فتحت الحكومة المصرية نيران الغضب الشعبي عليها مبكرًا بعد أيام قليلة من تشكيلها، بسبب برنامجها الذي تضمن إنشاء لجنة تصفية الأصول تتبع وزارة المالية، الأمر الذي لاقى انتقادات واسعة وصل إلى حد تبني حملات شعبية تقف في وجه قراراتها.
وأكدت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” في هذا التقرير أن الحكومة المصرية
ماضية
في مشروعها وتلقت مقترحات لبيع مبانٍ تاريخية وسط القاهرة، إلى جانب التوسع في إنشاء المشروعات الاستثمارية في مناطق مطلة على نهر النيل بينها جزيرة الوراق بالشراكة مع مستثمرين إماراتيين.
الأولوية لبيع مقار الوزارات وسط القاهرة
وقال مصدر حكومي لـ”عربي بوست” إن لجنة جديدة ستكون مهمتها تنظيم برنامج الطروحات الحكومية، وستتولى مهمة تحديد المنشآت والشركات والأصول ذات الأولوية في البيع وتحديد ما إذا كان ذلك سيكون من خلال طرحها في البورصة المصرية أو عبر بيعها مباشرة لمستثمرين أجانب.
كما ستكون مهمة اللجنة التأكد من العوائد التي ستحققها للدولة، وإجراء دراسات تقييمية للأصول التي سيتم بيعها لتحديد أسعارها والتعرف على العروض الخارجية المقدمة بشأن شرائها،
لافتًا
إلى أن المستهدف تفعيل عمل برنامج الطروحات الحكومية بعد أن جرى تكليف الحكومة الجديدة بتسريع وتيرة عمليات تخارج الحكومة.
وأضاف المصدر ذاته، أن
تشكيلة
اللجنة لم تتضح بعد لكنه من المتوقع أن تضم خبراء اقتصاديين وآخرين لديهم صلات بتقييم المناطق التاريخية والأثرية، وجهات لديها علاقات دولية يمكن أن تجذب مستثمرين جدد، على أن يرأسها وزير المالية وتعرض قراراتها على رئيس الوزراء الذي يرأس المجموعة الاقتصادية.
وكشف المتحدث أن الأولوية خلال الفترة المقبلة ستكون لبيع مقار الوزارات بمنطقة وسط القاهرة، وأن المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد بداية هذا الشهر بمشاركة الاتحاد الأوروبي تضمن وجود عروض عديدة من جانب شركات أوروبية لديها الرغبة
في
الاستثمار في منطقة وسط القاهرة ومنطقة القاهرة التاريخية.
وأشار المصدر ذاته إلى أن عملية البيع من المتوقع أن تتم على مراحل مختلفة، وأن الأولوية ستبقى للعروض المقدمة إلى المباني غير المسجلة ضمن التراث التاريخي أو الأثري، والتي ستبقى بحاجة إلى إجراءات إضافية لإمكانية التصرف فيها.
وأكد أن الحكومة لديها رغبة في أن تتفاعل الاستثمارات الأجنبية المختلفة في منطقة وسط القاهرة أسوة
بمقار
أخرى جرى بيعها، ومن المقرر أن ترى النور كمشروعات استثمارية حديثة مثل مقر الحزب الوطني (الصادر حكم بحله قضائيًا)، ومبنى وزارة الداخلية القديم.
هذا بالإضافة إلى الانتهاء من بيع منطقة “طناش” المطلة على جزيرة الوراق إلى شركة إس كي جي، إلى جانب الانتهاء من طرح ما يقرب من 20 شركة بالبورصة المصرية خلال الأشهر المقبلة.
وكشف برنامج خطة الحكومة عن مستهدفات وزارة المالية لتحريك الدين العام في مسارات قابلة للاستدامة، مع استمرار توجيه الفائض الأولي واستخدام جزء من حصيلة التخارج وبرنامج الطروحات الحكومية لزيادة إيرادات الموازنة لخفض حجم الاقتراض الحكومي.
وتستهدف الحكومة تحويل نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي من عائدات التخارج إلى الموازنة لخفض دين أجهزة الموازنة، وإنشاء لجنة تصفية الأصول تتبع وزارة المالية بهدف تحقيق
20 – 25
مليار جنيه سنويًا للخزينة من عائدات التخارج خلال الأعوام المقبلة.
وأكد البرنامج على عدم استخدام الحصيلة المتحققة من بيع الأصول في إنشاء شركات جديدة تكون ملكيتها للدولة وأجهزتها أو لزيادة القاعدة الرأسمالية للشركات المملوكة للدولة.
ضياع حقوق الأجيال القادمة
وكان صندوق مصر السيادي قد أطلق صندوق ما قبل الطروحات في سبتمبر/ أيلول 2023 بهدف إعداد الشركات المملوكة للدولة للإدراج في البورصة المصرية، قبل أن يطرح الصندوق حصصًا في عدد من الشركات أمام المستثمرين الاستراتيجيين.
وقبل عام ونصف تقريبًا أعلنت الحكومة المصرية عن قائمة باسم الشركات التي سيتم طرحها لأول مرة بالبورصة أو لمستثمر استراتيجي: وتضمنت في ذلك الحين بنك القاهرة، وبنك
المصرف المتحد
، والبنك العربي الإفريقي الدولي، وشركة مصر لتكنولوجيا الإدارة والنصر للإسكان والتعمير، والمعادي للتنمية والتعمير، وشركة المستقبل للتنمية العمرانية، وشركة حلوان للأسمدة، وشركة النصر للتعدين، وشركة الحفر للبترول، والشركة المصرية للسبائك الحديدية وغيرها.
