الأخبار

الكل تحالف ضده.. لهذه الأسباب فشل اليمين المتطرف الفرنسي في الوصول إلى السلطة رغم نتائجه “التاريخية” بالانتخابات

“اللعنة نحن في المركز الثالث”.. بهذه العبارة علق أحد أنصار اليمين المتطرف على نتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا، حيث كان يستعد هو وآلاف غيره من أنصار، مارين لوبان، للاحتفال بتصدر اليمين المتطرف لنتائج الانتخابات التشريعية لأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة.

الصخب الذي دام أسبوعاً كاملاً بعد تصدر اليمين المتطرف الانتخابات التشريعية الفرنسية في جولتها الأولى، تحول مساء الأحد 7 يوليو/تموز 2024، إلى صمت مطبق بينما عزل قادة اليمين المتطرف أنفسهم في الطابق العلوي من المبنى الذي استأجروه للاحتفال بتحقيق “فوز تاريخي” يبدو أنه تأجل حتى وقت آخر.

فما الذي حدث في الانتخابات التشريعية في فرنسا التي شهدت فوزاً كبيراً لتحالف قوى اليسار؟ ولماذا فشل اليمين المتطرف في الحفاظ على تقدمه الذي حققه في الجولة الأولى من الانتخابات؟ وهل فعلاً يمكن الحديث عن هزيمة لليمين المتطرف الذي حصل على أكثر من 11 مليون صوت؟

اليمين المتطرف في مواجهة “الجميع”

بعد الصدمة التي خلفتها نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا بتصدر اليمين المتطرف وحصوله على نحو 33% من الأصوات، دق التحالف الرئاسي بقيادة إيمانويل ماكرون وتجمع أحزاب اليسار، ناقوس الخطر، بينما كان يستعد اليمين المتطرف لاستلام السلطة.

وعلى مدى الأسبوع الذي فصل بين الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات التشريعية في فرنسا، شهدت الساحة السياسية الفرنسية تحركات كبيرة بهدف واضح دون مواربة: “منع اليمين المتطرف من الوصول إلى السلطة”، وفق ما ذكرته وسائل إعلام فرنسية.


من أجل ذلك، نحّت الغالبية الرئاسية السابقة والأحزاب اليسارية خلافاتها الجذرية جانباً وانسحب أكثر من 200 من مرشحي هذين التحالفين السياسيين الذين تأهلا في الدور الأول، من خوض الدور الثاني لصالح أي مرشح آخر منهما ينافس التجمع الوطني.

وتشير معاهد استطلاعات الرأي في فرنسا إلى أن غالبية مرشحي التجمع الوطني خسروا الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في فرنسا في الدوائر التي انسحب فيها مرشحو التحالف الرئاسي أو الجبهة الشعبية الجديدة.

وقالت صحيفة “Le Figaro” الفرنسية، الإثنين 8 يوليو/تموز 2024، إن اليمين المتطرف “تعرض لمزيد من الضعف بسبب تضاعف انسحابات المرشحين اليساريين أو الماكرونيين”، وهو ما تسبب لليمين المتطرف في “هزيمة مدوية” على حد وصف الصحيفة.

نسبة مشاركة قياسية تخدم اليسار

العامل الثاني الذي لم يخدم “التجمع الوطني” هو نسبة المشاركة القياسية منذ انتخابات عام 1981 (التي فاز فيها اليسار أيضاً). وكثيراً ما يردد مراقبون للسياسة الفرنسية أن نسبة المشاركة العالية تخدم بالأساس أحزاب الوسط واليسار أكثر منها في صالح اليمين.

وبلغت نسبة المشاركة في الدور الأول أكثر من 66 بالمئة وتجاوزت في الدور الثاني 67 في المئة، وعلى سبيل المثال، لم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 2022 حاجز 49 في المئة.

فقد اعتاد الفرنسيون على مدى العقدين الماضيين على المشاركة بشكل أكبر في الانتخابات الرئاسية التي  تعد المحدد الرئيسي للسياسات العامة للدولة، إلا أن الرهان الكبير لهذه الانتخابات التشريعية دفع نحو ثلثي الناخبين الفرنسيين إلى الإدلاء بأصواتهم في الدورتين.

ويبدو أن سيناريو الانتخابات المحلية لعام 2015 أعاد نفسه، إذ حققت وقتها “الجبهة الوطنية” بقيادة مارين لوبان، نتائج غير مسبوقة وتصدرت نتائج الجولة الأولى، قبل أن تفقد الصدارة في الجولة الثانية للانتخابات، في سيناريو مكرر لم ينفع معه تغيير اسم الحزب إلى “التجمع الوطني”.

