الأخبار

ما هي فرص المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في الانتخابات الإيرانية وهل يستطيع أن يُغير سياسة البلاد؟

انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الإيرانية إلى انحصار المنافسة بين المرشح المحافظ سعيد جليلي، والمرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، فأي المرشحين له فرص أفضل وهل يؤدي فوز المرشح الإصلاحي المحتمل إلى تغيير في السياسة الإيرانية؟

وتجري الجولة الثانية من الانتخابات الإيرانية في الثامن والعشرين من يونيو/حزيران في ظل تسجيل الجولة نسبة متدنية من الإقبال ووضع اقتصادي ضاغط مع ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتأثير العقوبات الدولية التي تسبب مصاعب واسعة النطاق.

وفاز مسعود بزشكيان، بـ42.5 في المائة من الأصوات، بينما حصل جليلي الذي كان مفاوضاً في الملف النووي، على 38 في المائة من الأصوات.

وغاب أكثر من 60% من الناخبين عن التصويت في 28 يونيو/حزيران 2024 لاختيار خليفة للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي الذي لاقى حتفه في حادث تحطم هليكوبتر، وهو معدل إقبال منخفض على نحو غير مسبوق يرى منتقدو الحكومة أنه تصويت لحجب الثقة عن الجمهورية وفقاً لـ”رويترز”.

وتاريخياً، كانت الانتخابات في إيران تحظى بنسب هي من الأعلى عالمياً، ولكن تزايدت نسبة الإيرانيين الغائبين عن التصويت خلال السنوات الماضية، حيث سجلت الانتخابات البرلمانية في مارس الماضي، معدل الإقبال الأدنى السابق، نحو 41%، بينما فاز رئيسي في 2021 بنسبة مشاركة بلغت نحو 49% وسط استبعاد السلطات للمنافسين المحافظين والمعتدلين من ذوي الخبرة.

لماذا تبدو فرص المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان أكبر؟

وواصل المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان حملته الانتخابية متسلّحاً بتقدّم على منافسه المحافظ المتشدّد جليلي بحوالى مليون صوت في الجولة الأولى من هذه الانتخابات التي تجري لاختيار خلف للرئيس إبراهيم رئيسي الذي قضى في تحطّم مروحية في أيار/مايو الماضي.

ولانتزاع النصر من منافسه، يحتاج بزشكيان أيضاً إلى جذب أصوات من أنصار رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الذي احتل المركز الثالث في الجولة الأولى، مع حشد دعم المواطنين ومعظمهم من الشباب الذين يشعرون بغضب جراء القيود السياسية والاجتماعية.

وقال جريجوري برو المحلل في مجموعة أوراسيا، إنه “بالنظر إلى تطرف جليلي، أعتقد أن من الممكن تماماً أن يصوت الناخبون المحافظون الأكثر اعتدالاً الذين أدلوا بأصواتهم لقاليباف لصالح بزشكيان أو يبقوا في منازلهم، الجمعة المقبل”.

المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان

وبدعم من الجانب الإصلاحي الذي تم تهميشه إلى حد كبير في إيران خلال السنوات القليلة الماضية، ركزت حملة بزشكيان إلى حد كبير على “الخوف من الأسوأ”.

وخلافاً للبرود الذي سيطر على أغلب المناظرات الخمس التي عقدت قبيل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فإن أولى مناظرات جولة الإعادة، التي بدأت الساعة التاسعة والنصف مساء الاثنين وانتهت فجر اليوم الثلاثاء، تمكنت من دغدغة فضول الناخبين وتسخين فترة الدعاية التي ستستمر حتى الساعة الثامنة من صباح الخميس المقبل، حسبما ورد في تقرير لموقع قناة “الجزيرة“.

وحصل المرشح المحافظ الذي يعدّ من المقرّبين للمرشد علي خامنئي، على دعم مرشّحين محافظين آخرين بما في ذلك رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الذي حلّ في المرتبة الثالثة بحصوله على 13.8 في المئة من الأصوات.

ويأمل مناصرو مسعود بزشكيان في الاستفادة من نسب التصويت المنخفضة المسجلة في الجولة الأولى، وتعبئة الممتنعين وأولئك الذين يريدون “تغييرات جذرية”، وفقاً لما قال المعلّق السياسي محمد رضا منافي لموقع “المدن“.

وتحظى حملة بزشكيان بدعم كبير من الإصلاحيين، في المقابل، حيث كان بزشكيان، جراح القلب، قد شغل منصب وزير الصحة في حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي أثناء الفترة من عام 2001 إلى عام 2005.

ويعمل محمد جواد ظريف، الذي كان وزيرا للخارجية في حكومة حسن روحاني المعتدلة من 2013 إلى 2021، كمستشار Gلمرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في السياسة الخارجية. وكان حضور ظريف في حملة بزشكيان ملحوظاً، حيث ظهر بشكل متكرر في المناسبات الترويجية.

