تستعد الحكومة المصرية الجديدة للإعلان عن زيادات مرتقبة في أسعار المحروقات والكهرباء والدواء خلال الفترة المقبلة، بما يُمكنها من الحصول على الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد الدولي.
هذه الزيادات المرتقبة توازيها مخاوف من غضب شعبي يجعل الحكومة مترددة في الإقدام على تلك الخطوات تزامنًا مع استمرار مشكلات انقطاع التيار الكهربائي وما يصاحبه من حالات استنكار وغضب تظهر جلية في الشارع المصري.
الزيادات سيقابلها وقف تخفيف أحمال الكهرباء
وكشف مصدر حكومي مطلع لـ “عربي بوست” أن حكومة مصطفى مدبولي الجديدة تنتظر الحصول على ثقة البرلمان خلال الأسبوع المقبل قبل اتخاذ مجموعة من القرارات المرتبطة بخفض قيمة الدعم الموجه إلى الخدمات العامة.
وأضاف المصدر نفسه أن المقدمة ستكون من خلال رفع أسعار المحروقات بما فيها السولار وأسطوانات الغاز المنزلي، وأن لجنة التسعير من المتوقع أن تنعقد خلال الأسبوع الأخير من الشهر الجاري لإقرار تلك الزيادات.
وتوقع المصدر ألا تتجاوز الزيادة معدلات تتراوح ما بين 7% إلى 10%، على أن تلتزم الحكومة خلال الأشهر المقبلة بمواعيد انعقاد لجنة التسعير التلقائي لضمان الزيادات التدريجية دون أن تترك تأثيرات كبيرة على المواطنين.
وأشار المصدر نفسه إلى أن تمرير هذه الزيادات سيكون مرتبطًا بالوقف الكلي لتخفيف أحمال الكهرباء مع بداية الأسبوع الثالث من هذا الشهر، والتي سوف يسبقها تمهيد بتقليص مدة الانقطاعات للتأكيد على أن هناك تطور إيجابيًا طرأ على الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وأشار المصدر ذاته، إلى أن لجنة التسعير كان مقرراً لها أن تنعقد في 22 يونيو/ حزيران 2024، غير أن استقالة الحكومة التي تقدمت بها في الثالث من يونيو تسبب في صدور قرار بتأجيله لحين تشكيل حكومة جديدة، والآن أضحى متوقعًا انعقاد اللجنة في هذا التوقيت استباقًا لزيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر بنهاية هذا الشهر.
وكشف المصدر نفسه أن الحكومة المصرية الجديدة ستحاول التفاوض بشأن إرجاء مجموعة من الخطوات الأخرى ذات الارتباط بجداول رفع الدعم بما يُخفف من حدة الانتقادات الموجهة إليها.
ولفت المصدر ذاته، إلى أن زيادة أسعار الكهرباء أضحى أيضًا أمراً محسومًا، وأن النقاش الحالي حول قيمة الزيادة في كل شريحة وإمكانية إعفاء الشرائح الدنيا التي تستخدمها الطبقات الفقيرة على حساب زيادات كبيرة في الشرائح الثالثة والرابعة والخامسة.
وأشار المصدر نفسه إلى أن توقف انقطاع الكهرباء سيكون أيضًا مقترنًا بهذه الزيادة المتوقع إقرارها خلال الشهر المقبل أو في الأول من سبتمبر على أقصى تقدير، كما أن الأدوية المحلية ستشهد زيادات هي الأكبر منذ فترة طويلة مع تفاقم مشكلات شح الحصول عليها، وأن الخسائر التي تتعرض لها شركات الأدوية المحلية تدفع نحو هذا الإجراء.
https://x.com/TurkiShalhoub/status/1812742644373614730?t=O_bCk1aYqQt01NZff_gfMQ&s=19
تدريجية وعلى فترات متباعدة
وفي تصريحات صحفية، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أنه لا سبيل أمام الدولة في طريقها لإصلاح المنظومة الاقتصادية والمالية، سوى التحرك التدريجي في أسعار بعض الخدمات.
وأضاف أن سبب زيادة أسعار الخدمات يعود إلى سد الفجوة بين تكلفة الإنتاج وسعر الخدمة المقدمة للمواطنين، قائلاً إن الموازنة العامة “تتكبد أعباءً عديدة للغاية بسبب هذه الفجوة وسعر السولار يباع مقابل 10 جنيهات للتر في حين تبلغ تكلفة إنتاجه 20 جنيهًا”.
حسب الموازنة العامة، زادت فاتورة الدعم من 532.8 مليار جنيه (11.1 مليار دولار) خلال السنة المالية الماضية 2023/2024 إلى 635.9 مليار جنيه (13.2 مليار دولار) خلال السنة المالية الحالية 2024/2025 بنسبة زيادة 19.3%.
