الأخبار

حلفاء ماكرون ينفضون من حوله.. الرئيس الفرنسي يستعد للتعايش “وحيداً” مع اليمين المتطرف في الحكم

إيمانويل ماكرون “سينهي رئاستها كما بدأها: وحيداً”، بهذه العبارة عنونت صحيفة “Le Monde” الفرنسية مقال رأي للكاتبة سولين دي رويير “Solenn de Royer”، بينما أعلن ماكرون تشبثه بالرئاسة حتى لو انهزم تحالفه في الانتخابات التشريعية المقبلة، وعبَّر عن استعداده للتعايش مع حكومة يقودها اليمين المتطرف في فرنسا.

على بُعد أسبوع من موعد الانتخابات التشريعية التي دعا إليها الرئيس الفرنسي بعد حل الجمعية العمومية، إثر هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية لصالح اليمين المتطرف في فرنسا، يبدو أن ماكرون غير مستعد للنسج على منوال الرئيس السابق شارل ديغول، الذي سبق أن استقال عام 1969، إثر هزيمته في استفتاء دعا إليه.

بينما يدخل اليمين المتطرف في فرنسا، بقيادة جوردان بارديلا، الشوط الأخير من حملة الانتخابات التشريعية الفرنسية متصدراً استطلاعات الرأي، ويضغط للحصول على الغالبية المطلقة، يليه اليسار الذي يقوده جان لوك ميلونشون، ومن ثمَّ بفارق كبير عن معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يتراجع. 

اليمين المتطرف في فرنسا بالمقدمة

حسب وسائل إعلام فرنسية، سيحصل حزب “التجمع الوطني” وحلفاؤه، وبينهم إريك سيوتي، رئيس حزب “الجمهوريين”، على ما بين 35,5 و36 بالمئة من الأصوات، وفق ما جاء في  استطلاع أجراه معهد “إيلاب” لصحيفة “لا تريبون”، وآخر أجراه معهد “إيبسوس”، نُشرت تفاصيله الأحد 23 يونيو/حزيران 2024.

ويتقدم بذلك على “الجبهة الشعبية الجديدة”، وهو تحالف من الأحزاب اليسارية (27 إلى 29,5 بالمئة)، وعلى معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون (19,5 إلى 20 بالمئة)، وفق ما ذكره موقع قناة “فرانس 24” الرسمية، الإثنين 24 يونيو/حزيران.

وعلى عتبة الأسبوع الثاني والأخير من الحملة، يسعى رئيس “التجمع الوطني” جوردان بارديلا لاستخدام ورقة التهدئة، طارحاً نفسه في موقع الشخصية القادرة على جمع الفرنسيين، في مقابلة أجرتها معه صحيفة “لو جورنال دو ديمانش”.

وقال بارديلا: “أريد مصالحة الفرنسيين، وأن أكون رئيس الوزراء لجميع الفرنسيين بلا أي تمييز”، مردداً أنه لن يقبل بتولي المنصب إن لم يحصل على الغالبية المطلقة في الانتخابات التشريعية التي يبدو أن تحالفه سيفوز بها.

وفي حال تحقق ذلك، تعهَّد زعيم اليمين المتطرف في فرنسا، جوردان بارديلا، بأن يكون “رئيس وزراء للجميع، بما في ذلك من لم يصوّتوا لي”، واعداً “باحترام جميع الفرنسيين، كائناً من كانوا ومن أينما أتوا”، على حد قوله.

ومع اشتداد الحملة يركز بارديلا انتقاداته على زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون، الذي يعتبره خصمه لرئاسة الوزراء، فيحذر من “خطر اليسار الأكثر تطرفاً والأكثر تعصباً”.

في المقابل، رفض ميلنشون، زعيم حزب “فرنسا الأبية”، أن “يزيح نفسه أو يفرض نفسه” رئيساً للوزراء في حال فوز اليسار بالدورة الثانية من الانتخابات في 7 يوليو/تموز.

وقال ميلنشون: “بارديلا هو ماكرون مع طلاء من العنصرية”، مؤكداً أن الرئيس “يخوض حملة حتى يكون لديه رئيس وزراء من التجمع الوطني… يقضي وقته في مهاجمتنا”.

تواصل انهيار شعبية ماكرون 

ويتواصل انهيار شعبية الرئيس ماكرون في استطلاعات الرأي، ولو أنها لم تتراجع إلى أدنى مستوى بلغته خلال أزمة “السترات الصفراء” عام 2018. وتدنى التأييد للرئيس إلى 28 بالمئة بتراجع 4 نقاط، بحسب استطلاع معهد إيبسوس.

وسجل المنحى ذاته في استطلاع أجراه معهد “إيفوب” لحساب “لو جورنال دو ديمانش”، حيث أشار إلى تراجع شعبية الرئيس 5 نقاط إلى 26 بالمئة، فيما يبقى رئيس وزرائه غابريال أتال أكثر شعبية محققاً حوالي 40 بالمئة من التأييد ولو بتراجع 4 نقاط.

ويبقى المعسكر الرئاسي في مأزق بين “التجمع الوطني” و”الجبهة الشعبية الجديدة”، فيدعو إلى “يقظة جمهورية” ضد “التطرف” اليميني واليساري على السواء في الدورة الأولى من الانتخابات. 