كما أعرب خاتمي نفسه عن تأييده العلني لبزشكيان، إلى جانب الأحزاب الإصلاحية التي دعمت في السابق روحاني في محاولته الرئاسية الناجحة عام 2013. وتؤكد هذا التأييد أهمية ترشيح بزشكيان داخل الحركة الإصلاحية التي تهدف إلى إحياء نفوذها.

فبعد بضعة أشهر فقط من توقيع الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، حقق الإصلاحيون نصرًا تاريخيًا في الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير/شباط 2016، حيث حصلوا على جميع المقاعد الثلاثين في طهران. ثم فاز روحاني في الانتخابات الرئاسية عام 2017 بأكثر من 57% من الأصوات.

هكذا تسبب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في إضعاف التيار الإصلاحي

ومع ذلك، شهد المجتمع الإيراني تغيرات جوهرية على مدى العقد الماضي، الأمر الذي دفع كثيرين إلى الشك في قدرة الإصلاحيين على إحداث أي تغييرات ذات معنى في الحكم في إيران.

ورغم أن الدستور الإيراني يعين الرئيس، المنتخب بالاقتراع الشعبي المباشر، رئيسًا للحكومة، إلا أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وسَّع نفوذه بشكل كبير على مدى العقود القليلة الماضية. وقد تم تحقيق ذلك من خلال إنشاء مؤسسات موازية، وتوسيع صلاحياتها، وصياغة سياسات شاملة للنظام. ويتعزز نفوذ المرشد الأعلى من خلال حق النقض الخاص الذي يتمتع به على أعضاء حكومة الرئيس، مما يزيد من سيطرته ويحد من سلطة الرئيس، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.


منذ توقيع الاتفاق النووي، وهي اللحظة التي يُنظر إليها على أنها ذروة شعبية الإصلاحيين والمعتدلين في إيران، تغير المشهد السياسي بشكل كبير. ومنذ ذلك الحين أصبح المعتدلون مهمشين داخل المجتمع الإيراني. وبعد فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية عام 2021، تم إقصاء الإصلاحيين بالكامل من الحكومة. ومع ذلك، حتى قبل انتخابات هذا الشهر، كان مجلس صيانة الدستور قد استبعد الشخصيات الرئيسية في الحركة الإصلاحية من الترشح، ولم يتبق سوى بيزشكيان.

انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، ومعارضة خامنئي لتحسين العلاقات بين طهران وواشنطن خلال إدارة أوباما، والعمليات العسكرية التي قام بها الحرس الثوري الإسلامي – بما في ذلك، مؤخرًا، إطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار على إسرائيل في أبريل – جميع هذه العوامل ساهمت في تهميش المعتدلين. بالإضافة إلى ذلك، أدى اعتقال إيران للبحارة الأمريكيين والاستيلاء على زوارق الدورية في الخليج الفارسي، وتوسيع أنشطة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا، والدعم الإيراني الأوسع لما يسمى بمحور المقاومة، إلى تصعيد التوترات مع الغرب.

وقد أعاقت هذه الأعمال العسكرية حكومة روحاني من الاستفادة الكاملة من فوائد الاتفاق النووي، وبالتالي الحد من المزايا المحتملة التي كان من الممكن أن يجلبها للحركة السياسية الإصلاحية والمعتدلة. كما أدت تصرفات الحرس الثوري الإيراني إلى ردع المستثمرين الأجانب الذين ربما كانوا حريصين على الانخراط في أعمال تجارية مع إيران.

أداء حكومات روحاني أدى إلى عزوف الناخبين

والسبب الثاني والأكثر أهمية هو خيبة الأمل التي يشعر بها المجتمع الإيراني تجاه أداء حكومة روحاني.

كان هذا التفاؤل مدعومًا في البداية بآمال كبيرة بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)، لكنه سرعان ما تبدد مع فشل الاتفاق وإعادة فرض العقوبات، ليحل الغضب واليأس محل الأمل.

ويحث الإصلاحيون الآن الجمهور على إعادة النظر في استراتيجية مقاطعة الانتخابات، بحجة أنها لم تحقق تغييراً ذا معنى.

المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان

وأعلن خاتمي نفسه في رسالة بالفيديو هذا الأسبوع أنه ينوي التصويت لصالح مسعود بزشكيان. ورغم اعترافه بالعيوب التي شابت الانتخابات الإيرانية، فقد أعرب عن تفاؤله بأن فوز بيزشكيان يمكن أن يؤدي على الأقل إلى بعض التغيير الإيجابي في البلاد.

ومع ذلك، يعتقد الكثيرون في المجتمع الإيراني الآن أن التحسن لن يحدث جراء العملية الانتخابية، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

ففي ظل حكم خامنئي الذي دام 35 عاماً كمرشد أعلى، تراجعت سلطات الحكومة بشكل مطرد. وكثيراً ما يؤكد المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، في تصريحاته أن خامنئي يحدد الاتجاه العام للبلاد. وأكد خلال حملته الانتخابية أن خامنئي هو الذي يحدد السياسات العامة، بما في ذلك السياسة الخارجية، ويجب على الحكومة أن تتماشى مع هذه التوجيهات.

