لحظة توتر نادرة شهدتها واشنطن بسبب خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ المثيرة للانقسام، والتي بدت أقل دفئًا مما ظهرت عليه على الشاشات.
ففي أروقة الكونغرس، كان التوتر لافتًا حيث قاطع نحو نصف الديمقراطيين الجلسة، بينما رفعت النائبة ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طليب لافتة تحمل كلمة “مجرم حرب”، فيما شغل الأعضاء الجمهوريون الأماكن الشاغرة في الجزء الذي يشغله الديمقراطيون عادة في القاعة.
واستغل نتنياهو الاحتفاء الجمهوري ليحرض ضد المتظاهرين المناهضين للحرب رغم أن كثيرًا منهم محسوبون على الديمقراطيين.
وبينما صفق الجمهوريون بحرارة مرارًا خلال إلقاء نتنياهو كلمته، فإن الديمقراطيين بدوا أقل حماساً
وسارع كثير منهم إلى مغادرة القاعة فور انتهاء نتنياهو من إلقاء كلمته.
وجاءت الدعوة المثيرة للجدل لنتنياهو من رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، وهو جمهوري.
ولكن اللافت أن السناتور باتي موراي، ديمقراطية من واشنطن ورئيس مجلس الشيوخ المؤقت، تجنبت حضور الخطاب وسلمت مهمة رئاسة الحدث إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السناتور بن كاردين، الديمقراطي من ماريلاند.
كما غابت مجموعة من أبرز نجوم الديمقراطيين، مثل السناتور بيرني ساندرز، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، ورئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ ديك دوربين، ورئيس مجلس الشيوخ المؤقت باتي موراي، والسناتور بيرني والسناتور إليزابيث وارين، والنائب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز.
أمريكيون يشعرون بالغضب بسبب حضور نتنياهو للكونغرس رغم اتهامات المحكمة الدولية
ويأتي خطاب نتنياهو أمام الكونغرس بعد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحقه وبحق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وثلاثة من قيادات حركة حماس.
وقالت جيسيكا بليسكا، المتظاهرة المؤيدة للفلسطينيين والتي حملت لافتة تصف نتنياهو بـ “ساتنياهو”، إنها قادت السيارة لمسافة 11 ساعة من ميشيغان للتظاهر ضد خطابه.
وأضافت لصحيفة the Guardian البريطانية “أشعر بخيبة أمل في حكومتنا. إن حقيقة دعوة الشخص يرتكب جرائم الحرب هذه إلى الكونغرس أمر خبيث.
وقالت “أعتقد أنه من الرائع أن يقاطع الناس”. “أعتقد أنه يظهر ضرورة أخلاقية بين الجماهير للخروج والاحتجاج، ليس هنا في الشوارع فحسب، بل في الكونغرس أيضًا”.
وهاجم نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية التي سبق أن أكدت أن إسرائيل تجوع الفلسطينيين في غزة متهما إياها بـ”الهراء والتلفيق”.
وتواصل تل أبيب حربها على غزة متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح جنوب غزة، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.
وخلا خطاب نتنياهو من كلمة وقف إطلاق النار، حيث لم ينطق بها نتنياهو ولو مرة واحدة، على الرغم من أسابيع من المفاوضات مع حماس وإصرار إدارة بايدن على أنه تم الاتفاق بالفعل على “إطار عمل”. وبعد وقت قصير من الخطاب، أقر مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية بأنه ربما لا تزال هناك بعض “قضايا التنفيذ الخطيرة للغاية التي لا يزال يتعين حلها”.
احتجاجات ضخمة في واشنطن
وجاء خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي، وسط احتجاجات ضخمة لآلاف المؤيدين لفلسطين في شوارع واشنطن مطالبين بوقف الحرب ووقف تزويد إسرائيل بالسلاح.
وفي الشوارع خارج مبنى الكابيتول، نشرت الشرطة الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل مع تحول الاحتجاجات إلى مشاجرة شديدة الارتباك لدرجة أن المتظاهرين المناهضين لنتنياهو من فصائل مختلفة انتهى بهم الأمر إلى الاشتباك بغضب مع بعضهم البعض.
وعلى الرغم من أعمال العنف، أعرب المتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين والمُؤيِدون لإسرائيل عن إحباطهم من رئيس الوزراء الإسرائيلي والحرب التي أودت بحياة الآلاف دون أن يلوح حل في الأفق.
