في ظل الاضطرابات الجيولوجية المتزايدة التي شهدها البحر الأبيض المتوسط مؤخرًا، تتجه الأنظار نحو البراكين النشيطة التي تختبئ تحت سطح هذه المياه العميقة. تثير هذه الظاهرة الطبيعية المتجددة قلق العلماء والمواطنين على حد سواء، إذ تعمل هذه البراكين على إعادة طرح السؤال القديم: هل يمكن أن تؤدي هذه النشاطات البركانية إلى كوارث طبيعية مثل موجات التسونامي؟
وكانت منطقة البحر الأبيض المتوسط شهدت مؤخرًا ظاهرة انحسار غير معتاد لمياه البحر عن بعض الشواطئ، مما أثار الريبة والتكهنات حول ما إذا كان هذا الانحسار ينذر بتحركات جيولوجية خطيرة تحت السطح.
فما هي البراكين النشطة في حوض الأبيض المتوسط؟ وهل يمكن أن تتسبب في أمواج تسونامي خطيرة؟ وهل سبق أن تسببت في كارثة مماثلة عبر التاريخ؟
براكين نشطة في البحر الأبيض المتوسطة
في منطقة البحر الأبيض المتوسط، توجد عدة براكين نشطة، وتُعتبر هذه المنطقة من النقاط الجيولوجية الحيوية بسبب تأثيرها على النشاط البركاني والزلازل المحتملة. ضمن قائمة أبرز البراكين النشطة في هذه المنطقة نجد:
-
بركان جبل إتنا
:
يقع هذا البركان في صقلية بإيطاليا، وهو واحد من أكثر البراكين نشاطًا في العالم. يشهد إتنا ثورانات متكررة، وقد تم تسجيل نشاط بركاني متزايد في السنوات الأخيرة.
-
جبل سترومبولي
:
يُعرف هذا الجبل أيضًا بـ “منارة البحر الأبيض المتوسط” نظرًا لنشاطه البركاني المستمر الذي يمكن رؤيته من على بُعد كبير. يقع هذا البركان في جزيرة سترومبولي بإيطاليا.
-
جزيرة فولكانو
:
جزء من أرخبيل الإيوليان القريب من إيطاليا وموطن لبركان فولكان، وهو واحد من البراكين التي لديها تاريخ طويل من النشاط البركاني، بما في ذلك الثورانات المتفجرة والانفجارات البخارية.
-
جبل فيزوف
:
يقع هذا البركان بالقرب من نابولي، إيطاليا، وهو أحد أشهر البراكين في العالم، بسبب دماره الشهير لمدينتي بومبي وهيركولانيوم في عام 79 ميلاديًا. يظل جبل فيزوف نشطًا ويتم مراقبته بعناية شديدة نظرًا للتهديد الذي يمثله على المناطق المأهولة المجاورة.
-
جبل نيسيروس
:
يقع هذا البركان في دوديكانيز، اليونان. على الرغم من أن ثوراناته ليست متكررة مثل بعض البراكين الأخرى، فإن نيسيروس يعتبر بركانًا نشطًا ويشتهر بحماماته الطينية الحرارية.
تحظى كل هذه البراكين بمتابعة دقيقة من قبل العلماء والجهات المعنية بالجيولوجيا والكوارث الطبيعية، وذلك بسبب تأثيرها المحتمل على المناطق المحيطة بها وعلى سلامة السكان.
تاريخ بركان جبل إتنا
أدى نشاط بركان جبل إتنا في 23 يوليو/ تموز 2024 إلى إلغاء العديد من رحلات الطيران في صقلية، فيما ربط البعض علاقة البركان في انحسار البحر في العديد الشواطئ بالبحر الأبيض المتوسط.
يقع بركان جبل إتنا في قلب جزيرة صقلية الإيطالية، يُعد من أكثر البراكين نشاطًا في العالم، وقد شهد تاريخًا طويلًا من الثورانات التي أثرت على المنطقة المحيطة به. على مدى القرون، أدت ثوراناته إلى تدمير القرى والمزارع المجاورة، وتغيير المناظر الطبيعية بشكل جذري.
ومع ذلك، لا توجد أدلة علمية مباشرة تربط بين نشاط جبل إتنا وحدوث تسونامي كبير، نظرًا لأن تسونامي يتطلب عادة حركات تكتونية تحت الماء لا تتصف بها البراكين البرية مثل إتنا. بالرغم من ذلك، تُسجل في المنطقة زلازل غالبًا ما ترتبط بالحركة الجيولوجية الناتجة عن النشاط البركاني، مما يعزز من تأثيره على الاستقرار الجيولوجي للمنطقة.
وفقًا للمعهد الوطني للجيوفيزياء والبراكين في إيطاليا، يُعتبر جبل إتنا مصدر قلق دائم للعلماء الذين يحاولون فهم ومتابعة تطوراته البركانية لتقليل الأضرار المحتملة على السكان المحليين.
بركان جبل سترومبولي
منتصف شهر يونيو/ تموز الحالي شهدت إيطاليا نشاطًا بركانيًا ملحوظًا؛ حيث ثار بركان سترومبولي الموجود في جزيرة صغيرة بالقرب من صقلية. أطلق البركان كميات كبيرة من الرماد والغبار الساخن إلى الغلاف الجوي، وصاحب ذلك تدفق غزير للحمم البركانية.
