في حقول مدينة ألباسيتي “Albacete” التي تبعد بنحو 250 كيلومترًا جنوب شرق العاصمة الإسبانية مدريد، اعتقل الحرس المدني الإسباني 13 شخصًا شكّلوا شبكة للاحتيال على الدولة واستغلال بشع للمئات من العمال الموسميين المغاربة والسنغاليين والاحتيال عليهم.
ورغم أن هذا الاحتيال الذي استهدف أيضًا أموال الدولة، ليس الأول، إلا أن صحيفة “El Pais” التي نشرت تفاصيله، الأربعاء 3 يوليو/تموز 2024، وصفته بأنه الأكثر خطورة الذي تم كشفه حتى الآن، فيما يتعلق ببرنامج عقود الهجرة الدائرية (GECCO).
البرنامج الذي أُنشئ قبل ٢٥ عامًا بهدف تسهيل الهجرة المنظمة، وتديره وتموله الحكومة الإسبانية لتمكين أصحاب العمل من توظيف العمال في الخارج لتعويض نقص اليد العاملة في الحقول، أصبح وسيلة لتحقيق ثراء غير قانوني لمجموعة من الأفراد.
الاحتيال على العمال الموسميين المغاربة
حسب التقرير الذي نشرته صحيفة “الباييس” واسعة الانتشار في إسبانيا، اعتقل الحرس المدني ١٣ شخصًا فيما يواصل التحقيق مع ستة آخرين يشتبه في تورطهم في شبكة احتيال استغلت البرنامج لتجميع آلاف اليوروهات من مئات العمال الموسميين المغاربة والسينغاليين.
هؤلاء العمال تم استغلالهم لاحقًا في مزارع بمقاطعة ألباسيتي، ولم يقتصر الاحتيال على جمع الأموال بشكل غير قانوني من العمال، بل تضمن أيضًا مساعدة البعض منهم على البقاء في إسبانيا بشكل غير قانوني مقابل مبالغ مالية إضافية، بالإضافة إلى تحصيل أموال عامة بطرق غير قانونية.
من بين المعتقلين مدراء شركة متخصصة في الفواكه في منطقة “هيلين”، مركز الاحتيال، ورجلا أعمال من المغرب والسنغال، أشارت الصحيفة الإسبانية إلى أنهما “يتمتعان بسمعة طيبة في بلديهما”، وكانا يجذبان مواطنين مستعدين للدفع للحصول على عقود عمل في إسبانيا.
كما شملت الاعتقالات مسؤولين عن مكتب استشارات قانونية متخصص في شؤون الهجرة، والذي كان يعمل على إضفاء الطابع القانوني على الإجراءات غير القانونية التي استغلها المتهمون للاحتيال على أموال الدولة والنصب على العمال الموسميين المغاربة والسنغاليين.
إغراء بالإقامة فاستغلال بشع
بدأت التحقيقات في صيف عام 2023 بعد اكتشاف أن أكثر من نصف العمال الأجانب الذين تم توظيفهم لجني محصول المشمش والكرز لم يعودوا إلى بلدانهم وبقوا في إسبانيا بشكل غير قانوني. كشفت التحقيقات أن هذه الممارسات بدأت في عام 2022 واستمرت في العام الحالي، وفق ما كشفه تقرير صحيفة “الباييس”.
وفق آخر المعطيات الرسمية التي كشفت عنها وسائل إعلام إسبانية، فإن أكثر من 13 ألفًا من العمال الموسميين المغاربة يشتغلون في الزراعة وصلوا إلى إسبانيا خلال النصف الأول من عام 2024، وأشارت إلى أن أغلبهم من النساء اللواتي سبق أن استفدن من برنامج عقود الهجرة الدائرية.
الشبكة كانت تطلب من العمال دفع ما بين 4000 و6000 يورو للحصول على عقود العمل، رغم أن هذه العملية يجب أن تكون مجانية. كما كانت الشبكة تقدم للعمال خيار البقاء في إسبانيا بعد انتهاء عقودهم مقابل مبالغ إضافية تصل إلى 12000يورو.