وقال براد يونغ، وهو مواطن أمريكي إسرائيلي مزدوج الجنسية من ولاية كارولينا الشمالية، إنه “يؤيد بشدة حق إسرائيل في الوجود ولكنني أعتقد أن الحكومة الحالية فاسدة ولا تتصرف بشكل صحيح في مصلحة إسرائيل أو أي طرف في المنطقة. من المشين أن يكون بيبي [نتنياهو] هنا ويتحدث إلى الكونغرس في حين ينبغي عليه التركيز على إبرام الصفقة وإعادة الرهائن إلى الوطن”.
نتنياهو يثير الانقسامات بين الأمريكيين
ورد نتنياهو أيضًا على منتقديه الديمقراطيين في الكونغرس وعلى الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد بسبب تعامل إسرائيل مع الصراع.
فعندما اعتلى المنصة أخيرًا يوم الخميس، سارع نتنياهو إلى الخوض في الحروب الثقافية الأمريكية التي قسمت الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية.
واستغل نتنياهو الخطاب لانتقاد ثقافة اليقظة وحركة الاحتجاج المؤيدة للفلسطينيين، مُرددًا نقاط الحديث التي يتحدث عنها الجمهوريون في الوقت الحالي. وهاجم منتقدي الحرب الإسرائيلية في غزة باعتبارهم إما موجهين من قبل إيران أو معادين للسامية.
ووجّه كلمات قاسية بشكل خاص للمتظاهرين، واصفًا بعضهم بـ”أغبياء إيران المفيدين” واتهمهم بالوقوف “مع الشر”. كما أدلى بواحدة من أكثر تصريحاته إثارة للانقسام عندما قال إن أولئك الذين يدعمون المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين “يجب أن يخجلوا من أنفسهم”.
وحاول نتنياهو أن يخلق تماهياً بين إسرائيل وأميركا حيث هاجم المتظاهرين ضد إسرائيل، واتهمهم بأنهم يريدون تدمير الولايات المتحدة، معتبراً أن انتصار إسرائيل هو انتصار للولايات المتحدة الأمريكية.
كما زعم أن “المتظاهرين أمام الكونغرس أصبحوا لعبة في أيدي إيران”، وادعى أن طهران تمول الاحتجاج ضد إسرائيل، دون تقديم أدلة على مزاعمه.
سناتور بارز يرفض هجومه على المتظاهرين الأمريكيين
وأشاد نتنياهو بالرئيس جو بايدن لاستمراره في دعم إسرائيل وشَكَره على الدعم الأمريكي في إسقاط هجوم إيراني بطائرة بدون طيار في وقت سابق من هذا العام. لكن في الوقت نفسه، أدلى بتصريحات تستهدف بوضوح إدارة بايدن بشأن بعض سياساتها تجاه إسرائيل، بما في ذلك حجب القنابل الثقيلة: “أعطونا الأدوات بشكل أسرع وسننهي المهمة بشكل أسرع”.
وقال السناتور الديمقراطي بن كاردين، الذي جلس على المنصة بدلًامن نائبة الرئيس كاميلا هاريس، إنه سعيد لسماع نتنياهو يدلي بتعليقات إيجابية بشأن بايدن، رغم أنه لم يكن مسروراً بتعليقاته بشأن المتظاهرين الأمريكيين.
وقال السناتور الديمقراطي كريس ميرفي إنه يعتقد أن خطاب نتنياهو يعيق العلاقات بين البلدين. وقال على موقع X: “كان من المدهش سماع التقليل من أهمية الأزمة الإنسانية”.
وأضاف: “كان من الأفضل لنتنياهو أن يقضي هذا الوقت في وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لإعادة الرهائن وإنهاء الحرب، بدلاً من المجيء إلى هنا للتعليق على السياسة الأمريكية”، حسبما نقلت عنه وكالة Reuters.
وأحجمت الغالبية العظمى من الديمقراطيين عن أي تصفيق ردًا على ذلك، ولا سيما الديمقراطيون الثلاثة الأوائل في مجلس النواب، زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، وهو ديمقراطي من نيويورك، وزعيمة الأقلية في مجلس النواب كاثرين كلارك، ديمقراطية من ماساتشوستس، ورئيسة التجمع الديمقراطي بمجلس النواب بيت أغيلار.