جبل سترومبولي، الواقع على جزيرة سترومبولي في أرخبيل الإيوليان شمال صقلية بإيطاليا، يُعتبر هو الآخر واحدًا من البراكين النشطة في البحر الأبيض المتوسط وفي العالم. يُطلق عليه أحيانًا اسم “المنارة الدائمة للبحر الأبيض المتوسط” بسبب ثوراته المستمرة التي يمكن مشاهدتها من البحر، وهو مشهور بنوع خاص من النشاط البركاني يُعرف بـ “الانفجار السترومبولياني”.
هذا النوع من الثورانات يتميز بانفجارات متكررة ومعتدلة القوة تطلق كميات كبيرة من الصهارة والرماد والقذائف البركانية.
عبر التاريخ، كانت ثورات سترومبولي مصدر إلهام ورهبة. البركان نشط بشكل مستمر تقريبًا منذ حوالي 2500 سنة، ونشاطه المستمر يجعله موضوع دراسة مكثفة للعلماء الذين يرغبون في فهم ديناميكيات البراكين النشطة. رغم أن ثوراناته لا تُسبب عادة دمارًا واسع النطاق مثل تلك التي تحدث في براكين أخرى، فإنها يمكن أن تؤدي أحيانًا إلى إجلاء السكان المحليين كإجراء احترازي.
الثوران الأخير في يونيو/ حزيران 2019 كان أحد الأمثلة على قوة سترومبولي، حيث أدى إلى حدوث تدفقات بركانية وانفجارات أرسلت الرماد البركاني إلى ارتفاعات شاهقة. البركان لم يُظهر أي دلائل على الهدوء ويستمر في تذكير العالم بقوة الطبيعة الغير قابلة للتنبؤ.
بركان جزيرة فولكانو في إيطاليا
بركان جزيرة فولكانو “Vulcano“، الذي يعطي اسمه لكلمة “بركان”، هو أحد البراكين النشطة في أرخبيل الإيوليان شمال صقلية بإيطاليا. يُعرف البركان بمظاهره الجيولوجية المتميزة، بما في ذلك فوهته الكبريتية والحمامات الطينية الحارة التي تجذب السياح من جميع أنحاء العالم.
بركان فولكانو له تاريخ طويل من النشاط، وقد شهد عدة ثورانات كبرى عبر القرون. الثوران الأخير الذي كان له تأثير ملحوظ وقع في القرن العشرين، مما أدى إلى إجلاء مؤقت للسكان المحليين. منذ ذلك الحين، استمر النشاط البركاني في صورة انبعاثات غازية وزلازل صغيرة، مما يشير إلى أن البركان لا يزال نشطًا.
العلماء يراقبون بركان فولكانو بعناية فائقة، خاصة بسبب قربه من مناطق مأهولة بالسكان والتأثيرات المحتملة لأي نشاط بركاني مستقبلي. الفهم العميق لدوراته البركانية والتغيرات في نشاطه يعتبر حيويًا لتقديم تنبؤات دقيقة واتخاذ إجراءات وقائية لحماية السكان والزوار.
كان السبب في دمار مدينة.. بركان جبل فيزوف
جبل فيزوف، الواقع في خليج نابولي بإيطاليا، يُعد واحدًا من أشهر البراكين في العالم بفضل تاريخه الدرامي وثوراناته الكارثية. أبرز ثوراناته وقعت في العام 79 ميلادي، حيث دُمرت المدن الرومانية بومبي هيركولانيوم تحت طبقات سميكة من الرماد والحمم البركانية، مما أودى بحياة الآلاف وحفظ المدن في حالة تجمد زمني تقريباً، وتُظهر الأطلال المكتشفة مدى الدمار الذي تسبب به هذا البركان.
فيزوف لا يزال نشطًا ويُعتبر من البراكين الأكثر خطورة نظرًا لكثافة السكان المحيطين به، حيث يعيش ملايين الأشخاص في نطاق الخطر المحتمل لثوراناته. وقد وقعت آخر ثوراناته المهمة في عام 1944، مما أدى إلى دمار واسع وإجلاء الآلاف. منذ ذلك الحين، يتم مراقبة البركان بشكل مستمر من قبل العلماء لتقدير أي تغييرات قد تنذر بنشاط مستقبلي.
جبل فيزوف، بسبب موقعه البري وليس تحت الماء، ليس من المرجح أن يُسبب مباشرة تسونامي عند ثورانه. تسونامي عادةً ما يحدث نتيجة للزلازل تحت الماء أو الانهيارات الأرضية البحرية التي تحرك كميات كبيرة من الماء. بينما فيزوف يقع على اليابسة وثوراناته، على الرغم من كونها مدمرة، لا تؤدي عادة إلى الظروف التي تُسبب موجات تسونامي.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن ثورانات البراكين الكبيرة يمكن أن تُسبب زلازل أو انهيارات أرضية يمكن أن تؤدي إلى تسونامي إذا حدثت في المناطق الساحلية أو قرب المياه. على سبيل المثال، لو حدث انهيار أرضي كبير نتيجة ثوران فيزوف وتأثر به منطقة ساحلية قريبة، فقد يكون هناك إمكانية نظرية لتحريك كمية كافية من الماء لإحداث تسونامي. ولكن، هذا السيناريو ليس شائعًا ويُعتبر نادرًا بالنسبة لهذا البركان.
