جمعية إلعاد إحدى الحركات التي تعمل على تهويد مدينة القدس سعيًا إلى إقامة الهيكل الثالث؛ وميدان نشاطها المركزي في حي وادي حلوة (أحد أحياء بلدة سلوان، ويبعد عن سور البلدة القديمة وسور المسجد الأقصى جنوباً ما يقارب 30 مترًا)؛ فتُسيطر هذه الجمعية على العقارات الفلسطينية في قلب حي وادي حلوة وتحوّلها إلى بؤر استيطانية.
أبرز جرائم واعتداءات الجماعات الاستيطانية على الفلسطينيين بالضفة والقدس
تنوعت وتعددت اعتداءات المستوطنين الإرهابية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم فشملت عمليات القتل ومصادرة الأراضي والسيطرة عليها بالقوة، وتقطيع الأشجار وحرقها، وإعطاب إطارات السيارات، والاعتداء على منازل المواطنين ودور العبادة ومؤسسات التعليم، وتخريب المنشآت والمعدات، وخطّ شعارات تحريضية عنصرية معادية للفلسطينين ومن وأبرز هذه الاعتداءات بحسب “وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)“:
- بتاريخ 15/4/2024 استشهد كل من عبد الرحمن ماهر بني فضل (30 عاما) ومحمد إبراهيم بني جامع (21 عاما)، بعد إصابتهما برصاص عصابات المستوطنين خلال عدوانهم على خربة الطويل شرق بلدة عقربا، جنوب نابلس.
- بتاريخ 13/4/2024 استشهاد الطفل عمر أحمد عبد الغني حامد (17 عاما) من بلدة بيتين بالقرب من رام الله برصاص المستعمرين وذلك أثناء هجوم وا اعتداءات المستعمرين على البلدة
- بتاريخ 12/4/2024 استشهد المواطن جهاد عفيف أبو عليا برصاص المستعمرين داخل منزله، وأصيب 25 آخرون بالرصاص الحي، في هجوم واسع للمستعمرين المسلحين والمحميين بقوات الاحتلال الإسرائيلي على بلدة المغير شمال شرق رام الله. وإحراق 16 منزلا و15 حظيرة أغنام و35 مركبة والاستيلاء على 100 رأس غنم.
- بتاريخ 21/6/2023 هاجم قرابة 400 مستوطن بلدة ترمسعيا (شمال شرقي رام الله)؛ ما أدى إلى استشهاد المواطن عمر هشام جبارة ” أبو القطين” (27 عاماً)، وإصابة ما يزيد عن 12 مواطناً؛ كما أحرق المستوطنون أكثر من 30 منزلًا و60 مركبة وعشرات الدونمات والمحاصيل الزراعية بالزجاجات الحارقة؛ كما منعوا مركبات الإسعاف من الوصول للبلدة لإسعاف المصابين.
- بتاريخ 26/2/2023 هاجم المستوطنون ليلاً بلدتي حوارة وزعترة جنوب مدينة نابلس؛ ما أدى إلى استشهاد المواطن سامح حمدالله أقطش (37 عاماً)، وإصابة 350 مواطناً في بلدة حوارة، كما أحرق المستوطنون أكثر من 30 منزلًا ومحال تجارية، و100 مركبة؛ وتم محاصرة بلدة حوارة والبلدات المجاورة ومنع مواطنيها من التنقل والتواصل، وإغلاق الحواجز العسكرية، ونصب حواجز ترابية. وجرت هذه الأعمال الإرهابية بحماية جنود الاحتلال الإسرائيلي، وتأييد وزراء في الحكومة الإسرائيلية مثل: بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية)؛ إذ قال في ذلك اليوم: “أعتقد أنه يجب محو قرية حوارة”، وأضاف وأضاف لاحقًا: “أعتقد أن هذا ما يجب على دولة إسرائيل أن تفعله”، وقال عضو الكنيست تسفي فوغيل من حزب الوزير إيتمار بن غفير: “حوارة مغلقة ومحروقة، وهذا ما أريد أن أراه”.
- بتاريخ 11/2/2023 استشهد الشاب مثقال سليمان ريان (27 عام)، بعد استهدافه برصاصه مباشرة أطلقها مستوطن حاقد خلال هجوم نفذته عصابات المستوطنين بحماية قوات جيش الاحتلال شمال شرق بلدة قراوه بني حسان غرب سلفيت.
- دهس الشقيقين محمد ومهند مطير من مخيم قلنديا بتاريخ 17 كانون الأول 2022 بالقرب من حاجز زعترة جنوب نابلس بشكل متعمد من قبل أحد المستوطنين ولاذ بالفرار، وذلك أثناء قيامهما بتغيير أحد إطارات مركبتهما على جانب الطريق.
- بتاريخ 21/6/2022 استشهد الشاب علي حسن حرب (27 عاما)، متأثراً بإصابته بطعنة مباشرة في القلب بسكين مستوطن، في قرية اسكاكا شرق سلفيت، وذلك خلال تصديه وعدد من الأهالي لمستوطنين نصبوا خيمة في أرض تقع غرب القرية تسمى “الحرايق” بهدف الاستيلاء عليها، نُقل إلى مستشفى الشهيد ياسر عرفات في سلفيت حيث أعلن عن استشهاده متأثرا بإصابته.
- دهس المواطنة غدير أنيس مسالمة ( 63 عاما) من بلدة سنجل/ رام الله من قبل أحد المستوطنين وبشكل متعمد ولاذ بالفرار، وذلك أثناء تواجدها على المدخل الرئيس للبلدة بتاريخ 24/12/2021.
- قتل المستوطنون المواطنة عائشة الرابي من بلدة بديا، غربي مدينة سلفيت، في 13 تشرين الأول 2018؛ وذلك باستهداف المركبة التي كانت تستقلها برفقة زوجها بالحجارة بالقرب من حاجز زعترة؛ الأمر الذي أدى إلى استشهادها وإصابة زوجها بجروح.
- أحرق المستوطنون عائلة دوابشة وهم أحياء باستهداف منزلهم في قرية دوما بمحافظة نابلس بالقنابل الحارقة فجراً في 31 تموز 2015؛ ما أدى إلى استشهاد الرضيع علي دوابشة (18 شهرًا) ووالده سعد دوابشة (32 عامًا) ووالدته ريهام دوابشة (27 عامًا) حرقًا وهم أحياء؛ فيما أصيب شقيقه الطفل أحمد دوابشة بجروح وحروق بالغة (الناجي الوحيد من بين أفراد العائلة).
- أحرق المستوطنون الطفل المقدسي محمد أبو خضير (16 عامًا) من حي شعفاط بالقدس حياً في 2 تموز 2014 بعد خطفه والتفنن في تعذيبه.
- مجزرة الحرم الإبراهيمي٬ إذ قتل المستوطن الإرهابي باروخ غولدشتاين 33 فلسطينياً وأصيب 150 آخرين بجروح حين كانوا يؤدون صلاة الفجر يوم 15 رمضان الموافق 25 شباط 1994، إذ فتح النار عليهم وهم سجود، بعد اقتحامه الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل.