بدأت الدعاية للجولة الثانية من الانتخابية الرئاسية في إيران، التي تجري الجمعة 5 يوليو/ تموز، فما أبرز ملامح الجولة الأولى؟ ومن الأقرب لخلافة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي؟
هذه الانتخابات الرئاسية هي الرابعة عشر في إيران منذ الثورة التي أطاحت بحكم الشاه عام 1979، وبحسب التلفزيون الرسمي، فإن الحملة الانتخابية للمرشحين الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي، اللذين سيتنافسان في الجولة الثانية، قد بدأت اليوم الاثنين وستنتهي في 3 يوليو/ تموز.
ومن المنتظر أن يعقد بزشكيان وجليلي مناظرة على شاشة التلفزيون الحكومي يومي الاثنين والثلاثاء. وحصل بزشكيان على 42.5 بالمئة من أصوات الناخبين، فيما نال جليلي 38.6 بالمئة من الأصوات.
تأتي الانتخابات الرئاسية، التي جرت جولتها الأولى الجمعة 28 يونيو/ حزيران، عقب وفاة رئيس البلاد إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق لهما في حادث تحطم مروحية بمحافظة أذربيجان الشرقية أثناء عودتهم من مراسم افتتاح سد على الحدود مع أذربيجان في 19 مايو/ أيار الماضي.
إقبال ضعيف في الجولة الأولى
ربما تكون أبرز ملامح الجولة الأولى من هذه الانتخابات هي الإقبال الضعيف على التصويت، حيث بلغت النسبة 40% فقط ممن لهم حق التصويت، وهي أقل نسبة على الإطلاق في أي انتخابات أجرتها إيران منذ الثورة، وهو ما اعتبره كثيرون من أعداء إيران ومعارضي النظام مؤشرا على تراجع شعبية النظام نفسه.
ومع الإعلان رسمياً عن نسبة المشاركة في الانتخابات، انتشر على نطاق واسع مقطع فيديو للمرشد الأعلى للثورة في إيران علي خامنئي، يعود إلى عام 2001، يصف فيه نسبة المشاركة في أي انتخابات بنسبة 40 في المائة بأنها “وصمة عار”، بحسب تقرير لموقع إيران إنترناشيونال باللغة الإنجليزية.
شارك مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع مقطع الفيديو، وهو ضمن خطبة لخامنئي قبل 23 عاماً، سخر خلالها من الدول الغربية بسبب انخفاض نسبة المشاركة في انتخاباتها. وقال خامنئي في خطبته إن “نسبة الإقبال على التصويت 40% أمر يدعو للعار”، وأشار إلى أن تلك النسبة دليلاً على أن مواطني تلك الدول، بما فيها الولايات المتحدة، لا يثقون بنظامهم السياسي، مضيفا: “إن مثل هذه النسبة تظهر أن الناس لا يثقون أو يهتمون أو يأملون في نظامهم السياسي”.
كان خامنئي قد دعا يوم الجمعة إلى الإقبال بقوة على التصويت لتبديد أزمة تواجه شرعية النظام أججها السخط الشعبي إزاء الصعوبات الاقتصادية وتقييد الحريات السياسية والاجتماعية. وقال خامنئي للتلفزيون الرسمي بعد الإدلاء بصوته “متانة وقوة وكرامة وسمعة الجمهورية الإسلامية تعتمد على التواجد الشعبي… الإقبال الكبير ضرورة قصوى”.
هل هذا دليل على عدم الثقة من الناخبين؟
“ويستمر الإيرانيون في رفض النظام”، هكذا علقت صحيفة نيويورك تايمز على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، راصدة نسبة التصويت المنخفضة تاريخيًا في السباق الرئاسي الإيراني – حتى أقل من مستوى 41% المُعلن عنه في الانتخابات البرلمانية الإيرانية هذا العام.
ورغم أن الانتخابات الإيرانية اجتذبت ذات يوم حشوداً متحمسة، إلا أن المزيد والمزيد من الناس ظلوا في منازلهم في السنوات الأخيرة كشكل من أشكال الاحتجاج ضد المؤسسة الحاكمة، التي يتهمونها بتدمير الاقتصاد، وخنق الحريات الاجتماعية والسياسية، وعزل إيران عن العالم، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفي الانتخابات الرئاسية عام 2013، وضعت أعداد كبيرة من الإيرانيين من الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية، الذين يتوقون إلى الرخاء ومجتمع أكثر انفتاحاً، ثقتهم في المرشح الإصلاحي حسن روحاني. وكانوا يأملون أن يخفف القيود الاجتماعية والسياسية وأن يتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يرفع العقوبات الغربية القاسية مقابل تقييد الأنشطة النووية لبلادهم.
كان الرئيس الأسبق روحاني قد أبرم بالفعل هذا الاتفاق النووي مع القوى الكبرى عام 2015، لكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحب منه بشكل أحادي عام 2018 وأعاد فرض العقوبات على طهران، مما أدى إلى عودة الاقتصاد الإيراني إلى حالة من الفوضى.
ماذا قد يحدث في جولة الإعادة في إيران؟
لا يزال الناخبون متشككين في قدرة أي مرشح على إحداث تغيير حقيقي، حتى لو كان ينتقد الحكومة بشكل علني مثل الدكتور بزشكيان، المرشح الإصلاحي، بحسب تقرير نيويورك تايمز، لذا، وعلى الرغم من خيبة أمل العديد من الناخبين إزاء الحكومة الحالية التي يهيمن عليها المحافظون، فإنه ليس من المؤكد أن يتجهوا إلى دعم الدكتور بزشكيان خلال جولة الإعادة.
أحد أسباب وصول الدكتور بزشكيان إلى جولة الإعادة، على الرغم من كونه الإصلاحي الوحيد في ساحة مزدحمة، هو أن المرشحين الرئيسيين الآخرين كانا من المتشددين الذين قسموا أصوات المحافظين. ولا يضمن السيد جليلي، وهو الأكثر تشدداً أيديولوجياً بين الاثنين، أن يجذب ناخبي منافسه المحافظ السابق، حيث أشارت استطلاعات الرأي السابقة إلى أن العديد من هؤلاء لم يكونوا مهتمين بدعم السيد جليلي. ومع ذلك، فإن هذا قد يتغير بعد أن طلب منافسه، محمد باقر قاليباف، من أتباعه التصويت لصالح جليلي لضمان فوز المحافظين.
وبشكل عام، يبدو أن المؤسسة الحاكمة القوية، بقيادة المرشد خامنئي، تفضل فوز السيد جليلي. وخامنئي قريب شخصيًا من جليلي ويشاركه وجهات نظره المتشددة، وقد انتقد مؤخرًا بشكل غير مباشر الدكتور بزشكيان بسبب ما وصفه بأنه “اقتراب بزشكيان الشديد من الغرب”. وحقيقة أن مجلس رجال الدين الذي يتولى فحص المرشحين الرئاسيين سمح لخمسة محافظين بالترشح إلى جانب إصلاحي واحد يشير إلى أن المرشد الأعلى يريد رئيسًا يتبنى أجندة مماثلة.
لكن في كل الأحوال، يتمتع المرشد الأعلى في النظام الإيراني بالقدرة على اتخاذ جميع القرارات الكبرى، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا بالغة الأهمية مثل المفاوضات النووية والسياسة الخارجية. لكن الرئيس يستطيع أن يحدد النغمة، كما فعل روحاني في سعيه للتوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب.
من المرجح أن يتمتع أي شخص يصبح رئيساً بحرية أكبر في إدارة أمور مثل القيود الاجتماعية – ليس فقط فرض غطاء الرأس الإلزامي، الذي أصبح نقطة اشتعال مستمرة أدت إلى احتجاجات دامية قبل عامين، ولكن أيضًا القضايا الحساسة مثل ما إذا كان بإمكان المطربات الأداء على خشبة المسرح.
وسيكون له أيضًا بعض التأثير على السياسة الاقتصادية للبلاد، إذ ارتفع التضخم في السنوات الأخيرة وانخفضت قيمة العملة الإيرانية، مما جعل الحياة صراعاً طاحناً بالنسبة للإيرانيين الذين رأوا قيمة رواتبهم ومدخراتهم تتلاشى.
