اتفق المشاركون في
“
منتدى الشرق
“
والذي عُقد مؤتمره بمدينة إسطنبول يومي السبت والأحد 6 و 7 يوليو/ تموز 2024، تحت عنوان
“
الشرق في طور جديد: فرص التكامل
“
على أن الصراع الدولي كبير ومتسارع على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، ومن المتوقع أن يتصاعد باستمرار بين الأقطاب الدولية بما يؤثر على مناطق النفوذ العالمية، ومنها بطبيعة الحال منطقتنا، مما يسمح بفرص جديدة ويفرض تحديات ينبغي رصدها والتفاعل معها.
كما اتفق المشاركون في استنتاجاتهم في المؤتمر على أن تراجع المركزية الغربية استراتيجياً وقيمياً يحقق فرصاً كبيرة لدول الجنوب، ويحرر المخيال السياسي العالمي من الارتهان لمنظومة أحادية، ويفتح الباب لرؤى حضارية ومشاريع إقليمية وتحالفات استراتيجية جديدة.
اختتام “مؤتمر الشرق في طور جديد” بإسطنبول
من جملة الاستنتاجات كذلك التي اتفق عليها المشاركون في المنتدى أنه على عكس ما يظن البعض تمر منطقتنا على مستوى الرأي العام والشعوب بحالة يقظة وليس بحالة سُبات، وأن القوى الحية في دول المنطقة، المتمثلة في قادة الرأي والحركات الاجتماعية والسياسية والتجمعات الشبابية المعبرة عن عمق الوجدان الشعبي وتطلعاته وحاجاته العملية، تمتلك رصيداً يمكنها من التأثير الفاعل في مستقبل المنطقة، فهي تمر حالياً بصعود متعب عصيب، بينما تمر قوى التسلط بانهيار سريع.
بالإضافة إلى أن لحظة طوفان الأقصى ذات معانٍ ودروس أساسية، أهمها أن الشعب إذا تبنى فكرة وتحمل تبعاتها واستعد للتضحية من أجلها يمكنه فرض إرادته، كما أن الفواعل من غير الدول إذا امتلكت الرؤية والإرادة والأدوات يمكنها التأثير في السياسة الإقليمية والدولية.
وأن العجز الرسمي العربي والإسلامي حيال طوفان الأقصى يؤكد من جديد على ضرورة تجاوز واقع التجزئة والتبعية، وعلى أن تمتلك الشعوب زمام أمرها، فالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى تمثلان نقطة ارتكاز لمشروع نهوض جديد يتجاوز الحدود الإثنية والانتماءات الطائفية، ويمثل طوفان الأقصى فرصة لتكامل شعوب الأمة واستنهاض عزيمتها.
المشاركون في المنتدى كذلك اتفقوا على أن صمود المقاومة في فلسطين ضرورة ملحة من أجل الانتقال إلى مستقبل أرحب لشعوب ودول المنطقة، وتعزيز ثقة الأمة بنفسها، وينبغي على القوى الحية والنخب المنتمية لأمتها فعل كل ما يلزم لضمان انتصار المقاومة.
كما أن طوفان الأقصى أنتج حالة شعبية عالمية تنتفض ضد الهيمنة الغربية وضد السردية الصهيونية، وهذه فرصة بالغة الأهمية من أجل بناء تحالف إنساني قيمي، نلتقي فيه مع كل أولئك المطالبين بالعدالة، ويقيم المشاركون إعلان الدوحة الصادر عن الجمعية العمومية السادسة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من أجل تحالف عالمي على غرار حلف الفضول.
الموقف من الدولة القطرية
وبخصوص الموقف من “الدولة القطرية” اتفق الحضور على أن الدول القطرية تمثل قطيعة حضارية بين أمم الشرق، “رُسمت فيها حدودنا بطريقة تعسفية وعشوائية لا علاقة لها بطبيعة المنطقة وتاريخها واجتماعها”، مما خلق واقع التجزئة والتشظي والصراع، ولا بد من إعادة النظر في المنظومة الإقليمية وعلاقات الدول المنفردة ببعضها البعض وعلاقاتها بمحيطها الحضاري.
