عادت
كوبا
مرة أخرى إلى صدارة مشهد الصراع بين الغرب بقيادة أمريكا والشرق، حيث الصين
وروسيا
، فما قصة “الرادار” الذي يتجسس
لصالح بكين
وتم تطويره خلال عقد كامل؟
تعتبر هذه القصة، التي أوردها تقرير صادر عن مركز بحثي أمريكي وتناولتها صحيفة وول ستريت جورنال
والغارديان
البريطانية، أحدث فصول الحرب الباردة الجديدة، بعد أن كانت كوبا أيضا مسرحاً لأخطر فصول الصراع في الحرب الباردة القديمة.
التقرير الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (
CSIS
) يحلل صور التقطها الأقمار الصناعية في مارس/ آذار الماضي، تظهر أن أكبر موقع استخبارات إشارات نشطة في كوبا – يقع في التلال بالقرب من العاصمة هافانا وتقول واشنطن إنه مرتبط بنشاط استخباراتي صيني مشتبه به لسنوات – قد خضع لعمليات “تحديث كبرى” خلال العقد الماضي.
كوبا واتهامات أمريكية بالتجسس
يبدأ تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالقول إن “طموحات
الصين
لتوسيع قدراتها العالمية في جمع المعلومات الاستخباراتية أوصلتها إلى عتبة الولايات المتحدة”، في إشارة إلى كوبا.
ونقل تقرير المركز أيضاً ما وصف بأنه “كشف مذهل العام الماضي، حين أكد مسؤولو إدارة بايدن أن الصين لديها إمكانية الوصول إلى العديد من مرافق التجسس في كوبا.”
وبطبيعتها تعتبر أعمال التجسس سرية، وهو ما ينطبق على أنشطة الصين المزعومة في الجزيرة الكوبية، إلا أن “صور الأقمار الصناعية التي حللتها وكالة الاستخبارات المركزية تقدم التقييم الأحدث والأكثر شمولاً للمكان الذي تعمل فيه الصين على الأرجح”، بحسب التقرير.
تبعد كوبا 100 ميل بحري فقط عن جنوب الولايات المتحدة، وتتهم واشنطن هافانا بأنها أكبر مركز للتجسس يستخدمه الخصوم، وبخاصة الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة التي انتهت بِتفكُّكه قبل أكثر من 30 عاماً. والآن تستخدم بكين القرب الجغرافي بين كوبا وأمريكا للقيام بأعمال تجسس، بحسب ما يقوله الأمريكيون.
ويقول تقرير CSIS إن لكوبا “تاريخ طويل في استضافة عمليات تجسس أجنبية تستهدف الولايات المتحدة. وأثناء الحرب الباردة، قام الاتحاد السوفيتي بتشغيل أكبر موقع استخباراتي خارجي له في مجمع استخبارات إشارات لوردز”.
تطوير موقع “رادار” خلال عقد من الزمان
قواعد التجسس المحتملة في كوبا، والتي يشتبه في ارتباطها بالصين، يقع أحدها بالقرب من القاعدة البحرية الأمريكية في خليج غوانتانامو، بحسب ما يقول تقرير CSIS إنها معلومات تم التوصل إليها من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية التي تم الحصول عليها من أحد مقاولي وزارة الدفاع الأمريكية.
قام محللو CSIS بفحص صور الأقمار الصناعية والمعلومات مفتوحة المصدر وحددوا أربعة مواقع وصفوها بأنها “نشطة” في كوبا، ويعتقدون أن هذه المواقع قادرة على إجراء عمليات مراقبة إلكترونية. أحد هذه المواقع عبارة عن مبنى لم يكن معروفاً من قبل، يقع على بعد حوالي 70 ميلا من القاعدة البحرية الأمريكية في خليج غوانتانامو.
لا يجزم التقرير بما إذا كانت تلك المواقع التي تم تحديدها هي جميع الأماكن المشتبه بها، لكن المحللين خلصوا إلى أن المواقع الأربعة هي من بين المواقع الأكثر احتمالاً لدعم جهود الصين للتجسس على الولايات المتحدة الأمريكية.
في هذا السياق، كانت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية قد نقلت العام الماضي عن مسؤولين وصفوهم بأنهم “على دراية بالمعلومات الاستخباراتية الحساسة”، أن الصين تريد إنشاء قاعدة تجسس في كوبا.
كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد علقت، في يونيو/ حزيران 2023، على التقارير بشأن “التجسس الصيني عبر كوبا”، واصفة إياها بأنها “غير دقيقة”، لكن بعد أيام نشرت مجلة
بوليتيكو
الأمريكية تقريراً يؤكد، نقلاً عن مسؤولين كبار في الإدارة لم تسمهم، أن بكين تسعى بالفعل لإنشاء قواعد تجسس على الأراضي الكوبية، وأضافت المصادر أن “إدارة بايدن ورثت تلك القضية عن إدارة دونالد ترامب”، في إشارة إلى أن الأمر لم يكن جديداً.
