رغم عقوبات الغرب وأمريكا على هواوي الصينية، إلا أن الشركة نجحت في أن تصبح أحد عمالقة التكنولوجيا في العالم، بل حققت اختراقات تقنية صدمت معاقبيها، فما قصة التنين التكنولوجي؟
على مدار 6 أعوام تقريباً، بدأت منذ عام 2018، سعت واشنطن، تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، إلى فرض حصار غربي هدفه خنق هواوي وعرقلة نموها الصاروخي.
كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين قد بدأت في التوتر خلال أغلب فترات حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي شن حرباً تجارية شرسة ضد بكين، لكن ذلك لم يمنع التنين من أن يصبح القوة الاقتصادية الأولى عالمياً، بينما يعاني الاقتصاد الأمريكي بشدة من التضخم، بفعل تداعيات جائحة كورونا، ثم حرب روسيا في أوكرانيا، وهو ما يحدّ من قدرة واشنطن على استخدام المساعدات الاقتصادية كورقة ضغط كما كان الحال سابقاً، عكس بكين.
ومع تولّي جو بايدن المسؤولية، وحديثه المتكرر بأن “أمريكا عادت لقيادة العالم”، أصبحت “المنافسة” علنيةً بين بكين وواشنطن، وأصبحت الحرب الباردة بينهما أمراً واقعاً، ليعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الوقت قد حان لنظام عالمي جديد، ليحل محل النظام القديم أحادي القطبية، أو بمعنى آخر النظام الذي تقوده أمريكا وتهيمن عليه.
قرارات أمريكية لمعاقبة هواوي وحصارها
كانت إدارة ترامب قد أصدرت تشريعات متعددة هدفها معاقبة هواوي، أكبر شركة اتصالات في العالم وقتها. فأصدرت قانون تصريحات الدفاع القومي في ديسمبر/كانون الأول 2017، وهو يحظر على البنتاغون الحصول على أي معدات وخدمات محددة تقدمها الشركة الصينية هواوي، بحسب تقرير لرويترز.
وفي أغسطس/آب 2018، صدر قانون آخر يحظر على جميع الدوائر والهيئات والمؤسسات الحكومية الفيدرالية الأمريكية التعامل مع شركة هواوي بشكل مطلق. وفي مايو/أيار 2019، أدرجت وزارة التجارة الأمريكية هواوي في “القائمة السوداء”، مما يعني حرمان الشركة الصينية من شراء أو الحصول على التكنولوجيا الأمريكية. وفي الشهر نفسه، أصدرت إدارة ترامب قانون تنفيذياً يقيد تعاملات الشركات الأمريكية مع شركات صينية على رأسها هواوي “لدواعي الأمن القومي”.
وفي مايو/أيار 2020، وسّعت إدارة ترامب الحظر على هواوي ليشمل مبيعات أشباه الموصلات المتقدمة للشركة الصينية من جانب الشركات الغربية وليس فقط الأمريكية.
وفي يونيو/حزيران 2021، أصدرت وزارة التجارة الأمريكية قرارات تسهل للشركات الأمريكية وقف التعامل نهائياً مع شركات الاتصالات الصينية، وعلى رأسها هواوي، ودفع أي مستحقات لتلك الشركات واستبدال منتجاتها بمنتجات شركات أخرى أمريكية أو غربية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أصدرت إدارة جو بايدن قراراً يوسع الحظر المفروض على الشركات الصينية، ومنها هواوي، ليشمل الحصول على تراخيص تكنولوجية من أي نوع.
فمنذ قرابة عقدين، تحاول الولايات المتحدة تقييد شركات التكنولوجيا الصينية، من بينها هواوي، من خلال منعها من الوصول إلى معالجات البيانات الدقيقة وأشباه الموصلات. واستمرت هذه التضييقات حتى عام 2019، عندما تم إلقاء القبض على المديرة المالية لشركة “هواوي” منغ وانزو في كندا، بناء على طلب من الولايات المتحدة. وتتهم واشنطن منغ وانزو بانتهاك العقوبات المفروضة على إيران.
حينها، أصدرت وزارة العدل الأميركية قائمة من 23 تهمة رسمية ضد شركة هواوي؛ شملت تهماً بالتحايل وسرقة أسرار تكنولوجية من الشركات الأمريكية. وبعد جلسة استماع لثلاثة أيام، أطلقت السلطات الكندية سراح منغ وانزو بكفالة مالية بقيمة 10 ملايين دولار كندي، واشترطت المحكمة تحديد مكان إقامتها وأن ترتدي سواراً للتتبع.
12 مليار دولار أرباح عام 2023
انتشرت أخبار كثيرة، غربية وأمريكية، تتحدث عن خسائر بالمليارات تكبّدتها شركة هواوي بسبب العقوبات الأمريكية والغربية، وبدا الأمر كما لو أن انهيار الشركة الصينية بات وشيكاً.