وأن ارتهان أنظمة إقليمية للغرب أصبح مصدر بقاء لهذه الأنظمة، مما أدى إلى انتقاص شرعيتها، وعزز الخصومة بين النخب الحاكمة والجماهير الشعبية، وهو ما دفع الأنظمة إلى اعتماد أكبر على القوى الخارجية، والأنظمة بنت الدولة القطرية على صورتها ووفقاً لهواها، ولذلك فالدولة القطرية مهددة في بنيتها في حال انهيار الأنظمة، فلا بد من تفكير جاد بنموذج انتقالي يحقق للشعوب آمالها ويعبر بها إلى بر الأمان من دون انهيارات مجتمعية وحروب أهلية.
كذلك فإن استمرار النفوذ الغربي في المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً يمثل ضمانة أساسية لبقاء واقع التجزئة والصراع الإقليمي، غير أن العالم يتغير، والمركزية الغربية تتراجع، وتراجع هذا النفوذ يسمح بطرح آفاق جديدة، وينبغي “أن نستعد لذلك بتصميم مشروعات عابرة للحدود وبسطها بين الناس”**.
اغتنام الفرص المتاحة
المشاركون، اتفقوا على أن إعادة الإجماع لمنطقة الشرق والمضي قدماً نحو اغتنام الفرص المتاحة يتطلب :
- مشاركة القوى الحية في ترشيد مواقف دول المنطقة إزاء الصراع الدولي، وما يخلقه من تحديات وفرص، وتوعية الشعوب والرأي العام، وبما يحقق مصالح دول المنطقة وشعوبها. بالإضافة إلى العمل على تشجيع ومساعدة دول المنطقة للتكامل فيما بينها فيما يتعلق بمواقفها حيال الصراع العالمي.
- المرحلة الحالية تستدعي صياغة مشروع تتفق عليه القوى الحية ويحمله تيار شعبي عريض، ومن أجل صياغة هذا المشروع يجب على القوى الحية في المنطقة أن تتجاوز الحواجز القُطرية، وأن تتفق على رؤية استراتيجية بعيدة المدى، ثم يتم إنزال هذه الرؤية على الواقع وفقًا للفرص والضرورات، وحسب التغيرات التي تطرأ عالميًا وإقليميًا ومحليًا.
- المشروع المنشود ينبغي أن يتسم أولاً بجوامع القيم المستقاة من حضارتنا الإسلامية، ثم ينبني على تقدير موقف سليم للواقع الدولي والإقليمي، ويتحلى بالحلم والطموح على صعيد الأهداف والغايات. المشروع المنشود ينبغي أن يكون نتاج عملية حوار وتشاور متأن، تشارك فيه قوى حية، وخبرات منتمية، وعقول متزنة، ونخب متفاعلة مع أمتها وشعوبها.
- المشروع المنشود يستند إلى نقاط القوة واللقاء والمصالح المشتركة وليس نقاط الخلاف والشقاق الإثني والصراع الطائفي كنقطة انطلاق.
التوصيات التنفيذية:
خلص المنتدى في توصياته التنفيذية إلى:
-
أولًا
: التوافق على تكوين فريق عمل يضم مجموعة
من
خبراء وسياسيين وفاعلين من أجل العمل على إنجاز المشروع المنشود. وفي سعيه لصياغة المشروع، يعقد الفريق مشاورات واسعة مع القوى الحية والمجموعات الفاعلة والشخصيات السياسية بهدف الاستماع إلى وجهات نظرها، مع الحرص على فتح قنوات التواصل والتأثير على صناع القرار كاستراتيجية ثابتة. -
ثانيًا
: تنظيم منتديات متخصصة في
تطبيق
المشروع على الواقع استراتيجيًا واقتصاديًا وثقافيًا. -
ثالثًا
: الترويج لهذا المشروع شعبيًا، بحيث يكون محفزًا لاستنهاض طاقات الأمة المتنوعة، بما يشمل بسط الغايات الإستراتيجية والمنافع الإيجابية التي تعود على أمم وشعوب المنطقة. -
رابعًا
: تعزيز ثقافة التفكير الاستراتيجي الرصين لدى القوى الحية وبث الوعي بأدوات التقدير الموضوعي لموازين القوة. فالمرحلة القادمة شديدة الخطورة على من لا يُقدرها حق قدرها، وينزلها منزل التعقل والتدبر.