تقول صحيفة USA Todayالأمريكية “ربما لم يكن الترحيب العام الذي حظي به نتنياهو في قاعات الكونغرس دافئًا كما كان يرغب. وتخطى العشرات من المشرعين الديمقراطيين خطابه احتجاجًا على قيادة نتنياهو في الحرب، التي خلفت ما يقرب من 40 ألفًا من سكان غزة. والديمقراطيون الذين لم يحضروا خطاب نتنياهو لم يقتصروا على المشرعين التقدميين الذين كانوا من أشد منتقديه في الكونغرس”.
وتقول “كان المزاج متوتراً، حيث دخل نتنياهو القاعة وسط تصفيق حار من الجمهوريين، لكنه لم يلق أي حماسةتقريبا من الديمقراطيين. وأثناء خروجه من الممر وهو يصافح المشرعين، سار بجوار زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، الديمقراطي عن ولاية نيويورك، الذي دعا إلى إجراء انتخابات جديدة ليحل شخص آخر محل نتنياهو. وشومر هو أعلى مسؤول يهودي منتخب في الولايات المتحدة.
وارتدى عدد من ضيوف خطاب نتنياهو قمصان صفراء زاهية تحت سترات كتب عليها “أبرم الصفقة الآن” في إشارة إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي سيؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. وبشكل دوري طوال فترة الخطاب، وقفوا للكشف عن قمصانهم حتى أُخرجوا من القاعة وتم القبض عليهم.
وبينما كان نتنياهو يتحدث، رفعت النائبة الديمقراطية عن ولاية ميشيغان، رشيدة طليب، الفلسطينية الأمريكية الوحيدة في الكونغرس، وواحدة من أشد منتقدي إسرائيل، لافتة كتب عليها “مجرم حرب” على جانب و”مذنب بارتكاب إبادة جماعية” من جهة أخرى.
وابتعد عنها النائب جيك أوشينكلوس، الديمقراطي، الذي كان يجلس بجوار طليب، عندما بدأت في عرض اللافتات.
وفي مرحلة ما، تحركت النائبة المحافظة المتشددة، آنا بولينا لونا، من ولاية فلوريدا، للجلوس بجوار طليب وأجرت محادثة هامسة معها. ورفضت لونا الإفصاح عما تحدثا عنه لكنها وصفت محادثتهما بالودية وأعربت عن تقديرها لطليب لوضعها اللافتة خلال تصريحات نتنياهو.
وقال النائب الديمقراطي عن ولاية أوهايو جريج لاندسمان لصحيفة USA TODAY إنه “ذهب إلى تهدئتهما إذا لزم الأمر” لكنهم “كانوا يتحدثون بهدوء، لذلك ذهبت وجلست مرة أخرى”.
وقال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، للصحيفة إنه يعتقد أن الكثير من الخطاب كان عبارة عن “شعارات حرب طائشة” و”رسائل واضحة مؤيدة لترامب”.
وأضاف مورفي: “لقد كانت انتكاسة كبيرة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.
ومع ذلك، أعرب العديد من الديمقراطيين يوم الأربعاء عن تقديرهم لتصريحات الزعيم الإسرائيلي. ووصف النائب براد شنايدر، النائب الديمقراطي عن ولاية إلينوي، تصريحات نتنياهو بأنها “خطاب جيد”.
وبدلاً من الحضور، التقت رئيسة مجلس النواب السابقة الديمقراطية نانسي بيلوسي، بمواطنين إسرائيليين كانت عائلاتهم ضحايا هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ووصف ديك دوربين، النائب الديمقراطي عن ولاية إلينوي، وهو ثاني أكبر عضو ديمقراطي في مجلس الشيوخ، سلوك إسرائيل في غزة بأنه “استراتيجية وحشية تتجاوز أي مستوى مقبول للدفاع عن النفس”.
رئيس مجلس النواب يهدد الحضور بالاعتقال
وفي خطوة مسيئة للديمقراطية الأمريكية، أرسل رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الجمهوري عن لوس أنجلوس، رسالة إلى المشرعين يحذر فيها من أنه ستكون هناك “سياسة عدم التسامح مطلقًا” مع أي اضطرابات خلال خطاب نتنياهو. إذا قام أي من ضيوفهم بمقاطعة الإجراءات، تقول الرسالة إنه سيتم إخراجهم من غرفة مجلس النواب و”يخضعون للاعتقال”.
وأرسل رؤساء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ولجنة المخابرات ولجنة القوات المسلحة، وجميعهم ديمقراطيون، رسالتهم الخاصة إلى بايدن قبل الخطاب لحث الرئيس والمفاوضين على التوصل بسرعة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ينهي الحرب ويطلق سراح الرهائن.