الأخبار

“موجة غير مسبوقة لعزل إسرائيل”.. كيف تنتقل مقاطعة الاحتلال إلى مساحات جديدة حول العالم؟

خلال العقدين الماضيين٬ كانت الحملات المؤيدة للفلسطينيين والتي تطالب بمقاطعة إسرائيل على مستوى العالم٬ لا تلقى إلا دعماً محدوداً. ولكن في الأشهر التي أعقبت بدء الحرب في غزة بعد عملية السابع من أكتوبر الماضي، تزايد الدعم العالمي لعزل إسرائيل واتسع نطاقه إلى ما هو أبعد كثيراً من الرفض للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة٬ والتي أدت لإصابة واستشهاد عشرات آلاف الفلسطينيين.

وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية٬ قد يؤدي هذا التحول إلى تغيير مسارات العمل والاستثمار الإسرائيلية، وإلحاق الضرر بالأعمال التجارية، وإثقال كاهل اقتصاد دولة يبلغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة٬ وتعتمد على التعاون الدولي والدعم للدفاع والتجارة والبحث العلمي.


“ضربة هائلة”.. كيف تنتقل مقاطعة إسرائيل إلى مساحات جديدة؟

عندما أوصت لجنة الأخلاقيات في جامعة جينت في بلجيكا بإنهاء جميع التعاونات البحثية مع المؤسسات الإسرائيلية في أواخر شهر مايو/أيار الماضي، لم يكن عالم الأحياء الحاسوبية الإسرائيلي إران سيجال يتوقع هذا الأمر.

ولم تشهد العلوم سوى تأثير ضئيل من حركات المقاطعة العالمية، حتى بعد أشهر من بدء الحرب، ولم يكن لعمل سيجال أي علاقة بالأمور العسكرية الإسرائيلية٬ كما تزعم الصحيفة . وأشارت لجنة جينت إلى أن تعاون الجامعة في مجال الأبحاث يشمل الأبحاث حول مرض التوحد، ومرض الزهايمر، وتنقية المياه، والزراعة المستدامة.

وكتبت اللجنة أن “المؤسسات الأكاديمية تطور التكنولوجيا لصالح الأجهزة الأمنية والتي يتم إساءة استخدامها فيما بعد في انتهاكات حقوق الإنسان، وتوفر التدريب للجنود والأجهزة الأمنية، الذين يساءون استخدام هذه المعرفة فيما بعد في انتهاكات حقوق الإنسان”.

وقال سيجال، الذي تربط مختبراته في معهد وايزمان للعلوم، جنوب تل أبيب، شراكة بحثية مع جامعة جينت تركز على العوامل المسببة للسمنة، إن هذا التصريح “مثير للقلق”٬ وأضاف أنه لا يعرف بعد ما إذا كان المشروع سينتهي أم لا.

ودعت اللجنة أيضا إلى تعليق مشاركة إسرائيل على مستوى أوروبا في برامج البحث والتعليم، والتي تعتمد في كثير من الأحيان على تمويل الاتحاد الأوروبي.

وقال سيجال إنه إذا استجاب الشركاء الأوروبيون لهذه الدعوة، “فإن هذا سيكون بمثابة ضربة هائلة لقدرتنا على إجراء البحوث العلمية الأكاديمية”.


موجة غير مسبوقة لعزل إسرائيل عالمياً

من جهته٬ قال عيران شامير بورير، رئيس قسم القانون الدولي السابق في الجيش الإسرائيلي، إن موجة المبادرات السياسية والقانونية الجديدة لعزل إسرائيل غير مسبوقة. وتشمل هذه المبادرات التحركات ضد إسرائيل وقادتها في المحكمة العليا للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.

وقال لصحيفة “وول ستريت جورنال”: “أعتقد أن هناك بالتأكيد سبباً للقلق بشأن إسرائيل.. إن التحول إلى دولة منبوذة يعني أنه حتى لو لم تحدث الأمور رسمياً، فإن عدداً أقل من الشركات تشعر بأنها تريد الاستثمار في إسرائيل، وعدد أقل من الجامعات تريد التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية”.

وأصبح الإسرائيليون يجدون أنهم لم يعودوا موضع ترحيب في العديد من الجامعات والمعاهد الأوروبية، بما في ذلك المشاركة في التعاون العلمي. كما أصبحت مشاركتهم في المؤسسات الثقافية ومعارض الدفاع من المحرمات بشكل متزايد.