جدير بالذكر أن منتدى الشرق قد عقد مؤتمره السبت والأحد 6و 7 يوليو/ تموز 2024، تناول فيه التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية في المرحلة الحالية وسط استمرار الحرب في غزة، تحت عنوان “مؤتمر الشرق في طور جديد، وفرص التكامل”، ويشارك فيه عدد من النخب العربية ومن دول إسلامية، لمناقشة تداعيات الأحداث السياسية والاجتماعية في المجتمع الدولي لمعركة طوفان الأقصى.
وبحث المشاركون في المؤتمر الفرص المرتبطة بتداعيات معركة طوفان الأقصى على المنطقة، وعلى التحولات العالمية، ومع حدوث شقوق في المجتمع الدولي، لتتجسد “الفرصة” بعودة الشرق مركزاً للعالم من جديد.
فرصة أمام الشعوب
اعتبر الباحثون في مؤتمر الشرق، بينهم نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز، أن المستجدات الإقليمية الأخيرة، توفر فرصة جديدة للانفتاح أمام منطقة الشرق، لكي تواصل حوارها الاستراتيجي للخروج من حالة الضعف والتهميش التي عانت منها عقوداً طويلة، بسبب التناقضات السياسية بين دول المنطقة، والخلافات الطائفية، والتموضع القومي.
حذرت كذلك أوراق بحثية استعرضها المؤتمر، من استمرار بروز الدولة القطرية ومخلفات مرحلة الاستعمار، إذ يتكون الشرق من أمم أربع؛ هم العربُ والأتراك والأكراد والإيرانيون، يعانون من قطيعة تاريخية وقعت في القرن الماضي بينهم.
ورأوا أنه في ظل مرور النظام العالمي بتغير كبير، فإنّ الأمم الأربع في حاجة ملحة لحوارٍ معمق بما يساعد في تجاوز هذه الإشكالات، ويساهم في استعادة تكاملها التاريخي، وصياغة نقاط عملية لرأب الصدع بينها، وبداية التكامل، والتعاون من أجل توظيف التحول العالمي لمصلحة هذه المنطقة.
وركز المؤتمر على محاور أساسية، تمثلت في:
- استعادة الشرق التواصل التاريخي بين مكوناته.
- المشكلات المانعة للتكامل في منطقة الشرق.
- منطقة الشرق من الدولة القطرية إلى الفضاء الإقليمي.
- دور الاقتصاد بوابةً لبناء التكامل في منطقة الشرق.
وتناول المؤتمر التغيرات في النظام العالمي ومروره بمرحلةٍ انتقالية على المستوى الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي، بينها محاولة روسيا استعادة بعض من نفوذها عبر خطوات حثيثة، بينما تبنّت الصين سياسة النفس الطويل.
وبناء بكين نموذجاً جديداً للهيمنة وزيادة النفوذ، يعتمد على الاقتصاد والمنافع بينها وبين حلفائها؛ الأمر الذي وجد ردود فعل أمريكية متسارعة ضد الصين.
في ظل التغيرات الدولية هذه، فإن منطقة الشرق لا تزال مهمشة، إلا من استثناءاتٍ محدودة، لكنّ الكثير من دول الشرق وقعت في خانة الانفعال السياسي لا التفاعل والفِعل، وفق ما أشار إليه مشاركون في المؤتمر.
من جانبه، قال رئيس منتدى الشرق، وضاح خنفر، في افتتاح المؤتمر، إن “طوفان الأقصى خلق تحولاً جديداً في النظام الدولي، وأصبح عاملاً مُسرعاً، يضغط بشدة نحو ضرورة التغيير”.
في هذا الإطار، أشار إلى أن “العالم يشهد تغيّرات تعيد توزيع الموازين، ونحن هنا لنفكر بعيداً عن التبعية، وندفع النخب لتقود التغيير، مضيفاً: “نشهد في عالمنا ومنطقتنا حالة استثنائية بكل معنى الكلمة، تمس جميع الجوانب والمستويات، بما في ذلك الأطر الاجتماعية والثقافية”.