من هو مسعود بزشكيان، الذي قد يخلف رئيسي؟
ولد السياسي الإصلاحي بزشكيان في 29 سبتمبر/ أيلول 1954 في مدينة مهاباد لأسرة من أصول تركية إيرانية. تخرج بزشكيان، ولقبه يعني “الأطباء” باللغة الفارسية، من كلية الطب بجامعة تبريز، وخدم كمقاتل وطبيب في الحرب العراقية – الإيرانية بين عامي 1980 و1988، بحسب تقرير للأناضول.
وبعد الحرب واصل بزشكيان تعليمه بالتخصص في الجراحة العامة في جامعة تبريز للعلوم الصحية . حصل بزشكيان على تخصصه الفرعي في جراحة القلب من جامعة إيران للعلوم الصحية في عام 1993، وأصبح فيما بعد متخصصًا في جراحة القلب وشغل منصب رئيس جامعة تبريز للعلوم الصحية بين عامي 1994 و1999.
بدأت حياة بزشكيان السياسية بتعيينه نائباً لوزير الصحة عام 1997، في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ومن ثم تم تعيينه وزيرا للصحة عام 2001 وبقي في هذا المنصب حتى عام 2005.
بزشكيان، الذي تمكن من دخول البرلمان كنائب عن تبريز في الانتخابات العامة التي جرت في البلاد في عام 2008، واصل عضويته في البرلمان لخمس دورات يمثل تبريز منذ ذلك الحين. كما شغل بزشكيان في عام 2016 منصب نائب رئيس البرلمان الإيراني لمدة 4 سنوات.
وكان بزشكيان، الذي تقدم بطلب الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2013 في إيران لكنه سحب ترشيحه فيما بعد، وفي انتخابات 2021 رفضه مجلس صيانة الدستور ترشحه. ويتنافس بزشكيان، الذي تقدم بطلب الترشح للانتخابات الرئاسية في الانتخابات المبكرة بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، باعتباره المرشح الوحيد للإصلاحيين في الانتخابات.
بزشكيان الذي حصل على دعم صريح من الرئيسين السابقين محمد خاتمي، وحسن روحاني، ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، شدد في حملته الانتخابية على “التمييز العرقي والطائفي” في البلاد، ومشكلة الحجاب الإلزامي، ووعد بحل المشاكل الموجودة بالاقتصاد والقضاء.
من هو سعيد جليلي، المرشح المحافظ؟
سعيد جليلي يعد أحد أبرز الشخصيات تيار المحافظين في إيران، ولد في 6 سبتمبر/ أيلول 1965 في مشهد ودرس في قسم العلوم السياسية في جامعة الإمام الصادق في طهران.
جليلي، الذي شارك في الحرب الإيرانية – العراقية كعضو في قوة “الباسيج” التطوعية التابعة للحرس الثوري الإيراني، بترت ساقه اليمنى عندما أصيب بجروح خطيرة في “عملية كربلاء 5” ضد القوات العراقية عام 1987.
بعد الحرب، بدأ جليلي العمل كمحاضر في الجامعة التي تخرج منها، وفي عام 1989 عمل في وزارة الخارجية الإيرانية. وفي عام 2001، تم تعيين جليلي مستشارًا في مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، وأصبح عضوا في المجلس الأعلى للأمن القومي عام 2002.
وبعد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا في أغسطس 2005، تم تعيينه نائباً لمساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأمريكية. في 2013 عينه خامنئي عضوا في مجلس الأمن الإيراني، وفي نفس العام أصبح عضوا في مصلحة تشخيص النظام.
جليلي، الذي كان أيضًا مرشحًا في انتخابات البلاد عام 2021 لكنه سحب ترشيحه لاحقًا لصالح إبراهيم رئيسي. ويشغل منصب ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي منذ عام 2013.
وقد أعطى جليلي، المعروف بموقفه البعيد خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الغرب، الانطباع في حملاته الانتخابية بأنه ينوي الحفاظ على الوضع الراهن في البلاد.