يقول ليدور مادموني، الرئيس التنفيذي لشركة إسرائيلية صغيرة ناشئة في مجال الدفاع، إنه كان يستعد منذ أشهر لمعرض دولي للأسلحة في باريس في يونيو/حزيران. وقال إن المؤتمر، الذي يحمل اسم “يوروساتوري”، سيكون فرصة نادرة لموظفيه الصغار لتوسيع أعمالهم. ثم وصلته رسالة إلكترونية تخبره بأنه بسبب قرار محكمة فرنسية، مُنعت شركته من الحضور.

وقال المنظمون عشية الحدث “لدينا التزام بمنع وصولكم إلى المعرض اعتبارا من يوم غد”، مستشهدين بأوامر قضائية جاءت في أعقاب حظر أصدرته وزارة الدفاع الفرنسية ردا على العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح.

من جهتها٬ نومي ألييل، المديرة الإدارية لشركة ستاربورست إيروسبيس في إسرائيل، وهي شركة استشارية دولية تعمل على تطوير واستثمار الشركات الناشئة في مجال الطيران والدفاع، إن القرارات الفرنسية “صدمت شركات تكنولوجيا الدفاع الإسرائيلية بأكملها”. وقال منظمو المؤتمر إنهم تقدموا بطلب لإلغاء قرار المحكمة وأخبروا الشركات الإسرائيلية في رسالة بالبريد الإلكتروني أنهم يفعلون كل ما في وسعهم لتمكينهم من الحضور.

وبعد افتتاح المؤتمر، ألغت محكمة فرنسية الحظر، ولكن بالنسبة لمدموني كان الأمر قد فات الأوان. فقد انسحبت بالفعل العديد من الشركات الإسرائيلية.


انتصارات لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات BDS

لقد دعت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، والتي تأسست في عام 2005 من قبل منظمات المجتمع المدني الفلسطينية، لسنوات إلى استخدام الضغوط الدولية على إسرائيل، والتي تشمل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة والفوز بحق اللاجئين الفلسطينيين وذريتهم في العيش في أرضهم المحتلة.

لقد تغير كل شيء بعد الحرب على غزة٬ وتحققت بعض الأهداف القديمة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وغيرها من المنظمات المؤيدة للفلسطينيين نتيجة للحرب، لقد أدت أشهر من القتال والخسائر البشرية وصور الدمار في غزة إلى تأجيج المعارضة الدولية ضد إسرائيل.

وتقول حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل على موقعها الإلكتروني: “مع عزلة الشركات والمؤسسات الإسرائيلية، ستجد إسرائيل صعوبة أكبر في قمع الفلسطينيين”.

وعندما بدأت الحرب، أصبحت مساحات المقاطعة الجديدة لإسرائيل تتسع وتتدفق، وخاصة من أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافية، كما تقول نيتا باراك كورين، أستاذة القانون التي ترأس فريق عمل مناهض للمقاطعة تم تشكيله أثناء الحرب في الجامعة العبرية في القدس.

وبدأت المقاطعة تتسع منذ أشهر، وانتشرت إلى العلوم الصعبة وإلى مستوى الجامعات٬ وتقول كورين: “هناك حركات مقاطعة على مستوى الجامعة (القدس العبرية) والأهم من ذلك قرارات بقطع جميع العلاقات مع الجامعات الإسرائيلية والأكاديميين الإسرائيليين”. وأضافت أن أكثر من 20 جامعة في أوروبا وكندا تبنت مثل هذا الحظر.

وقالت طالبة إسرائيلية كانت تستعد للدراسة في جامعة هلسنكي إنها كانت تبحث بالفعل عن سكن في فنلندا، حتى أبلغتها المدرسة في مايو/أيار أنها علقت اتفاقيات التبادل مع الجامعات الإسرائيلية.

وقالت مينا كوتانيمي، رئيسة خدمات التبادل الدولي في جامعة هلسنكي، إن الجامعة أوقفت إرسال طلابها إلى إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وقررت تعليق التبادلات في مايو/أيار للتعبير عن قلقها إزاء الصراع.


المقاطعة لإسرائيل في المجالات الأكاديمية

وتكتسب المقاطعة زخماً متزايداً في مختلف المجالات الأكاديمية. ففي شهر مايو/أيار، أبلغت مجلة النقد الثقافي، التي تصدرها دار نشر جامعة مينيسوتا، عالم اجتماع إسرائيلياً بأن مقاله قد تم منعه من النشر لأنه ينتمي إلى مؤسسة إسرائيلية.