وأشار كذلك إلى أن “النظام الدولي الذي شكّل هذه المنطقة عقب الحرب العالمية الثانية، يمر الآن بمرحلة تحوّل سريع، والتاريخ يتقدم بخطى متسارعة نحو التغيير”.
عن معركة طوفان الأقصى أيضاً، وتأثيرها على المنطقة، قال خنفر: “لم يعمل الطوفان في غزة فقط كعامل مُسرع ومكثّف للتعريف بالعجز الذي نعاني منه، بل دفع بقوة نحو التأكيد على ضرورة تحركنا. فالمجازر الراهنة في غزة لا تكشف فقط عيوبنا السياسية، بل تبرز أيضاً العجز في منظومتنا السياسية والاستراتيجية”.
وقال رئيس منتدى الشرق: “أعتقد أن الدرس الأول للأمة العربية وللأحرار في العالم هو أن انتزاع الحرية يتطلب منا أن نجعل النضال أسلوبا للحياة، بمعنى أن نكون على الاستعداد لدفع الثمن والتضحية من أجل الاستقلال”.
بدوره، قال السفير المصري الأسبق عبدالله الأشعل، المشارك في المؤتمر، إنه “بغض النظر عن شكل النظام الدولي؛ تبرز في دولنا العربية مشكلة علاقة الحاكم بالمحكوم، حيث يغذي التوتر التاريخي الصراع بينهما”.
ورأى أنه “يجب تغيير هذا النمط في الرأي العام العربي وإدخال تحول جديد لتقليل التأثير الغربي”، مضيفا أن “منطقتنا تشهد صراعات مستمرة بين الشيعة والسنة، وهو ما تستغله الدول الغربية، لذلك يجب على دولنا في المنطقة توحيد قواها، خاصةً أن كثيراً من الخلافات بين الحكام تأخذ منحى شخصياً يعود بالنفع على الغرب”.
وأضاف الأشعل أنه “علينا الاعتراف بأن العالم يُحكم بالمصالح لا العواطف. ومن هذا المنطلق؛ يجب علينا توحيد جهودنا، وتقوية مصالحنا المشتركة في العالم العربي، مع تركيز نظرنا على الأقطاب الكبرى وفق هذا الإطار”.
عن “طوفان الأقصى” أيضاً، قال الخبير الاقتصادي والمستشار السابق بالمركز الأوروبي ياسين السعدي، إن “العالم شهد بعد جائحة كورونا حدثين محوريين؛ الأول هو الحرب الروسية الأوكرانية التي أحدثت اضطراباً في الأراضي الأوروبية، والتي كانت قد شهدت استقرارًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والثاني هو طوفان الأقصى، الذي أعاد قضية فلسطين إلى الواجهة، مُحدثاً هزة في الغرب”.
لحظة تاريخية للتغيير
ودعا المتحاورون في المؤتمر، إلى أنه في ظل ما أسموها “اللحظة التاريخية” التي يمر بها النظام العالمي ومنطقة الشرق، يجب “البحث بعمق وتشخيص المشكلات الرئيسية التي تعاني منها منطقة الشرق، في وقت يتغير فيه العالم، مع أخذ ديناميات القوى أشكالاً متباينة بعد حرب أوكرانيا أولاً ثمّ حرب غزة”.
وأشاروا إلى أن معركة طوفان الأقصى، كشفت الكثير من المشكلات التي من الواجب تحليلها، ووضع الأطر والآليات لتحليلها، ووضع خطط ونقاط عملية لحلها”.
يشار إلى أن معركة طوفان الأقصى بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بهجوم من فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة، وتمكنوا خلالها من أسر العشرات من المستوطنين وعناصر من جيش الاحتلال، بسبب انتهاكات وتجاوزات الاحتلال في المسجد الأقصى، وتصعيده ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة.
وما تزال المعركة مستمرة، وسط عدوان إسرائيلي على قطاع غزة بعد هجوم المقاومة على منطقة غلاف غزة، معتبر
اً
الاحتلال أن المعركة هذه مثلت تهديداً وجودياً له.