أدرجت الأمم المتحدة جيش الاحتلال الإسرائيلي في “
القائمة السوداء
“، ويتبادل أعوان بنيامين نتنياهو والجنرالات الاتهامات علناً، فمن يدير الجيش في
إسرائيل
؟
هذا السؤال جاء عنواناً لتقرير نشرته مجلة
فورين بوليسي
الأمريكية، يرصد عدداً من الأدلة المتصاعدة على وجود مشكلة “قيادة وسيطرة” في جيش الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى تصاعد هوة الخلاف بين المستويين العسكري والسياسي.
وقبل أيام قليلة، كانت صحيفة
هآرتس
العبرية قد نشرت تحليلاً عنوانه “حرب لا نهائية وليس انتصاراً تاماً: الجيش يريد
مغادرة غزة
لكن نتنياهو لديه أفكار أخرى”، يرصد الفوضى التي تعصف بدولة الاحتلال والأزمات التي تحاصرها داخلياً وخارجياً، بعد استمرار الفشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة، التي تدخل شهرها العاشر خلال يومين.
مشكلة القيادة والسيطرة.. بعض الأمثلة
رصد تقرير فورين بوليسي ما وصفها بأنها “عدد قليل من الحالات التي تشير بوضوح إلى مشاكل القيادة والسيطرة” في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أبرزها:
-
أولاً
، إلقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي باللوم على “ضباط من المستوى المتوسط ” في استهداف متطوعين من منظمة “المطبخ المركزي العالمي” في غارة جوية بطائرة بدون طيار في أوائل أبريل/نيسان الماضي، وهو ما أدى إلى مقتل 7 من أعضاء المنظمة الأهلية الدولية. - أعادت هذه الحادثة تسليط الضوء على ما أشار إليه العديد من الخبراء والمنظمات غير الحكومية من ضرورة وجود “عمليات تنسيق أفضل بين المنظمات الإنسانية والجيش الإسرائيلي”.
- لكن البيانات الصادرة عن جيش الاحتلال نفسه وعن هيئة تنسيق الأنشطة الحكومية في الأراضي المحتلة (وهي هيئة حكومية إسرائيلية مسؤولة عن تنفيذ السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة) أشارت بوضوح إلى أن منظمة “المطبخ المركزي العالمي” قامت بالفعل بتنسيق تحركاتها بشكل صحيح مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن القادة من المستوى المتوسط اتخذوا قرار الغارة غير عابئين بهذا التنسيق.
- تشير هذه المعطيات إلى أن “هياكل القيادة والسيطرة في الجيش الإسرائيلي ليست قوية كما ينبغي”، كما تقول فورين بوليسي.
تصوير جنود إسرائيل لأفعالهم في غزة
أما النقطة الثانية التي ساقها تقرير فورين بوليسي للتدليل على وجود ما وصفتها بأنها “مشكلة القيادة والسيطرة”، فهي تلك المناشدة التي أصدرها، في فبراير/ شباط الماضي هرتسي هاليفي، رئيس الأركان في جيش الاحتلال الإسرائيلي، لقوات الجيش بالتوقف عن “تصوير أنفسهم وهم يرتكبون جرائم حرب”.
فمنذ بداية
الحرب على غزة
، انخرطت القوات الإسرائيلية على نطاق واسع في هذا السلوك الإجرامي ووثقت هذه الانتهاكات بنفسها على منصات التواصل الاجتماعي. ويشير هذا إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه مشاكل كبيرة في الحفاظ على الانضباط. وحقيقة أن مثل هذا السلوكيات استمرت على الرغم من تحذيرات هاليفي تؤكد وجود مشكلة القيادة والسيطرة.
ثالثًا
، تم اتهام جيش الاحتلال بشكل موثوق من قبل المعتقلين والمبلغين وجماعات حقوق الإنسان بتعذيب الأسرى الفلسطينيين طوال الحرب على غزة. وتم هذا التعذيب سراً، كما هو الحال في “سدي تيمان” وغيره من السجون ومرافق الاعتقال الإسرائيلية التي يديرها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعلناً أيضاً، كما هو الحال في الاستخدام العلني لأوضاع التوتر وإذلال غير المقاتلين من خلال تجريدهم من ملابسهم الداخلية واستعراضهم، وجميعها انتهاكات واضحة للقانون الإنساني الدولي.
