الأخبار

توجه قيس سعيّد شرقاً يُقلق الاتحاد الأوروبي.. هكذا أصبحت تونس أقرب إلى روسيا والصين من الغرب

في منتصف شهر يونيو/حزيران 2024، أعلنت تونس إلغاء التأشيرة لدخول الإيرانيين، وقبلها بأيام أصبح قيس سعيّد أول رئيس تونسي يزور إيران منذ الثورة الإسلامية، حيث انتقل إلى طهران للمشاركة في تشييع الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وقبل ذلك زار سعيد الصين، بينما شهدت العلاقات مع روسيا تقارباً خلال الأشهر الماضية.

التوجه شرقاً الذي اختاره حاكم قصر قرطاج، خلال الأشهر الأخيرة من نهاية فترته الرئاسية الأولى، في انتظار تحديد موعد الانتخابات الرئاسية قبل نهاية العام الجاري، أثار قلق المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، أهم حلفاء تونس منذ الاستقلال، والذين حذروا من هذا التقارب “المريب” لقيس سعيّد مع “المعسكر الشرقي”.

القلق الأوروبي عبر عنه صراحة رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل، الذي دعا الأوروبيين لإعادة تقييم العلاقات مع تونس، بينما سبق وأن حذر وزير الخارجية الإيطالي من ترك تونس بين يدي روسيا والصين، على حد قوله. فما الذي يقلق الاتحاد الأوروبي؟ وكيف تحولت تونس لتقوية علاقاتها شرقاً، وما الذي دفعها إلى ذلك؟

قلق الاتحاد الأوروبي من توجه تونس شرقاً

كانت إيطاليا سباقة للتحذير من التقارب التونسي مع الصين وروسيا، عندما قال وزير خارجيتها، أنطونيو تاياني، الأربعاء 26 أبريل/نيسان 2023، إن هناك “حاجة إلى وجود سياسي ومالي للولايات المتحدة وأوروبا في تونس التي تعاني من وضع اقتصادي صعب”.

وتابع المسؤول الإيطالي، في تصريحات إذاعية نقلتها وكالة “آكي” الإيطالية في نسختها العربية: “الخطأ الذي يجب ألا يرتكبه الغرب، وقد قلته أيضاً لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: دعونا لا نترك تونس بين أيادٍ روسية أو صينية”.

وبعد مرور أكثر من عام على تصريحات رئيس الدبلوماسية الإيطالية، عاد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، لإثارة موضوع التقارب التونسي مع كل من روسيا والصين وأيضاً إيران. 

في برقية من وكالة الأنباء الإيطالية أنسا، أعلنت يوم الجمعة 21 يونيو/حزيران 2024، أن رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل، قد أدرج قضية تونس على جدول أعمال مجلس الشؤون الخارجية في 24 يونيو/حزيران، وفق ما ذكرته مجلة “Jeune Afrique” التونسية.

 حسب المجلة، فقد ربط المراقبون بين هذه المبادرة من ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وتكليف مكتب المحاماة ويليام بوردون، الذي دعاه إلى التدخل في مختلف انتهاكات حقوق الإنسان في تونس، نيابة عن جمعيات حقوقية محلية ودولية.

لكنهم لم يجدوا أي أثر لهذه المبادرة حتى أشار قسم الصحافة بمجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إلى أن قضية تونس أدرجت في بند “مختلفات”، أي من بين الموضوعات التي يتم تناولها في نهاية يوم اجتماع مجلس الشؤون الخارجية.

خلال مداخلته، لم يتحدث جوزيب بوريل، كما توقع الكثيرون، عن حالة حقوق الإنسان في تونس، بل فاجأ جميع مستمعيه بطرح تأمل غير متوقع حول “تقارب تونس مع روسيا والصين وإيران”، وهو توجه جديد للسلطات التونسية بينما تعتبر البلاد “شريكاً مهماً وطويل الأمد للاتحاد الأوروبي”.

بقلق من هذا التوجه الدبلوماسي الجديد، دعا جوزيب بوريل الدول الأعضاء الـ27، “في ضوء التطورات الداخلية والخارجية الأخيرة، إلى إجراء تقييم جماعي وتجنب بعض الأحداث التي تؤدي إلى تقاربات مع الحكومات الصينية والروسية والإيرانية”.

كما رأى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية أن القضية تستحق، في المستقبل، نقاشاً أكثر جدية داخل المؤسسات الأوروبية.

اقتصاد تونس المتعثر دفعها للتوجه شرقاً

تشهد تونس معضلة حقيقية نتيجة المشاكل المالية والاقتصادية المتراكمة التي تتخبّط فيها، حسب ما ذكره تقرير لمعهد “كارنيغي للشرق الأوسط”، والذي أوضح أن الاعتماد على التدابير التقشفية حصراً يهدّد بإشعال فتيل أزمة اجتماعية؛ نظراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية والمالية صعبة للغاية أساساً. 

لكن، يضيف تقرير المركز بعنوان ” تونس بين المشاكل الحالية والمسارات المستقبلية”، الذي نُشر في شهر فبراير/شباط 2024، أن عجز تونس عن إبرام اتفاقٍ مقبول مع صندوق النقد الدولي لمعالجة مكامن الضعف الهيكلية واستعادة ثقة المستثمرين، يضع البلاد على شفا أزمة مالية.

