سافرت أول شحنة نفط روسية هذا العام عبر طريق
بحر الشمال الروسي
إلى الصين، ومن المتوقع أن تحذو المزيد من السفن حذوها. حيث أصبح طريق الشحن في القطب الشمالي الذي يبلغ طوله 2500 ميل (4000) كيلومتر، والذي يعبر المياه قبالة التندرا السيبيرية شمال روسيا، لا يُستخدم عادة إلا خلال أشهر الصيف عندما تكون ظروف الجليد أقل حدة.
لكن العقوبات الغربية وهجمات الطائرات بدون طيار التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر على السفن التي تتجه إلى إسرائيل٬ عززت جاذبية طريق بحر الشمال باعتباره أقصر ممر بين الموانئ في روسيا الشمالية والصين.
العقوبات الغربية وهجمات الحوثيين تعزز مكانة طريق بحر الشمال الروسي
تقول وكالة bloomberg الأمريكية إنه في العام الماضي 2023، شهد الممر المائي مرور 36 مليون طن من البضائع، وهو رقم قياسي، وأكثر من نصفها كان من الغاز الطبيعي المسال فائق التبريد، وفقاً لشركة روساتوم، وهي شركة طاقة روسية تدير أيضاً طريق البحر الشمالي.
ورغم أن رحلات الشحن قد تكون مرهقة، وخاصة إذا احتاجت السفن إلى مساعدة كاسحات الجليد، فإن الهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون في اليمن في البحر الأحمر جعلت هذا الطريق خياراً أكثر أماناً. وربما تختار المزيد من الناقلات استخدام طريق بحر الشمال الروسي في محاولة لتجنب صواريخ الحوثيين وتوصيل شحناتها إلى المشترين حول العالم بسرعة أكبر٬ بحسب بلومبيرغ.
وكانت سفينة “شتورمان أوفتسين” أول ناقلة نفط تستغل الممر هذا العام وقد قطعت بالفعل أكثر من نصف رحلتها. وتعد الرحلة غير عادية بالنسبة لهذه الناقلة الصغيرة، التي تنقل عادة شحنات من محطة “أركتيك جيتس” التابعة لشركة “غازبروم” على خليج “أوبي” إلى ميناء مورمانسك غرب روسيا.
وفي أواخر يونيو/حزيران 2024، حملت الناقلة حمولتها كالمعتاد، لكنها اتجهت شرقاً بدلاً من الغرب عندما دخلت بحر كارا، وهي الآن في طريقها إلى ريزهاو، وهو ميناء صيني شمال شنغهاي، حيث قد تخضع، مثل العديد من الناقلات الروسية الأخرى، للصيانة بالإضافة إلى انزال حمولتها.
ومن المقرر أن تصل ثلاث ناقلات نفط مملوكة لمجموعة ناقلات النفط الروسية سوفكومفلوت إلى “مورمانسك” قبل نهاية الشهر. وقد عبرت كل من السفينتين NS Arctic وSCF Baltica طريق بحر الشمال الروسي العام الماضي، وبمجرد تحميلهما، فمن المرجح أن تتجها إلى الصين عبر الساحل الشمالي لروسيا. وبالنسبة للسفينة SCF Baikal، فإن طريق بحر الشمال الروسي سيكون منطقة جديدة.
وتتجه ناقلتان أخريان، مملوكتان أيضاً لشركة سوفكومفلوت، من الصين إلى مضيق بيرينغ وستقومان برحلة غرباً إلى “مورمانسك”. ومن المقرر تسليم الناقلتين العاملتين بالغاز الطبيعي المسال “كوروليف بروسبكت” و”فيرنادسكي بروسبكت” الروسيتين هذا العام بموجب عقد إيجار لمدة عشر سنوات لمشروع “سخالين 2”.
هل يكون بديلاً لقناة السويس؟
في 6 أكتوبر/أيلول 2023، أعلنت موسكو وصول أول سفينة من الصين عن “طريق بحر الشمال” الذي يربط آسيا بأوروبا عبر القطب الشمالي، ليكون واحداً من طموحات موسكو الكبيرة لتطوير تجارتها الدولية. إذ قال الحاكم الإقليمي أنتون أليخانوف على تلغرام: “وصلت اليوم أول سفينة إلى منطقة كالينينغراد عبر طريق بحر الشمال”.
