مسقط- الخامسة عصرا، من أمام جامع الصالحين أحد جوامع ولاية السيب بمحافظة مسقط، يتردد صوت أطفال وهم يتلون، "يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (سورة النور-الآية 35).
مع دخول الجامع، تجد ما يقارب 40 طفلا تتراوح أعمارهم من 3 إلى 12 سنة، كانوا يجلسون في حلقة يلتفون حول معلمتهم زهرة بنت سالم العوفية، وهي تتلو الآيات وهم يرددون، عقب ذلك أخذوا يتقدمون واحدا تلو الآخر لتسميع ما حفظوه من آيات القرآن الكريم. يغرق المكان بتفاصيل روحانية، مشهد الأطفال، أصواتهم الطفولية العذبة، إنصاتهم، حرصهم على التسميع والأكثر من ذلك احترامهم لمعلمتهم.
لم ينته المشهد بعد، فما أن انتهى الأطفال من تسميع الآيات، حتى جاء وقت توزيع الهدايا فاليوم هو الأخير من شهر مايو/أيار، وهو آخر يوم من العام الدراسي الذي بدأ في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، واستمر لهؤلاء الأطفال بواقع ساعتين في يومين من كل أسبوع، يتعلمون القرآن الكريم مع معلمتهم التي تقيم في محافظة مسقط في هذه الفترة من العام منذ 3 سنوات.
لم يكن الأطفال وحدهم يتعلمون، فهناك أيضا ما يقارب 25 أم تقوم العوفية بتعليمهن يومين من كل أسبوعين بواقع ساعتين في كل يوم.
هذا مشهد اليوم، وحول تفاصيل المشهد كان للجزيرة نت الحوار الآتي مع زهرة العوفية:
-
بداية حديثنا عن بداياتك، ومن أين جاءت فكرة مشروعك "محو أمية أبناء قريتي مسؤوليتي" الذي تكلل بفوزك بالمركز الأول في جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي؟
أنا زهرة بنت سالم العوفية، من ولاية الحمراء إحدى الولايات التابعة لمحافظة الداخلية، كانت بدايتي في عام 2007، والآن أكمل 18 عاما، في عام 2017 سجلتني إحدى المعلمات في جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي، لم أتوقع الفوز بالجائزة. وهذا الفوز كانت بداية معرفة الناس بمشروعي بشكل أوسع.
بدأت مشروعي بتحفيظ الطلاب ممن أعمارهم 5 سنوات -وبعضهم أقل من ذلك- القرآن الكريم في منزلي. وبعد التحاق 3 من أبنائي بالمرحلة الجامعية، وجدت وقتا كافيا للقيام بالعمل التطوعي، إذ أصبحت المسؤولية أقل، وصار عندي وقت فراغ، فأحببت استغلال هذا الوقت، فبدأت أتطوع في تعليم أطفال جيراننا، وكانوا حوالي 20 طفلا.
وهكذا انتشر خبر زهرة والأطفال، وما يكتسبه هؤلاء الصغار من تعليم، فأصبح الأهالي يأتون بأطفالهم من أماكن بعيدة.
-
ما المناطق التي بدأ مشروعك بتغطيتها؟ وما تفاصيله؟
بدأ مشروعي بتغطية المناطق الجبلية البعيدة التي لا يوجد بها مدارس لتعليم القرآن الكريم – في ذلك الوقت- ولا يوجد فيها رياض أطفال أو مدارس للتعليم ما قبل المدرسي.
وبعد انتشار خبر تعليم الأطفال، قامت إحدى مدارس الحلقة الأولى بالولاية بدعوتي لتقديم حصص للأطفال، فلاحظت خلال هذه الحصص تدني مستوى القراءة والكتابة لدى بعض الطلبة على خلاف زملائهم، فسألت المعلمة عن هؤلاء الطلبة فعرفت أنهم من أبناء القرى الجبلية وأنهم لا يلتحقون بالتعليم ما قبل المدرسي.
قمت بزيارة للمناطق التي يأتي منها هؤلاء الطلبة، وذلك بالتنسيق مع سائق المركبة التي توصل هؤلاء الأطفال إلى منازلهم ليخبر الأمهات بأنني سأقوم بزيارتهم، وبالفعل تمت الزيارة والتقيت بالأمهات، وبدأت في تدريس الأطفال والأمهات أيضا.
سنتان كنت أقوم خلالهما بتعليم الأمهات في القرى الجبلية القرآن الكريم، كما كنت أذهب أيضا إلى المدرسة، وأعطي حصصا لتعليم الطلبة.
كما كنت أدرس الأمهات في مجالس عامة في هذه القرى قد تكون مجالس للعزاء في بعض الأحيان، وأحيانا أخرى أدرس الأمهات تحت الأشجار.
بعد ذلك قمت بتوظيف معلمات من القرى نفسها، وهن خريجات دبلوم التعليم العام لتدريس الأطفال ممن هم دون سن المدرسة، وكذلك تدريس الأمهات.
-
ما التحديات التي واجهتها خلال هذه السنوات وبخاصة في بداية مشروعك؟
التحديات المادية كانت أبرز ما واجهته في مشروعي فالمصاريف عالية، خاصة وأن التدريس في مشروعي مجاني، وأتكفل بما يتطلبه ذلك من احتياجات مالية.
وللتغلب على التحديات المالية بدأت أشتغل في مجال الطبخ، لتوفير المصاريف، والهدايا التحفيزية للطلبة، وكنت في بداية المشروع أستأجر سائقا للوصول إلى المناطق الجبلية البعيدة.
وهكذا قمت بتوفير الميزانية التشغيلية لمشروعي من خلال مشروع آخر حيث أقوم بالطبخ في منزلي، وأبيع لعدد من المدارس في الولاية، وتكون عوائد مشروع الطبخ، لشراء الكتب والأدوات التعليمية والقرطاسية، وهدايا تشجيعية للأطفال، إضافة إلى صرف مكافآت للمعلمات.
-
أين أصبح مشروع زهرة العوفية اليوم، وما نتائجه؟
اليوم يتضمن المشروع "22" فصلا في قرى مختلفة، تقوم بالتعليم في هذه الفصول 40 معلمة.
أما نتائج المشروع اليوم، فتتمثل بوجود أمهات حافظات لأجزاء من القرآن الكريم، كما أصبح الطلبة يلتحقون بالصف الأول ولديهم معرفة بالقراءة والكتابة، وأيضا يوجد حافظون لقصار السور من القرآن الكريم.