في زمنٍ يعج بالأزمات الإنسانية، من حروب طاحنة ومجاعات مدمرة، نجد أنفسنا أمام مفارقة غريبة: يتعاطف كثير من الناس مع الحيوانات بشكل يفوق بكثير تعاطفهم مع معاناة البشر الآخرين.
فعلى الرغم من أن هناك ملايين الأشخاص يعانون يومياً من الفقر والعنف والتشرد، إلا أن صور الحيوانات الجريحة أو المهملة غالباً ما تحظى باهتمام وتعاطف أكبر، وتدفع الناس إلى التحرك بشكل أكثر فعالية لمساعدتها.
وتثير هذه الظاهرة العديد من التساؤلات حول أسباب تفضيل البعض إظهار التعاطف مع الحيوانات بدلاً من البشر، حيثُ يعدّ فهم الدوافع التي تقف وراءها في غاية الأهمية لبناء مجتمع أكثر توازناً وإنسانية، يراعي احتياجات وآلام الجميع، سواء كانوا بشراً أو حيوانات.
فما هي العوامل النفسية التي تدفع البشر للتعاطف مع الحيوانات أكثر من بني جلدتهم؟
وكيف يمكن للتجارب الشخصية السابقة أن تؤثر على تعاطف الأفراد مع الحيوانات مقارنة بالبشر؟
هل يشعر الناس بالتعاطف مع الحيوانات أكثر من البشر؟
في عصر الإعلام الرقمي والتواصل السريع، تشهد الأخبار والقصص المتعلقة بالحيوانات مثل الغوريلا هارامبي والأسد سيسيل تفاعلاً كبيراً واستجابة عاطفية قوية من الجمهور. هذه الحوادث التي غالباً ما تجتاح وسائل الإعلام قادرة على جذب قلوب الناس وإثارة مشاعر التعاطف العميقة. ومع ذلك، يطرح هذا التفاعل السريع مع معاناة الحيوانات تساؤلاً جوهرياً: هل يميل الناس فعلاً إلى التعاطف مع الحيوان أكثر من تعاطفهم مع البشر؟
تتجلى هذه الظاهرة في استجابة الجمهور للأخبار المؤلمة التي تتعلق بالحيوان مقارنةً بالأخبار التي تسلط الضوء على معاناة البشر في أوقات الحروب، والمجاعات، والكوارث الطبيعية.
ووجدت دراسة في ولاية بنسلفانيا بقيادة داريل كاميرون، الأستاذ المشارك في علم النفس وكبير الباحثين المشاركين في معهد روك للأخلاقيات، أن الإجابة معقدة، حيثُ وجد الباحثون أنه عندما طُلب من الأشخاص الاختيار بين التعاطف مع شخص غريب أو حيوان -في هذه الدراسة- أن المشاركين يفضلون اختيار التعاطف مع إنسان آخر.
ومع ذلك، في زوج ثانٍ من الدراسات، طلب الباحثون من الأشخاص المشاركة في مهمتين منفصلتين: واحدة يمكنهم من خلالها اختيار ما إذا كانوا يريدون التعاطف مع شخص ما أم لا، والأخرى يمكنهم فيها اختيار ما إذا كانوا يريدون التعاطف مع الحيوان. هذه المرة، كان الناس أكثر ميلاً لاختيار التعاطف عندما يعترض سبيلهم حيواناً أكثر من قيامهم بذلك عندما يعترضهم الأشخاص.
وقال كاميرون: “من المحتمل أنه إذا رأى الناس البشر والحيوان في منافسة، فقد يؤدي ذلك إلى تفضيلهم للتعاطف مع البشر الآخرين”.
وأضاف: “ولكن إذا كان البشر لا يريدون تلك المنافسة، وكان بإمكانهم اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيتم التعاطف مع حيوان في يوم وإنسان في يوم آخر، فيبدو أن الناس لا يريدون الانخراط في التعاطف الإنساني لكنهم أكثر اهتماماً بالحيوانات”.
لماذا يتعاطف بعض الناس مع الحيوانات أكثر من البشر؟
يعدّ التعاطف مفهوماً معقداً يتمثل في القدرة على فهم ومشاركة مشاعر الآخرين، مع القدرة على تخيل ما يمكن أن يفكر أو يشعر به شخص آخر. ويعتبر استيعاب هذا المفهوم بالنسبة لنا كبشر أمراً هاماً، خاصة في ظل الواقع الإعلامي الذي يغمرنا بالأحداث العنيفة والمأساوية، ما يجعلنا أقل حساسية تجاه معاناة البشر الآخرين.
ولعبت الوسائل الاجتماعية دوراً كبيراً في هذا النقص المتزايد في التعاطف تجاه الآخرين، حيث تعرضنا بشكل متكرر لأخبار تتناول الأحداث السلبية والصادمة بشكل متواصل، ما يؤثر على قدرتنا على التعاطف والتفاعل الإنساني الحقيقي.