حينها٬ قال الحاكم الإقليمي إن السفينة غادرت شنغهاي عبر أرخانغيلسك (شمال روسيا)، قبل أن تصل إلى بالتييسك في منطقة كالينينغراد، وهي جيب روسي على أبواب الاتحاد الأوروبي. وتخطّط شركات النقل لضمان إمكانية استخدام هذا الطريق بشكل دائم، وهو يسمى أيضاً الممر الشمالي الشرقي. وقال أليخانوف: “سيكون أرخص وأسرع من المرور عبر قناة السويس”.
وتأمل موسكو أن يتمكّن هذا الطريق عبر القطب الشمالي، والذي أصبح سالكاً أكثر بفعل ظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان الجليد، من أن ينافس في المستقبل قناة السويس في تجارة المحروقات على وجه الخصوص.
وخلال السنوات الأخيرة، تقوم روسيا ببناء البنية التحتية للموانئ، ومنشآت الغاز الطبيعي المسال، وكاسحات الجليد في هذه المنطقة. لكنّ التنقّل في الظروف القاسية للقطب الشمالي يظلّ تحدّياً كبيراً، وقد لا يزال هذا الطريق بعيداً عن أن يحلّ محل قناة السويس.
وقد اكتسب الطموح الروسي لتطوير التجارة عبر هذا الطريق البحري أهمية أكبر بالنسبة للكرملين، في ظل اعتماد العديد من الإجراءات العقابية بسبب هجوم موسكو على أوكرانيا، الأمر الذي يضعف التجارة الروسية٬ والآن تساهم هجمات الحوثيين في البحر الأحمر في تعزيز جاذبية هذا الطريق الروسي.
طموحات روسيا في القطب الشمالي
أكبر من ممر شحن دولي
ويؤدي ذوبان القمم الجليدية نتيجة الاحتباس الحراري إلى فتح طرق شحن جديدة في القطب الشمالي، وهو ما تخشى البلدان الغربية من أنَّه قد يقود إلى زيادة في التنافس. ويمكن للسفينة العادية التي تستخدم “طريق بحر الشمال”، أن تقلص زمن الرحلة من شنغهاي إلى روتردام بنحو أسبوعين مقارنة بالطرق الحالية.
في الوقت نفسه٬ يقول تقرير لمركز أبحاث Civitas البريطاني نشر عام 2022 والذي جاء بعنوان “The Next Front? Sino-Russian expansionism in the Arctic and a UK response” (الجبهة التالية؟ التوسع الصيني – الروسي في القطب الشمالي ورد المملكة المتحدة)، أنَّ هذه المنطقة تمتلك موارد هائلة غير مستغلة، بما في ذلك إمدادات من المعادن الأرضية النادرة التي تزداد أهميتها أكثر فأكثر.
ووفقاً للأرقام الواردة بالتقرير، تُقدَّر مكامن عناصر مثل الزنك والنيكل والرصاص في المنطقة بتريليون دولار، وتُقدِّر روسيا مخزونات المعادن في القطب الشمالي بأكثر من 30 تريليون دولار. ويُقدَّر أيضاً وجود ثلث الغاز الطبيعي غير المُستكشَف في العالم تحت القطب الشمالي.
ويحذر التقرير من أنَّ الموارد الطبيعية الروسية الهائلة غير المُستكشَفة في القطب الشمالي قد تسمح لروسيا بتحويل إمدادات النفط والغاز إلى الصين عبر طريق بحر الشمال. ووفقاً للتقرير٬ أعادت روسيا فتح 50 نقطة عسكرية تعود إلى الحقبة السوفييتية، بينها 13 قاعدة جوية و10 محطات رادار. وقامت مؤخراً بتجديد قاعدة ناغورسكوي الجوية، وهي نقطة اتصالات تعود إلى حقبة الحرب الباردة في جزيرة ألكسندرا لاند القطبية وهي أقصى قاعدة عسكرية روسية باتجاه الشمال، وقد مدَّت مدرجها كي تجعله متوافقاً مع كل أنواع الطائرات العسكرية، بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية.