وقع الاختيار في أبريل/نيسان الماضي، على شركة "أندوريل" (Anduril) كواحدة من شركتين، إلى جانب شركة جنرال أتوميكس المتخصصة في الصناعات العسكرية، لتقديم نموذج أولي لنوع جديد من الطائرات المقاتلة ذاتية القيادة تسمى "الطائرات المقاتلة التعاونية" (CCA) لصالح القوات الجوية والبحرية الأميركية.
جاء اختيار شركة أندوريل على حساب مجموعة من الأسماء اللامعة في مجال صناعة الأسلحة الأميركية، مثل شركات بوينغ ولوكهيد مارتن ونورثروب غرومان.
شركة أندوريل هي شركة حديثة نسبيا في تصنيع الأسلحة بدأت عملها منذ 7 سنوات فقط. يعود نجاح الشركة السريع إلى تركيزها على دمج البرمجيات المتطورة مع العتاد العسكري لإنتاج أنظمة فعالة من حيث التكلفة وسرعة الانتشار. وقدرة الشركة على تقديم طائرات مسيرة وغواصات وغيرها من التقنيات العسكرية المتطورة جعلتها تبرز بقوة في قطاع التصنيع العسكري، كما أشار تقرير في موقع وايرد.
وذكر بالمر لاكي، المؤسس المشارك، عبر حسابه على منصة إكس بعد إعلان التعاقد مع الجيش الأميركي قائلا: "تثبت شركة أندوريل أنه بوجود الفريق ونموذج العمل المناسبين، بإمكان شركة عمرها 7 سنوات أن تنافس الشركات الرائدة في مجالها منذ أكثر من 70 عاما".
Impossible to overstate the importance of this win. Please spread the word. Anduril is proving that with the right team and business model, a seven-year-old company can go toe-to-toe with players that have been around for 70+.
The real winner? The United States of America. https://t.co/zCxrsSJ5NP
— Palmer Luckey (@PalmerLuckey) April 25, 2024
نموذج طائرة أندوريل الأولي، المسمى "فيوري" (Fury)، لا يزال في مراحله الأولى من التطوير. بينما النموذج الآخر ستطوره شركة جنرال أتوميكس، وهي إحدى شركات السلاح الأميركية الشهيرة التي تعمل منذ 68 عاما ومعروفة بطائراتها المسيّرة الأشهر لدى الجيش الأميركي "إم كيو-9 ريبر".
أسراب من الطائرات المسيّرة
يتصور سلاح الجو الأميركي أن تكون تلك الطائرات الجديدة أكثر قدرة واستقلالية من الطائرات المسيرة الحالية، إذ يمكنها تأدية مهام مثل الاستطلاع والضربات الجوية والحرب الإلكترونية، سواء بمفردها أو بالتعاون مع الطائرات العسكرية التقليدية. ويتمثل أحد الجوانب المحورية للبرنامج في تطوير برمجيات ذكاء اصطناعي متطورة قادرة على التحكم في الطائرة التي بإمكانها التحرك باستقلالية في نطاق أوسع من المواقف مقارنة بأنظمة التحكم الحالية، التي عادة ما تكون مستقلة في حالات محدودة النطاق، كما أشار التقرير.
هذا المشروع هو نتاج سنوات من العمل داخل البنتاغون لتطوير رؤية حول حرب جوية أكثر آلية واستقلالية.
في عام 2014، أصدرت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتطورة "داربا" ورقة بحثية بعنوان "مبادرة الهيمنة الجوية"، وتوصلت إلى أن مزيجا من الجيل التالي من الطائرات المقاتلة مع أنظمة طائرات مسيرة، أو ما أطلقت عليه "طيار مساعد مخلص" (loyal wingman)، قادرة على العمل ضمن مجموعات ستكون أضمن وسيلة لتحقيق الأفضلية في الصراعات مستقبلا.
والهدف الأساسي من تصنيع أسراب من تلك الطائرات المسيرة هو مرافقة الطائرات العسكرية التقليدية في إحدى المهمات وتتعاون معها بأساليب مرنة. تتمثل فلسفة المشروع الأساسية في توفير الأمان للطيارين وبأعداد ضخمة في ساحة المعركة.
فمن المفترض أن يؤدي تزويد الطيارين الأميركيين بمجموعة من الروبوتات المعاونة إلى تعزيز قدرتهم على القتال وزيادة احتمالية عودتهم من المهام بدون أن يصابوا بأذى. كما يهدف المشروع إلى أن يشكل مجرد البداية لتحول أكبر نحو استخدام الطائرات ذاتية القيادة بأعداد أضخم بكثير، حسبما ذكر التقرير.
أهمية الطائرات المسيرة
يصعب تقييم فعالية استخدام الطائرات المسيّرة في العمل العسكري، فبحسب بعض كبار القادة العسكريين الأميركيين السابقين فإن انتشار هذا النوع من الأسلحة قد يتسبب في القضاء على فعالية القوات الجوية الأميركية مستقبلا.
ولكن لا يصعب فهم السبب وراء تلك التصريحات، فالحرب الدائرة في أوكرانيا قد شهدت تحول الطائرات المسيّرة من أداة مخصصة لمكافحة الإرهاب، تتحكم فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها بدرجة كبيرة، إلى عنصر أساسي وواسع الانتشار في كل أرجاء ساحات القتال الحديثة.
حتى في الشرق الأوسط، ومنذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان للطائرات المسيّرة أدوار محورية في تحديد مسار العمليات العسكرية، كما أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تستخدم طائرات مسيّرة محلية الصنع ورخيصة ضد جيش الاحتلال برغم امتلاكه مجموعة مختلفة من التقنيات الحديثة القوية، إلا أن الطائرات المسيرة صنعت الفارق في هزيمة القوات الإسرائيلية يوم بدأ هجوم طوفان الأقصى.
لذا، لا يبدو مفاجئا أن تتطلع وزارة الدفاع الأميركية إلى الاستفادة من الدروس المستخلصة من ميادين المعارك الحالية، خاصة أنها تترقب صراعا محتملا في المستقبل مع عدوها اللدود الصين. ويبدو أن الولايات المتحدة عازمة على تصنيع المزيد من الطائرات المسيرة واستخدامها ومنحها المزيد من الاستقلالية في التحكم. فقد ذكر مسؤولو القوات الجوية أنها ستنفق نحو 6 مليارات دولار على هذا البرنامج الجديد للطائرات المسيرة على مدى السنوات الخمس المقبلة، بما فيها العقود المستقبلية.
مشروع آخر
من المشاريع الأخرى التي أطلقها البنتاغون خلال الفترة الماضية كان خطة إستراتيجية تُسمى "ريبليكيتور" (Replicator) تهدف إلى تصنيع آلاف الطائرات المسيّرة الرخيصة والقابلة للاستبدال، أو "القابلة للاستنزاف" وفقا لمصطلحات البنتاغون.
وكانت كاثلين هيكس نائبة وزير الدفاع الأميركي قد أعلنت في أغسطس/آب العام الماضي 2023، عن بدء العمل على مشروع "ريبليكيتور"، أو "المستنسخ"، بهدف إطلاق "أنظمة ذاتية التحكم يمكن استنزافها على نطاق عدة آلاف في الميدان، وفي عدة مجالات".
وأضافت هيكس: "نحن لا نعرف بالضبط كيف ستعمل تلك الطائرات المسيّرة، ولكن يحتمل أن تشكل أسرابا منظمة لمواجهة تفوق الصين في الكثافة العددية ومدى قربها من ساحة المعركة المستقبلية". وأشارت هيكس أن تكلفة المشروع ستبلغ مليار دولار مقسمة بالتساوي بين السنة المالية 2024 و2025.
وينظر المؤيدون لهذه المبادرة على أنها ليست مجرد جهود جديدة للتسلح، بل باعتبارها تحولا جوهريا في كيفية تفكير الجيش الأميركي واستعداده لحروب المستقبل.
لكن حتى أشد المؤيدين للمبادرة يعترفون بأن تحقيق هذا الهدف سيتطلب تغييرا شاملا في عقلية واحدة من أكثر البيروقراطيات رسوخا داخل الحكومة الأميركية، وما يزيد الأمر تعقيدا أن هذا التحول يُفترض أن يحدث بسرعة بالغة.