وكانت صحيفة
هآرتس
قد نشرت تقريراً يلقي الضوء على مزيد من الانتهاكات المتواصلة من جانب قوات الاحتلال في غزة، واصفة إياه بأنه “الانحدار المطول في الانضباط العملياتي، والذي يتجلى جزئياً في الفشل في التمسك بالقيم العسكرية المعلنة في القتال”.
رصد التقرير حديث جنود جيش الاحتلال عن إطلاق النار بشكل غير مبرر على المدنيين الفلسطينيين الذين يقتربون من المناطق الخاضعة للسيطرة العسكرية، “حتى عندما لا يظهر أي خطر واضح منهم”، إضافة إلى استخدام “إجراء الجار”: أي إجبار الفلسطينيين المدنيين على فحص المواقع المشبوهة قبل دخول الجنود إليها”.
دروع بشرية وجرائم أخرى
هذا اعتراف إسرائيلي بأن جيش الاحتلال يستخدم المدنيين كدروع بشرية، وهو ما تزامن مع إدراج إسرائيل وجيشها في “
القائمة السوداء
” من جانب الأمم المتحدة. ففي منتصف فبراير/شباط الماضي، وجهت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة اتهامات مباشرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المدنيين الفلسطينيين الذين لا علاقة لهم بأي عمل مسلح ويبحثون عن ملجأ آمن، ومن ضمنهم الأطفال.
“إننا مصدومون من التقارير بشأن الاستهداف المتعمد والقتل خارج إطار القانون لنساء وأطفال فلسطينيين في أماكن النزوح أو خلال هروبهم من القتال. بعض هؤلاء الضحايا كانوا يرفعون قطع قماش بيضاء اللون عندما تعرضوا للقتل بواسطة الجيش الإسرائيلي أو ميليشيات مرتبطة به”، بحسب
تقرير
الخبراء.
تقول هآرتس في تقريرها: هناك بعض الوحدات الاحتياطية، وخاصة تلك التي يسود فيها توجه أيديولوجي ديني واضح على مستوى القيادة، تعمل ببساطة من تلقاء نفسها. يقول ضابط في الاحتياط يخدم في مركز قيادة هناك: “أجزاء من غزة تتجاوز الحدود الإقليمية. من وجهة نظر بعض قادة هذه الوحدات، على المستويات المنخفضة نسبياً، لا تنطبق قوانين الجيش والقانون الدولي هناك. لقد تآكلت القيم القتالية التي نبشر بها. ولم يعد مستوى القيادة العليا مدركاً لهذا أو ببساطة لا يكلف نفسه عناء معالجة الأمر.”
في مايو/أيار، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تشكيل لجنة للتحقيق في اتهامات التعذيب، وبحسب فورين بوليسي فإن المعنى الضمني المطلوب تصديره هو أن مرافق التعذيب هذه لا تؤدي لعقوبات من قبل المستويات العليا في جيش الاحتلال الإسرائيلي والحكومة، على الرغم من عقود من الادعاءات الموثوقة حول استخدام إسرائيل للتعذيب ضد الفلسطينيين. لكن أفراد الجيش الإسرائيلي كانوا ولا يزالوا منخرطين في أنشطة تشير إلى وجود مشكلة خطيرة في التسلسل القيادي لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
خلافات بين السياسي والعسكري في إسرائيل
في الوقت نفسه، تتواصل الخلافات العميقة وتبادل الاتهامات بين المستويين السياسي والعسكري في دولة الاحتلال بصورة غير مسبوقة، في ظل تبادل الاتهامات بين المستويين بشأن استمرار الحرب على غزة والتصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني في الوقت نفسه، دون وجود أي استراتيجية معلنة لكيفية إنهاء الحرب على القطاع أو استعادة الأسرى لدى فصائل المقاومة.
