الأخبار

حُكم جديد يعيد مصفاة “سامير” المغربية إلى الواجهة.. قصة نزاع مع رجل أعمال سعودي كلّف الرباط المليارات

في شهر أغسطس/آب 2015، قررت المغرب إغلاق الشركة المغربية المجهولة الاسم للصناعة والتكرير المعروفة اختصاراً بـ”سامير”، وهي المصفاة الوحيدة في المملكة التي كانت متخصصة في تكرير النفط على مدى 59 عاماً، وبررت قرارها بـ”ثقل مديونية الشركة” بعد سنوات من تفويت مصفاة سامير لرجل الأعمال السعودي، محمد حسين العمودي.

ومنذ ذلك التاريخ دخل الملياردير السعودي في صراع قضائي مع المغرب، كانت آخر فصوله يوم الإثنين 15 يوليو/تموز 2024، عندما أمر المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار، المغرب بدفع تعويض قدره 150 مليون دولار لصالح رجل الأعمال السعودي، الذي طالب الرباط بتعويض قدره 2.5 مليار دولار.

هذا الحكم أعاد قضية مصفاة “سامير” إلى الواجهة من جديد ويدفعنا إلى طرح أسئلة بشأن أسباب إغلاق المصفاة ومن استفاد من ذلك القرار الذي اتخذ قبل 9 سنوات من الآن؟ وكم كلف ذلك الاقتصاد المغربي وكيف أثر على المواطن المغربي البسيط؟

خوصصة مصفاة سامير

خلال السنوات الأخيرة من حكم الملك الراحل الحسن الثاني ، حيث كان يعيش المغرب وضعاً اقتصادياً صعبًا، وبالضبط في عام 1996، قررت الدولة خوصصة مصفاة النفط الوحيدة التي تملكها، والتي ظلت منذ عام 1959 المسؤولة عن تزويد السوق المغربية بما يحتاجه من النفط.

لم يكن المشتري سوى رجل الأعمال السعودي الملياردير، محمد حسين العمودي، وذلك بأوامر من العاهل السعودي الراحل الملك فهد، الذي كان يرغب في المساهمة في إنقاذ الاقتصاد المغربي من “السكتة القلبية”، وفق ما نقله موقع “هسبريس” المغربي عن مسؤولين لم يكشف أسمائهم.

قبل أشهر من تفويتها لرجل الأعمال السعودي، أُدرجت شركة سامير في بورصة الدار البيضاء عام 1996، وبعد ذلك بعام تقرر خصخصتها بتحويل 67.27% من رأسمال المصفاة إلى مجموعة “كورال السويدية” التي يملكها الملياردير العمودي.

بعدها بـ8 سنوات، أي سنة 2004 ، وقَّعت الحكومة التي كان يقودها رجل الأعمال، إدريس جطو، اتفاقية استثمار مع مجموعة العمودي من أجل تحديث مصفاة سامير وتطويرها وتوسيع أنشطتها، إذ تعهّد رجل الأعمال السعودي باستثمار 300 مليون دولار لهذا الغرض، وظل الأمر حبراً على ورق.


لم يلتزم العمودي بتعهداته وبدأت مسيرة تصفيته لممتلكات شركة سامير التي تضمّنت فنادق وعقارات، إضافة إلى حصص في شركات التأمين التي جنى من ورائها أرباحاً كبيرة، كما اشترطت مجموعة كورال على الرباط إغلاق السوق أمام المستوردين المغاربة العاملين في مجال تسويق المحروقات. وتم الاتفاق على ذلك قبل إبرام الصفقة.

وبالفعل توصلت الحكومة المغربية بمبلغ الصفقة، وأقترض الملياردير السعودي جزءًا منها من البنوك المغربية، وتسلم المصنع وباقي المنشآت العقارية التابعة له في المحمدية، وسيدي قاسم، وبعض المدن المغربية الأخرى، من بينها منشأة سياحية في إفران.

ووصلت سامير في نهاية 2015 ، لوضعية غير متوقعة، بعدما تراكمت ديونها لفائدة الجمارك والبنوك المغربية ، التي وصلت إلى 40 مليار درهم، الشيء الذي جعلها تدخل المسطرة القضائية في المحكمة التجارية في الدار البيضاء التي قضت بتصفيتها في 2016.

بينما أصدر المغرب مرسوما بالإغلاق الدائم في عام 2019 بسبب تراكم الديون، على خلفية عدم استقرار أسعار النفط العالمية والمناقشات حول العجز في الميزانية في الاقتصاد المغربي بسبب الدعم على المنتجات النفطية المستوردة، وفق ما جاء في تقرير للمجلة العلمية “Scientific Africa” نُشر في عام 2023.