ويشير خبير اقتصادي على صلة بدوائر حكومية، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن الأشهر المقبلة ستكون شاهدة على طرح 60 شركة حكومية بالبورصة، إلى 32 شركة جرى الإعلان عنهم في السابق، وذلك لتحقيق مستهدف الحكومة لجمع 5 مليارات دولار من بيع الأصول مع نهاية هذا العام.
ولافتًا
إلى أن خطورة ما تقوم به الحكومة الحالية أنها تحرم حقوق الأجيال القادمة في الاستفادة من عوائد المشروعات والأصول الحكومية، وأن فكرة إنشاء الصندوق السيادي في مصر تختلف عن غيرها من الدول إذ أنه يهدف لسداد الديون التي تسببت فيها الحكومة الحالية وليس من أجل أن تحقق عوائد يمكن أن تفيد الاقتصاد إيجابًا مستقبلاً مثلما الوضع في باقي البلدان التي تضع في حسبانها الأجيال القادمة وتعمل على توزيع ما يتحقق في الوقت الحالي من مكاسب عليها سواء من خلال بيع البترول أو ما تحققه الدول من عوائد إنتاجها المحلي مثلما الوضع بالنسبة للصين.
وأشار إلى أن الحكومة الحالية تحرم نفسها من عوائد الشركات والأصول التي تطرحها للبيع من أجل توفير دولارات تسدد بها الديون، ورغم أنها كانت تحقق أكبر استفادة مثلاً من الشركة الشرقية للدخان التي كانت تدر أكبر عائد ضريبي لها، وهو ما ستكون له انعكاساته السلبية على عجز الموازنة الذي وصل إلى 1.8 تريليون جنيه، وفوائد الديون التي تزيد عن 750 مليار جنيه.
وشدد على أن الحكومة تولي اهتمامًا بالبنايات التاريخية في وسط القاهرة لكنها لا تضع خطة تسويقية تضمن جذب المستثمر الأفضل، بخاصة وأن صندوق مصر السيادي في النهاية يتبع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، والأداء الحكومي بشكل عام في هذا الصدد لم يحقق نجاحات سابقة، كما أن الصندوق يتحدث عن 4000 أصل يقول
إنها
غير مستغلة ويعمل على الاستفادة
منها
دون أن يعرف أحد هوية تلك الأصول ولماذا لا يتم استغلالها.
حكومة جديدة بسياسات القديمة
وفي مطلع العام الحالي، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بإزالة صفة “النفع العام” عن أراضي ومباني 13 وزارة، ونقل ملكيتها لصالح “صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية”، تمهيداً
للتصرف
فيها بطرق مختلفة؛ سواء بالبيع أو الاستثمار.
وتضم قائمة المباني الحكومية المنقولة، بموجب القرار رقم 13 لسنة 2024، الذي نُشِر في الجريدة الرسمية، الثلاثاء، وزارات الخارجية، والعدل، والمالية، والتربية والتعليم، والصحة والسكان، والتنمية المحلية، والنقل، والسياحة والآثار، والإنتاج الحربي، والتموين، والتضامن الاجتماعي، والإسكان، ومبنى تابعًا لوزارة الصناعة.
ولم تكن المجموعة الوزارية التي شملها القرار، الأولى، حيث صدرت قرارات من قبل بنقل ملكية أراضي ومباني
مجمع
التحرير والحزب الوطني المنحل ومبنى وزارة الداخلية القديم بوسط القاهرة إلى الصندوق أيضاً.
وأكد قيادي
في
حزب التحالف الشعبي المعارض، أن الحكومة الجديدة تمضي بنفس سياسات القديمة بل
إنها
تعمل على تسريع عملية بيع الأصول دون قرارات مدروسة،
محاولة
أن توظف الصمت الراهن على الخصخصة بمسميات مختلفة بينها برنامج الأطروحات الحكومية وتنفيذ وثيقة ملكية الدولة وغيرها لتُنهي على ما تبقى من قطاع الأعمال الحكومي الناجح، بدلاً من أن تعمل على تطوير القدرات الإنتاجية للاقتصاد وعلى الأخص في مجالات الزراعة والصناعة.
ولافتًا
إلى أن خطة تطوير الصناعة تتعارض مع عمليات البيع الراهنة لأنها ترسل إشارات على أنها غير قادرة على إدارة هذه الشركات، كما أنها تبرهن على أنها ليس لديها أي نوايا تجاه الاعتماد على الذات والتحرر من التبعية والحفاظ على الموارد الطبيعية.
وأكد لـ”عربي بوست” أن ما يحدث الآن من خطط لبيع المباني الحكومية والشركات الناجحة يضر بالسيادة الوطنية أولاً والاقتصاد القومي في مرتبة تالية، مشيراً إلى أن التعويل يبقى على الوعي الشعبي الذي يقف حائلاً أمام إتمام عمليات البيع التي تتم دون العودة إلى البرلمان أو أي جهات تمثل الشعب الذي يملك هذه الأصول.
وقال حزب التحالف الشعبي
إنه
يبحث إطلاق الحملة الشعبية المصرية لحماية الأصول من كل القوى الوطنية والشعبية التي تعارض هذا التوجه و
إنه
يتشاور مع القوى الصديقة لاتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه تشمل النشاط الفكري الخاص بكشف مخاطر هذا التوجه وتنظيم المؤتمرات والندوات وإطلاق حملات التوقيعات
والمسار القانوني لإلغاء
أي قرار يخص إعدام الأصول.