الأخبار

هآرتس: لهذه الأسباب يريد جيش الاحتلال “مغادرة” غزة لكن نتنياهو له “أهداف” أخرى

كثَّف جيش إسرائيل من عدوانه على قطاع غزة في اليوم الـ259 للحرب، بينما تتواصل خسائره في القوات والمعدات، فلماذا يتحدى نتنياهو الجميع حتى الجنرالات الراغبين في وقف الحرب اللانهائية؟

نشرت صحيفة هآرتس، الجمعة 21 يونيو/حزيران، تحليلاً عنوانه “حرب لا نهائية وليس انتصاراً تاماً: الجيش يريد مغادرة غزة لكن نتنياهو لديه أفكار أخرى”، يرصد الفوضى التي تعصف بدولة الاحتلال والأزمات التي تحاصرها داخلياً وخارجياً، بعد استمرار الفشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة بعد 259 يوماً من الحرب.

يأتي هذا التحليل بعد يومين فقط من وصول الخلافات بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقيادات الجيش إلى مستوى غير مسبوق من تبادل الاتهامات وإلقاء اللوم على الفشل المستمر، إذ كان المتحدث باسم جيش الاحتلال قد أعلن استحالة “القضاء على حماس”، فرد نتنياهو بالقول إن “مجلس الوزراء المصغر (المجلس الأمني) حدد تدمير قدرات حماس العسكرية والإدارية كأحد أهداف الحرب وأن الجيش الإسرائيلي ملزم بالطبع بتحقيق هذا الهدف”.

كان دانيال هاغاري، المتحدث باسم جيش الاحتلال، قد قال للقناة 13 الإسرائيلية، صباح الأربعاء 19 يونيو/حزيران إن “فكرة القضاء على حماس هي ذر للرماد في وجه الرأي العام الإسرائيلي”، بحسب تقرير لصحيفة هآرتس العبرية. “من يظن أنه يمكن القضاء على حماس مخطئ”، أضاف هاغاري، في إشارة مباشرة لنتنياهو تظهر مدى عمق الخلافات بين قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين بشأن إطالة أمد الحرب على قطاع غزة.

نتنياهو في مواجهة الجيش

ثم عاد هاغاري وأصدر بياناً يرد فيه على تصريحات رئيس الوزراء، قائلاً فيه إن “الجيش ملزم بتحقيق أهداف الحرب التي حددها مجلس الوزراء. لكن حماس فكرة وحزب سياسي، وهي (حركة) متجذرة في قلوب الناس، ومن يظن أنه يمكن القضاء على حماس مخطئ”.

كما أضاف المتحدث باسم الجيش في بيانه أنه “من المستحيل إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة عبر العمليات العسكرية. لابدَّ من الوصول إلى سيناريو يمكننا من خلاله استعادة الأسرى بأسلوب آخر”.

وإعادة الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في غزة هو أحد أهداف الحرب على القطاع، ولا يزال أكثر من 120 إسرائيلياً محتجزين بعد 257 يوماً من هذه الحرب التي يشنها جيش الاحتلال بدعم أمريكي مطلق، وخلفت أكثر من 122 ألف شهيد وجريح فلسطيني، ما أدخل تل أبيب في عزلة دولية وتسبب بملاحقتها قضائياً أمام محكمة العدل الدولية.

الجيش الإسرائيلي

وعلى الرغم من أن الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل ليست أمراً جديداً في حد ذاته، إلا أن الساعات الأخيرة أظهرت وصول تلك الخلافات إلى نقطة الغليان. فالثلاثاء 18 يونيو/حزيران، نشر ياكوف باردوغو، المقرب من نتنياهو، مقالاً على موقع القناة الإسرائيلية 14 قال فيه إن “رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يؤيد بقاء حماس في السلطة في قطاع غزة”.

رداً على ذلك، أصدر متحدث باسم جيش الاحتلال بياناً نادراً ندَّد فيه بما جاء في المقال ووصفه بأنه “كذبة خطيرة ولا أساس لها من الصحة”. وأوضح المتحدث أن “رئيس الأركان صرح مراراً وتكراراً، علناً أيضاً، بأن السماح لحماس بمواصلة سيطرتها على غزة أمر غير مقبول”، بحسب هآرتس.

الجيش يريد مغادرة قطاع غزة

وبحسب تحليل هآرتس الجمعة، يقوم الجيش الإسرائيلي بإعداد قواته والرأي العام الإسرائيلي لإنهاء القتال في غزة من أجل التركيز على نذر الحرب التي تصاعدت بشدة في الجبهة الشمالية (مع حزب الله اللبناني)، لكن نتنياهو لا يزال محاصراً بشبكته السياسية المذعورة والقائمة على “التفاهة والشعارات وألعاب إلقاء اللوم بسوء النية، وإطلاق الاتهامات تجاه الجيش والمتظاهرين و(الرئيس الأمريكي جو) بايدن وكل من يقف في طريقه”.

إذ على الأرجح ستأتي لحظة الحقيقة في الحرب على غزة خلال أسابيع قليلة، عندها سيعلن الجيش الإسرائيلي عن انتهاء عملياته في رفح دون أن يتمكن من إلحاق هزيمة كاملة بحركة حماس، وسوف يرغب الجنرالات في إعلان وقف الحرب. عندها سيتوجه الجنرالات إلى رئيس الوزراء نتنياهو طالبين منه توضيح “الرؤية الاستراتيجية”، بحسب الصحيفة، مقدمين له توصية محددة مفادها وقف الحرب على غزة بصيغتها الحالية.

