خلال شهر حزيران/يوليو الماضي، صوتت لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي على المضي قدماً في مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي للسنة المالية 2025 إلى مجلس الشيوخ، والذي يتضمن حكماً مهماً من شأنه إنشاء مخزون طوارئ إقليمي من الأسلحة الأمريكية في تايوان.
ويقول تقرير لموقع responsible statecraft الأمريكي إن هذا المخزون من الأسلحة قد يعكس أوجه القصور الأمريكي التي لوحظت في برنامج الأسلحة الاحتياطية خلال الحرب لدى الحلفاء في إسرائيل، وقد تكون له عواقب وخيمة بنفس القدر فيما يتصل بالمساءلة. حيث إن افتقار مخزون الأسلحة الاحتياطي في إسرائيل إلى الرقابة والشفافية وآليات المساءلة في استخدام الأسلحة٬ يشكل قصة تحذيرية للأمريكيين وسبب كافٍ عدم تكرار مثل هذا النموذج في تايوان الآن.
ما قصة المخزون الاستراتيجي للأسلحة الأمريكية في إسرائيل؟
تشير دراسة أصدرها مركز خدمة أبحاث الكونغرس إلى أنه في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، سعى القادة الإسرائيليون لتوسيع ما سموه “تعاونهم الإستراتيجي” مع الجيش الأميركي من خلال دعوة واشنطن لتخزين أسلحة ومعدات في إسرائيل كي يستخدمها الجيش الأمريكي في حالة الحرب.
وبالفعل بدأت الولايات المتحدة في تخزين معدات عسكرية في إسرائيل منذ 1984، وفي عام 1989 سمحت إدارة جورج بوش الأب للجيش الإسرائيلي بالوصول إلى المخزون الأمريكي في حالات الطوارئ الذي يسمى (WRSA-I). وبالفعل طلبت إسرائيل الوصول إلى المخزون في عدة مواقف، على النحو التالي:
-
خلال حرب صيف عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، حين طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الإسراع في تسليم الذخائر الموجهة بدقة إلى إسرائيل.
-
في يوليو/تموز 2014، خلال الحرب مع حركة حماس في قطاع غزة، وسمحت واشنطن لوزارة الدفاع الإسرائيلي بالسحب من المخزون، لتجديد قذائف الدبابات من عيار 120 ملم وقذائف الإضاءة من عيار 40 ملم التي تطلق من قاذفات القنابل اليدوية.
-
يعتقد المسؤولون الأمريكيون السابقون أن البيت الأبيض قد استخدم هذا المخزون لإعادة تزويد جيش الاحتلال الإسرائيلي بالذخائر سريعة النفاذ التي يُسقِطها على منازل المدنيين والبنى التحتية في قطاع غزة، حسب ما نقلته صحيفة
الغارديان
البريطانية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
- لا يُستبعد أن إسرائيل استخدمت هذه المخازن خلال هذه الحرب أكثر من مرة لتعويض النقص في الذخيرة وقاذفات القنابل التي تحتاجها إسرائيل في حربها على جبهة غزة والجبهة الشمالية.
ماذا الأسلحة التي تمتلكها أمريكا في هذه المخازن؟
يقول مسؤول كبير سابق في البنتاغون لصحيفة الغارديان البريطانية “إن المخزون الاستراتيجي يحتوي على معدات وأسلحة من المفترض أنها للاستخدام الأمريكي. ولكن من ناحية أخرى، من يقول إننا لن نعطيهم مفاتيح المستودعات (لإسرائيل) في حالة الطوارئ؟”. وأضاف مسؤول أمريكي كبير آخر مطلع على مشروع (WRSA-I) إنه “عندما يتعلق الأمر بالذخائر جو-أرض، سنقدم لإسرائيل كل ما تحتاجه”.
لم يجرِ الكشف علناً عن المحتويات الكاملة للمخزون المجهز مسبقاً، على الرغم من أن المسؤولين السابقين يقولون إن البنتاغون يزود الكونغرس بتحليل سنوي لما يحتفظ به لكن قد يكون التقرير سرياً.
ولكن في العام 2023 ظهر وصف صريح على نحو غير عادي لمحتويات المخزون عندما ذكر قائد عسكري أمريكي سابق ذلك في مقال بموقع المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA)٬ حيث أجرى جولة في مستودع سري للأسلحة موجود في إسرائيل.
وقال القائد العسكري: “المخزون الحالي مليء بما يسمى الذخائر الغبية (تلك التي لا تحتوي على أنظمة توجيه متطورة)”، بما في ذلك “الآلاف من” القنابل الحديدية “التي يجري إسقاطها ببساطة من الطائرات حتى تتمكن الجاذبية من القيام بعملها”.
ولم تنكر إسرائيل استخدامها للذخائر غير الموجهة، التي يمكن أن تشكل مخاطر كبيرة على المدنيين عند استخدامها في مناطق مكتظة بالسكان مثل غزة. وشاركت قواتها الجوية بشكل متكرر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي في بداية الهجوم بالقنابل الغبية، مثل قذائف M117 الأمريكية التي تحملها طائراتها المقاتلة.
