الأخبار

مصايف الأغنياء بالدولار في مصر.. الساحل الشمالي يعتمد خدمات التأجير والحفلات بالعملة الصعبة

عاد مصطلح الدولرة مرة أخرى في مصر بعد خفوت دام لعدة أشهر أعقاب التعويم الأخير للجنيه المصري، لكن هذه المرة ظهر المصطلح في مصايف الأغنياء داخل قرى ومنتجعات الساحل الشمالي الغربي، وتحديداً في “الساحل الشمالي” كما يطلق عليه المصريون.

كل هذا يوسع معاملات الأفراد وشركات التسويق العقاري بالعملة الصعبة في ظل مخاوف مستمرة من عودة مشكلات شح العملة الصعبة التي ألقت بظلالها على الاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية.


جنسيات أجنبية وعربية

يشير أحمد مجدي، وهو شاب أربعيني،

إلى

أنه اعتاد قضاء عطلة الصيف في إحدى قرى الساحل الشمالي، إلا أنه لأول مرة منذ سنوات يجد أن هناك شركات تسويق عقاري تقوم بتأجير الوحدات الفندقية مقابل الدولار،

وأن

تجربته هذا العام داخل منتجع مراسي كانت صادمة بالنسبة إليه.

ويقول

المتحدث

إن أصحاب هذه الوحدات وأغلبهم من جنسيات سعودية وإماراتية وكويتية يقومون بتأجيرها بالعملة الصعبة مع تخفيض سعرها مقابل الجنيه، وإذا كان سعر الوحدة الفندقية بالليلة الواحدة يصل إلى 20 ألف جنيه، فإن المبلغ لا يتجاوز 350 دولار أي (17 ألف جنيه تقريبًا).

ويضيف المتحدث لـ”عربي بوست”: “المشكلة في أن بعض المسوقين لا يخيرون العملاء بين الدفع بالمصري أو الدولار عند تأجير الوحدات الفندقية، ويكون هناك إصرار للحصول على العملة الصعبة وهو ما انعكس على نشاط شركات الصرافة بالقرب من الساحل الشمالي، وقاد ذلك لظهور ما يشبه السوق الموازي لكن دون ارتفاع في سعر الدولار لدى السماسرة الذين يعرضون تبديل الجنيه بالدولار.

لافتًا إلى أن الأمر لم يقتصر فقط على الوحدات الفندقية بل إن الحفلات الخاصة التي تقيمها أماكن النوادي الليلية أيضًا يكون فيها التعامل بالدولار ويتواجد فيها على الأغلب جنسيات عربية بينما لم يكن معتادًا في السابق أن يكون الدفع فيها بالعملة الصعبة.

ويتوقع مجدي أن تتوسع عملية الدولرة خلال السنوات المقبلة، مشيرًا إلى وجود جنسيات أجنبية وعربية إلى جانب المصريين في “الساحل الشمالي” يجعل هذا التحول قابلاً للحدوث. كما أن غالبية من يقضون إجازاتهم في هذه المناطق من المصريين يعملون في شركات دولية ويحصلون على رواتبهم بالدولار، ما يعني عدم وجود مشكلة في التكيف مع هذا التحول.

ويبقى الخطر، حسب المتحدث،

أن

يشكل ذلك سوقًا راسخة للتعامل بالعملة الصعبة في مناطق جغرافية أخرى، بخاصة

أن

الحكومة المصرية دائمًا ما تفرض رقابة صارمة على التعامل بالدولار في الأماكن العامة.


تأمين المدخرات بالعملة الصعبة

لم يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة لأمنية جميل، وهي فتاة في الخامسة والثلاثين من عمرها، وتشير إلى أن التعاملات بالدولار في منتجعات الساحل الشمالي تأخذ في التوسع هذا العام ووصل إلى حد دفع ثمن الرحلات البحرية بالعملة الصعبة، مشيرة إلى أن المجتمع الذي يتواجد في منتجع “أمواج” حيث قررت قضاء إجازتها الصيفية ليس لديه مانع في التعامل بالدولار، فأغلب مقتنياتهم تبقى من الخارج بالدولار.

وتضيف أن المشكلة تبقى لدى المصطافين ممن ليس لديهم تعاملات بالعملة الصعبة، وهؤلاء يبحثون عن وسطاء ليحصلوا على الجنيه في مقابل الدولار، مشيرة إلى أن الوحدات الفندقية المطروحة للبيع أو الإيجار أغلبها بالدولار، وأن ذلك يعد أمرًا معتادًا للمجتمع المصري الذي لديه تعاملات عديدة بالدولار سواء من خلال مصروفات المدارس الدولية وغيرها من الجامعات والمؤسسات الدولية التعليمية في مصر، أو عبر التجارة مع شركات في الخارج تتعامل بالدولار.

لكنها شددت في الوقت ذاته على أن الكافيهات والمطاعم بدأت الآن في التفكير في التعامل أيضًا بالعملة الصعبة بخاصة وأنها تجد أمامها مواطنين لديهم رغبة في التعامل بالدولار، ويعتبرون أن ذلك من الممكن أن يساعدهم في استخدام مدخراتهم الدولارية في البيع والشراء بسلاسة دون الحاجة إلى تحويل هذه الأموال إلى جنيهات مصرية.