الأمر الذي دفع تونس ورئيسها قيس سعيّد للبحث عن شركاء جدد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقال موقع “ميدل إيست أونلاين” إن الدبلوماسية التونسية تركّز، بتوجيهات من قيس سعيّد، على الدخول في شراكات جديدة مع العديد من الدول، ضمن جهوده لإيجاد منافذ تمويلية للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. 

ويزعم الموقع، في تقرير نشره الثلاثاء 25 يونيو/حزيران 2024، أن التوجه نحو الشرق يأتي بعد أن “رفض سعيّد الرضوخ لكافة الضغوط الخارجية التي مورست من أجل دفعه إلى القبول بشروط صندوق النقد الدولي لتمويل تونس بقرض بنحو 1.9 مليار دولار”.

إذ قالت الرئاسة التونسية إن الرئيس قيس سعيّد أبلغ المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، أن “وصفات صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم المالي لتونس غير مقبولة، لأنها ستمس بالسلم الأهلي الذي ليس له ثمن”.

وأكد سعيّد مجدداً أن أي تخفيضات مطلوبة في الدعم (من جانب الحكومة)، ومعظمها في الطاقة والغذاء، يمكن أن تكون لها تداعيات ضارة على البلاد، مشيراً إلى الأحداث الدامية التي شهدتها تونس عام 1983 بعد الإعلان عن رفع الدعم عن الحبوب ومشتقاتها.

الصين.. أكثر ما يخيف أوروبا

أثارت الزيارة التي أداها قيس سعيّد إلى الصين نهاية مايو/أيار الماضي وبداية يونيو/حزيران الجاري، قلقاً أوروبياً، لا سيما أن تقارير تحدثت عن “آفاق واعدة جداً”، وسط توقعات بأن تعطي دفعة للتعاون بين تونس وبكين.

وحسب موقع “ميدل إيست أونلاين”، فقد فاز العديد من المقاولات الصينية خلال الفترة الأخيرة بصفقات لتطوير البنية التحتية في تونس، واضعة بذلك حدّاً لاستحواذ الشركات الأوروبية على أغلب المشاريع في هذا المجال.

لكن بالنسبة لمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، فإنه على الرغم من هذه المكاسب الدبلوماسية، اقتصر الوجود العملي لبكين في تونس إلى حد كبير على المشاريع الرمزية حتى الآن، وفق ما ذكره تحليل نشره المعهد شهر أبريل/نيسان 2024.

وترسم بعض الإحصائيات صورة رائعة للوهلة الأولى، على سبيل المثال، كانت الصين ثالث أكبر مورّد للسلع الاستهلاكية لتونس اعتباراً من عام 2021، حيث بلغت الواردات السنوية 2.2 مليار دولار في ذلك العام. ومع ذلك، لم تحتل الصين سوى المرتبة الخامسة والثلاثين في قائمة الدول التي تستثمر بنشاط في تونس. 

ولم تكن سوى حوالي اثنتي عشرة من شركاتها ناشطة هناك في عام 2020، وبلغت استثماراتها 34 مليون دولار فقط، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بفرنسا، التي هي أكبر مستثمر في تونس، حيث بلغت استثماراتها 2.4 مليار دولار في ذلك العام.

حسب تقرير معهد واشنطن، تتشابه بعض العقبات التي تعترض مشاريع الاستثمار والبنية التحتية الصينية مع تلك التي يواجهها المانحون والمستثمرون الغربيون.

“فالفساد لا يزال يمثل مشكلة بارزة، كما تفتقر تونس إلى إطار قانوني للشراكات بين القطاعين العام والخاص. ويمثل العامل الأخير عقبة مباشرة أمام التنفيذ الكامل لمذكرة (مبادرة الحزام والطريق) بين تونس وبكين”.

ماذا عن التقارب قيس سعيّد مع روسيا؟

بدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين تونس وموسكو، حيث أعرب وزير الخارجية التونسي نبيل عمار، خلال زيارته إلى موسكو في سبتمبر/أيلول 2023، عن استعداد بلاده لتطوير العلاقات مع روسيا في كافة المجالات.

من جانبه، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن تونس في مقدمة الدول التي تتعاون معها روسيا في أفريقيا؛ حيث بلغ مستوى التبادل التجاري مع تونس خلال 6 أشهر من عام 2023 نحو 1.2 مليار دولار.

وهو ما أكده أيضاً الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال لقائه وزير الشؤون الخارجية لروسيا الاتحادية، سيرغي لافروف، شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، وعبر عن حرص تونس على مواصلة تعزيز علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين.

خلال نفس الزيارة التي قام بها لافروف إلى تونس، تم الاتفاق على الزيادة في صادرات القمح الروسي نحو تونس، وهو ما تم فعلاً بعد شحن موسكو 26 ألف طن من القمح إلى تونس في شهر فبراير/شباط 2024.

وفي شهر مارس/آذار 2024، وقعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على مذكرة تعاون مع اللجنة الانتخابية المركزية لروسيا الاتحادية في المجال الانتخابي.

وأشارت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى أن التوقيع يتعلق بإرساء تعاون في مجال استخدام الوسائل الحديثة في المسارات الانتخابية وتبادل الخبرات والتجارب وتنظيم الدورات التكوينية لفائدة الهياكل المكلفة بالجانب العملياتي والميداني لمختلف مراحل العمليات الانتخابية.