لكن الشركة، التي تأسست قبل 40 عاماً، لم تتوقف عن الإعلان عن نجاحات واختراقات في الصناعات الدقيقة، متجاهلة تماماً العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة عليها، وبحلول نهاية 2023، تشير بيانات الشركة المالية إلى أنها تشغل قرابة 207 آلاف موظف، وهو نفس العام الذي حققت فيه إيرادات مالية بقيمة 100 مليار دولار، وصافي أرباح بـ12 مليار دولار.
والآن، أصبحت هواوي واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا، بعد أن انطلقت في بناء شبكات الاتصالات البدائية، وصولاً إلى صناعة أشباه موصلات الجيل الخامس، بل سيارات كهربائية بالكامل، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
اليوم، تعمل الشركة في صناعة معدات الشبكات في العالم، حيث صنعت عناصر مثل محطات القاعدة وأجهزة التوجيه والمودم والمفاتيح التي توفر خدمة الهاتف والوصول إلى الإنترنت في جميع أنحاء العالم. وخلال العقدين الماضيين، وسّعت الشركة خط منتجاتها لتشمل الأجهزة القابلة للارتداء، والأهم من ذلك، الهواتف الذكية، التي أصبحت منافساً رئيسياً لهاتف iPhone من Apple في الصين.
الاستقلال عن التكنولوجيا الغربية
في ديسمبر/كانون الأول عام 2023، كشفت هواوي عن معالجها الجديد الذي طوّرته للهواتف والأجهزة الذكية، لتستغني عن معالجات الشركات التي منعت عنها بعد العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة. وأشارت هواوي إلى أن معالجها الجديد Kirin 9006C طوّر بتقنية 5 نانومتر، ويحتوي على 8 أنوية أساسية، أربع أنوية A77 يصل ترددها إلى 3.13 غيغاهيرتز، و4 أنوية A55 بتردد 2.4 غيغاهيرتز.
ونوه تنين التكنولوجيا الصيني إلى أن المعالج سيستعمل مع حواسب Qingyun L540 المحمولة التي أعلنت عنها مؤخراً، كما سيستعمل مع بعض الهواتف الذكية الجديدة، مثل أجهزة P70.
وكان هذا بعد 3 أشهر فقط من أول ظهور للمعالج الجديد بقياس 7 نانومتر، إذ نجحت هواوي في تجاوز العقوبات الأمريكية عبر تصنيع هذا المعالج المتطور، لتشغيل أحدث هواتفها الذكية Mate 60 Pro.
الهاتف بالمعالج الجديد، أحدث صدمة لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة، وفُتِحَ تحقيق حول كيفية وصول المعالج إلى الصين، بعد أن كانت شركتان قادرتين على تصنيعه، وهما إنفيديا الأمريكية، وTSMC التايوانية. إلا أن التحقيقات أظهرت أن المعالج في هاتف هواوي، هو صناعة صينية بحتة، ليصيب إدارة بادين بصدمة.
الصدارة للمرة الأولى.. الهواتف القابلة للطي
انتزعت هواوي صدارة السوق العالمية للهواتف القابلة للطي في الربع الأول من العام الجاري 2024 من المنافس الكوري الجنوبي سامسونغ، وفقاً لأحدث تقرير لكاونتربوينت.
وتحتل هواوي المرتبة الأولى بأعلى معدل نمو سنوي مقارنة بمنافسيها الآخرين، إذ أوضح التقرير أن عودة هواوي إلى مجال شبكات الجيل الخامس ساعدتها على استعادة حصتها السوقية، في سوق الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والأجهزة القابلة للطي.
أفاد التقرير بأن شركة هواوي شحنت أكثر من 84% من إجمالي أجهزتها القابلة للطي من هواتف الجيل الخامس، أغلبها من جهاز مايت إكس 5، وهو الجهاز الكتابي الذي فاز بجائزة الأفضل مبيعاً في السوق الصينية لثلاثة أرباع متتالية.
وعلى الرغم من تطلع شركة سامسونغ الكورية الجنوبية، إلى ترقية أجهزتها الجديدة، فإن حصتها في سوق الهواتف القابلة للطي انخفضت بنسبة 42% في الربع الأول. إذ حصلت هواوي على 35% من حصة السوق، في السباق العالمي للأجهزة القابلة للطي في الربع الأول من العام الجاري.
صنع في الصين!
كان تحليل فني قد كشف، في مايو/أيار الماضي، أن أحدث هواتف هواوي من الفئة المتطورة يضم المزيد من المكونات من موردين صينيين، ومنها شريحة ذاكرة جديدة ومعالج معدل، وهو ما يشير إلى التقدم الذي تحرزه الصين نحو الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.
