تفتح الأفلام التي تتناول موضوعات تتعلق بالأمراض النفسية نوافذ فريدة على عوالم معقدة وغامضة من التجارب الإنسانية، وتسهم في تغيير النظرة السائدة تجاه هذه الأمراض.
ويُعتبر تجسيد الشخصيات السينمائية التي تعاني من أمراض نفسية تحدياً كبيراً للممثلين، ويعد أحد أهم الأدوار التي تساهم في تعزيز الوعي المجتمعي بالأمراض النفسية.
في هذا السياق، تألقت العديد من الشخصيات السينمائية التي جسدها ممثلون بارعون، وتركوا بصمة لا تُنسى في عالم السينما، مساهمين في تقديم رؤى إنسانية مميزة حول الأمراض النفسية وتأثيرها على الأفراد والمجتمع.
دور مريض الاكتئاب الشديد في أفلام”الفيل الأزرق”
في فيلم الفيل الأزرق الصادر عام 2014 الذي يجسد فيه كريم عبد العزيز دور البطولة عبر شخصية الدكتور يحيى راشد، وهو الطبيب النفسي الذي يعود للعمل بعد غياب طويل، يجد نفسه متورطاً في قضية غامضة مع مريض يعاني من اضطرابات نفسية، قدّم كريم عبد العزيز أداءً مذهلاً في تجسيد شخصية الطبيب المتأرجح بين العقل والجنون.
وتتمتع شخصية الدكتور يحيى بذكاء حاد وقدرة فائقة على التحليل، ما مكّنه من كشف كذب أصدقائه بدقة من خلال لغة أجسادهم. بعد أن تسبب حادث مروري مأساوي كان يقود فيه مخموراً بسرعة فائقة بلغت 160 كيلومتراً في الساعة بوفاة زوجته وابنته، انعزل يحيى عن العالم الخارجي وأمضى خمس سنوات في عزلة تامة، يعاني من تأنيب الضمير.
خلال هذه الفترة، كان يحيى يقضي وقته في تناول المخدرات، شرب الخمر، ويقيم علاقة مع فتاة لبنانية تدعى مايا، التي قدمت له حبة مخدرة تُدعى “الفيل الأزرق”. من خلال تأثير هذه الحبة، يدخل يحيى إلى عالم مغاير يكشف له أسراراً جديدة ومخفية.
عندما يعاود يحيى الظهور بعد خمس سنوات من الحادث، يتجلى في مظهره الجاد، حيث يرتدي البدلة الكلاسيكية ونظارات “راي بان”، ويبدو غير مهتم بشعره أو بمظهره الشخصي. رغم ذكائه كمحلل نفسي، فإن شخصيته تعكس تعقيدات نفسية كبيرة، حيث يمكن القول إنه أصبح المريض رغم كونه الطبيب.
دور مريض الفصام
في فيلم “آسف على الإزعاج”
يجسد أحمد حلمي في فيلم “آسف على الإزعاج” الصادر عام 2008 شخصية مهندس الطيران الشاب “حسن”، الذي يعيش في صراع داخلي مع مشاعره وأفكاره، متأرجحاً بين الواقع والخيال.
يُعتبر دور أحمد حلمي في هذا الفيلم واحداً من أدواره الأكثر تأثيراً وإبداعاً، حيث يتناول موضوع الصحة النفسية بطريقة غير تقليدية ويكشف عن عمق تعقيدات الشخصية.
وتتميز شخصية حسن تتميز بالذكاء والإبداع، حيث يعمل كمهندس طيران ويكرس حياته لمشروع طموح يحلم بتحقيقه ويمتلك رؤية مستقبلية وأفكار مبتكرة تعكس شغفه وتفانيه في مجاله.
إلا أنه رغم نجاحه المهني، يعاني حسن من صراع نفسي كبير بعد وفاة والده، حيثُ يكشف الفيلم تدريجياً عن معاناته النفسية، ليجد حسن نفسه في مواجهة مع هواجسه وذكرياته، ما يجعله يعيش في عالم خاص به ويؤدي إلى ظهور اضطرابات نفسية تؤثر على رؤيته للعالم من حوله.
مع تطور الأحداث، يكتشف المشاهد أن حسن يعاني من أوهام شديدة، حيث يتواصل مع والده المتوفى ويتخيل حبيبته، ما يعكس حالته النفسية غير المستقرة. تزداد حالته تعقيداً ويصبح من الصعب عليه التمييز بين الواقع والخيال، ما يؤثر على قراراته وتصرفاته.
عقدة النقص في فيلم “الإخوة الأعداء”
يتناول فيلم “الإخوة الأعداء” الصادر عام 1995 قصة شقيقين يضعهما القدر في مواجهة قاسية وتنافس حاد.
