البطلة الأولمبية المغربية نوال المتوكل، التي أضاءت مسارات سباق 400 متر حواجز بذهبيتها التاريخية في أولمبياد لوس أنجلوس 1984، تواصل ترك بصمتها بعيدًا عن أضواء المضمار. في تجسيد جديد لقدراتها القيادية وتأثيرها الرياضي، تم إعادة انتخاب نوال المتوكل نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية، مؤكدة مكانتها كأحد الشخصيات الأكثر تأثيرًا في عالم الرياضة الأولمبية.
هذه الانتخابات ليست فقط تكريمًا لمسيرة نوال الرياضية المتميزة، ولكنها أيضًا شهادة على الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه القيادات النسائية في الهياكل العليا للمؤسسات الرياضية العالمية. إعادة انتخاب المتوكل تأتي في وقت تستمر فيه الأولمبياد في توسيع آفاقها، معززة القيم الأولمبية من خلال التنوع والتضامن والاحترام المتبادل.
فمن هي نوال المتوكل؟ وما أهم الألعاب الأولمبية التي شاركت فيها؟ وما هي المناصب التي تمكن من الحصول عليها؟
من هي نوال المتوكل؟
نوال المتوكل، العداءة المغربية التي خطفت الأضواء في ساحة الرياضة العالمية، وُلدت في 15 أبريل / أيار 1962 بمدينة الدار البيضاء. ترعرعت في عائلة مهتمة بالرياضة؛ فوالدها كان لاعب جودو بارع، ووالدتها مارست كرة الطائرة، مما ساهم في خلق بيئة محفزة لنوال وأشقائها الذين انخرطوا جميعًا في ممارسة ألعاب القوى.
بدأت نوال رحلتها الرياضية في سن 14 تحت إشراف والدها، الذي دعمها بقوة لتتفوق في سباقات الضاحية والسرعة قبل التخصص في سباق 400 متر حواجز، الذي أدرج حديثًا في البطولات العالمية عام 1980.
في عام 1983، غادرت نوال إلى الولايات المتحدة للدراسة بجامعة ولاية آيوا، حيث حصلت على منحة دراسية في التربية البدنية والعلاج الطبيعي. خلال فترتها بالجامعة، لم تقتصر مشاركتها على التحصيل الأكاديمي فحسب، بل تمكنت أيضًا من الفوز بألقاب مهمة في بطولات الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات.
View this post on Instagram
تألقها المتواصل أهّلها للمشاركة في أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984، حيث أحرزت الميدالية الذهبية في سباق 400 متر حواجز، لتُصبح أول امرأة عربية وأفريقية تنال ذهبية أولمبية. هذا الإنجاز الاستثنائي دفع ملك المغرب آنذاك، الحسن الثاني، لتكريمها بإطلاق اسم “نوال” على كل فتاة وُلدت في ذلك اليوم بالمملكة.
نوال المتوكل لم تكتفِ بالتفوق الرياضي وحسب، بل تعدته إلى المجال الأكاديمي والإداري، مما ساهم في تحقيق رؤية أكثر شمولية لتأثير الرياضة في تمكين المرأة وتعزيز الهوية العربية والأفريقية على الساحة العالمية.
المشاركات الرياضة لنوال المتوكل
توجت نوال المتوكل بسلسلة من الألقاب الرفيعة في مسيرتها الرياضية المتميزة. بدأت سيطرتها المحلية في المغرب، حيث نالت لقب بطلة المغرب في سباقات الـ100 متر و200 متر و400 متر حواجز خلال الأعوام 1977 و1978. لم تقتصر هيمنتها على المستوى المحلي فحسب، بل امتدت لتشمل النطاق العربي، حيث أحرزت الألقاب في نفس المسافات.
على المستوى القاري، كان عام 1983 نقطة تحول حاسمة في حياتها المهنية حيث فازت ببطولة أفريقيا في سباق 400 متر حواجز. هذا النجاح الأفريقي تبعه إنجاز دولي مذهل في الولايات المتحدة الأمريكية حيث توجت بلقب البطولة الأمريكية في نفس السباق عام 1984، وهو العام الذي شهد أيضاً تتويجها بالميدالية الذهبية الأولمبية في سباق 400 متر حواجز بدورة الألعاب الأولمبية الثالثة والعشرين في لوس أنجليس.