وهو ما يتوافق مع رغبة أصحاب الوحدات الفندقية لأن بعض الوحدات بيعت بالأساس بالعملة الصعبة، كما أن التعامل بالجنيه مع انخفاض قيمته بشكل كبير أمام الدولار والاحتمالات المستمرة بشأن إمكانية تراجعه مرة أخرى يدفع نحو تأمين مدخراتهم وضمان عدم خسارتهم، في موسم يسعى فيه الجميع للمكسب.

انخفضت قيمة الجنيه المصري أمام العملات الصعبة بنسبة 40% مع التعويم الأخير، إذ كان سعر الدولار في البنوك 31 جنيهًا، حتى أوائل شهر مارس/آذار 2024، قبل أن يتراجع إلى نحو 48 جنيهًا حاليا، والمشكلة الأكبر تبقى في أن الاقتصاد المصري ليس مستقرًا، ومع ارتفاع كلفة الديون الخارجية التي تُسدَّد أغلبها بالدولار، ومع تراجع عائدات قناة السويس تبقى الأزمة مكتومة وقابلة للتفجر مرة أخرى في أي لحظة.


الليلة الواحدة تصل إلى 80 ألف جنيه

ويؤكد أحد المسوقين العقاريين لـ”عربي بوست” وهو لديه نشاط عمل في منتجع سيدي عبدالرحمن، التي يقع نطاقها داخل “الساحل الشمالي” بالقرب من محافظة مرسى مطروح على الساحل الشمالي الغربي، أن الإقبال على تأجير الشقق والوحدات الفندقية تضاعف هذا العام، وكذلك الإقبال على عملية الشراء.

وأضاف المتحدث أن الصفقة التي وقعتها الحكومة المصرية مع دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن منطقة رأس الحكمة والانتهاء بشكل كبير من تدشين مدينة العلمين الجديدة والاهتمام بالمهرجانات الفنية داخلها بالتعاون مع هيئة الترفيه السعودية خلق أسواق جديدة وفتح المجال أمام وجود مستثمرين ومصطافين من جنسيات مختلفة لديهم رغبة للتعامل بالدولار وليس الجنيه.

وأشار إلى أن معدلات الارتفاع في أسعار الإيجارات بلغت هذا العام 50% عن العام الماضي في غالبية المنتجعات،

موضحًا

أن السبب لا يعود فقط إلى زيادة الإقبال

بل

أن تسعير هذه الوحدات بالدولار ساهم أيضًا في ارتفاع الأسعار، لافتًا إلى أن بعض الوحدات الفندقية تصل في الليلة الواحدة إلى 80 ألف جنيه (1700 دولار تقريبًا)، وأن أغلب من يقبلون على تأجير الوحدات بهذا السعر من الأجانب والجنسيات العربية وليس المصريين

إذ

يكون لديهم تعاملات مباشرة بالدولار.

وذكر أن المصريين من

ملاك الوحدات

الفندقية والشقق اتجهوا هذا العام على نطاق واسع لتأجيرها

بعكس

سنوات ماضية كانوا يمكثون فيها طيلة فترات الصيف

.غير

أن زيادة الإقبال والاتجاه نحو التعامل بالدولار جعلهم يدركون أنهم أمام فرصة استثمارية من الممكن أن تحقق عوائد مالية ضخمة، إذ

أن

التوافد على الساحل الشمالي يمتد

حتى

منتصف سبتمبر المقبل، وهؤلاء يرون أن التأجير بالعملة الصعبة يمكن أن يحقق لهم مكاسب أكبر ويساعد في الحفاظ على قيمة ما يجنونه من أرباح.

ويمتد الساحل الشمالي بمصر بطول 1050 كم من رفح شرقًا على شبه جزيرة سيناء إلى السلوم غربًا على الحدود المصرية الليبية، وهو واحد من أطول سواحل البحر المتوسط في شمال أفريقيا، ويتميز بمياهه الزرقاء ورماله الذهبية الناعمة، لكن المقصود اصطلاحًا في عرف المصيف هو تلك المنطقة الممتدة من غرب الإسكندرية مرورًا بالعلمين ومرسى مطروح وحتى معبر السلوم.

بدأ الاهتمام بالساحل الشمالي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي من خلال بناء عدد محدود من القرى السياحية، مثل مراقيا ومرابيلا ومارينا وفي ذلك الحين بحث المصريون عن مصايف بديلة للإسكندرية، فانتقلوا من المنتزه والمعمورة إلى مناطق العجمي وبيانكي في حدود الكيلو 21 طريق الإسكندرية – مطروح الصحراوي، وهي مناطق كانت تمثل طفرة كبيرة في السياحة الداخلية بمصر، قبل أن تشرع الدولة في إنشاء منتجعات صيفية، بدأت بـ”مراقيا” في الكيلو 51، و”ماربيلا”، مرورًا بـ”مارينا” بتوسعاتها من 1 إلى 7. ثم منتجعات أعلى سعراً، أسسها مستثمرون، مثل “هاسيندا” و”مراسي”، و”أمواج” و”سيدي عبدالرحمن” وغيرها.