وقالت المجلة للباحث إنها تتبع إرشادات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، “التي تتضمن ‘سحب الدعم عن المؤسسات الثقافية والأكاديمية الإسرائيلية’”.

ولقد انتقد الزعماء الإسرائيليون منذ فترة طويلة جهود المقاطعة. فقد صرح الرئيس إسحاق هيرتسوغ في مؤتمر اقتصادي في شهر مايو/أيار الماضي بأن “أعداء إسرائيل يحاولون عزلنا عن العالم من أجل إيذائنا”٬ على حد تعبيره. وقال إن “العدو، الإمبراطورية الشريرة لإيران وعملائها، إلى جانب مختلف مروجي المقاطعة، يحاولون بكل الطرق إلحاق الضرر بالعلاقات [التجارية] من خلال حملة دولية عدوانية وساخرة ضدنا”.

وتشمل الضغوط المتزايدة على إسرائيل أمراً أصدرته محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في مايو/أيار يطالب إسرائيل بوقف العمليات العسكرية في القطاع٬ وطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاع البلاد٬ متهمًا إياهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وانتقدت إدارة بايدن الخطوة التي اتخذتها المدعي العامة للمحكمة الجنائية الدولية.

وفرضت الولايات المتحدة، الحليف القوي لإسرائيل، عقوبات ليس على إسرائيل ولكن على الجماعات الإسرائيلية التي يُنظر إليها على أنها تتصرف بشكل وحشي لإيذاء الفلسطينيين، بما في ذلك المستوطنون المتورطون في هجمات عنيفة في الضفة الغربية، والجماعات المتطرفة المتورطة في تعطيل تسليم المساعدات إلى غزة.


قطاع الصناع الدفاعي الإسرائيلي يتضرر بقوة

وفي مارس/آذار، علم قطاع الصادرات الدفاعية الإسرائيلي ــ الذي كان مزدهرا قبل الحرب، حيث بلغ حجم مبيعاته 13 مليار دولار في عام 2023 ــ أنه قد يكون هدفا، عندما منعت تشيلي الشركات الإسرائيلية من المشاركة في أكبر معرض للطيران والفضاء في أميركا اللاتينية. ثم أعقب ذلك الحظر الفرنسي في يونيو/حزيران.

وتقدم الولايات المتحدة لإسرائيل أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية كل عام، كما زادت شحنات الأسلحة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقال مسؤولون أمريكيون إن الشحنات تباطأت منذ ذلك الحين بشكل كبير٬ لأن العديد من الأسلحة قد تم إرسالها بالفعل وأن الحكومة الإسرائيلية تقدمت بعدد أقل من الطلبات الجديدة. وقد لجأت بعض المنظمات غير الحكومية إلى المحكمة لتحدي مبيعات الأسلحة التي تقوم بها الحكومات إلى إسرائيل، بما في ذلك في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والدنمرك.

وفي ضوء الحرب في غزة، قالت كندا إنها لن تبيع أسلحة لإسرائيل. وفي أوروبا، أعلن أكبر صندوق تقاعد في النرويج، سحب استثماراته من شركة “كاتربيلر” الأمريكية بسبب مخاوف من احتمالية استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي معدات الشركة في الحرب على قطاع غزة وانتهاكات في الضفة الغربية المحتلة.

وشدّدت رئيسة الاستثمارات في الصندوق النرويجي “كي إل بي”، كيران عزيز، في بيان، على أنه لفترة طويلة زودت “كاتربيلر” جرافات ومعدات أخرى استُخدمت لهدم منازل فلسطينية وبنية تحتية لتمهيد الطريق أمام المستوطنات الإسرائيلية.

وأشارت كذلك إلى الاتهامات بأن معدات الشركة تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي في حربها على غزة، مضيفة: “بسبب ذلك قد تساهم الشركة الأمريكية في انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاك القانون الدولي في الضفة الغربية وغزة”.

وفي أواخر يونيو/حزيران ، باعت شركة كيه إل بي أكثر من 68 مليون دولار من أسهمها في شركة كاتربيلر الأمريكية، مستشهدة ببيان صادر عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة٬ ودعت 11 شركة متعددة الجنسيات ــ بما في ذلك كاتربيلر ــ إلى وقف الصادرات إلى إسرائيل.