الأخبار

تفاؤل حذر تجاه موقفها من القضية الفلسطينية.. بماذا ستختلف السياسة الخارجية لدى هاريس عن بايدن؟

بعد أن اتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن قراراً غير مسبوق بإنهاء حملته لإعادة انتخابه وتأييد ترشيح نائبته

كامالا هاريس

للانتخابات الرئاسية٬ وحصولها على دعم كبير من الديمقراطيين٬ نحتاج إلى أن نسأل: كيف ستكون سياستها الخارجية إذا فازت في نوفمبر/تشرين الثاني القادم؟

يعتقد البعض أنه سيكون لدى هاريس استمرارية واسعة النطاق للنهج الشامل لإدارة بايدن تجاه العالم، ولكن هناك بعض الأدلة على أن هاريس قد توجه السياسة الخارجية الأميركية في اتجاه “أقل تدميراً” إلى حد ما مما كانت عليه في عهد بايدن كما يقول موقع responsible statecraft الأمريكي.


ما الخبرة التي تملكها هاريس في ملف السياسة الخارجية؟

قبل كل شيء يجب أن نتذكر٬ أن هاريس لم تترشح للرئاسة في عام 2020 على أساس السياسة الخارجية ولديها خبرة قليلة نسبياً ومتواضعة في السياسة الخارجية من فترة عملها القصيرة في مجلس الشيوخ وفترة عملها كنائبة للرئيس.

وبينما أدلت بعدد من الأصوات الحاسمة ضمن كتلة الديمقراطيين لصالح أجندة بايدن المحلية في مجلس الشيوخ، فقد لعبت دوراً أصغر في السياسة الخارجية من خلال تمثيل الولايات المتحدة في الاجتماعات الدولية٬ التي لم يتمكن الرئيس من حضورها. وقد كلّفها بايدن بالتركيز على “الأسباب الجذرية” لأزمة المهاجرين غير الشرعيين القادمين من أمريكا اللاتينية٬ على الحدود الجنوبية للبلاد للولايات المتحدة، مما أثار آراء متباينة في أفضل الأحوال حول قدراتها٬ بحسب تقرير لموقع cbsnews.

وفي الوقت نفسه، يقدم سجل تصويتها في مجلس الشيوخ بعض “النقاط المضيئة”، بما في ذلك معارضتها لدعم الولايات المتحدة للحرب التي يشنها التحالف السعودي على اليمن، ومعارضتها المبكرة لصفقات الأسلحة مع الرياض. وانضمت إلى زملائها الديمقراطيين في الاعتراض على انسحاب ترامب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، وكانت داعمة بشكل عام لتدابير ضبط الأسلحة ومنع الانتشار.

وخلال حملتها الرئاسية لعام 2020، أشارت إلى انفتاحها على “إعادة صياغة تفويض استخدام القوة العسكرية الذي يحكم صراعات الولايات المتحدة العسكرية الحالية”. وبينما تتمتع هاريس بتاريخ من العلاقات الدافئة  مع لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “آيباك“، فقد وصفت خروج ترامب من الاتفاق النووي مع إيران بأنه “متهور” خلال حملة 2020 وتعهدت بإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إذا أصبحت رئيسة للولايات المتحدة.


ماذا عن أوروبا ودعم أوكرانيا ضد روسيا؟

يقول الموقع الأمريكي٬ إنه فيما يتصل بحرب أوكرانيا والتهديدات شرق أوروبا٬ كانت هاريس على توافق تام مع الرئيس إذا تحدث عن هذه الملفات. وفي تصريحاتها في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير/شباط الماضي، رددت هاريس تأطير الإدارة الأمريكية لهذه الحرب باعتبارها حرباً بين “الديمقراطية والاستبداد”.

وقالت هاريس: “لا توجد دولة آمنة في عالم يمكن فيه لدولة أخرى أن تنتهك سيادتها وسلامة أراضيها٬ وترتكب جرائم ضد الإنسانية دون عقاب؛ حيث لا يمكن أن تظل دولة ذات طموحات إمبريالية بلا رادع. لذا فإن ردنا على الغزو الروسي هو دليل على التزامنا الجماعي بدعم القواعد والأعراف الدولية. القواعد والأعراف التي وفرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الأمن والرخاء غير المسبوقين ليس فقط للشعب الأمريكي، وليس فقط لشعوب أوروبا، بل وللناس في جميع أنحاء العالم” على حد تعبيرها.


كيف سيكون موقف هاريس تجاه الحرب على غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

يرى موقع responsible statecraft الأمريكي أنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع أي “إصلاحات جذرية” في ملف السياسة الخارحية تحت قيادة هاريس. فهي “أممية ليبرالية تقليدية للأفضل أو الأسوأ” كما يصفها الموقع الأمريكي.

