تعرف قرية “مجدل شمس” بأنها قرية سورية محتلة ذات موقع استراتيجي٬ حيث تقع في الجولان على السفح الجنوبي لجبل الشّيخ٬ (جبل حرمون)٬ وتعد أكبر قرى إقليم البلان في الجولان السوري٬ ومعظم سكانها من الدروز السوريين٬ وتحتلها إسرائيل منذ حرب النكسة عام 1967.
وفي 27 يونيو/تموز 2024 تعرضت القرية لهجوم صاروخي٬ مما أدى إلى سقوط 12 شخصاً (معظم من الأطفال) كانوا متجمعين في ملعب القرية٬ حيث اتهم الاحتلال حزب الله بإطلاق الصاروخ٬ لكن حزب الله نفى مسؤوليته بشكل قاطع عن الحادث٬ حيث أبلغ الحزب الأمم المتحدة أن حادث مجدل شمس تسبب به صاروخ اعتراضي إسرائيلي.
وفي هذا التقرير إليكم كل ما نعرفه عن قرية مجدل شمس السورية المحتلة.
ما هي قرية مجدل شمس السورية المحتلة؟
تعرف “مجدل شمس” بأنها قرية سورية أغلبية سكانها من الطائفة الدرزية وفيها منتمون إلى المسيحية الأرثوذكسية. وتعد مجدل شمس كبرى قرى إقليم البلان في الجولان السوري، الذي تحتله إسرائيل منذ حرب النكسة عام 1967.
حيث اشتهر أهلها بمقاومة جهود الاحتلال الذين حاولوا تطويعهم سياسياً وثقافياً وعسكرياً. وحاول الاحتلال طمس هوية أبناء قرى الجولان على مدار عقود بوسائل مختلفة مثل محاولة منحهم جوازات سفر٬ لكن معظمهم ما زالوا متمسكين بانتمائهم إلى سوريا.
وتقع هذه القرية التي يبلغ عدد سكانها اليوم نحو 11 ألف نسمة٬ على السفح الجنوبي لجبل الشيخ٬ عند مثلث الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين. وتعد كبرى قرى الجولان الخمس المحتلة: مجدل شمس٬ بقعاثا٬ وعين قنية٬ والغجر٬ ومسعدة.
وتمتد مجدل شمس على مساحة 12 كيلو متر مربع في هضبة الجولان التي تُقدر مساحتها بـ 1860 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ أقصى ارتفاعاتها في جبل الشيخ 2814 متراً، بينما تعد منطقة البطيحة أخفض نقطة عن سطح البحر (200 متر).
ويعتمد سكان مجدل شمس بالدرجة الأولى على زراعة الخضار والفواكه خاصة التفاح والكرز، ولا سيما أن القرية يجاورها “سهل اليعفوري” الواقع بينها وبين قرية “مسعدة” على مساحة تقارب 3200 دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، ويعد أقدم منطقة زراعية شمالي الجولان، وفيه بدأت زراعة التفاح بالمنطقة.
تاريخ مجدل شمس
تاريخياً٬ تعود تسمية “مجدل شمس” -التي تعني بالعربية “برج الشمس”٬ إلى العهد الفينيقي، حيث وُجدت آثار لمعبد فينيقي ومعصرة زيتون فينيقية. وبعد العهد الفينيقي خربت القرية وبقيت مهجورة حتى أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، حين وصل إليها عبر فلسطين ثلاثة إخوة من “آل فرحات” وهم عائلة من أصول مصرية.
وبعد دخول المماليك بقيادة الظاهر بيبرس إلى مدينة صفد، هاجرت عائلات أخرى من الدروز والمسيحيين الأرثوذكس إلى مجدل شمس، وأكبر هذه العائلات كانت عائلة صفدي وعائلة شحادة.
وفي منتصف القرن الثامن عشر وصلت إليها عشائر أخرى قادمة من جبل لبنان بعد خسارتها في معركة “عين دارا” والحرب الأهلية الدامية بين عائلتيْ الشهابيين والمعنيين من دروز لبنان. وكان من كبريات تلك العشائر “آل أبو صالح” الذين تعود أصولهم إلى حلب والقبائل الحمدانية.
وإبان الحكم العثماني كانت مجدل شمس مع سائر “إقليم البلان” تابعة لقضاء راشيا في محافظة “جبل لبنان”، وبعد الاحتلال الفرنسي (1920-1946) أصبحت تابعة لمحافظة دمشق في سوريا.
وكانت مجدل شمس -إبان الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925 من أهم معاقل الثوار من الجولان وجبل لبنان٬ بسبب موقعها الجبلي المحصن، وقد أحرقها الفرنسيون ثلاث مرات.