إذ فحصت شركة إصلاح الأجهزة الإلكترونية عبر الإنترنت (آي فيكس إت) وشركة تيك سيرش إنترناشونال الاستشارية الجزء الداخلي من هاتف (بيورا 70 برو) من هواوي تكنولوجيز لصالح رويترز، وعثرتا على شريحة ذاكرة (إن.إيه.إن.دي) رجحتا أن تكون من إنتاج (هاي سيليكون)، وحدة الرقائق الداخلية التابعة لهواوي، فضلاً عن عدد من المكونات الأخرى من صنع موردين صينيين، بحسب تقرير لرويترز. ولم يسبق نشر هذه النتائج.
ووجدت الشركتان في فحصهما أيضاً أن هواتف (بيورا 70) تعمل بمعالج متطور من صنع هواوي يسمى (كيرين 9010) والذي من المحتمل أن يكون مجرد نسخة محسنة قليلاً من الشريحة المتقدمة الصينية الصنع التي تستخدمها سلسلة هواتف هواوي (ميت 60).
وقال شهرام مختاري، رئيس قطاع الصيانة في آي فيكس إت، لرويترز: “رغم أننا لا نستطيع تقديم نسبة مئوية محددة، يمكن أن نقول إن معدل استخدام المكونات المحلية مرتفع، وبالتأكيد أعلى ما كانت عليه في ميت 60”. وأضاف مختاري: “يتعلق الأمر بالاكتفاء الذاتي، كل هذا، ما تراه عندما تفتح هاتفاً ذكياً وترى كل ما يصنعه المنتجون الصينيون، هذا كله يتعلق بالاكتفاء الذاتي”.
وفي مايو/أيار الماضي أيضاً، قالت شركة إنتل لصناعة الرقائق إن مبيعاتها ستتضرر بعد أن ألغت الولايات المتحدة بعض تراخيص التصدير الممنوحة لها إلى الصين. ولم تكشف إنتل عن اسم العميل الصيني الذي أُلغيت تراخيصه، لكن رويترز ذكرت أن الولايات المتحدة ألغت تراخيص سمحت لشركات، منها إنتل وكوالكوم، بتصدير رقائق مستخدمة في أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة التي تنتجها شركة هواوي تكنولوجيز الصينية الخاضعة للعقوبات.
وأثار إطلاق هواوي أول كمبيوتر محمول مزود بتقنية الذكاء الاصطناعي في أبريل/نيسان، وهو جهاز (ميت بوك إكس برو) المدعوم بالمعالج (كور ألترا 9) الجديد من إنتل، انتقادات المشرعين الجمهوريين، الذين قالوا إنه يشير إلى أن وزارة التجارة أعطت الضوء الأخضر لشركة إنتل لبيع الشريحة إلى هواوي.
قالت شركة كوالكوم أيضاً إن أحد تراخيصها للتصدير لشركة هواوي قد أُلغي. بينما قالت وزيرة التجارة جينا ريموندو لرويترز بعد جلسة استماع بالكونغرس يوم الأربعاء 9 مايو/أيار الماضي إن “شركة هواوي تمثل تهديداً”، وأضافت: “ربما يكون لدينا تركيز متزايد على الذكاء الاصطناعي. ولذا عندما نعرف المزيد عن قدراته، عندها يتعين علينا اتخاذ الإجراءات اللازمة. لذلك، إذا كانت الشريحة التي سبق أن سمحنا بتصديرها، واكتشفنا الآن أنها تتمتع بقدرات الذكاء الاصطناعي، فسنقوم بإلغاء الترخيص”.
أصدرت وزارة الخارجية الصينية بياناً قالت فيه إنها تعارض هذه الخطوة وإن الولايات المتحدة “تبالغ في توسيع مفهوم الأمن القومي وتسيء استخدام ضوابط التصدير للتضييق على الشركات الصينية دون مبرر”.
سيارة كهربائية أيضاً
ولم تكتفِ هواوي بالاختراقات الصادمة للغرب في مجال الهواتف أو شبكات المحمول، لكنها أيضاً أطلقت سيارة كهربائية جديدة مصممة لتتنافس مع سيارة تسلا طراز إس الأمريكية، وكان ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
بدأت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة في تلقي الطلبات المسبقة لسيارة Luxeed S7، أول سيارة سيدان لها، في ذلك الشهر؛ بينما كانت مبيعاتها السابقة في قطاع السيارات تقتصر على سيارات الدفع الرباعي.
السيارة، التي تم تطويرها مع شركة صناعة السيارات الصينية شيري، يبدأ سعرها من 258 ألف يوان (35400 دولار) خلال فترة ما قبل البيع. واضطرت شركة تسلا إلى خفض الأسعار في الصين مؤخراً استجابةً للمنافسة المتزايدة في أكبر سوق للسيارات في العالم.