بداية الصراع بين العمودي والمغرب

منذ شهر مارس/آذار 2016، تخضع شركة “سامير” المالكة لمصفاة البترول الوحيدة في المغرب للحراسة القضائية بعد ارتفاع مديونيتها إلى 4.3 مليارات دولار. وتطالب مديرية الجمارك والضرائب غير المباشرة، شركة “سامير” بضرائب تصل قيمتها إلى 1.3 مليار دولار.

بعد سنتين من ذلك التاريخ، رفع الملياردير السعودي دعوى قضائية في واشنطن ضد المملكة المغربية، بسبب وضع شركة “سامير” تحت التصفية القضائية، ووضع العمودي الدعوى، لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار الذي يعتبر فرعا للبنك الدولي.

وكلف العمودي مكتب المحاماة “جيبسون دون”، لرفع الدعوى ضد رئيس الحكومة ووزير الشؤون الخارجية ووزير العدل المغربي.


ووضعت الشكوى من قبل “كورال المغرب” التابعة لكورال بتروليوم التي يوجد مقرها الرئيسي في السويد، ويستند العمودي في دعواه تلك إلى اتفاقية الحماية المتبادلة للاستثمارات بين المغرب والسويد الموقعة قبل 28 عامًا.

وانتظر العمودي عامين قبل التوجه إلى القضاء الدولي من أجل التحكيم، حيث سبق له أن بعث بإخطار إلى رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، يخبره فيه بنيته في اللجوء إلى التحكيم الدولي في حال عدم تسوية النزاع الخاص بشركة سامير.

واعتبر الملياردير السعودي في رسالته، أن شركته واجهت “عقبات ومعاملة غير منصفة” مرتبطة باستثماراتها، من بينها مطالبتها بأداء مستحقات متعلقة بالجمارك والحجز على الحسابات المصرفية والعقارات الخاصة بالشركة ومنع سفن الشحن من الرسو.

آخر قرارات هيئة التحكيم الدولية

بداية شهر يوليو/تموز 2024، كشفت تقارير إعلامية مغربية أن رجل الأعمال السعودي محمد العمودي يطالب الرباط بأداء تعويض بقيمة 2.7 مليارات دولار، خلال آخر جلسات التحكيم المنعقد من قبل المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في واشنطن.

لكن وزيرة المالية المغربية نادية فتاح العلوي قالت يوم الإثنين 15 يوليو/تموز إن المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار أمر المغرب بدفع تعويض قدره 150 مليون دولار لشركة” كورال موروكو هولدينج” بسبب قضية مصفاة سامير

وأضافت الوزيرة المغربية وفقًا لما نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية المغربية، أن الغرامة التي فرضها المجلس التابع للبنك الدولي تمثل 6 بالمئة من 2.7 مليار دولار تطالب بها الشركة. وذكرت أن المغرب يدرس الاستئناف.

خلال فترة التقاضي في المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، دافع المغرب عن أفعاله فيما يتعلق بمصفاة سامير، وأكدت الوزيرة فتاح العلوي أن المغرب “اتخذ منذ عام 2002 تدابير واسعة النطاق لدعم وتطوير عمليات المصفاة”.

ورغم هذه الجهود لم تتمكن شركة “كورال موروكو”، المساهم الرئيسي، من تحقيق استقرار مالي للمصفاة، وأضافت الوزيرة أن “المغرب يظل ملتزمًا بالوفاء بمسؤولياته وحقوقه تجاه الشركاء والمنظمات الدولية، في ظل الامتثال الكامل للاتفاقيات الدولية والثنائية.”

وعبرت الوزيرة فتاح عن ثقتها في موقف المغرب طيلة النزاع. وقالت “نعتقد أن المغرب حافظ دائمًا على موقف عادل تجاه مجموعة كورال”، مؤكدة أن المغرب أوفى بكل التزاماته التعاقدية تجاه المساهم الرئيسي في المصفاة.


كلفة إغلاق مصفاة سامير

تزامن توقف الإنتاج في مصفاة سامير لتكرير النفط عام 2015، مع بدء المغرب في تحرير أسعار المحروقات ورفع الدعم عنها تدريجياً، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار البنزين والغازوال من حوالي 10 دراهم للتر الواحد (دولار واحد)، إلى أكثر من 14 درهم خلال عام 2024، متأثراً أيضاً بارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية.