قرية مجدل شمس تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي
احتلتها إسرائيل هضبة الجولان وقراها الخمس خلال حرب عام 1967، ومنذ ذلك الحين بقيت تحت سيطرتها، على الرغم من أن المجتمع الدولي يعترف بها، إلى جانب بقية مرتفعات الجولان، كجزء من سوريا.
خلال حرب النكسة٬ استطاعت دولة الاحتلال بمساعدة الغطاء الجوي الذي وفرته طائراتها بناء طرق وصول إلى مرتفعات الجولان شديدة الانحدار، ثم شنّت هجوماً باستخدام سلاح المدرعات والمشاة، واستطاعت السيطرة على كامل المنطقة.
وحاول الجيش السوري في حرب أكتوبر عام 1973، استعادة الجولان، لكنه أخفق في ذلك، بينما استطاعت دمشق استرجاع مدينة القنيطرة سلمياً إثر انسحاب القوات الإسرائيلية التي أحدثت دماراً كبيراً في المباني قبل مغادرتها، ثم وقّع الطرفان اتفاقية “فضّ الاشتباك” برعاية أممية، والتي أفضت إلى نشر الأمم المتحدة قوات دولية في المنطقة الحدودية.
كانت مجدل شمس تُدار في البداية تحت حكم الحاكم العسكري الإسرائيلي، وفي عام 1981، صادق الكنيست على قانون مرتفعات الجولان، الذي قضى بدمج المنطقة في نظام المجالس المحلية الإسرائيلي، ما أدى فعلياً إلى ضمها. لكن هذه الخطوة لم تحظ باعتراف رسمي سوى من الولايات المتحدة، إبان رئاسة دونالد ترامب في مارس/أذار من عام 2019.
مقاومة الاحتلال والتمسك بالهوية
على غرار سكان الجولان الآخرين، تمسك أهالي مجدل شمس بهويتهم السورية، وقاوموا لعقود محاولات إسرائيل فرض قوانينها وهويتها عليهم.
يعتبر سكان مجدل شمس مواطنين سوريين من قبل السلطات السورية، بينما منحتهم دولة الاحتلال الإقامة الدائمة في عام 1981، وأصبح يحق لهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية٬ ومع ذلك، لم يتقدم سوى أقل من 20٪ من السكان للحصول على الجنسية الإسرائيلية حتى عام 2018 بحسب مصادر إسرائيلية.
أما غير المتقدمين للحصول على الجنسية الإسرائيلية، فيتم إصدار جواز مرور لهم من قبل السلطات الإسرائيلية، حيث لا تعترف دولة الاحتلال بجنسيتهم السورية، ويتم تعريفهم في السجلات الإسرائيلية على أنهم
“سكان مرتفعات الجولان”
فقط.
وفي يوليو/تموز 2010 اضطرت الشرطة الإسرائيلية إلى الانسحاب من مجدل شمس إثر مواجهات مع الأهالي في محيط منزل اقتحمته لتفتيشه، مما أغضب السكان ودفعهم إلى محاصرة أفراد الشرطة واحتجازهم، فدفع ذلك الجيش الإسرائيلي للتدخل. وأفرِج عن أفراد الشرطة المحتجزين بعد أن حصل وجهاء القرية على ضمانات بعدم تكرار الشرطة لمثل هذه المداهمات، وصيانة حرمة البيوت والسكان المدنيين.
وفي 20 يونيو/حزيران 2011 قررت الحكومة الإسرائيلية بناء جدار شائك يبلغ ارتفاعه ثمانية أمتار وطوله أربعة كيلومترات قرب مجدل شمس وتحديدا عند “تل الصيحات” أو “تل الصراخ”، وهي المنطقة التي يتبادل فيها أهالي الجولان الحديث عبر مكبرات الصوت مع أقربائهم داخل سوريا. وقد اكتمل بناء الجدار في عام 2012 وربط بنظيره على الحدود مع لبنان.
وتقول صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية إن الدروز في مرتفعات الجولان حافظوا على علاقات وثيقة مع سوريا حتى بعد أن احتلت إسرائيل المنطقة في عام 1967 وضمّتها فعلياً في عام 1981. وتشير الصحيفة إلى أن من بين 21 ألف درزي يعيشون في 4 بلدات في الجولان٬ تُظهر أرقام وزارة الداخلية أن نحو 4300 منهم حملوا الجنسية فقط.
وفي تقرير سابق، وصفت الصحيفة “دروز الجولان” بأنهم “غير مكترثين” بإسرائيل، ففي عام 2018، لم يصوّت سوى 272 شخصاً في مجدل شمس، التي يبلغ عدد سكانها نحو 12 ألف نسمة، في الانتخابات المحلية، وهو ما يُنظَر إليه هناك على أنه رفض قاطع من السكان لإضفاء شرعية على الحكم الإسرائيلي.