وكل هذا بسبب ارتفاع تكلفة دعم المواد البترولية بقيمة 35.1 مليار جنيه (731.3 مليون دولار) لتصل إلى 154.5 مليار جنيه (3.2 مليار دولار)، والسلع التموينية بقيمة 6.45 مليار جنيه (134.4 مليون دولار) لتصل إلى 134.15 مليار جنيه (2.8 مليار دولار).
وقال مصدر مطلع بوزارة البترول لـ”عربي بوست” إن المحروقات من المتوقع أن تشهد زيادات متتالية خلال العام ونصف المقبلين، والمستهدف أن تكون الزيادات تدريجية وعلى فترات متباعدة، وقد تشهد لجنة تسعير المنتجات البترولية زيادة في أسعار المحروقات وهناك مقترح يتم دراسته بالاكتفاء بالبترول فقط.
موضحًا أن أسعار السولار لن تتم بصورة كبيرة خشية من زيادة معدلات التضخم، وسيكون للجنة الوزارية الاقتصادية رأي في قيمة الزيادات بما لا يترك تأثيرات بشكل كبير على مجمل الأداء الاقتصادي.
وذكر المصدر ذاته، أن الزيادات مقررة من السابق، وهناك متغيرات تُرغم الحكومة عليها، من بينها تراجع قيمة الجنيه وزيادة تكاليف إنتاج المواد البترولية، إلى جانب ارتفاع أسعار خام برميل البترول عالميًا.
مُشيرًا إلى أن الحكومة لديها توقعات بزيادة أسعار الوقود عالميًا وتخشى زيادة الفجوة بين أسعار المحروقات عالميًا وبين قيمتها في الداخل، بما لا يضغط على الموازنة العامة، متوقعًا احتمالية إرجاء زيادة السولار قبل انعقاد لجنة التسعير والتي من المتوقع انعقادها خلال هذا الشهر.
الحكومة مضطرة للاستجابة لشروط الصندوق
وواصلت معدلات التضخم في مصر تباطؤها للشهر الرابع على التوالي في يونيو، وسجّل معدل التضخم العام للمدن المصرية 27.5% في الشهر الماضي مقابل 28.1% في مايو من العام الحالي، فيما بلغ معدل التضخم الأساسي 26.6% مقابل 27.1% خلال نفس الفترة الزمنية.
وأجّل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، المراجعة الثالثة لقرض صندوق النقد الدولي من 9 يوليو إلى 29 من الشهر نفسه. وكان من المقرر أن يتخذ الصندوق – بعد اجتماعه – قرارًا بصرف 820 مليون دولار شريحة جديدة من القرض المقدم لمصر بقيمة 8 مليارات دولار.
وقال خبير اقتصادي يعمل مستشاراً بالحكومة، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، إن الحكومة المصرية أضحت مضطرة للاستجابة إلى شروط صندوق النقد الدولي، وتحاول إحداث حالة من التوازن بين الغضب الشعبي ضد قراراتها وبين ضمان السير على الشروط المتفق عليها من قبل.
وأضاف المتحدث أن الحكومة تدرك بأن عدم التزامها سيؤثر على علاقاتها بباقي المانحين الأجانب وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعلها تحاول التمهيد لقراراتها بشكل مسبق وتوصيل رسائل للمواطنين مفادها بأنها ستتجه إلى رفع أسعار الخدمات في كلا الحالتين.
وأضاف لـ”عربي بوست” أن خفض قيمة الجنيه بنسبة وصلت إلى 60% في شهر مارس الماضي تدفع لزيادة أسعار المحروقات بشكل تلقائي، لأن موازنة الدولة التي تذهب أغلبها لسداد الديون لن تتحمل تكاليف هذه الزيادة، وتسعى لتحميلها تدريجيًا على المواطنين.
موضحًا أنه الآن يتم دراسة إمكانية زيادة رواتب موظفي الحكومة لإدراكها بأن هؤلاء يشكلون صوتًا مرتفعًا ودائمًا ما يكون لديهم اعتراضات كبيرة على قراراتها، ولدى الحكومة الجديدة أهداف رئيسية تتمثل في ضبط باقي جوانب الموازنة العامة للتخفيف من حدة تشوهات الاقتصاد.
وأوضح أن التحدي الأكبر أمام الحكومة يتمثل في عامل زيادة أسعار السولار الذي تكون لديه انعكاسات مباشرة على أسعار غالبية السلع، وارتفاع تكاليف النقل وتأثر الزراعة التي تعمل بالغاز الطبيعي سلبًا، إلى جانب زيادة أسعار الكهرباء.
وأشار إلى أن المواطنين يرفضون تقبل هذه الزيادات في وقت تقوم فيه الحكومة بتخفيف الأحمال، ويستعيدون تصريحات ووعود سابقة دائمًا ما كانت الحكومة تؤكد فيها أنها قضت على هذه المشكلة بشكل نهائي، ويتم التعامل مع هذه الوعود كأحد أسباب فقدان الثقة مع الحكومات المتعاقبة.
