الأخبار

مجدل شمس وأخواتها.. قصة القرى الدرزية الأربع التي بقي سكانها بالجولان، وهل يحمل سكانها الجنسية الإسرائيلية؟

سلط هجوم مجدل شمس الذي أسفر عن مقتل ١٢ شخصاً معظمهم من الأطفال والمراهقين الضوء على دروز الجولان الذين يعيشون في الهضبة السورية التي احتلتها إسرائيل عام ١٩٦٧ وضمتها عام ١٩٨١ في خطوة مخالفة للقانون الدولي ولم تعترف بها أي دولة سوى الولايات المتحدة في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب.

ووقع الهجوم أمس السبت إثر سقوط قذيفة على ملعب كرة قدم، وقال الجيش الإسرائيلي إنه صاروخ أطلقه حزب الله ضمن نحو ٤٠ صاروخاً أطلقها على شمال فلسطين المحتلة والجولان السوري رداً على قتل إسرائيل لأربعة من عناصرهمؤخراً، بينما نفى الحزب مسؤوليته، وأبلغ قوات حفظ السلام الأممية “اليونيفيل” أن شظايا من صواريخ القبة الحديدية هي التي تسببت في الحادث، حسب تقارير إعلامية.

من الصعب تصور تعمُّد حزب الله استهداف القرية ليس فقط لأنه لم يستهدف المدنيين منذ بداية الحرب خوفاً من استهداف المدنيين اللبنانيين من قبل إسرائيل ولكن أيضاً لأن القرية المستهدفة قرية درزية سورية، والدروز الذين بقوا في الجولان المحتل رغم عدم مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن علاقتهم ليست سيئة مع النظام السوري الحليف لحزب الله.

كما أن الدروز يمثلون مكوناً مهماً في لبنان، وبعض قيادييهم حلفاء للحزب مثل طلال أرسلان زعيم الحزب الديمقراطي اللبناني، ووئام وهاب رئيس حزب التوحيد، الذي توترت علاقته مع حزب الله مؤخراً.


وليد جنبلاط يُلَمِّح لدور إسرائيلي ومحاولة لخلق فتنة

كما أن الحزب بات يتعايش مع أبرز قادة الطائفة الدرزية في لبنان ومجمل المنطقة وليد جنبلاطالذي سارع  للتعليق على حادثة مجدل شمس قائلاً: نحذّر مما يعمل عليه العدو لإشعال الفتن ونحن بجانب المقاومة، في تلميح لإمكانية أن تكون إسرائيل مسؤولة بشكل أو بآخر عن الحادثة أو تحاول استغلالها.

واحتج سكان بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل بغضب على توافد الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين على البلدة للمشاركة في تشييع القتلى جراء سقوط صاروخ على أحد ملاعبها، ورفضوا استقبالهم وطالبوهم بالمغادرة.

وقالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن أعضاء الكنيست قوبلوا باستنكار كبير من قِبل أهالي البلدة، الذين اعتبروا قدومهم إلى البلدة للدعاية فقط، ووصفوهم بالقتلة.


قصة القرى الدرزية الأربع التي بقي سكانها في الجولان بعد احتلاله

وتُقَدَّر مساحة الجولان الكلية بـ1860 كيلومترا مربعا، وتشكل نسبة 1% من مساحة سوريا الإجمالية، وتحتل إسرائيل حاليا نحو 1176 كيلومترا مربعا من أراضي الجولان.

ومجدل شمس أكبر القرى الدرزية الأربع في هضبة الجولان المحتلة منذ 1967،إلى جانب بقعاثا ومسعدة وعين قنية، وتضم جميعها نحو 21 ألف ساكن، ويقطن مجدل شمس  نحو 12 ألف شخص.

وتقع مجدل شمس عند سفح جبل حرمون، ورغم محاولة إسرائيل على مدى عقود طمس هوية دروز الجولان، إلا أنهم متمسكون بانتمائهم إلى سوريا.