التعامل بالدولار بموافقة الحكومة

ويذهب مطور عقاري آخر لتأكيد أن بعض الوحدات الفندقية يتم تأجيرها طوال فترة الصيف بمبالغ ضخمة وكانت تُعتبر مقدمة نحو التوسع في التأجير بالدولار، لأن بعض هذه الوحدات يتم تأجيرها مرة أخرى بالباطن إلى بعض المصطافين الذين يبحثون عن قضاء ثلاثة أيام إلى أسبوع على الأكثر.

لافتًا إلى أن ذلك حدث منذ العام الماضي وتحديداً في منطقة سيدي عبد الرحمن، مشيراً إلى أن الطفرة التي حققها الاستثمار العقاري في الساحل الشمالي تدفع لأن يكون التعامل بالعملة الصعبة، وأن الشركات العاملة في تلك المناطق غالبيتها عربية وأجنبية.

ويضيف لـ “عربي بوست” أن التعامل بالدولار بموافقة الحكومة ولكن بشكل غير مباشر، لأن الحكومة المصرية تدرك أن التراجع المستمر في قيمة الجنيه وعدم استقرار أسواق الصرف لفترات طويلة أحد مسببات التوجه إلى الدولار، ولذلك إذا ضيَّقت الخناق فإنها سوف تكون متهمة بإخافة الاستثمار الأجنبي، في وقت تحتاج فيه إلى كل دولار لكي توفِّر احتياجاتها من العملة الصعبة.

وذكر أن المستثمرين العرب الذين يضخون مئات الملايين من الدولارات يدركون أن الإقبال على وحداتهم قد يكون ضعيفًا لأن المكسب يتحقق في ثلاثة أشهر الصيف فقط ثم يتم إغلاق الوحدات طوال العام، ولذا فإنهم يشترطون بيعها وتأجيرها بالدولار وهو ما توافق عليه الحكومة المصرية وإن لم يكن ذلك بشكل مباشر.

وتمتلك شركة إعمار العقارية الإماراتية منتجع مراسي الذي أنشئ على مساحة 6.5 مليون متر مربع، ومقسمة إلى 23 حياً سكنياً مختلفاً، كما تمتلك الشركة ذاتها أيضًا قرية سول لاكشري بيتش، على مساحة أكثر من 2 مليون و350

ألف

متر مربع، وتقع عند الكيلو 160 على طريق الإسكندرية/ مرسى مطروح.

كما تمتلك شركة القمزي الإماراتية للتطوير العقاري، وهي شركة مملوكة لرجل الأعمال الإماراتي عبدالله القمزي، قرية سيزن، وأنشئت على مساحة أكثر من 825 ألف متر مربع، وتقع عند الكيلو 171 على طريق الإسكندرية/ مرسى مطروح، وكذلك يمتلك رجل الأعمال الإماراتي إسماعيل القرقاوي، ورجل الأعمال الفلسطيني سامي القريني منتجع إمارات هايتس، على مساحة مليون متر مربع، وتقع عند الكيلو 179، على طريق الإسكندرية الصحراوي.

وكذلك تمتلك شركة سوديك للتطوير العقاري، المملوكة لتحالف شركتي الدار و القابضة الإماراتيتين وشركة إكويتي القابضة للاستثمار، قرية جون سوديك، عند الكيلو 192 على مساحة 1.2 مليون متر مربع، وتتوزع ملكية قرية فرجينيا بيتش التي بُنيت على مساحة 365 ألف متر مربع، وتقع عند الكيلو 84 على طريق الإسكندرية/ مرسى مطروح، بين شركة طلعت مصطفى وشركة بن لادن السعودية ورجل الأعمال الإماراتي عبدالمنعم الراشد.

وقال خبير اقتصادي، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، إن غالبية التعاملات في “الساحل الشمالي” بالجنيه المصري، باستثناء العقارات، وأن الحكومة المصرية تتبنى فكرة التصدير العقاري وبالتالي فهي تفتح الباب أمام التعامل بالدولار لدى المستثمرين العقاريين، وهي تهدف لجمع أكبر قدر من العملة الصعبة، غير أن السؤال الرئيسي يبقى ما إذا كانت لدى الحكومة آلية لإدخال الدولار إلى الجهاز المصرفي أم لا.

وأضاف أن الدولة المصرية تشترك في مشروعات استثمارية في الساحل الشمالي ولديها رؤية بأن تصبح منطقة الساحل أحد روافد السياحة الأجنبية إضافة إلى السياحة الداخلية، وهو ما يدعم أيضًا التعامل بالعملة الصعبة، مشيرًا إلى أن بعض المسوقين العقاريين يكون لديهم رغبة في جذب المواطنين للاستئجار، ويعرضون الوحدة الفندقية بمبلغ لا يتجاوز 300 دولار، ويستخدمون أدوات تسويق تساعد أيضًا على التعامل بالعملات الأجنبية، لكن بعضه مخفي عن أعين الحكومة نظرًا للتحايل في الإيجار بشكل ودي بعيدًا عن الأعين.