أجبرت المعارك في غزة، “قسم التكنولوجيا واللوجستيات” التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، على الدخول في سباق مع الزمن، لإصلاح الآليات العسكرية المتضررة من ضربات الفصائل الفلسطينية، إلى درجة أن مركزاً عسكرياً أصبح “مستشفى للدبابات” يعمل بلا توقف، فيما يُعطي النشاط المُعلَن لهذا القسم صورة عن كثرة استهداف الآليات العسكرية منذ بدء الحرب.
وعلى الرغم من عشرات الفيديوهات التي نشرتها فصائل المقاومة لاستهداف الدبابات الإسرائيلية في غزة منذ بدء الحرب، إلا أن الاحتلال يُخفي الحقائق المتعلقة بحجم خسائرها من الآليات العسكرية التي ضربتها القذائف والكمائن، وتتجاهل الفيديوهات والصور التي توثق ضرب آلياتها العسكرية.
وفي ظل التكتم الإسرائيلي، فإن البحث في المصادر المفتوحة عن نشاط “قسم التكنولوجيا والخدمات اللوجستية” منذ بدء الحرب، إضافة إلى الفيديوهات والصور المنشورة على شبكات التواصل، يُساعد في رصد جانب من الأضرار التي لحقت بالآليات المشاركة في المواجهات، ومدى الصعوبة التي يواجهها جيش الاحتلال خلال معاركه بغزة.
تُقدّر كتائب “القسام” تدمير المقاومة بشكل كُلّي أو جُزئي، لنحو 1108 دبابة، و74 جرافة عسكرية، و55 ناقلة جُند منذ بداية الحرب، فيما ذكرت صحيفة “معاريف” نهاية حزيران 2024، أن هنالك أكثر من 500 مُدرّعة إسرائيلية تضررت بغزة.
ولأول مرة منذ بدء الحرب، اعترف الاحتلال منتصف يوليو 2024، بوجود نقص في الدبابات التي يحتاجها بعد تضرر العديد منها في المعارك، وأصبحت العديد من الدبابات مُعطّلة ولا تُستخدم للقتال أو التدريب.
عمل على مدار الساعة لإصلاح الدبابات الإسرائيلية
يجري إصلاح الآليات العسكرية لجيش الاحتلال، في أقسام تابعة لقسم “التكنولوجيا والخدمات اللوجستية”، ويقول الجيش ووسائل إعلام إسرائيلية، إنه بدون النشاط الكثيف لعمل الأقسام التابعة لـ”التكنولوجيا والخدمات اللوجستية”، سيكون من الصعب على الجنود الاستمرار بالمعارك.
يُعد مركز التأهيل والصيانة (مشا 7000) – الذي يتبع لقسم التكنولوجيا والخدمات اللوجستية – والذي يقع في “تل هاشومير” شرق تل أبيب، أحد أبرز المراكز التابعة للجيش التي تعمل على إصلاح وتجديد المركبات القتالية المُدرعة.
أصبح المركز منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (يوم بدء الحرب على غزة)، يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، بحسب ما ذكره تقرير أجرته صحيفة “يديعوت أحرنوت“، يوم 13 مايو 2023، داخل المركز.
تُفيد تصريحات لمسؤولين داخل مركز إصلاح الدبابات الإسرائيلية، بأنه يستقبل أعداداً كثيرة من الآليات العسكرية المتضررة جراء المعارك في غزة، وذكرت تقارير إسرائيلية أنه بعد 7 أكتوبر 2023، تم تحويل مركز “مشا” إلى “مستشفى للدبابات” المتضررة من ضربات المقاومة.
يعمل المركز تحت ضغط الوقت، جراء حاجة جيش الاحتلال الماسة للآليات العسكرية الثقيلة في معاركه بغزة، لا سيما تلك التي يدخل فيها إلى الأحياء.
ويُشير النشاط المُعلن لمركز “مشا” إلى أنه يقوم بإصلاح دبابات “الميركافا” التي استهدفتها المقاومة بغزة، وهي الدبابة التي لطالما تفاخرت إسرائيل بقوتها، إضافة إلى إصلاح ناقلات الجنود، والجرافات المعروفة بـ D9، وجميعها تعرضت للضربات في غزة.
ولا يذكر “قسم التكنولوجيا والخدمات اللوجستية”، أي أرقام دقيقة لأعداد الدبابات الإسرائيلية والآليات العسكرية الأخرى التي قام بإصلاحها، بسبب حساسية هذه المسألة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لكن تصريحات منفصلة لمسؤولين في الفيلق توضح جانبًا من حجم الخسائر العسكرية لجيش الاحتلال.
في مقابلة مقتضبة نشرها جيش الاحتلال على موقعه الإلكتروني، مع الرقيب إيرز المسؤول في فيلق “التكنولوجيا والصيانة” التابع لقسم “التكنولوجيا والخدمات اللوجستية”، قال يوم 21 نوفمبر 2023 – أي بعد 15 يومًا من بدء التوغل البري للاحتلال بغزة – إنهم قاموا بإصلاح عشرات المركبات العسكرية، إضافة إلى “إنقاذ” مركبات أخرى من ميدان المواجهات داخل القطاع.
قبل أيام من تصريح الرقيب إيرز، كانت كتائب “القسام” قد أعلنت يوم 11 نوفمبر 2023، أنها وثقت تدمير أكثر من 160 آلية عسكرية بشكل كلي أو جزئي منذ بدء الحرب على غزة.