وهناك بعض الإشارات إلى أنها قد تتبنى نهجًا مختلفًا تجاه الحرب في غزة عن بايدن، لكن هذه كانت في الغالب اختلافات في اللهجة وليس خلافات كبيرة حول السياسة حتى الآن. وعلى النقيض من الرئيس، أظهرت هاريس تعاطفاً “أكثر صدقًا” مع معاناة الفلسطينيين في غزة. كما دعت إلى وقف إطلاق النار في وقت أبكر مما فعل بايدن، لكنها في العموم اتبعت نص الإدارة الأمريكية كما يتوقع المرء من منصب “نائب الرئيس”.

والواقع أن منصبها كنائبة للرئيس كان يتطلب من هاريس أن تكون مؤيدة صريحة لأجندة سياسة الرئيس، لذا فسوف نضطر إلى الانتظار إلى حد معرفة آراء هاريس ومدى اختلافها عن آراء بايدن حول الصراع في الشرق الأوسط.

وتشير معارضتها السابقة لدعم التحالف السعودي في اليمن إلى أنها قد تكون أكثر انفتاحاً على تقليص أو إنهاء الدعم الأمريكي للحرب في غزة، لكن هذا لا يزال يتعين علينا أن ننتظر لنرى. ونظراً لجميع الصداع السياسي الذي يعاني منه بايدن في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان ، فمن الواضح أن الحرب في غزة هي إحدى القضايا التي قد تستفيد منها هاريس من خلال الانفصال عن سياسة الإدارة الحالية٬ كما يقول الموقع الأمريكي.

في الوقت نفسه٬ فإن بعض المسؤولين الحكوميين الذين استقالوا احتجاجاً على الدعم الأمريكي للحرب في غزة٬ متفائلون بحذر بشأن دعم هاريس. فبعد دعم بايدن غير المشروط للحرب، فإن أي بديل هو تحسن في الموقف الأمريكي من وجهة نظرهم.

وقال جوش بول، أول مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية يستقيل احتجاجاً على موقف بايدن من الحرب، لصحيفة بوليتيكو: “أشعر بتفاؤل حذر ومحدود٬ ولكن لدي أيضاً شعور بالارتياح لأن الحزب الديمقراطي لن يرشح لرئاسة الولايات المتحدة رجلاً جعلنا جميعاً متواطئين في الكثير من الأذى غير الضروري”.


المستشار المحتمل لهاريس في السياسة الخارجية يعطي أسباباً للأمل

ويقال إن نائبة الرئيس تعتمد بشكل كبير على مستشاريها في السياسة الخارجية، لذا فإن الأمر يستحق أن ننظر عن كثب إلى تفكير مستشارها الحالي للأمن القومي، فيليب جوردون، الذي من المفترض أن يشغل هذا المنصب إذا تم انتخاب هاريس.

جوردون هو أحد المحاربين القدامى في إدارة كلينتون وأوباما وله خلفية في العمل على القضايا الأوروبية والشرق الأوسط. وكان أحد المفاوضين الأميركيين المسؤولين عن تأمين “خطة العمل الشاملة المشتركة” مع إيران. وبعد تركه للحكومة، أصبح أحد أكثر المدافعين عن الاتفاق صراحة.

وقد أظهر جوردون أنه يفهم الحكومة الإيرانية بشكل أفضل من الكثير من زملائه، وهذا يمكن أن يكون مفيداً للغاية في إحياء المفاوضات مع إيران في عهد رئيسها الإصلاحي الجديد مسعود بزشكيان.

واستوعب جوردون بعض الدروس المهمة من إخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك التدخلات الكارثية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكتب عن تلك الدروس بالتفصيل في كتابه ” خسارة اللعبة الطويلة: الوعد الكاذب بتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط”. ويستعرض الكتاب تاريخ سياسات تغيير الأنظمة الأمريكية الرئيسية خلال السنوات السبعين الماضية، وفي كل حالة يُظهر جوردون كيف انتهت هذه السياسات إلى ترك الولايات المتحدة والدول المتضررة في وضع كارثي وأسوأ مما كانت عليه.

ومن الجدير بالذكر أنه جوردون انتقد التدخلات المدمرة لإدارة أوباما بنفس الحدة التي انتقد بها سياسات الرؤساء الآخرين. ويرى بعض المحللين أن دور جوردون كمستشار رئيسي لهاريس يعد علامة مشجعة على أن سياستها الخارجية يمكن أن تكون أفضل من سياسة بايدن.

وعلق الرئيس التنفيذي لشركة “بورس آند بازار إسفانديار باتمانجيليدج” قائلاً : “سيكون جوردون ترقية كبيرة لسوليفان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنهج المدروس لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.

وربما لن يكون هناك الكثير من الانحرافات عن السياسة الخارجية لإدارة بايدن تحت قيادة هاريس. وبصفتها نائبة بايدن وخليفته المحتمل، فإن هاريس لديها حوافز قوية لمواصلة أجندته. ومع ذلك، هناك بضعة أسباب للأمل في أن تكون السياسة الخارجية الأمريكية أكثر ذكاءً وبناءًد وإيجابية تجاه الشرق الأوسط إذا أخذت هاريس بنصيحة جوردون الأفضل على محمل الجد.