“تحالف اليسار” يعيق خُطط اليمين المتطرف

عامل آخر ساهم في تغيير المشهد السياسي الفرنسي في ظرف قصير بعد زلزال الانتخابات الأوروبية، هو التحالف اليساري الواسع تحت يافطة “الجبهة الشعبية الجديدة” التي تشكلت على عجل بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا.

تحالف اليسار أسس بهدف واضح لا يخفيه قادتها ألا وهو “وضع كل الخلافات العميقة بين مختلف تشكيلات اليسار جانباً للتصدي لليمين المتطرف”، وهو ما تأتى لهم بعد أن حسموا السباق لصالحهم بينما تراجع اليمين المتطرف إلى المرتبة الثالثة.

كما أن المظاهرات الكثيرة في مختلف أنحاء فرنسا التي خرجت بدعوة من مختلف أحزاب “الجبهة” ضد اليمين المتطرف خلقت زخماً في الشارع الفرنسي ومن المفترض أنها ساهمت في الإقبال الكثيف على صناديق الاقتراع.


وكانت الجبهة الشعبية أكثر وضوحا في موقفها من اليمين المتطرف ودعت صراحة للتصويت للتحالف الرئاسي في الدور الثاني (رئيس حزب فرنسا الأبية ذكر بأن اليسار صوت لصالح ماكرون في رئاسيات 2017 و2022 لمنع مارين لوبان من الوصول إلى الإليزيه).

هذا الموقف  كان أقوى بكثير من عائلة ماكرون السياسية، حتى أن الرئيس الفرنسي ساوى في أحد تصريحاته خلال الحملة الانتخابية “بين أقصى اليمين وأقصى اليسار”.

ولعل وضوح الرؤية والموقف لدى اليسار هو ما جعل منه يحصل على أغلبية نسبية على حساب التحالف الرئاسي بالرغم من التقدم الهائل الذي حققه هذا الأخير في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في فرنسا، وفق ما ذكرته قناة “فرانس 24”.

هل خسر فعلاً اليمين الانتخابات التشريعية في فرنسا؟

في المحصلة، نجح “السد الجمهوري” الذي دعا إليه اليسار والوسط ويمين الوسط في إلحاق هزيمة قاسية باليمين المتطرف في تحقيق الهدف الأكبر، لكن هذا لم يمنع “التجمع الوطني” اليميني المتطرف من تحقيق “مكاسب تاريخية” في الانتخابات التشريعية في فرنسا.

وفق النتائج الرسمية غير النهائية فإن اليمين المتطرف من المتوقع أن يحصل على نحو 145 مقعداً في البرلمان الفرنسي، وهو رقم قياسي جديد لحزب مارين لوبان، الذي أضاف نحو 50 مقعداً جديداً مقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة عام 2022.

وأظهرت النتائج الأولية للدورة الثانية حصول تحالف اليسار “الجبهة الشعبية الجديدة” على ما بين 177 إلى 192 مقعداً بالجمعية الوطنية، متبوعا بالتحالف الرئاسي (ما بين 152 إلى 158 مقعداً) وثم التجمع الوطني وحلفاؤه (ما بين 138 و145 مقعداً)، وفق تقديرات معهد (إيبسوس/ تالان).

بينما رفضت مارين لوبان الحديث عن هزيمة لليمين المتطرف وقالت: “لقد تأخر انتصارنا فقط”، كما وجهت انتقادات حادة للرئيس إيمانويل ماكرون، وقالت: “إنه في وضع لا يمكن الدفاع عنه”، وأشارت إلى أن حزبها “خسر فقط بسبب التصويت التكتيكي بين ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة ومعسكر ماكرون”.

في كل الأحوال، يقول تقرير لقناة “فرانس 24″، من المؤكد أن نتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا أعادت اليمين المتطرف  خطوات كثيرة إلى الوراء قبل رئاسيات 2027، إلا أنها خلفت مشهداً سياسياً مشتتا ينذر بمرحلة من الشلل السياسي في دواليب السلطة التنفيذية.

وأوضحت أن المعضلة التي تواجه اليسار بالخصوص الذي يملك أكبر عدد مقاعد بالجمعية -وبدرجة أقل التحالف الرئاسي- في تشكيل تحالف لتشكيل حكومة مستقرة، في خضم الخلافات العميقة بين العائلتين

السياسيتين

.

جان لوك ميلنشون زعيم حزب فرنسا الأبية، أحد أبرز أضلاع الجبهة الشعبية الجديدة، أكد في كلمته بعد ظهور النتائج “نهاية الماكرونية”، في المقابل، لا يخفي قادة بارزون في التحالف الرئاسي رفضهم التعامل مع حزب ميلنشون متهمين إياه بـ”معاداة السامية” و”الحض على تفرقة الفرنسيين”.