ولكن في مقابل ذلك، لماذا يكون من السهل جداً التعاطف مع الحيوانات التي تعاني؟ إليكم بعض الأسباب:
- الثقافة الشعبية
وفقاً لموقع betterhelp؛ إذا نظرنا بعناية إلى مشاعرنا، نجد أن معظم مشاعر محبتنا لهذه المخلوقات تتركز عادة على الكلاب والقطط، ولكن قد نشعر أحياناً بالتعاطف مع الحيوانات البرية الكبيرة؛ مثل الفيلة، الدلافين، أو الأسود. عندما نسمع عن قتل هذه المخلوقات في البرية، فإن استجابتنا عادة ما تكون غاضبة، تشبه تقريبا استجابتنا لقصص سوء معاملة الكلاب والقطط.
ومع ذلك، هناك مفارقة أساسية حول هذه المشاعر؛ إذ إن الذبح الروتيني لهذه المخلوقات لأغراض الغذاء مثل الماشية والدواجن لا يثير عادة نفس مستوى الاهتمام لدينا، وفي الحقيقة هناك تفسيرات نفسية متعددة لهذه الظاهرة.
أولاً، تأثير الثقافة الشعبية يلعب دوراً كبيراً في شعورنا بذلك، فمن خلال أفلام الحيوانات الأليفة التي شاهدناها كأطفال، غالباً ما نُعطي الكلاب والقطط صفات إنسانية، حيثُ نتحدث ونتفاعل مع هذه المخلوقات مثل البشر، وتظهر علينا وعليها مشاعر مثل الحب والحزن، ما يعزز لدينا فكرة أن حيواناتنا الأليفة تشبهنا إلى حد كبير.
ثانياً، كلما زادت المأساة، زادت القابلية للتجاهل، وهو ما يفسر لماذا قد نشعر بتعاطف قوي مع مخلوقات معينة ولكن ليس مع أخرى، حيث نميل إلى التفاعل مع الحالات التي تلمسنا عاطفياً بشكل أكبر.
- المنافع التي تجلبها لنا
توفر لنا الحيوانات، خاصة الأليفة، فوائد متعددة تؤثر إيجابياً على حياتنا في العديد من الجوانب المختلفة.
- المنافع الاجتماعية:
أظهرت دراسات عديدة أن أصحاب الحيوانات الأليفة أقل عرضة للشعور بالوحدة، حيثُ ترتبط ملكية هذه الحيوانات بانخفاض مستويات العزلة الاجتماعية وزيادة الدعم الاجتماعي، وبفضل وجود حيواناتهم الأليفة، يشعر الأفراد بالمشاركة والتواصل مع الآخرين بشكل أفضل.
كما تساعد الحيوانات الأليفة على تسهيل التواصل مع البشر مع بعضهم البعض،على سبيل المثال، يمكن لشخص يمشي برفقة كلبه و يتواجد في حديقة الكلاب أن يجذب الناس ويبدأ محادثات معهم بسهولة.
- الفوائد الصحية:
قضاء الوقت مع حيواناتنا الأليفة يؤدي إلى خفض ضغط الدم وتقليل هرمونات التوتر، كما يساهم في إفراز مواد كيميائية تعزز الاسترخاء حتى في الظروف التي تحيط بها الضغوط. بالإضافة إلى ذلك، تقوم الحيوانات الأليفة بزيادة الدعم الاجتماعي الذي يعتبر أساسياً لتحسين وظائف القلب والأوعية الدموية والغدد الصماء والمناعة.
- الحب غير المشروط الذي نحصل عليه
تشبع المخلوقات الأليفة الحاجة الإنسانية الأساسية إلى الحب غير المشروط والتواصل العاطفي لأصحابها، حيث لا تهمها مظاهرنا الخارجية أو حالتنا العاطفية، هذا النوع من الحب يعزز الشعور بالقبول والتقدير.
كما تجعلنا حيواناتنا الأليفة نشعر بالسعادة والمرح بمجرد رؤيتها أو تفاعلنا معها، ما يعزز من مشاعر الفرح والإيجابية في حياتنا اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، حيواناتنا الأليفة قادرة على فهمنا والتواصل معنا بشكل فعّال دون الحاجة للكلمات، ما يسهل التواصل العاطفي العميق ويعزز الروابط العاطفية.
وبينما قد يكون من الصعب على البشر عدم القلق بشأن آراء الآخرين، المخلوقات الأليفة توفر بيئة آمنة حيث يمكن للأفراد أن يشعروا بالراحة والاسترخاء معها دون الخوف من الحكم أو الانتقاد.
- فقدان حيوان أليف
عندما يفقد الإنسان حيوانه الأليف، سوف يشعر حتماً بمستوى عميق من الحزن والفقدان، وتتعاظم مشاعر الحنين والتعاطف لديه تجاه الحيوانات الأخرى لأن الحيوانات الأليفة غالباً ما تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأسرة، وتُحقق روابط عاطفية فريدة. في مثل هذه الحالات، يميل البشر إلى التعاطف بشكل أكبر مع الحيوانات بسبب البراءة والوفاء الذي تظهره، ما يجعلهم يعبرون عن مشاعرهم بشكل أكبر وأعمق مما يفعلون مع البشر.