بدأت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع نظام الملاحة العالمي لتحديد الموقع أو ما يعرف اختصاراً بـ(GPS) في عام 1973 وذلك للتغلب على قيود نظام الملاحة السابق، حيث دمجت أفكار سابقة من ضمنها دراسات هندسية سرية من ستينات القرن الماضي.
وطورت وزارة الدفاع الأمريكية هذا النظام، الذي استعمل في الأصل 24 قمراً صناعي لاستخدامات عسكرية. وأصبح النظام يعمل بشكل كامل في 1995 وقد أدى التقدم في التكنولوجيا والاستخدامات الجديدة للنظام إلى تحديث نظام الـ GPS وتنفيذ الجيل القادم منه.
وأنشئ النظام أساساً أثناء الحرب الباردة لأغراض عسكرية بحتة وذلك لتوفير نظام ملاحي للجيش الأمريكي وحلفائه لمساعدة الطائرات والقطع البحرية للوصول لأهدافها في مختلف الأحوال الجوية. وقد كانت الأجهزة الأولى أضخم مما يمكن لجندي المشاة حمله بالسهولة اللازمة وفيما بعد طُوِّر النظام للاستخدام في الأسلحة الموجهة.
جميع ساحات المعارك لا تستغني اليوم عن نظام (GPS)
نما نظام تحديد المواقع العالمي GPS بسرعة كبيرة ليصبح تقنية عسكرية أساسية، إذ لا يقتصر استخدامه على توجيه السفن والطائرات فحسب، بل يساعد أيضاً في توجيه الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة لإصابة أهدافها بدقة. ويمكن لنظام GPS تحديد موقع الجنود بشكل فردي وتخفيف حالات الفوضى المحتملة في خطوط الإمداد اللوجستية بالإضافة إلى العديد من التطبيقات الأخرى.
ويقول تقرير لمجلة breaking defense الأمريكية إن نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) العسكري لعب دوراً حاسماً في تغيير مفهوم الحرب الحديثة٬ وذلك من خلال عملية تحديد التهديد وتعقبه والاشتباك معه وتدميره. واليوم لا يستطيع المخططون العسكريون رسم مسار مراحل المعارك للتعامل مع الخصوم بدون هذا النظام.
وتدور أقمار GPS حول الأرض وتنقل إشارات مستمرة إلى أجهزة استقبال GPS الأرضية لتحديد الموقع الدقيق المطلوب. وتساعد هذه التقنية في توجيه الأسلحة إلى الموقع المحدد مسبقاً لهدفها بدقة عالية، مما يزيد من فرص الاشتباك الناجح وإكمال المهمة.
وتقدم شركة بي أيه إي سيستمز الأمريكية الآن نسخة محسنة من هذه القدرات على تحديد المواقع بواسطة الجي بي أس٬ وهو نظام يدعى NavStorm-M. وصمم نظام NavStorm-M للاستخدام في المدفعية والقنابل والصواريخ والأنظمة غير المأهولة، ويتميز بنهج حماية متعدد الطبقات ومكافحة التزييف وتضليل الموقع، والمرونة البرمجية. وهو جهاز تحديد المواقع والملاحة والتوقيت (A-PNT) من الجيل التالي يتميز بتقنية M-Code GPS التي تضمن العمل على موجات مشفرة.
ما هو نظام GPS العسكري المضاد للتشويش والتضليل؟
تم تصميم هذا النظام الأمريكي لتلبية متطلبات الحجم الصغير والوزن والقوة والتكلفة لأنظمة الطائرات بدون طيار٬ والذخائر غير الموجهة٬ والمنصات الأسرع من الصوت والأسلحة الأخرى٬ وخاصة في التطبيقات أو التقنيات المصممة لتحمل الظروف القاسية مثل الصدمات أو الحرارة أو غيرها.
ويوفر نظام NavStorm-M ملاحة GPS دقيقة للجيوش٬ حيث توفر التكنولوجيا المدمجة والمقاومة للتشويش والتزييف M-Code حلولاً متقدمة ومصممة خصيصاً لإرسال إشارات مشفرة في دوائر مغلقة تمنع أن يتم التشويش عليها.
وقامت شركة BAE Systems الأمريكية بتسليم أجهزة الاستقبال الأصغر حجماً والأخف وزناً والأكثر كفاءة والأقل استهلاكاً للطاقة٬ GPS M-Code والتي تكافح التزييف في تحديد المواقع٬ لأكثر من 45 دولة٬ خلال المبيعات العسكرية الأجنبية وخصيصاً لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أكملت شركة BAE Systems مؤخراً مراجعة التصميم الأخير لبرنامج المستخدم العسكري لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) Increment 2 Miniature Serial Interface. وهو برنامج يهدف إلى تصميم وتصنيع جهاز استقبال عسكري متقدم لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وخاص بالجيوش.