العمال الموسميين المغاربة والسينغاليين الذين رفضوا دفع الأموال الإضافية تم استغلالهم عبر ساعات عمل طويلة بأجور منخفضة، حيث كانوا يحصلون على رواتب شهرية تزيد قليلاً عن 200 يورو بعد خصومات غير قانونية. كما أُجبروا على توقيع عقود خدمات بنكية واتصالات لتحقيق عمولات للشبكة.
إعادة توطين العمال بشركات أخرى
تمت أول اعتقالات في 10 يونيو/حزيران 2024، وشملت مديري الشركة ورجلي الأعمال من السنغال والمغرب، تلاها اعتقالات أخرى في 20 يونيو/حزيران.
فيما تشير مصادر قريبة من التحقيق لصحيفة “الباييس” إلى أنه من المحتمل أن تتم اعتقالات جديدة بعد تحليل الكم الهائل من الوثائق والمستندات التي صادرها الحرس المدني.
ويواجه المعتقلون تهم استغلال العمال الموسميين المغاربة والسينغاليين، تزوير الوثائق التجارية، الاحتيال، والاحتيال على شركات التأمين والمنح العامة، بينما أمرت المحكمة أيضًا بتجميد أصول مالية تتضمن
١٥
حسابًا بنكيًا.
عقب اعتقال رجل الأعمال الإسباني، تم إعادة توطين حوالي 140شابًا سنغاليًا في شركات بمقاطعة “Segovia”، بينما عاد اثنان إلى السنغال وبقي حوالي 10 في إسبانيا بشكل غير قانوني. أما العمال المغاربة، فقد تم إعادة توطين معظمهم في شركات بمقاطعة “Huelva”.
معاناة مستمرة للعمال المغاربة بإسبانيا
الكشف عن هذه الشبكة المتخصصة في الاحتيال واستغلال العمال الموسميين المغاربة، لا يخفي الجوانب المظلمة لواقع اشتغال العاملات الزراعيات المغربيات في الحقول الإسبانية، حيث يتم استغلالهن لساعات طويلة مقابل أجور متدنية وفي ظروف إنسانية مزرية.
في تقرير نشره موقع “Infobae” الإسباني شهر يونيو/حزيران 2024، كشف عن جانب من الانتهاكات والممارسات غير المشروعة التي يرتكبها أباطرة القطاع الزراعي منذ سنوات، بحق العمال الزراعيين القادمين من خارج أوروبا، وخاصة من المغرب.
وهو ما أكدته أيضًا دراسة أجرتها منظمة “أوكسفام”، والتي تشير إلى أن العمال المهاجرين يواجهون بشكل روتيني العنف وساعات العمل الطويلة والأجور غير الكافية، وتصل في بعض الحالات إلى الاستغلال الجنسي للعاملات الزراعيات.
فيما سبق أن كشفت صحيفة “El Publico” الإسبانية في شهر مارس/آذار 2024، عن أن انطلاق موسم جني الفراولة والتوت هذا الموسم “تم في ظروف أسوأ بكثير من السنوات الماضية، جراء توالي حوادث الشغل المهملة، وبيئة الاشتغال السيئة، والاحتياجات الأساسية غير الملباة.
إلى جانب الظروف القاسية التي تعاني منها هؤلاء العاملات، نقلت الصحيفة الإسبانية أن أغلب العاملات يواجهن حاجزًا آخر يتمثل في لغة التواصل، وهو ما يجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لهن.
وقالت الصحيفة إن هذه العقبة تحديدًا تصب في صالح أرباب الضيعات، إذ يستغلون جهلهن باللغة، وأشارت إلى أن هذه الشركات كانت ملزمة بتقديم دروس الاندماج الاجتماعي بما في ذلك اللغة لعمال وعاملات اليوميّة وهو ما لم يحدث.