وحسب مقال سولين دي رويير الذي نشرته صحيفة “Le Monde” السبت 23 يونيو/حزيران، فقد أصبحت أغلبية ماكرون “في حالة يرثى لها”، بينما يقدم نفسه على أنه “حامي الديمقراطية” في البلاد، حسب ما جاء في صحيفة “Le Figaro“. 

وأوضحت أن العديد من أعضاء البرلمان من حزبه النهضة وحلفائه “يقاتلون من أجل البقاء السياسي في دوائرهم الانتخابية”، وهم عالقون بين أقصى اليمين، الذي يقود استطلاعات الرأي، واليسار. وقال أحد مستشاريه: “إنه يتأثر شخصياً بما يقال ويكتب”.

كما أضافت أنه بعد سبع سنوات من السيطرة الكاملة على معسكره، يجد ماكرون نفسه موضع انتقادات شديدة وتحديات، وفي غضون 24 ساعة، تخلَّى عنه أصحاب الوزن الثقيل من أغلبيته.

وأشارت إلى أنه في يوم الخميس 20 يونيو/حزيران، تحدث رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب لقناة TF1، بغضب بارد، متهماً ماكرون بـ “قتل الأغلبية”: “حسناً، سننتقل إلى شيء آخر!”.

وقام ماكرون بأكبر مجازفة منذ وصوله إلى السلطة في 2017، بإعلانه حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، في قرار أثار صدمة هائلة في فرنسا، اتخذه على ضوء فشله في الانتخابات الأوروبية في 9 يونيو/حزيران بمواجهة اليمين المتطرف في فرنسا.

ودافع ماكرون عن قراره مؤكداً أنه خيار ضروري لـ”توضيح” المشهد السياسي الفرنسي. في المقابل، أكد الرئيس الذي تنتهي ولايته في 2027، الأحد 23 يونيو/حزيران، أنه لن يستقيل أياً كانت نتيجة الانتخابات التشريعية.

هجوم على اليمين واليسار

وشنَّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هجوماً على أقصى اليمين واليسار مدافعاً مرة جديدة عن قراره حل الجمعية الوطنية قبل تسعة أيام من الدورة الأولى من انتخابات تشريعية مبكرة يتصدر فيها اليمين المتطرف في فرنسا نوايا الأصوات.

وقال ماكرون أمام جمهور تجمع في باحة الشرف في قصر الإليزيه في 21 حزيران/يونيو: “في التاسع من حزيران/يونيو الماضي، اتخذت قراراً جسيماً للغاية… يمكنني أن أقول لكم إنه كلفني غالياً”، مضيفاً: “لا ينبغي أن نخاف كثيراً”.

ومن المتوقع، بحسب استطلاعات الرأي، أن يفوز التجمع الوطني المتحالف مع رئيس حزب الجمهوريين إريك سيوتي بما بين 250 و300 مقعد في الجمعية الوطنية المقبلة، ما سيمنحه غالبية قد تصل في حدها الأقصى إلى الغالبية المطلقة المحددة بـ289 مقعداً.

وذكّر ماكرون بنتيجة اليمين المتطرف في فرنسا بالانتخابات الأوروبية والتي كانت خلف قراره، مع فوز التجمع الوطني وحزب “روكونكيت” (استرداد) معاً بـ40% من الأصوات، كما أشار إلى اليسار الراديكالي في صفوف الجبهة الشعبية الجديدة.

وقال ماكرون: “ثمة تطرف لا يمكن السماح بمروره”، مؤكداً أنه “يجب تحمل المسؤولية الآن”، مثيراً تصفيق الحضور.

تعايش ماكرون مع اليمين المتطرف

من الاحتمالات المطروحة لما بعد الانتخابات التشريعية، تعايش مع حكومة من اليمين المتطرف في فرنسا ممثلاً في التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان أو مع حكومة ائتلافية تجمع قوى أخرى حول الكتلة الرئاسية، حسب ما ذكرته وسائل إعلام فرنسية.

إذ قال ماكرون: “ليس هناك أي عنصرية تبرر معاداة السامية! وليس هناك أي معاداة للسامية يمكن تبريرها بأي شيء كان”. 

واعتبرت لوبان أنه لن يبقى أمام ماكرون سوى “الاستقالة للخروج ربما من أزمة سياسية” أثارها قراره، مشددة على أن “هذا استنتاج، ليس طلباً”. 

بينما أكد ماكرون الأسبوع الماضي أنه لا يعتزم الاستقالة أياً كانت نتيجة الانتخابات التشريعية التي تجرى على دورتين في 30 حزيران/يونيو و7 تموز/يوليو.

وتاريخياً، لم تحدث استقالة رئيس الجمهورية إلا مرة واحدة، وذلك مع الاستقالة الشهيرة للجنرال ديغول في 28 أبريل/نيسان 1969 بعد الاستفتاء الخاسر على الهيكلة الإقليمية وانتخاب جورج بومبيدو لاحقاً.

وأشار المحامي الفرنسي المتخصص في القانون العام، بيريك جارديان، إلى أن الرئيس ماكرون “يحب اللعب بالنار”، وغالباً ما يقول إنه “يخاطر”، وقال في مقال له نشره بموقع “village-justice” إن استقالة رئيس الجمهورية “تسبب دائماً أزمة سياسية كبيرة”.