وحسب المختصين فإن إغلاق مصفاة سامير بمدينة المحمدية تسبب بشكل مباشر في ارتفاع أسعار المحروقات، كما كان له تأثير كبير على الاقتصاد المغربي الذي يستورد مجمل حاجياته من المحروقات من الخارج، وتكلف ميزانية الدولة نحو 5 مليارات دولار سنوياً وفق الأرقام الرسمية لعام 2023.

حسب الورقة العلمية التي أصدرها موقع “Science Direct“، فقد أدى إغلاق مصفاة سامير إلى انخفاض الناتج الإجمالي للمغرب بنسبة 4.4٪، كما أن إغلاق مصفاة سامير يمكن أن يتسبب في تحول هيكلي في الاقتصاد المغربي، وخاصة في الدار البيضاء الكبرى، التي انخفضت بنسبة 9.2٪ من ناتجها الإجمالي.

وأكد التقرير الصادر في شهر مايو/أيار 2023، أن إغلاق الشركة الوحيدة العاملة في قطاع تكرير النفط في المغرب، كما كان متوقعًا، أحدث تأثيرات كبيرة على الاقتصاد، وتقدر الخسائر الاقتصادية الإجمالية بـ66.572 مليون درهم (حوالي 6 مليارات دولار أمريكي).

لكن رغم ذلك يبدو أن الحكومة المغربية الحالية التي يقودها، عزيز أخنوش، صاحب واحدة من أكبر شركات المحروقات في المغرب، غير مستعدة لإعادة تنشيط مصفاة سامير، رغم تصاعد الأصوات المطالبة بذلك، والتي ترى في مصفاة سامير فرصة لتحقيق جزء من الأمن الطاقي للمغرب.

ويرى الطيب أعيس، المحلل المالي والاقتصادي، أنه “من واجب الدولة ضمان استمرارية “سامير” وعدم التخلي عنها كونها مؤسسة وطنية استراتيجية مهمة بشكل كبير على مستوى الأمن الطاقي  للمغرب،” وفق ما صرح به لعربي بوست في تقرير سابق.

رأي المحلل يسانده موقف الجبهة الوطنية لإنقاذ مصفاة سامير والتي قال منسقها الحسين اليماني إن “هناك ضرورةً ملحةً لتدخل الدولة كونها أكبر دائن، وأن تُفوت الشركة لصالحها،” على حد تعبيره.

من المستفيد من هذا الوضع؟

منذ توقف مصفاة سامير وتحرير أسعار المحروقات عام 2015، توجهت أصابع الاتهام لشركات توزيع المحروقات باستغلال الوضع ومضاعفة أرباحها بشكل كبير على حساب المواطن المغربي الذي يعاني من الارتفاع المستمر في أسعار المحروقات، والتي تنعكس على أسعار باقي المواد الأساسية.

“من المستفيد من تحرير أسعار المحروقات ؟ إنهم الموزعون. فمنذ أن رفعت الدولة يدها عن تحديد أسعار الغازوال والبنزين في ديسمبر 2015، لم تتوقف (أفريقيا، فيفو إنرجي، طوطال المغرب، وينكسو، بيتروم، وغيرها من الشركات عن الاغتناء بنسب ضخمة”، هذا ما جاء في تحقيق نشرته مجلة “تييل كيل” المغربية عام 2018.


حسب نفس المصدر فإنه في سنة 2016، التي اتسمت بمزيد من حرية السوق، تمكنت شركة “طوطال المغرب” الفاعل رقم 3 في سوق المحروقات من مضاعفة أرباحه 3 مرات، إذ انتقلت من 289 مليون درهم خلال سنة 2015 إلى 879 مليون درهم بعد عام واحد.

وتسير مؤسسة “فيفو إينرجي”، التي تعتبر ثاني أكبر فاعل في القطاع في نفس المنحى، إذ بحسب الأرقام التي تحصلت عليها TelQuel من مصادر موثوقة، فقد تضاعفت أرباح الشركة أيضاً 3 مرات تقريبا لتصل إلى 58 مليون دولار في نهاية 2016 بعدما كانت في حدود 22 مليون دولار.

أما مجموعة “أكوا” التي يملكها رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، الموزع المحروقات من خلال العلامة التجارية “أفريقيا” المهيمنة على سوق الطاقة بالمملكة، فقد قفزت أرباح شركته من 470 مليون درهم (حوالي 47 مليون دولار أمريكي) عام 2017، إلى حوالي 669 مليون درهم ( حوالي 60 مليون دولار أمريكي) عام 2019.