جسد محيي إسماعيل في هذا الفيلم دور شخصية تعاني من عقدة النقص. هذه العقدة تتمثل في شعور الشخصية بالنقص والعجز، وبأنها لا تستحق التقدير والاحترام من الآخرين. تعاني الشخصية من شكوك حادة في قدراتها وقيمتها، ما يؤدي إلى تصرفات غير متوقعة وتفاعلات عاطفية متقلبة مع الشخصيات الأخرى في الفيلم.
تجسيد محيي إسماعيل لهذه الشخصية يعكس براعته في التعبير عن الأحاسيس الداخلية المعقدة والصراعات النفسية التي تؤثر على سلوكيات الشخصية في القصة السينمائية.
اضطراب الهوية التفارقي في فيلم”بئر الحرمان”
فيلم “بئر الحرمان” من إنتاج عام 1957 وإخراج يوسف شاهين، ويعتبر من أبرز أفلام المرضى النفسيين في تاريخ السينما المصرية. الفيلم مأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ وتمثل سعاد حسني فيه دوراً رئيسياً ومؤثراً.
في فيلم “بئر الحرمان”، تجسد سعاد حسني دور فتاة تعاني من الفصام، تُدعى “ناهد” في النهار و”ميرفت” في الليل. “ناهد” تظهر كفتاة هادئة ولطيفة، بينما “ميرفت” هي شخصية متغيرة ومليئة بالجرأة والعنف.
تتعقد حكاية الفيلم بين الشخصيتين، حيث يكتشف الطبيب المعالج، الذي يلعب دوره الفنان محمود المليجي، أن الأسباب تعود إلى عقدة طفولة حادة تركت في نفس “ناهد” بئراً من الحرمان العاطفي، بسبب اكتشاف والدها خيانة أمها، ما جعله قاسياً وغير متفهم لابنته، وهو ما دفعها للانهيار بهذا الشكل الدرامي.
يتناول الفيلم بشكل عميق تأثيرات الطفولة والأحداث النفسية الصادمة على نمو الشخصية، ويسلط الضوء على أهمية العلاج النفسي والتواصل الإنساني في التعافي من مثل هذه الحالات النفسية الصعبة.
وتعاني “زينب” من اضطراب الهوية التفارقي أو “الفصام” وهو اضطراب عقلي يوصف بوجود شخصيتين -على الاقل- متميزتين ودائمتين نسبياً، وغالبا ما يصاحب ذلك حالة من صعوبات في تذكر الأحداث بشكل لا يمكن تفسيره من خلال عملية النسيان العادية، وهذه الحالات تظهر بشكل متناوب في سلوك الشخص، وتختلف من شخص لآخر.
اضطراب الهوية الجندرية في فيلم “عمارة يعقوبيان”
هو فيلم من أفلام المرضى النفسيين من إخراج مروان حامد، وشارك في بطولته عادل إمام ويسرا وهند صبري، وحقق نجاحا كبيرا وقت عرضه عام 2006.
تناول فيلم “عمارة يعقوبيان” ضمن أحداثه حياة صحفي كبير، يقيم علاقات مع عدد من الرجال، من بينهم الفنان باسم سمرة، ذلك المجند البسيط الذي يجد نفسه متورطاً في علاقة لا يعلم مداها، وينتهي الأمر بمقتل الصحفي على سريره، بعد أن استدرج أحد الشباب لإقامة علاقة معه.
واضطراب الهوية الجندرية هو حالة نفسية تتمثل في عدم تطابق الهوية الجنسية المتوقعة للفرد مع الجنس البيولوجي الذي ولد به. يمكن أن يشعر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب بأنهم مشوشون فيما يتعلق بمفهومهم الذاتي الجنسي، ما يؤدي إلى توترات نفسية شديدة وصراع داخلي بالنسبة لهم.
السفااح المضطرب نفسياً في فيلم “سفاح النساء”
فيلم “سفاح النساء” الذي تم عرضه في عام 1970، يُعد من الأفلام الدرامية المصرية التي تناولت قصة شخصية مريض نفسي يُدعى “سفاح النساء”، والذي يتميز بتمثيل قوي من الفنان فؤاد المهندس والفنانة شويكار. الفيلم من إخراج نيازي مصطفى، وقد جسدت شويكار دوراً مهماً في الفيلم كضحية للسفاح.
تدور أحداث الفيلم حول شخصية السفاح المصاب بالاضطراب النفسي، الذي يقتل النساء ويحولهن إلى عرائس شمعية. يتمحور الفيلم حول كشف السبب النفسي العميق لسلوك السفاح، والذي يعود إلى تجربة سلبية في ماضيه أثرت على شخصيته بشكل كبير.
يعتبر فيلم “سفاح النساء” استكشافاً للجوانب النفسية الداخلية للشخصيات وتأثيرات التجارب السلبية على حياتهم، ما يسلط الضوء على أهمية التعامل النفسي الفعال والتواصل الإنساني في مثل هذه الحالات النفسية الصعبة.