وعلى غرار سكان بقية الجولان، يتمسك أهالي مجدل شمس بهويتهم السورية، وقاوموا لعقود محاولات إسرائيل فرض قوانينها وهويتها عليهم، وفقًا لتقرير لموقع “الشرق“.

وكانت مجدل شمس تُدار في البداية تحت حكم المحافظة العسكرية الإسرائيلية، وفي عام 1981، صادق الكنيست على قانون مرتفعات الجولان، الذي قضى بدمج المنطقة في نظام المجالس المحلية الإسرائيلي، مما أدى فعليًا إلى ضمها، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“.

هذه الخطوة لم تحظَ باعتراف رسمي سوى من الولايات المتحدة، إبان رئاسة دونالد ترامب في مارس/آذار من عام 2019.

يعتبر سكان مجدل شمس مواطنين سوريين من قبل السلطات السورية، بينما منحتهم إسرائيل الإقامة الدائمة في عام 1981، وأصبح يحق لهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية الكاملة، ومع ذلك، لم يتقدم سوى 20 في المئة من السكان للحصول على الجنسية الإسرائيلية حتى عام 2018.

ويحق لأولئك الذين يتقدمون بطلب للحصول على الجنسية الإسرائيلية التصويت والترشح للكنيست والحصول على جواز سفر إسرائيلي للسفر إلى الخارج.

أما غير المتقدمين للحصول على الجنسية الإسرائيلية، فيتم إصدار جواز مرور لهم من قبل السلطات الإسرائيلية، حيث لا تعترف بجنسيتهم السورية، ويتم تعريفهم في السجلات الإسرائيلية على أنهم “سكان مرتفعات الجولان”.


الجولان به حاليًّا نحو 20 ألفًا من السكان بينما يصل عدد النازحين إلى مليونين

والسكان العشرون ألفًا الحاليون في الجولان لا يمثلون إلا جزءًا ضئيلًا من السكان الأصليين للهضبة قبل أن تحتلها إسرائيل، حيث كان عددهم نحو 130 ألف مواطن في عام 1967.

ويزيد إجمالي عدد سكان الجولان في تجمعات النزوح والمهجر حاليًّا عن مليونين، 98% منهم عرب سنة، والباقي من الشركس والتركمان والدروز والمسيحيين، حسبما ورد في تقرير لموقع الجزيرة.

وقامت إسرائيل بتهجير سكان الجولان بطرق عدة.

ففي اليوم الثاني للحرب، أي في السادس من يونيو/حزيران 1967، بدأت الطائرات الإسرائيلية قصف المواقع العسكرية السورية المنتشرة في كل مكان، ومحيط القرى المأهولة بالسكان التي بلغتها القذائف؛ فبدأ السكان الهروب والاختباء حتى تنتهي الغارات الإسرائيلية، وبعضهم رحل عبر الحدود.

بينما أصر آلاف من السوريين على البقاء في قراهم وبيوتهم، وقد تُرك أمر التعامل مع أولئك للجيش الإسرائيلي، لكن الشيء المؤكد أن الذين غادروا، إلى الجانب السوري شرقي الحدود الجديدة، لم يُسمح لهم بالعودة، بأي شكل من الأشكال.

وفي 11ً يونيو/حزيران 1967 (بعد يوم من انتهاء الحرب) أُلغيت المعاملات النقدية السورية، وحُرم العمال والموظفون بشكل مهين من أجورهم، وأوقفت المعاشات الحكومية لكبار السن والموظفين المتقاعدين، ورفضت الحاكمية العسكرية فتح المحالّ والمتاجر التي بقيت مغلقة، وجُمّع السكان في أحياء خاصة.

ونقل تقرير لموقع الحرمون عن أفيشاي كاتز، من سلاح الهندسة 602 في الجيش الإسرائيلي، في مقابلة مع موقع (نعموش) في 2015: “تلقّيت أوامر بعد الحرب، بتدمير هضبة الجولان فورًا. وكانت الفرق الإسرائيلية تخرج يوميًا لتدمير المنازل، كان هناك عمليات تدمير شامل لقرى كاملة.

