الأخبار

“البطاقة عدد 3” تُرهب منافسي سعيّد قبل الانتخابات.. قصة وثيقة “غير دستورية” تتحكم الداخلية في إصدارها

قبل 10 أيام من تاريخ فتح باب الترشيحات للراغبين بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية، سحب 61 شخصاً استمارة الترشح للرئاسيات، إلى غاية يوم الأربعاء 17 يوليو/تموز 2024، من بينهم رؤساء أحزاب ومستقلون، بينهم من يقبع في أحد السجون التونسية لأسباب مختلفة.

بينما أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد على ضرورة فرض الاحترام لكل الأحكام المتعلقة بالانتخابات الرئاسية المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، هناك إجماع بين المعارضين على أن السلطات تضع مجموعة من العراقيل أمام المنافسين المحتملين للرئيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية التونسية.

في الدستور التونسي الجديد الذي صوت عليه نحو 27% من الناخبين التونسيين، وضع سعيّد مجموعة من الشروط الجديدة التي انتقدتها المعارضة، لكن هناك شرط آخر “غير دستوري” لكنه ضروري لأي مرشح يسعى للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية، ويتعلق الأمر بـ”البطاقة عدد 3″ التي تمنحها وزارة الداخلية.

ما هي “البطاقة عدد

3

“؟

خلال مؤتمر صحفي، بداية شهر يوليو/تموز، كشف رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، عن تعديلين جديدين في شروط الانتخابات الرئاسية التونسية وفق دستور 2022، وهي التعديلات التي لم يتم تضمينها بعد في قانون الانتخابات المعمول به في البلاد.

حسب المسؤول التونسي، تستند التعديلات الجديدة على المادة 89 من الدستور التي تنص على أن “الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل تونسي أو تونسية غير حامل لجنسية أخرى مولود لأب وأم، وجد لأب، وجد لأم تونسيين، وكلهم تونسيون دون انقطاع”.

كما تضمنت شروط الترشح في الانتخابات الرئاسية التونسية وفق القانون الجديد: “أن يكون المرشح أو المرشحة يوم تقديم ترشحه بالغاً من العمر 40 سنة على الأقل، ومتمتعاً بجميع حقوقه المدنية والسياسية”، بحسب المادة ذاتها.

ألزمت الهيئة أيضاً في شروطها الجديدة وجوب حصول المرشح على “بطاقة عدد 3” المتعلقة بالسوابق العدلية، لإثبات عدم وجود موانع قانونية لديه، وهو الشرط غير المنصوص عليه في النسخة المعدلة من الدستور لعام 2022.

“بطاقة عدد 3” أو بطاقة السوابق العدلية غير موجودة بالدستور ولكن معمول بها في الانتخابات السابقة التي جرت منذ فرض الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021، وجاءت وفق المرسوم الرئاسي الصادر في سبتمبر/أيلول 2022 الذي عدّل القانون الانتخابي، قبيل انتخابات مجلس النواب.


“بطاقة ترهيب” المرشحين

اشتراط الحصول على “بطاقة عدد 3” للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية أثار الجدل، خاصة بين أنصار المرشحين المعارضين الذين أعلنوا خوضهم الاستحقاق الانتخابي وهم محتجزون داخل سجون تونس ويتابعون بتهم مختلفة.

حيث أكد الوزير السابق غازي الشواشي، الذي أعلن من داخل السجن، ترشحه للرئاسيات، أنه “أودع قضيتين استعجاليتين لدى المحكمة الإدارية” بسبب “رفض السلطات مده بالبطاقة عدد 3، ورفض هيئة الانتخابات مده باستمارة التزكيات، رغم وجود توكيل خاص بالغرض وقع نشره للعموم”.

قبل ذلك، أعلن الأمين العام لحزب “الإنجاز والعمل” ومرشحه المحتمل للانتخابات الرئاسية عبد اللطيف المكي عن عدم تمكينه من “البطاقة عدد 3” رغم تقدمه بمطلب في الغرض، علماً أن المكي كان قد استدعي مؤخراً للمثول أمام قاضي التحقيق للاستماع إليه في قضية وفاة رجل الأعمال الجيلاني الدبوسي.

وكتب رئيس تحرير موقع “بزنس نيوز” التونسي، مروان عاشوري، في افتتاحية للموقع خصصها لـ”البطاقة عدد 3″: “إنها ورقة يتم التحكم في مواعيد تسليمها بشكل كامل من قبل السلطات. وبالتالي، سيكون من السهل عليهم إبطال ترشيح شخص ما بمجرد رفض أو تأخير إصدار هذه الوثيقة”.

بينما أكّدَت عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نجلاء العبروقي: “أنّ أعضاء الهيئة أقسموا على احترام مقتضيات دستور 2022 الذي يُعد الأعلى مرتبة في سُلّم القوانين، مؤكدة أن التشكيك في قراراتها ليس له أي أساس دستوري أو قانوني أو منطقي أو أخلاقي”.

بخصوص الجدل المتعلق بشرط تضمن ملف الترشح لـ”البطاقة عدد 3″، شدّدت العبروقي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات)، “على أن هذا الشرط قانوني وسليم وتم إدراجه للتأكد من تمتع المترشح بحقوقه المدنية والسياسية”.