وبحسب الشركة الأمريكية٬ سوف يؤدي تطوير هذه التقنية الأساسية المتقدمة التي تعرف بـ M-Code إلى خلق قدرة تواكب احتياجات الحرب الحديثة بشكل غير مسبوق٬ حيث “ستحدث ثورة في حلول الملاحة والتوجيه في المستقبل المنظور”.
كيف تعمل تقنية الإشارات المشفرة في نظام “جي بي أس” العسكري؟
تقول مجلة breaking defense أنه أثناء التشغيل، يتم إرسال إشارة M-Code في حزمة نقطية عالية الطاقة من أحد أقمار GPS الاصطناعية، بما يسمح لها تخطي وتجنب إشارات التشويش العامة. ويتم تشفير الإشارات وتحديدها بطريقة تمكن جهاز الاستقبال من اكتشاف وتمييز الإشارات الخاطئة ورفضها. ويمكن للقوات العسكرية الصديقة فقط أن تستقبل الإشارات المشفرة هذه.
هل تستخدم إسرائيل هذه التقنية الأمريكية خلال حربها مع غزة ولبنان؟
منذ عدة أشهر٬ رصدت دول المنطقة وجود تشويش يتكرر في تطبيقات الخرائط التي تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي أس”٬ حيث تعطي هذه التطبيقات المستخدمين في دول الجوار مواقع مختلفة تماماً عن أماكن وجودهم. حيث تقول تقارير غربية إن الجيش الإسرائيلي يحاول عرقلة صواريخ موجهة من لبنان وغزة والتشويش عليها لمنعها من الوصول لأهدافها بدقة باستخدام أنظمة تشفير للمواقع متقدمة.
ويلحظ سكّان لبنان والأردن ومناطق من سوريا ومصر وحتى جزيرة قبرص بوتيرة متفاوتة، اضطراباً في عمل الخرائط الإلكترونية على غرار “غوغل مابس” المستخدم على نطاق واسع.
وتشير تقارير إلى أن هذا الاضطراب في تحديد المواقع عبر تطبيقات النقل٬ يعود إلى استخدام إسرائيل أنظمة تشويش إشارات حديثة في نظام تحديد المواقع العالمي “جي بس أس”٬ وهي التقنية الأمريكية التي طورتها شركة بي أيه إي سيستمز.
وتلجأ إسرائيل كذلك، تقنية تزوير أو تضليل نظام تحديد المواقع العالمي، وهو تكتيك يُستخدم لإرسال إشارات GPS زائفة، بهدف تعطيل وتشويش قدرات الطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة بدقة على العمل أو ضرب أهدافها، والتي يمتلك حزب الله ترسانة كبيرة منها.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أوضح في بداية الحرب أن إسرائيل عطّلت نظام جي بي إس “بشكل استباقي لمتطلبات تشغيلية مختلفة”. وأثار ذلك قلق لبنان التي قدمت شكوى رسمية للأمم المتحدة ضد إسرائيل خشية من التشويش على الملاحة الجوية.
وقالت وزارة الاتصالات اللبنانية في 16 يونيو/تموز إنها إنها تقدمت عبر وزارة الخارجية بشكوى ضد إسرائيل إلى كل من الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للاتصالات٬ تتعلق بـ”التشويش الاسرائيلي الذي يطال بشكل أساسي أنظمة جي بي إس في لبنان”. حيث تعمل إسرائيل على التشويش على أنظمة “جي بي إس” في مطار رفيق الحريري الدولي، ومناطق لبنانية عدة، خصوصاً في الجنوب وبيروت، وفق اتهامات لبنانية رسمية.
وفي إبريل/نيسان الماضي٬ لم تتمكن طائرة تابعة للخطوط الجوية التركية من الهبوط في مطار رفيق الحريري في بيروت٬ واضطرت إلى العودة إلى نقطة انطلاقها في تركيا. وأوعزت المديرية العامة للطيران المدني في لبنان بدورها في تعميم إلى الطيارين الذين يسيّرون طائرات من وإلى مطار بيروت “بضرورة الاعتماد على التجهيزات الملاحية الأرضية وعدم الاعتماد على الإشارة التي يلتقطونها عبر “جي بي إس” نتيجة التشويش القائم في المنطقة.