الشخص شديد الحساسية النفسية، والذي يرمز له طبيا بـ “SPS”، هو فرد متباين الأعصاب يُعتقد أنه يتمتع بحساسية متزايدة أو أعمق للجهاز العصبي المركزي عندما يتعرض لبعض المحفزات الجسدية أو العاطفية أو الاجتماعية.
إذ أن أغلبية الناس يمكن أن تكون لهم ردّات فعل عنيفة، أو حساسة أمام بعض الأمور الصعبة التي يعانون منها، وهذا يدخل في خانة الطبيعة البشرية، إلا أن أصحاب الحساسية النفسية يبالغون في ردّات الفعل، حتى أمام المشاكل البسيطة، ودائما ما يتم قراءة تصرفاتهم على أنها غريبة أو غير منطقية.
وقد تمت صياغة مصطلح الشخص شديد الحساسية النفسية لأول مرة من قبل علماء النفس إلين آرون وآرثر آرون في منتصف التسعينيات.
فيما نشرت إلين آرون كتابها الأول حول هذا العرض النفسي، حمل عنوان “الشخص شديد الحساسية” في عام 1996، واستمر الاهتمام بالمفهوم في النمو منذ ذلك الحين.
من هو الشخص شديد الحساسية النفسية؟
بشكل عام، تُستخدم كلمة “الحساسية النفسية” لوصف كيفية استجابة الأشخاص للبيئة المحيطة بهم، سواء كانت جسدية أو عاطفية.
فقد يكون هذا الشخص حساسًا جسديًا للبرد، أو عاطفيًا بشكل زائد، الشيء الذي يجعله يعطي ردّات فعل مبالغ فيها في بعض الأحيان، حسب الوضع الذي تعرض له.
هناك إيجابيات وسلبيات للشخص شديد الحساسية النفسية، على سبيل المثال، قد يتجنب الأفلام أو البرامج التلفزيونية العنيفة، ولكن في نفس الوقت قد يتسم بكونه قادرا على خلق علاقات عميقة مع الآخرين.
إلا أنه يجب الإشارة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الحساسية النفسية هم لا يعانون من اضطراب في الصحة العقلية، كما أنه لا توجد طريقة رسمية للتشخيص الطبي، أو اختبار معين يكشف ذلك.
وحسب ما نشرته المجلة الطبية “clevelandclinic”، تقول عالمة النفس تشيفونا تشايلدز، الحاصلة على درجة الدكتوراه: “اعلم أنه من الجيد أن تكون أنت، فـكونك شخصًا شديد الحساسية النفسية يأتي مع مجموعة من نقاط القوة والضعف الخاصة بك، إذا كنت شخصًا شديد الحساسية، فيمكنك أن تعيش حياة غنية وفريدة”.
وهنا يمكن القول إن الشخص الحساس عاطفيًا هو أكثر وعيًا بالمحفزات من حوله، والتي يمكن أن تكون جيدة أو سيئة.
إذ يميل الأشخاص شديدو الحساسية العاطفية إلى الانزعاج من العنف ، الشيء الذي يجعلهم يظهرون مشاعر التأثر الشديدة، وهذا ما يدفعهم إلى تجنب مواقف معينة قد تدخل في هذا الإطار.
كما يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يكونوا مبدعين للغاية وأن يتمتّعوا بمستوى عميق من التعاطف مع الآخرين، في حالات مختلفة.
إذ تقول الدكتورة تشايلدز: “إن الأشخاص شديدي الحساسية يتمتعون ببنية عاطفية وعقلية أعمق من معظم الناس، والأمر لا يتعلق فقط بمشاعرهم، بل يمكن أن يتعلق أيضًا بحساسية القوام والأصوات، لذلك قد لا يحبون التواجد في أماكن بها حشود كبيرة، أو الأضواء الساطعة”.
سمات الشخص الحساس عاطفيا
هناك بعض الخصائص والسمات التي تبدو شائعة لدى الأشخاص شديدي الحساسية النفسية، من بينها نجد:
- تجنب البرامج التلفزيونية أو الأفلام العنيفة.
- إيجاد الجمال في أي شيء تقريبًا، سواء كان فنًا أو شيئًا في الطبيعة.