وأكد المتحدث باسم الحكومة المصرية محمد الحمصاني أن تحريك أسعار السولار سيكون بنسبة قليلة والمواطن محدود الدخل سيتحمل جزءًا بسيطًا منها، وفي الوقت نفسه، اجتمع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي مع وزيري الكهرباء والبترول، للتأكد من الالتزام بوضع الخطة الخاصة بوقف تخفيف الأحمال خلال الأسبوع الثالث من الشهر الحالي حتى انتهاء فصل الصيف، ووقف تخفيف الأحمال تمامًا بحلول نهاية عام 2024.
ورفعت مصر، في 22 مارس الماضي، أسعار الوقود للمرة التاسعة خلال 3 سنوات ووفق الزيادة الأخيرة على المنتجات البترولية ارتفع سعر البنزين والسولار جنيهاً واحداً، ليصبح سعر لتر بنزين 80 بعد الزيادة 11 جنيهاً، وبنزين 92 بعد الزيادة 12.50 جنيه، وبنزين 95 بعد الزيادة 13.5 جنيه. كما تم زيادة سعر السولار 1.75 جنيه للتر الواحد ليصبح سعر لتر السولار 10 جنيهات.
الإصلاح السياسي بديل لتحسين الوضع الاقتصادي
وقال محلل سياسي بمركز استطلاعات وبحوث الرأي العام، إن الحكومة الجديدة تبرهن على أن التخلص من فاتورة الدعم يعد أولوية رئيسية بالنسبة لها بخلاف ما أعلنت عنه بالبرلمان خلال برنامجها الذي قدمته وتضمن أربعة محاور رئيسية.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ”عربي بوست” أن رسالتها الرئيسية تتمثل في أنها تمضي على نفس الطريق الذي سارت عليه الحكومة السابقة، وأن التغيير حدث فقط في بعض الشخصيات دون أن يطال السياسات العامة.
لافتًا إلى أن تحميل المواطنين فوق طاقتهم وزيادة متاعب الحياة بالنسبة إليهم وشعورهم بحالة من الإحباط المستمرة ستكون لديها تأثيرات سلبية مستقبلية وإن تقبلوا هذه الزيادات في الوقت الحالي.
وأوضح أن الحكومة تستهدف المضي قُدماً في إجراءات بناء الثقة مع صندوق النقد الدولي، وتستهدف المحافظة على قيمة الجنيه مقابل الدولار وتهدف إلى القضاء على السوق السوداء بشكل نهائي.
وتدرك أن أي تراجع في برنامج الإصلاح الذي اتفقت عليه من قبل سيكون لديه تأثيرات سلبية على قيمة العملة وعلى صورتها أمام المجتمع الدولي، وترى أن أي قلاقل في الداخل يمكن التعامل معها بعكس تأثيرات تراجعها عن التزاماتها أمام الجهات الدولية المانحة.
وذكر المصدر ذاته أن الحكومة يمكن أن تستبدل قدرتها على تحسين الوضع الاقتصادي باتخاذ قرارات تشير إلى تقدم في مجال الإصلاح السياسي، ومن المتوقع أن تمرر تعديلات قانون الحبس الاحتياطي استجابة للمعارضة، وكذلك الموافقة على إجراء انتخابات المحليات التي بدأت الاستعداد لها، ومن الممكن أن تمنح مزيدًا من الحريات الإعلامية للتنفيس عن حالة شحنات الغضب، لكن دون أن يقود ذلك لتغيير في سياساتها الاقتصادية.
وأشار إلى أن الحكومة تلعب على ذكريات الماضي بمعنى أنها تحاول التذكير بأن الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي اتخذتها في أعقاب التعويم الأول بالعام 2016، يمكن أن تتكرر هذه المرة شريطة تحمل المواطنين.
وأضاف أن الحكومة تحاول بشكل مستمر أن تجد تفسيرات لقراراتها وتعمل على قياس مدى رفض الرأي العام للقرارات التي تتخذها، وتعمل على تجزئتها دون أن يؤدي ذلك لأزمات عنيفة تضر بالاستقرار الداخلي.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إن تحريك أسعار الأدوية سيكون بحسابات دقيقة، وهناك خطة لتحريك محسوب لبعض الأدوية من هنا، إلى آخر العام، لضمان عدم وجود أي نقص في الأدوية، مشيراً إلى أنه لا سبيل لدينا كدولة إلا بتعديل أسعار بعض الخدمات المقدمة للمواطن وسوف نتحرك خلال سنة ونصف في الأسعار لسد الفجوة الموجودة.
وواصل: “أصبح هناك سعر موحد للدولار، ويتم استيراد المادة الخام بسعر أعلى، وترتب على ذلك تعرض المصانع لخسائر، ولذلك تم الاتفاق على تحريك أسعار الدواء بنسب محسوبة حتى نهاية العام، حتى لا يكون هناك أي نقص في الأدوية خلال الفترة المقبلة”.