قالت المصادر نفسها لبوليتيكو إن بكين وهافانا كانتا تتفاوضان على بناء محطة على بعد حوالي 100 ميل قبالة ساحل فلوريدا، “ربما لجمع معلومات عن الإشارات الصادرة عن والواردة إلى المواقع العسكرية الأمريكية في تلك المنطقة.”
هافانا وبكين تنفيان التقارير الأمريكية
نفت كوبا تقرير CSIS، وقال نائب وزير الخارجية الكوبي كارلوس فرنانديز دي كوسيو، إن كوبا تستضيف مصالح عسكرية صينية على الجزيرة، لكن ذلك ليس له علاقة بأي أعمال تجسس مزعومة.
وكتب “دي كوسيو” عبر صفحاته الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي: “تستمر صحيفة وول ستريت جورنال في إطلاق حملة ترهيب تتعلق بكوبا دون الاستشهاد بمصدر يمكن التحقق منه أو إظهار أدلة، كما تسعى إلى تخويف الجمهور بقصص عن قواعد عسكرية صينية غير موجودة ولم يشاهدها أحد، بما في ذلك السفارة الأمريكية في كوبا”.
كما نشرت السفارة الصينية في واشنطن بياناً قالت فيه إن الولايات المتحدة “ضخمت مراراً وتكراراً فكرة تجسس الصين ومراقبتها من كوبا”، وأكد بيان السفارة على أن “مثل هذه الادعاءات ليست سوى افتراءات”.
سفن حربية روسية في كوبا
تأتي هذه الاتهامات الأمريكية للصين وكوبا بالتجسس بعد أقل من ثلاثة أسابيع على وصول سفن حربية وغواصة روسية إلى الموانئ الكوبية، وهو ما أثار ردود فعل غربية، بل وأرسلت كندا سفينة تابعة لحرس الحدود الكندي إلى كوبا.
كانت سفينة حربية روسية وغواصة تعمل بالطاقة النووية قد وصلتا إلى مرفأ في هافانا في الأسبوع الأول من شهر يونيو/ حزيران، وهو ما أطلق موجة من التقارير الإعلامية توحي بأن هناك “أزمة صواريخ أخرى”، في إشارة لأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، والتي كادت أن تؤدي إلى نزاع نووي بينهما.
في ذلك الوقت، كان الاتحاد السوفييتي يبني قواعد صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية وقررت الولايات المتحدة فرض “حجر بحري” حول كوبا وتفتيش جميع السفن المتجهة إلى الجزيرة، وهو ما رفضه الاتحاد السوفييتي ووقف العالم على أطراف أصابعه انتظاراً للصدام المرعب الذي قد يندلع. لكن تم التوصل، عبر الأمم المتحدة، إلى اتفاق بين موسكو وواشنطن، أدى إلى نزع فتيل الأزمة وتراجع الاتحاد السوفييتي عن إرسال صواريخ نووية إلى كوبا.
لكن هذه المرة لم تصل الأمور إلى حد الأزمة رغم صدور بعض التقارير الحادة عن حلفاء لأمريكا، أبرزهم كندا، فتم احتواء الأمور سريعاً. فقد وصفت روسيا أيضا وصول سفينتها وغواصتها إلى كوبا المتحالفة معها بأنه أمر اعتيادي، بينما أصدرت الولايات المتحدة وكوبا بيانات رسمية جاء فيها أن السفن الروسية لا تشكل خطرا على المنطقة.
ويوم 17 يونيو/ حزيران، ذكرت وكالة الإعلام الروسية، نقلاً عن مراسلها، أن السفينتين الحربيتين الروسيتين قد غادرتا العاصمة الكوبية هافانا، طبقا للخطة المقررة.
كندا أيضاً تدخل على خط المواجهة
أما كندا فقد أخذت الأمور على محمل الجد، ربما أكثر من اللازم، إذ قالت الحكومة الكندية إن هدف إرسالها سفينة دورية للعاصمة الكوبية هافانا هو توجيه رسالة ردع لموسكو التي كانت سفنها موجودة في المكان نفسه، وهي الخطوة التي قوبلت بانتقادات شديدة من مشرعين كنديين ضمن المعارضة.
كانت سفينة الدورية التابعة للبحرية الكندية قد أبحرت إلى المرفأ الكوبي بعد يومين من وصول السفينة الحربية والغواصة النووية التابعتين للبحرية الروسية، بينما قالت كندا والولايات المتحدة إنهما تراقبان السفينة والغواصة عن كثب، بحسب رويترز.
وزير الدفاع الكندي بيل بلير قال في تصريح صحفي: “الإرسال… يوجه رسالة في غاية الوضوح مفادها أن كندا لديها جيش يتمتع بالقدرات والقدرة على الانتشار ولن نتردد في فعل اللازم لحماية مصالحنا الوطنية. ستواصل القوات المسلحة الكندية تعقب تحركات السفن الروسية وأنشطتها… الحضور ردع. ونحن حاضرون”. اللافت هنا هو أن كندا واحدة من أقرب حلفاء كوبا الغربيين، إذ كانت قد أبقت على علاقاتها الدبلوماسية مع كوبا عقب الثورة الكوبية عام 1959.