واستمر هذا الوضع خمس سنوات تقريبًا، لم يبقَ أي منزل سوري سليمًا”.

وأكدت المؤرخة تابيثا باتران أنه “في الأشهر الستة التي أعقبت الحرب، طردت إسرائيل 95 ألف شخص عن طريق تدمير القرى، وقطع إمدادات المياه والغذاء عنهم، وترافق ذلك مع التهديد بالتعذيب والإعدام لمن يرفض المغادرة”.


وينقل التقرير عن مقابلة

مع مانو شاكيد (قائد الفوج الثالث مشاة في الجيش الإسرائيلي، إبّان حرب الأيام الستة)، اعترافه بوجود أمرٍ غير مكتوب: “التحقق من عبور المواطنين السوريين في الهضبة السورية الحدود والمغادرة وعدم العودة”. وعندما سُئل كيف حدث ذلك؟ أجاب: “أتيناهم وقلنا لهم يجب أن ترحلوا، وكان هناك شركس ودروز ومسلمون (يقصد عرب سنة).

ويقول الضابط الإسرائيلي “كان الشركس في الواقع لطفاء، لكننا لم نطرد الدروز. أتيت إلى قراهم للقائهم، حاملًا معي سلاحيبمرافقة بعض الجنود، واجتمع أمامي رؤساء القرية وتحدثت إليهم قليلًا بالعبرية، وبقليل من الإنجليزية، ثم قال لي أحدهم: (اسمع، أنا درزي، وهذا بيتي، وهذه قريتي، إسرائيل ليست دولتي. إن كنتم جيّدين معنا، فسنكون أصدقاء، وإن قررتم طردنا من أرضنا فسوف نقاتلكم، وإننا نعرف كيف نقاتل. قد تفوز أنت في القتال، لكن عليك إعادة التفكير في كل خياراتك. قلت لهم إنني لن أفعل أي شيء ضدكم”.

وبالتالي، فإن أغلب من بقي من سكان الجولان هم من الدروز.

وبحسب إحصاء السكان في آب/أغسطس 1967 الذي أجرته الإدارة العسكرية في هضبة الجولان، بلغ عدد سكان قرية مجدل شمس ٢٩١٨ نسمة، و ١٤٢٥ في بقعاتا، و ٧٠٥ في مسعدة، و ٥٧٨ في عين قينيا، و ١٧٣ في سحيتا.

سُمح لسكان هذه القرى الدرزية بالبقاء، كجزء من سياسة إسرائيل التي تحاول استمالة الدروز، تمامًا كما حدث في عام 1948 مع دروز فلسطين.

ولم يُجبَر سوى سكان قرية (سحيتا) على ترك قريتهم في عام 1970، حيث كانت قريبة جدًا من الحدود، ثم دُمِّرت لاحقًا، وانتقل معظم سكانها إلى قرية (مسعدة).


قادة دروز فلسطين طلبوا من الاحتلال حسن معاملة دروز الجولان

ومع نهاية حرب الأيام الستة، توجّه قادة الطائفة الدرزية في إسرائيل، إلى رئيس الوزراء ليفي أشكول، ووزير الدفاع موشيه ديان، ووزراء وشخصيات أخرى، وناشدوهم معاملة أبناء الطائفة في الجولان بطريقة حسنة، حسبما ورد في تقرير موقع “الحرمون“.

واعتقد المسؤولون في إسرائيل أن السكان الدروز سيكونون ممتنين جدًا لإسرائيل، بسبب حرصها على سلامتهم وإبقائهم في أراضيهم وقراهم، لكن لم يكن هذا هو الحال معهم. فقد أعلن السكان الدروز رفضهم السلطة الإسرائيلية، وعاملوا الحكومة الجديدة بعدائية، وأعلنوا استمرار ولائهم لسوريا. في بداية تلك الفترة، فُرض حظر تجول ليلي على القرى الدرزية، من الخامسة مساءً حتى الفجر، ومُنعوا من مغادرة القرى نهارًا.