ولخص موظف مدني يعمل في مركز “مشا” حالة الضغط الكبير الذي يواجهه المركز، لإصلاح الكم الكبير من الآليات العسكرية المستهدفة، بقوله لصحيفة “يديعوت أحرونوت”: “منذ 7 أكتوبر ونحن نعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. لا ننام ولا نستريح لمدة دقيقة”.
في تقرير لصحيفة “يديعوت أحرنوت” نشرته يوم 13 مايو/ أيار 2024، أشار إلى أنه في بعض الحالات التي تصل لمركز “مشا”، تُشير أماكن إصابة بعض الآليات العسكرية بوضوح إلى أن طاقم المقاتلين قد لحقت به إصابات قاتلة.
ويمثل الزمن عامل تحدٍ كبير لإصلاح الآليات العسكرية الإسرائيلية، وباعتراف الجيش الإسرائيلي، فإن الدبابات وناقلات الجنود المدرعة المتضررة أو المدمرة التي تصل إلى مركز “مشا” تحتاج بضعة أسابيع كي تعود إلى ساحات القتال.
صور وفيديوهات إسرائلية توثق ضربات المقاومة
للآليات
على شبكات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، تُعطي الفيديوهات والصور المنشورة للجنود المسؤولين عن صيانة الآليات العسكرية، صورة عن جانب من الاعتراف الرسمي الإسرائيلي بتضرر الآليات خلال المعارك في غزة.
في فيديو نشرته القناة 11 الإسرائيلية، في مارس/آذار 2024، تستعرض جندية بجيش الاحتلال نماذج من أضرار لحقت بآليات عسكرية شاركت في معارك غزة، وتحدثت الجندية عن آثار قذائف الـ”آر بي جي” التي أطلقتها عناصر المقاومة على الدبابات.
يظهر الفيديو أيضاً دبابة تعرضت لاستهداف بصاروخ مضاد للدبابات، وكانت آثار الأضرار بادية على الدبابة التي يعمل الجنود على إصلاحها.
وتبيّن لقطات أخرى آثار استهدافات مختلفة للآليات العسكرية الإسرائيلية داخل غزة، وتحدثت الجندية في الفيديو عن دبابات تأتي من غزة متضررة ومتحطمة.
على موقع “إنستغرام”، ينشر حساب لـ”فيلق التكنولوجيا والصيانة” بجيش الاحتلال، صوراً وفيديوهات لأنشطة الفيلق المتعلقة بإصلاح الآليات العسكرية، ويُشير الحساب في بعض منشوراته إلى أن الجنود المسؤولين عن إصلاح أضرار الدبابات يعملون ليلاً نهارا.
في أحد منشوراته، نشر الحساب فيديو لجندية إسرائيلية، أشارت فيه إلى استهداف مئات المركبات المدرعة لجيش الاحتلال خلال معارك غزة، وقالت في الفيديو: “لقد أعدنا مئات المركبات إلى العمل”.
View this post on Instagram
وفي موقع “يوتيوب” تنشر قناة اسمها “رابطة فيلق “التكنولوجيا والصيانة”، فيديوهات يتضمن بعضها لقطات من عمليات إصلاح لآليات عسكرية، وأخرى لسحب آليات من داخل قطاع غزة بغرض إصلاحها.
شراء قطع الغيار لإصلاح الدبابات
الإسرائلية
ومنذ بدء التوغل الإسرائيلي البري في غزة، اشترى جيش الاحتلال كميات كبيرة من قطع غيار للدبابات وآليات عسكرية أخرى، كما ألغى صفقات لتصدير السلاح كان مخطط لها، وجعل الأولوية لسد احتياجات جيشه في المعارك الدائرة في القطاع.
في ديسمبر/ كانون الأول 2023، ذكر موقع Israel Defense، بأن “وزارة الدفاع” لجيش الاحتلال اشترت قطع غيار لدبابات “الميركافا”، وناقلات الجنود المدرعة من طراز “النمر” بقيمة نحو مليار شيكل.
بلغت قيمة هذه المشتريات مليار شيكل، وبحسب الموقع فإن الوزارة اشترت أيضاً معدات للحماية ووسائل إنقاذ وقطع غيار بكميات كبيرة لفيلق المدرعات في الجيش.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، خصصت “وزارة الدفاع” الإسرائيلية مبلغ 59 مليون شيكل لمدة السنوات الثلاثة والنصف المقبلة، لدفعها إلى شركة Ashot Ashkelon في عسقلان، والتي تعمل كمورد رئيسي للوزارة في إنتاج دبابات الميركافا وعربات “النمر”.
موقع calcalist الإسرائيلي، نقل عن الرئيس التنفيذي للشركة، إيلي دماري، قوله إن وتيرة طلبات وزارة الدفاع ازدادت بشكل ملحوظ خلال الحرب، موضحاً أن بعض الطلبات تتعلق بقطع غيار لم يسبق وأن تم طلبها من الشركة في السنوات السابقة.
كذلك، تسببت المعارك في غزة، في إلغاء الاحتلال بداية الحرب، خطة لتصدير مئات من دبابات “الميركافا” القديمة إلى جيوش أجنبية وأوروبية.
صحيفة Calcalist الإسرائيلية ذكرت في ديسمبر 2023، أن هذه الدبابات من طراز “ميركافا مارك 3” و”ميركافا 2″، التي تقادم بها العمر، مشيرةً إلى أن الاحتلال استبدل بها في العقدين الماضيين دبابات “ميركافا 4” المتقدمة.
وأخيراً، تشير تقديرات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمتلك نحو 1200 دبابة، و530 مدفعاً، بحسب ما ذكره موقع Globes الإسرائيلي يوم 20 مارس/آذار 2024.