إضافة إلى: “خلو ملفه من الجرائم المنصوص عليها بالفصلين 161 جديد و163 جديد من القانون الانتخابي المتعلقة بتقديم عطايا نقدية أو عينية أو التمويل المجهول باعتبارها تمنع من الترشح وللتثبت من عدم وجود أحكام تكميلية بخصوص جرائم الحق العام”.

شروط الانتخابات الرئاسية التونسية

حسب تقارير إعلامية محلية فإن 61 مرشحاً في السباق الرئاسي سحبوا “استمارة الكفالة” اللازمة لاستكمال ملف ترشحهم من أجل خوض الانتخابات الرئاسية التونسية، ضمن الشروط التي قال رئيس الهيئة العليا للانتخابات،
فاروق بوعسكر
، “ليست مخالفة للقانون الانتخابي خلافاً لما يردّده البعض”.

ويجب على كل مرشح أيضًا أن يحصل على توقيع 10 نواب من مجلس نواب الشعب أو أعضاء المجلس الوطني للأقاليم والمقاطعات، أو 40 رئيسًا منتخبًا للسلطات المحلية، أو 10000 ناخب مسجل في السجل الانتخابي في 10 دوائر انتخابية تضم كل منها 500 ناخب على الأقل.

هذا الشرط يهدد باستبعاد بعض المرشحين، وفق ما ذكرته مجلة “Jeune Afrique” الفرنسية، وأضافت أن بعض المرشحين سيكون من الصعب عليهم خوض الانتخابات الرئاسية التونسية رغم استيفائهم للشروط التي يفرضها الدستور، ولكن “لا يمكنهم الوصول إلى خدمات الهيئة، لأنهم في السجن”.

كما أوضحت أن هؤلاء المرشحين يمكنهم منح تفويض لمن ينوب عنهم لإتمام الإجراءات، لكن مرة أخرى يظهر عائق جديد، “إذ يحتاجون إلى تفويض خاص والتفويض الصادر عن طريق المحضر للسجناء لا تعترف به الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”.


هذا ما دفع المستشار السياسي لرئيس حركة “النهضة” عضو جبهة الخلاص الوطني المعارضة، رياض الشعيبي للتعبير عن عن أسفه من “أن شروط الانتخابات النزيهة غير متوفرة”، وفق ما صرّح به لوكالة “الأناضول”.

وقال الشعيبي: “صحيح تم تحديد موعد الانتخابات ولكن الإطار القانوني للترشحات لا يزال غير واضح هل من حق هيئة الانتخابات أن تضيف شروطاً جديدة في شروط الترشح”، في إشارة لتلك التي أُضيفت استناداً لمواد الدستور لكن دون إدراجها لقانون الانتخابات.

مقاطعة الانتخابات الرئاسية التونسية

أكدت أحزاب المعارضة البارزة في تونس خلال مؤتمر صحفي، الأربعاء 17 يوليو/تموز 2024، أن الاعتقالات ذات الدوافع السياسية وأوامر حظر النشر تخلق ظروفاً مستحيلة لإجراء انتخابات ديمقراطية في وقت لاحق من هذا العام.

وقال أعضاء جبهة الإنقاذ الوطني، وهي تحالف من المعارضين العلمانيين والإسلاميين للرئيس قيس سعيّد، إن حملة الحكومة على المعارضين “خلقت مناخًا من الخوف، مما جعل متطلبات الحملة مثل جمع التوقيعات مستحيلة تقريبًا”.

وقال الشعيبي في المؤتمر الصحفي الذي عُقد بالعاصمة تونس إن “هناك رسالة واضحة وراء كل هذه الاعتقالات المستهدفة”. وأضاف: “إن التحالف أحصى أكثر من 300 شخص مسجونين حالياً بتهم سياسية”.

بينما وصف قادة حركة النهضة وأحزاب أخرى في الجبهة الاعتقالات والقيود الأخيرة على من يخططون لتحدي سعيّد بأنها “خنق للحريات وحقوق الإنسان والحقوق الأساسية للتونسيين”.

كما أكدوا أنهم ليس لديهم خيار سوى مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول، وهو الأمر الذي أعلنته العديد من الأحزاب في وقت سابق احتجاجاً على “الاتجاه الاستبدادي في البلاد”.

من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية في بيان يوم الثلاثاء 16 يوليو/تموز 2024، “من المثير للصدمة أن نرى السلطات التونسية تدوس على حقوق الناس في محاولتها لتقويض المعارضة السياسية”.

وأعلن عبد اللطيف المكي، زعيم كتلة العمل والإنجاز، عن خطط لتحدي سعيّد، لكن في وقت لاحق تم تقييد تحركاته وخضع لأمر حظر نشر من قبل قاض في تونس كجزء من تحقيق في جريمة قتل عام 2014 وصفه المنتقدون بأنه بدوافع سياسية.

فيما قال أحمد النفاتي، نائب الأمين العام لحزب العمل والإنجاز، لوكالة “أسوشيتد برس“، إن مثل هذه التطورات “أثارت الخوف بين الناخبين. نستطيع أن نرى أنه نتيجة للاعتقالات فإن الناس أصبحوا خائفين وأعربوا عن ترددهم في إظهار أي شكل من أشكال الدعم”.