لم تقتصر إنجازات المتوكل على البطولات الكبرى فحسب، بل أثرت أيضاً تألقاً في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، حيث حصدت الميدالية الذهبية في الدار البيضاء عام 1983 وفي دمشق عام 1987. كما تُوجت بالميدالية البرونزية في الألعاب الجامعية العالمية في كوبي، اليابان عام 1985، وعادت لتعزز رصيدها بذهبية زغرب بكرواتيا في عام 1987.
أهم المناصب التي شغلتها
منذ فوزها التاريخي في أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984، أصبحت نوال المتوكل مصدر إلهام لا ينضب للاعبات الرياضة في جميع أنحاء العالم. تجاوز تأثيرها حدود المضمار لتشغل مجموعة من المناصب الرفيعة التي جسّدت قدرتها على القيادة في المجال الرياضي على المستويين العربي والعالمي.
في عام 1989، بدأت مسيرتها الإدارية بتعيينها عضواً، ثم نائب رئيس لجنة لاعبي الاتحاد الدولي لألعاب القوى، ما يعكس اعتراف الجهات الرياضية العالمية بخبرتها الواسعة.
بحلول عام 1992، انضمت إلى اللجنة الأولمبية الوطنية المغربية، تلتها مهام قيادية أخرى مثل نائب المدير الفني الوطني ولاحقاً نائب الرئيس للاتحاد الملكي المغربي لألعاب القوى في عام 1993. كما عُينت في مجلس الاتحاد الدولي لألعاب القوى عام 1995، وعضو اللجنة الدولية لألعاب البحر الأبيض المتوسط في عام 1998، مما يشير إلى التقدير الدولي المستمر لمساهماتها.
في العقد الجديد، واصلت المتوكل توسيع نطاق تأثيرها، حيث أصبحت عضو مؤسس ونائب رئيس أكاديمية لوريوس الرياضية العالمية في عام 2004، وعضوًا في لجنة كرة القدم النسائية التابعة للفيفا في نفس العام.
تُوجت مسيرتها الإدارية بتعيينها وزيرة للشباب والرياضة المغربية في عام 2007، ورئيسة لجنة الاختيار للألعاب الصيفية لعام 2012، وهي أول امرأة مسلمة تحظى بهذه اللجنة. هذه المسيرة الحافلة بالإنجازات تؤكد دورها كشخصية رائدة في تمكين المرأة وتعزيز الرياضة عالميًا.
نوال المتوكل وأهم الجوائز
حصدت نوال المتوكل على مر السنين على باقة من الجوائز والأوسمة التي تُجسّد تقديراً عالمياً وعربياً لمساهماتها المتميزة داخل الميدان وخارجه. في عام 1983، كُرمت بوسام الاستحقاق الوطني من قبل الملك الحسن الثاني، تقديراً لانجازاتها الباهرة ولدورها في رفع اسم المغرب عاليًا في المحافل الدولية.
تُوجت مسيرتها بتعيينها سفيرة لليونيسف للنوايا الحسنة في عام 1999، مما يعكس التزامها بقضايا الطفولة والتنمية البشرية. واصلت جمع الاعترافات الرفيعة، حيث تسلّمت الميدالية الوطنية من الملك محمد السادس في عام 2004، في لحظة تؤكد الاعتراف الملكي والشعبي بدورها كرمز وطني.
في عام 2005، نالت وسام الاستحقاق الوطني الكبير من الجمهورية التونسية، ما يُبرز اعتراف الدول العربية بتأثيرها الإيجابي في المنطقة. وفي 2011، تم تعيينها سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة لأهداف الألفية للتنمية، وهو تكريم يُسلط الضوء على دورها البارز في دعم الجهود العالمية لتحقيق التنمية المستدامة. هذه الجوائز والأوسمة تُشكل شهادة على مسيرة نوال المتوكل الحافلة بالعطاء والإلهام.