المرشح الإصلاحي يقر بأن الكلمة الأخيرة للمرشد

في 18 يونيو/حزيران، خلال أحد برامج حملته الانتخابية، قال المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان: “الكلمة الأخيرة في النقاش السياسي في المجتمع يجب أن تكون لدى القيادة. عندما يكون هناك نزاع في البلاد، فهي من يجب عليه حل هذه القضايا، وإذا تحدث شخص أو مجموعة أكثر من اللازم، فإن القيادة تقرر أن يصمت ذلك الشخص أو المجموعة.”

ورغم أن الإصلاحيين ما زالوا قادرين على التأثير على الرأي العام، إلا أن قسماً كبيراً من المجتمع فقد الثقة بهم. تأتي خيبة الأمل هذه بعد عقود من الأحداث التي أدت إلى تآكل قاعدة دعم الإصلاحيين، التي كانت قوية بما يكفي لانتخاب خاتمي في عام 1997 وإبقائه في منصبه لمدة ثماني سنوات، ثم روحاني لمدة ثماني سنوات أخرى ابتداء من عام 2013.

ومع ذلك، فإن هذه الجهود لم تسفر عن نتائج دائمة في التغيرات في مؤسسة الجمهورية الإسلامية. وقد خنقت المؤسسات الموازية الخاضعة لسيطرة المرشد الأعلى أي جهود تهدف إلى التغيير التقدمي.

لم تكن هناك تحسينات في الاقتصاد، أو الحريات الاجتماعية والمدنية، أو مكانة إيران العالمية، أو حرية التعبير. وقد علق المواطنون غيرُ الراضين آمالهم مراراً على الإصلاحيين والمعتدلين لتحقيق هذه التحسينات من خلال الانتخابات، لكنهم رأوا آمالهم تتبدد، مما أدى إلى زيادة خيبة الأمل والغضب في كل مرة.

ونتيجة لذلك، يواجه المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان عقبات كبيرة. فق تم تقويض مصداقية الحركة الإصلاحية بشدة بسبب الفشل في الوفاء بالوعود والحملة القاسية على المعارضة. إن ارتباط الحركة بحكومة روحاني، والتي يرى العديد من الإيرانيين أنها فشلت في إحداث تغيير حقيقي، يزيد من تعقيد فرص بيزشكيان.

انتصار الإصلاحيين قد يؤدي إلى خيبة أمل في ضوء ضعف سلطات الرئيس

وتقول المجلة الأمريكية إن النسيج الاجتماعي يتآكل، مع تزايد المطالب العامة بمزيد من الحرية والعدالة والمساءلة. في هذه البيئة، تواجه رسالة الإصلاح والأمل التي يوجهها بزشكيان التشكك والتفاؤل الحذر.

علاوة على ذلك، تهيمن العناصر المتشددة الآن على المشهد السياسي الإيراني، حيث يتمتع الحرس الثوري الإيراني وغيره من الفصائل المحافظة بسلطة كبيرة. ولا تزال قدرة بزشكيان على الإبحار في هذه البيئة المعقدة وتنفيذ إصلاحاته المقترحة غير مؤكدة. وقد يؤدي ترشيحه في نهاية المطاف إلى زيادة نسبة إقبال الناخبين على التصويت أكثر من إحداث تغييرات جوهرية في السياسة، حسب المجلة الأمريكية.

ونظراً للسلطات المحدودة التي تتمتع بها الرئاسة، فإن انتصار الإصلاحيين قد يؤدي إلى تعميق خيبة الأمل داخل المجتمع الإيراني – حتى لو كانت المسؤولية عن إخفاقات الحكومة تقع في مكان آخر.

مسعود بزشكيان يراهن على تحسين العلاقة مع أمريكا، والبعض يراه متوهماً

وخلال المناظرة بين المرشحين، تجاوز مسعود بزشكيان رؤية الطرف المحافظ الذي لا ينظر إلى الولايات المتحدة والدول الغربية سوى بعين العدو، وأظهر أن له مشروعًا بشأن حلحلة القضايا الشائكة في السياستين الداخلية والخارجية، ليتمكن نسبياً من تحقيق رغبة أنصاره وتحدي الطرف المقابل.

في المقابل، اتهم السفير الإيراني السابق في أستراليا والمكسيك، محمد حسن قديري أبيانه، في تصريح لـ”الجزيرة نت” المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان بأنه “متوهم”، ذلك لأنه لم يعتبر من تجربة زملائه وتوقيعهم على الاتفاق النووي وعودة جميع العقوبات على طهران رغم تنفيذها تعهداتها في الاتفاق.