البركان اليوناني في جبل نيسيروس
جبل نيسيروس، واقع في جزيرة نيسيروس ضمن مجموعة جزر دوديكانيز في اليونان، هو بركان نشط يُعرف بتاريخه الجيولوجي المعقد ونشاطه البركاني المتقطع. يعتبر هذا البركان من النوع الكالديرا، حيث يتميز بوجود حفرة كبيرة تشكلت نتيجة لانهيار البركان بعد ثورانات كبرى.
الثوران الأكثر شهرة لجبل نيسيروس وقع في العصور القديمة، وقد ترك دلائل على قوته في الرواسب البركانية المنتشرة على الجزيرة. وعلى الرغم من أن نشاطه البركاني في العصور الحديثة لم يكن مدمرًا بشكل واسع، إلا أن الجزيرة تشهد زلازل بركانية وانبعاثات غازية دائمة تُظهر استمرار نشاط البركان تحت السطح.
العلماء يراقبون بانتظام حالة جبل نيسيروس، خاصةً النشاط السيزمي والتغيرات الحرارية المرتبطة بالبركان، وذلك لتقدير مدى احتمالية حدوث ثوران جديد. السياح يزورون الجزيرة ليشهدوا الحمامات الطينية الحارة وفتحات البخار الطبيعية التي تُعد من مظاهر النشاط البركاني السطحي الذي يميز نيسيروس.
على الرغم من الهدوء النسبي في السنوات الأخيرة، يظل جبل نيسيروس موضوعًا للدراسة العلمية المستمرة، حيث يسعى الباحثون لفهم أفضل للعمليات الجيولوجية التي تتحكم في نشاطه البركاني وتأثيراته المحتملة على المنطقة.
هل يمكن أن تتسبب البراكين في موجات تسونامي؟
تنشأ التسونامي البركانية من خلال آليات مختلفة، رغم أن هذه الأحداث نادرة مقارنةً بتلك التي تسببها الزلازل. يجب توفر ظروف جيولوجية محددة لحدوث تسونامي بركاني، غالبًا ما تتضمن التفاعل بين بركان وجسم مائي كبير.
أولاً، يمكن أن تحدث التسونامي البركانية نتيجة لانفجارات بركانية مفاجئة وعنيفة تزيح الماء. يمكن أن يحدث هذا الزحزحة عندما ينهار بنية البركان في البحر أو عندما يصل تدفق بيروكلاستي إلى الماء، مما يسبب زحزحة سريعة وتكوين أمواج تسونامي. الأمثلة التاريخية مثل ثوران كراكاتوا في عام 1883 تسلط الضوء على القدرة التدميرية لمثل هذه الأحداث، حيث دمرت تسوناميات ضخمة المناطق الساحلية المحيطة، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح.
آلية أخرى تتضمن انهيارات ضخمة للمنحدرات أو الانزلاقات الأرضية من جزيرة بركانية إلى البحر. يمكن أن يحدث هذا تدريجيًا أو فجأة، بناءً على النشاط البركاني والبنية الجيولوجية للجزيرة. على سبيل المثال، تمت دراسة جزر الكناري لاحتمالها في توليد تسوناميات كبيرة من خلال انهيارات الأجنحة. ومع ذلك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن تسوناميات “الميجا”، التي قد تؤثر على مناطق بعيدة عن المحيط الفوري، أقل احتمالًا مما كان يُعتقد سابقًا بسبب الطبيعة التدريجية لهذه الانهيارات وتقنيات التصوير المتقدمة.
التسوناميات البركانية هي خطر طبيعي كبير مرتبط بأنواع معينة من النشاط البركاني، خاصة في المناطق حيث تلتقي البراكين النشطة بأجسام مائية كبيرة. هذه الأحداث، على الرغم من ندرتها، تذكرنا بالطبيعة الديناميكية وغالبًا ما تكون غير متوقعة لعمليات الأرض الجيولوجية.
براكين البحر الأبيض المتوسط و حدوث التسونامي
حسب موقع “eskp” التابع لمنصة معرفة نظام الأرض يمكن لبراكين في منطقة البحر الأبيض المتوسط أن تسبب تسونامي. تاريخيًا، هناك حوادث مثبتة حيث أدت الثورات البركانية إلى تسونامي في هذه المنطقة. على سبيل المثال، في عام 1650 قبل الميلاد، تسببت ثورة بركان ثيرا في جزيرة سانتوريني اليونانية بحدوث تسونامي، مشابهًا للزلزال الذي حدث في بحر إيجه في عام 1956.
هذه الأحداث تظهر أن البراكين النشطة على طول مناطق الاندساس يمكن أن تكون مصدرًا للتسونامي في البحر الأبيض المتوسط.