- الشعور بالإرهاق من الضوضاء والأضواء الساطعة والملابس غير المريحة.
- الشعور بالقلق.
- الشعور بالحاجة إلى وقت فراغ.
- امتلاك حياة خاصة غنية ومميزة.
وعندما يتعلق الأمر بكيفية تفكيرهم وشعورهم، يميل الأشخاص شديدو الحساسية النفسية إلى التفكير في المواقف والتأمل في حياتهم.
إذ يمكنهم أن يجلسوا مع أنفسهم و يجروا محادثات داخلية وأفكارًا عميقة، يمكنهم كذلك التفكير لساعات متواصلة ويكونوا على ما يرام مع ذلك.
لكن في المقابل، قد يكون هؤلاء الأشخاص غير قادرين على القيام بمهام متعددة، أو تشعرهم بالإرهاق السريع، ويميل ذلك إلى النابع من القدرة على الشعور بالتعاطف مع الآخرين.
ما أسباب الحساسية النفسية المفرطة؟
يُعتقد أن كون شخصًا شديد الحساسية على المستوى النفسي يمكن أن يكون سمة وراثية، ولكن قد تكون هناك عوامل أخرى تلعب دورًا مثل بيئته وتجارب الطفولة.
تقول الدكتور تشايلدز في هذا الصدد: “إذا كنت قد تعرضت لصدمة في طفولتك، فمن المحتمل أن تكون شخصًا شديد الحساسية، مع الصدمة، نصبح شديدي اليقظة، إذ ونحن نبحث عن الأشياء الجميلة في الحياة، نبتعد عن تلك التي أشعلت تلك الصدمة”.
من المهم أيضًا ملاحظة أن هناك حالات وسمات مماثلة غالبًا ما يتم الخلط بينها وبين الحساسية النفسية، إذ أن البعض يمكن أن يخلط الانطوائية بالحساسية النفسية، إلا أنهما مختلفان.
في المواقف الاجتماعية، قد ينزعج الانطوائي من المحفزات الاجتماعية مثل التحدث مع الآخرين أو أن يكون جزءًا من مجموعة كبيرة، ولكن بالنسبة للحساس نفسيا، يمكن للأضواء الساطعة والموسيقى الصاخبة أيضًا أن تؤثر على شعوره وتصرفاته.
كما يتم الخلط بين هذه الحالة واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD)، لكن المصابين بـ ADHD غالبًا ما يجدون صعوبة في التركيز أو الانتباه.
يتم كذلك الخلط بين هذه الحالة النفسية واضطراب طيف التوحد (ASD)، لكن الشعور بحساسية عالية ليس علامة على اضطراب طيف التوحد.
إذ يميل الأشخاص المصابون باضطراب طيف التوحد إلى الشعور بفرط الحساسية كنوع من الاستجابة المبالغ فيها، أو قلة الحساسية للمواقف الحسية.
استراتيجيات التأقلم
إذا كنت شخصًا شديد الحساسية النفسية، فهناك استراتيجيات يمكنك استخدامها للمساعدة في التغلب على القلق والشعور بالإرهاق في مواقف معينة، على سبيل المثال:
خصص وقتًا لنفسك: يتضمن هذا أيضًا تجنب المواقف التي تجعلك تشعر بالإرهاق.
كوِّن علاقات وثيقة مع الآخرين: إذ يميل الأشخاص ذو الحساسية النفسية العالية إلى إقامة روابط عميقة مع أشخاص معينين في حياتهم وغالبًا ما يُنظر إليهم على أنهم أصدقاء داعمون.
اصنع قائمة بالامتنان: عندما تستيقظ في الصباح، فكر في ثلاثة أشياء تشعر بالامتنان لها، ثم كرر ذلك في الليل قبل أن تنام أيضًا.
فكر في العلاج بالكلام: إذا كان كونك شخصًا شديد الحساسية يؤثر سلبًا على حياتك، فلا تتردد في التحدث إلى شخص ما، إذ يساعد العلاج بالكلام في إيجاد مهارات التأقلم وإدارة القلق أو الاكتئاب الذي قد يُصاحبه هذا الشعور.