في المركز من هذه الخلافات يبرز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي تتهمه المعارضة وإدارة جو بايدن، أبرز داعمي إسرائيل عسكرياً وسياسياً، بأنه يسعى جاهداً لإطالة أمد الحرب، بغض النظر عن تكلفتها العالية، حتى يظل محافظاً على منصبه هرباً من المساءلة.
يدعم نتنياهو معسكره اليميني المتطرف، الذي يمثله إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي وسموتريتش وزير المالية وغيرهما من ممثلي الأحزاب الدينية المتطرفة وأحزاب المستوطنين، وهؤلاء يريدون مواصلة الحرب على غزة وشن حرب مفتوحة على لبنان.
لكن حتى هذا المعسكر يتعرض الآن لضغوط تهدد تماسكه، خصوصاً بعد حكم المحكمة العليا بإنهاء إعفاء “
تجنيد الحريديم
“، وهو القرار الي يمثل أسوأ كوابيس رئيس الوزراء، إذ يمثل “
الحريديم
” حجر الزاوية في دعم حكومته اليمينية المتطرفة لسياساته التي تهدف فقط إلى بقائه في السلطة بغض النظر عن التداعيات الكارثية لتلك السياسات، بحسب المعارضة الإسرائيلية.
فحكومة نتنياهو تعتمد على حزبين متدينين، حزب يهودية التوراة المتحدة وحزب شاس، يعتبران إعفاء المتزمتين دينياً (الحريديم) من التجنيد الإجباري عاملاً أساسياً للحفاظ على قاعدتيهما الانتخابية في المعاهد اليهودية الدينية بعيداً عن الجيش باعتباره بوتقة صهر قد تختبر التزامهم الديني الشديد.
صفقة تبادل الأسرى
هناك أيضاً ملف صفقة تبادل للأسرى مع حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وهو ما تريده جميع الأطراف الإقليمية والدولية ومعسكر المعارضة أيضأً، لكن حلفاء نتنياهو المتطرفين يرفضونه ويهددون بالانسحاب من الحكومة في حالة إقراره. فقد قال البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن نتنياهو أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال اتصال هاتفي، الخميس 4 لوليو/ تموز أن إسرائيل قررت إرسال وفد لاستئناف المفاوضات بشأن الأسرى مع حماس.
وأشار مصدر في فريق التفاوض الإسرائيلي لرويترز إلى أن هناك فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق بعد أن قدمت حماس اقتراحاً معدلاً بشأن شروط الاتفاق، وقال المصدر، الذي تحدث شريطة عدم نشر هويته “الاقتراح الذي قدمته حماس يشكل تقدماً كبيراً للغاية”.
جاء رد الفعل الإسرائيلي على رد المقاومة، الذي قدمته حماس عبر وسطاء، مختلفاً إلى حد ما مقارنة بردود سابقة، وقال مسؤول إسرائيلي لرويترز إن رئيس جهاز المخابرات (الموساد) سيقود وفد المفاوضات.
مكتب نتنياهو ذكر في بيان أن رئيس الوزراء سيجري في وقت لاحق من الخميس مشاورات مع فريق المفاوضين الإسرائيلي قبل عقد اجتماع لمجلس الوزراء الأمني للمناقشة بشأن المحادثات حول اتفاق الأسرى.
لكن المصدر في فريق التفاوض الإسرائيلي حذر من أن الاتفاق معرض لخطر الفشل بسبب “اعتبارات سياسية”، حيث أشارت بعض الأحزاب من تيار اليمين المتطرف في ائتلاف حكومة نتنياهو إلى أنها قد تنسحب من الحكومة إذا انتهت الحرب قبل القضاء على حماس. ومن المرجح أن يؤدي هذا الانسحاب إلى انهيار حكومة نتنياهو. الخلاصة هنا هي أن الفوضى تبدو وكأنها العنوان الأبرز لما يحدث في إسرائيل، لدرجة أن سؤال “من يدير جيش الاحتلال؟” بات عنواناً رئيسياً لتلك الفوضى.