قبل نحو شهرين، خيّر وزير الأمن القومي الإسرائيلي
إيتمار بن غفير
، رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو بين السير على نهجه أو مسايرة وزير الدفاع يوآف غالانت بطريقة إدارة الحرب المتواصلة على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقال الوزير اليميني المتطرف بن غفير، آنذاك لإذاعة 94 FM: “على نتنياهو أن يقرر إما طريقي أو طريق غالانت.. لا يمكنه القيام بالأمرين معا”.
ولم تكن تلك التهديدات سحابة عابرة بل وجدت طريقها إلى دائرة الفعل، وفق مراقبين إسرائيليين، عقب اقتحام قاعدتين عسكريتين إسرائيليتين من قبل يمينيين متطرفين يصفهم الإعلام العبري بأنهم محسوبون على حزب “القوة اليهودية” الذي يتزعمه بن غفير.
وطالب الوزير غالانت -المرشح الأوفر حظا لخلافة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لقيادة حزب “الليكود”- بالتحقيق حول إذا كان بن غفير منع الشرطة – التابعة لسلطاته – من التحرك ضد “مثيري الشغب” في قاعدتي “سدي تيمان” و”بيت ليد” جنوب ووسط دولة الاحتلال.
ماذا حصل في قاعدتي “سيدي تيمان” و”بيت ليد”؟
مساء الاثنين 29 يونيو/تموز، سادت فوضى داخل قاعدة “بيت ليد” عقب اقتحام عشرات اليمينيين المحكمة العسكرية داخل القاعدة، احتجاجاً على اعتقال 9 جنود اعتدوا جنسياً على أسير فلسطيني من قطاع غزة بشكل وحشي، ما دفع الجيش لاستدعاء 3 كتائب بعدما كان مقرراً لها أن تدخل قطاع غزة.
وقبلها بساعات شارك نواب ووزراء من الحزب المتطرف “القوة اليهودية” في اقتحام قاعدة “سيدي تيمان” وفق مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، لمنع توقيف الجنود التسعة٬ وهناك حيث يعتقل آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة٬ في ظروف اعتقال تم تشبيهها
كيف يتلاعب ابن غفير بالصلاحيات
لاختراق الجيش؟
وتضم قاعدة “سدي تيمان” العسكرية معتقلا لاحتجاز الفلسطينيين الذين يعتقلهم الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة. ويفترض أن يكون الاعتقال مؤقتا في “سدي تيمان”، لكن تقارير حقوقية تتحدث عن عمليات تعذيب مهولة تجري بحق الفلسطينيين المعتقلين مركز الاحتجاز ذي الشروط غير الإنسانية.
وتخضع القاعدة بما فيها مركز الاعتقال لسلطة الجيش الإسرائيلي والوزير غالانت، فيما تتبع بقية السجون إلى سلطة وزارة الأمن القومي التي يديرها بن غفير.
وكان المحققون الذين وصلوا “سدي تيمان” لاستجواب الجنود التسعة يمثلون النيابة العسكرية، كون المتورطون بعمليات التعذيب جنود. أما في “بيت ليد” التي نقل إليها الجنود المعتقلين للتحقيق، فهي قاعدة فيها محكمة عسكرية وكلاهما تحت مسؤولية الجيش الإسرائيلي.
ويوجد في المحكمة قاض عسكري، في حين يجري التحقيق من قبل النيابة العسكرية الإسرائيلية. وفي حادثة الاقتحام يوم الاثنين، طلب الجيش من الشرطة القدوم لحماية القاعدة، ولم يتدخل لمنع المقتحمين نظرا لأنهم مدنيون.
لكن الشرطة – تخضع لمسؤولية ابن غفير – تأخرت بإرسال قواتها عدة ساعات، الأمر الذي أتاح الوقت الكافي للمحتجين الإسرائيليين باقتحام القاعدتين وإحداث الفوضى.
وينص القانون الإسرائيلي على أن مسؤولية التعامل مع المدنيين داخل إسرائيل تقع حصراً على عاتق الشرطة، ويستثني من ذلك حالات الطوارئ مثل وقوع حدث أمني كبير بحيث تصبح مهمة الجيش مساندة الشرطة. والواضح أن الأحداث التي جرت الاثنين كانت تستدعي تدخل الشرطة التي اتهمها الجيش بالمماطلة المتعمدة لعدة ساعات، ما يشير إلى نوايا مبطنة لدى ابن غفير لإحداث تمرد ضد الجيش.
ابن غفير يحاول فرض “قيم جديدة” واحداث الفوضى
يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس“، عاموس هارئيل في تعليقه على أحداث اقتحام قواعد الجيش: “ما نشهده هو محاولة لقيادة تمرد مليشياوي.. لقد انتظر اليمين المتطرف مثل هذه الفرصة منذ بداية الحرب، والآن ربما حانت الفرصة، فهذه ليست حالة من التماهي العاطفي مع الجنود الذين وقعوا في مشاكل”.
وتابع هارئيل: “اليمين المتطرف يحاول فرض مجموعة قيم على الجيش الإسرائيلي من شأنها أن تسمح بممارسة رقابة ذاتية غير مقيدة في الضفة الغربية مع منع أي إشراف داخلي أو خارجي على تصرفات الجنود والمستوطنين”.
وأوضح أن “تسليم الجيش الإسرائيلي لليمين المتطرف الآن من شأنه أن يدمر الجيش من الداخل، ويؤدي إلى تآكل عميق لما تبقى من انضباطه”. وتابع: “لقد استيقظ رئيس الأركان (هرتسي هاليفي) والمدعية العامة العسكرية (يفعات تومر- يروشالمي) متأخرين على التهديد، ولكن الآن ليس لديهما خيار سوى مواجهته، ولا يمكنهما أن يتوقعا الحصول على أي مساعدة من نتنياهو”.
من جهته٬ قال المعلق الإسرائيلي بن كاسبيت، كتب في مقال على صحيفة “معاريف“، إن إسرائيل ليست على حافة الفوضى، بل هي في حالة الفوضى، ومقاطع الفيديو التي يظهر فيها مئات المدنيين وهم يحاولون هدم بوابات القواعد العسكرية هي “رمز تفككنا”.
وأضاف في مقاله: “عندما تقوم بتحرير شيطان من الزجاجة، فإنك تفقد السيطرة عليه”، مضيفا أن نتنياهو قال إننا على بعد خطوة واحدة من النصر الكامل، لكننا اكتشفنا بالأمس أننا على بعد خطوة واحدة من الحرب الأهلية”. وتابع : “لو كنت في حزب الله، لأخذت فترة من الراحة، لأن اليهود سيقومون بتفكيك أنفسهم بأنفسهم”.
وهاجم بن كاسبيت نتنياهو قائلا، إنه “نشر رسالة “إدانة ضعيفة” أمس طولها سطر ونصف، لقد تبين بالفعل أن ملاك التخريب كان على بعد خطوة من استكمال عمله وهو التدمير النهائي والكامل للحلم الصهيوني”.