وسيقترح قادة الجيش تقليص عدد القوات العاملة في ممر فيلادلفيا على طول الحدود المصرية وأيضاً في ممر نتساريم في وسط قطاع غزة، مع التركيز على شن غارات محددة ضد أهداف إضافية لحماس، وتهدف هذه التحركات إلى تضمين محاولة استئناف الاتصالات بشأن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة.

رفح

في الوقت نفسه ذكرت رويترز، الجمعة، أن جيش الاحتلال كثف القصف على مدينة رفح ومناطق أخرى في أنحاء قطاع غزة، في مؤشر على ما يبدو أن إسرائيل تسعى لرسم صورة تشي بسيطرتها على المدينة الواقعة على الطرف الجنوبي للقطاع والتي كانت محور عمليات عسكرية إسرائيلية منذ أوائل مايو/أيار.

فقد أطلق جيش الاحتلال النار من طائرات ودبابات وسفن قبالة الساحل، مما أدى إلى موجة نزوح جديدة من المدينة التي كانت تؤوي أكثر من مليون نازح، اضطر معظمهم إلى الفرار مرة أخرى.

ونقلت رويترز عن بعض السكان قولهم إن وتيرة العملية العسكرية الإسرائيلية تسارعت في اليومين الماضيين، مضيفين أن أصوات الانفجارات وإطلاق النار تشير إلى قتال عنيف مستمر دون توقف تقريباً.

ماذا يريد نتنياهو؟

أما رئيس الوزراء نتنياهو فيظل هدفه الأسمى هو “البقاء”، بحسب تحليل هآرتس، على الرغم من أن الحرب على غزة باتت الآن أقرب إلى “حرب لا نهائية دون تحقيق الانتصار الكامل”. فنتنياهو يعرف وجهة نظر الجيش لكنه لا يميل إليها، ويواصل تصريحاته بأن الحرب سوف تستمر مهما طال الزمن، مطلق وعوداً بالنصر الكامل لمؤيديه، على الرغم من حالة الانقسام العميقة في الداخل وعدم تصديق الكثيرين لتلك الشعارات.

يريد نتنياهو اجتياز الدورة الصيفية للكنيست والانتظار على أمل انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذ يرى أن ذلك أفضل له مقارنة بالبديل المتمثل في وقف دائم لإطلاق النار في غزة عبر التوصل لصفقة تبادل للأسرى مع فصائل المقاومة الفلسطينية، والاعتراف الفعلي بالفشل في تحقيق أهداف القتال، والاستقالة شبه المؤكدة لأحزاب اليمين المتطرف من التحالف وانهيار الحكومة.

وبما أن البقاء السياسي هو الهدف الأسمى لنتنياهو، فإن الآثار المحتملة الأخرى لخوض حرب لا نهاية لها في غزة تصبح بلا أهمية لرئيس الوزراء. وعدد تحليل هآرتس تلك الآثار في زيادة العبء على قوات الجيش النظامي والاحتياط، وتفاقم الأزمة مع إدارة بايدن وتآكل الشرعية الدولية لإسرائيل.

كانت الأمم المتحدة قد أدرجت الجيش الإسرائيلي ضمن قائمتها السوداء للمنظمات والجيوش التي “تقتل الأطفال”، وتقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، كما تحاكم دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب “إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين، ويشهد الرأي العام الغربي انقلاباً غير مسبوق في نظرته لإسرائيل من “دولة ديمقراطية” إلى نظام فصل عنصري واحتلال يغتصب حقوق الفلسطينيين.

الفوضى تضرب إسرائيل

لكن نتنياهو لا يعبأ بما يسببه تشبثه بالبقاء في منصبه من فوضى تضرب إسرائيل من الداخل، إذ قام بحل مجلس الحرب بعد استقالة بيني غانتس وغادي آيزنكوت منه الأسبوع الماضي، وفي الوقت نفسه نشر مقطع فيديو ينتقد فيه جو بايدن زاعماً أن الرئيس الأمريكي “أوقف إرسال شحنات الأسلحة” إلى إسرائيل.

وبحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية، اتخذ نتنياهو قرار حل مجلس الحرب كي لا يجد نفسه مضطراً للاستجابة لمطالبات إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش الانضمام للمجلس، وكلاهما حليف لنتنياهو لكنهما في الوقت نفسه غير مرحب بهما من جانب إدارة بايدن. أما التفسير الآخر لقرار حل مجلس الحرب، فهو أنه باستقالة غانتس وآيزنكوت لم يعد هناك مبرر للمجلس، الذي تشكل في بداية الحرب على غزة لإظهار أن إسرائيل، حكومة ومعارضة، موحدة، وهو ما لم يعد موجوداً بالفعل.

فعلى الرغم من أن بعض استطلاعات رأي تظهر أن معظم الإسرائيليين يؤيدون هدف تدمير حماس الذي تتبناه حكومة نتنياهو، إلا أن احتجاجات واسعة النطاق خرجت اعتراضاً على عدم التوصل لاتفاق يؤدي إلى عودة الأسرى المحتجزين لدى المقاومة في قطاع غزة.

والإثنين الماضي، اشتبك متظاهرون يطالبون بإجراء انتخابات جديدة مع الشرطة في القدس، وبحلول غروب الشمس، تجمع آلاف خارج الكنيست قبل أن يسيروا صوب منزل نتنياهو. وحاول بعض المتظاهرين اختراق الحواجز التي أقامتها الشرطة التي صدتهم. وشهد وقت ما إشعال النار في الشارع، واستخدمت الشرطة خراطيم المياه لتفريق المظاهرة.