المخزون الاستراتيجي للأسلحة الأمريكية في إسرائيل لا يتمتع بالضوابط وخارج المراقبة٬ وفي تايوان قد يتكرر الأمر
يقول موقع responsible statecraft الأمريكي إن احتياطي الأسلحة الأمريكية الذي يتخذ من إسرائيل مقراً له لا يتمتع بالضوابط والتدقيق اللازم لضمان مراقبة الاستخدام للأسلحة من قبل القوات الإسرائيلية.
وقد سمح هذا الافتقار إلى آليات الرقابة٬ بسحب إسرائيل المعدات العسكرية والذخائر دون توثيق عام أو تدقيق من الكونجرس. وفي تايوان، قد يؤدي الافتقار المماثل إلى الرقابة إلى نقل الأسلحة الأمريكية واستخدامها بشكل غير منظم، وهو ما يحمل معه إمكانية تأجيج التوترات الإقليمية مع المزيد من النشاط العسكري واستخدام القوة.
كما أن عمليات المخزون الاستراتيجي للأسلحة المتمركز في إسرائيل محاط بالسرية، مع عدم وجود جرد عام أو إرشادات سياسية واضحة بشأن عمليات نقل المعدات المسموح بها. وقد مكن هذا الغموض من نقل كميات غير معروفة من الأسلحة، في ظل الصراع المستمر والأضرار المدنية، دون أي تدقيق عام أو تشريعي.
لذلك٬ يرى الموقع الأمريكي أن إنشاء مخزون مماثل في تايوان في وقت من التوتر الجيوسياسي المتزايد مع الصين، من شأنه أن يقلل من الشفافية بشكل أكبر ويؤدي إلى تآكل الثقة في قرارات السياسة الخارجية الأمريكية.
المخاوف القانونية والأخلاقية قد تقود لمخاطر كبيرة
إن أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في برنامج الاحتياطي الإسرائيلي هو قدرته على تشجيع الأعمال العسكرية الإسرائيلية العدوانية من خلال توفير سهولة الوصول إلى الأسلحة المتقدمة المجانية. وفي السياق المتقلب لتايوان، حيث التوترات مع الصين مرتفعة على الدوام، فإن وجود مخزون من الأسلحة الأميركية من شأنه أن يشجع على المزيد من الصدام والمواجهة. وهذا بدوره من شأنه أن يؤدي إلى سباق تسلح، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة ويفرض مخاطر كبيرة على الأمن العالمي.
كما أثبتت الأطر القانونية التي تحكم الاحتياطي المتمركز في إسرائيل، مثل قانون المساعدات الخارجية وقانون مراقبة تصدير الأسلحة، عدم كفايتها في ضمان الإبلاغ الشامل والمساءلة. وقد أدت الجهود التشريعية الأخيرة، مثل قانون الطوارئ التكميلي HR815 وقانون تأمين الأسلحة الأمريكية لعام 2023، إلى تآكل هذه القيود بشكل أكبر، مما أدى إلى تقليص الرقابة والسماح بنقل المواد الدفاعية بشكل أكثر تقديراً.
وبالمثل، قد يؤدي تكرار هذا الهيكل القانوني والعملياتي المعيب في تايوان إلى استخدام الأسلحة الأمريكية في انتهاك للقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان، أو تحويلها إلى “مستخدمين نهائيين غير مقصودين”.
ولكي نتجنب تكرار مخاطر مخزون الأسلحة الاستراتيجي في إسرائيل (WRSA-I) فإن أي دراسة لتخزين الأسلحة الأمريكية في تايوان لابد وأن تكون مصحوبة بتدابير صارمة للإشراف والشفافية٬ كما يقول الموقع الأمريكي.
ويتعين على الكونجرس أن يفرض إعداد تقارير شاملة عن كل عمليات نقل الأسلحة وإنشاء آليات قوية لضمان استخدام هذه الأسلحة وفقاً للقانون الدولي والمعايير الأخلاقية. وفي غياب مثل هذه التدابير، فإن مخاطر العسكرة غير المنضبطة وعدم الاستقرار الإقليمي تفوق إلى حد كبير أي فوائد استراتيجية متصورة.
إن أوجه القصور التي تعيب برنامج الاحتياطي في إسرائيل تشكل تحذيراً واضحاً ضد إنشاء مخزون مماثل من الأسلحة في تايوان. ذلك أن الافتقار إلى الرقابة والشفافية والمساءلة، إلى جانب احتمالات انتهاك حقوق الإنسان وزعزعة الاستقرار الإقليمي، يجعل مثل هذا المخزون محفوفاً بالمخاطر وربما كارثياً على الأمريكيين. ويتعين على الولايات المتحدة أن تتعلم من تجربة مخازن WRSA-I في إسرائيل وأن تسن سياسات مسؤولة لنقل الأسلحة تعمل على تعزيز الاستقرار، وليس تقويضه.