ولكن

دروز الجولان شكلوا خلايا سرية تعمل ضد إسرائيل

بدأ العديد من دروز الجولان في تشكيل خلايا سرية، لجمع معلومات عسكرية ومدنية عن إسرائيل، ونقلها إلى المخابرات السورية، كانت عمليات التسلل عبر الحدود كثيرة جدًا، إذ كانت الحدود في تلك الأيام غير محصنة، وكان الدروز يعبرونها من دون مشكلات، لنقل المعلومات وتلقيتوجيهات وتعليمات.

ورغم انتقادات أشقائهم من دروز إسرائيل، فلقد استمر دروز الجولان في التمسك بموقفهم المعادي لدولة إسرائيل، وتشجيع أطفالهم على ثقافة معادية لها.

ويقول تقرير موقع الحرمون الذي نشر في عام 2021 “لقد بلغ عدد المعتقلين منذ عام 1967، من أبناء السكان الدروز في الجولان، نحو 800 درزي، بتهمة التجسس أو التخريب أو التحريض، وحكم عليهم بالسجن سنوات طويلة. وظل مئات آخرون منهم رهن الاعتقال الإداري لفترات قصيرة، من دون قرار من المحكمة، بعضهم -بحسب الدروز- اعتقلوا ظلمًا وعدوانًا.”

في عام 1980، بدأت الحكومة الإسرائيلية تمهّد الطريق لضم مرتفعات الجولان إلى إسرائيل، عبر إغراء السكان للحصول على الجنسية الإسرائيلية. وقد أثارت تلك المحاولات معارضة شديدة من سكان الجولان، ففي اجتماع عام ومفتوح لجميع سكان قرى شمال الجولان، تقرر فرض مقاطعة كاملة على كل من يحصل على بطاقة هوية إسرائيلية.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 1981، سنّ الكنيست الإسرائيلي قانون مرتفعات الجولان، وباتت السيادة الإسرائيلية على الجولان تطبق فعليًا في المستوطنات الإسرائيلية في الجولان، وسادت في القرى الدرزية أجواء الحزن والغضب.


ما طبيعة علاقة دروز الجولان بسوريا حالياً وهل يحملون الجنسية الإسرائيلية؟

ما تزال هناك صلات وثيقة بين دروز الجولان ووطنهم السوري، خاصة وأن أغلبهم تربطهم بسوريا صلات قرابة.

كما أن الكثير من العائلات المُفرقة بين الدولتين تتلاقى إما في الأردن أو على ما يسمى بـ”وادي الصراخ”، حيث يتواصل الطرفان عبر الحدود بالصراخ. أما القنيطرة، وهي المعبر الحدودي الوحيد بين سوريا والجولان المحتل، فبقيت مفتوحة فقط للطلبة والعرائس والحجاج. كما أن السلعة الوحيدة التي تعبر الحدود هي تفاح الجولان. لكن في أعقاب الحرب الأهلية السورية، تغيرت بعض هذه الصلات بشكل كامل ونهائي، حسبما ورد في تقرير لموقع “دويتش فيله” الألماني.

وتقول صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إن الدروز في مرتفعات الجولان حافظوا على علاقات وثيقة مع سوريا حتى بعد أن ضمّتها إسرائيل فعلياً في عام 1981.

وتشير صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إلى أن من بين 21 ألف درزي يعيشون في أربع بلدات في الجولان، نحو 4300 منهم يُعدّون مواطنين إسرائيليين، بما في ذلك بعض الذين ورثوا “وضعهم القانوني” من آبائهم الذين قبلوا الجنسية سابقاً.

في تقرير سابق، وصفت الصحيفة “دروز الجولان” بأنهم “غير مكترثين” بإسرائيل، ففي عام 2018، لم يُصوّت سوى 272 شخصاً في مجدل شمس، التي يبلغ عدد سكانها نحو 12 ألف نسمة، في الانتخابات المحلية، وهو ما يُنظَر إليه هناك على أنه إضفاء شرعية على الحكم الإسرائيلي.