لم تكن ليلة عيد الأضحى في المغرب هذه السنة تشبه مثيلاتها في السنوات الماضية، فالارتفاع غير المعقول في أسعار الأكباش حوَّل فرحة العيد إلى سخط عارم، ليس فقط وسط الأسر الفقيرة، فالأسر المتوسطة أيضاً منها من قرر التخلي عن ذبح أضحية العيد.
وقبل حلول العيد بساعات في المغرب، الذي يحتفل به غداً الإثنين 17 يونيو/حزيران 2024 عرفت الأسواق عزوفاً عن عملية الشراء، في الوقت الذي التجأ فيه عدد من الأسر إلى الجزار والأسواق الممتازة لشراء اللحم والخراف من الجزارة بالتقسيط.
ومنذ أسبوعين فتحت الأسواق التقليدية والأسواق الممتازة والضيعات الخاصة أمام المواطنين لشراء أضاحي العيد، لكن ردود أفعال المواطنين كانت موحدة، فالكل يشتكي من ارتفاع أسعار الأضاحي مقارنة بالسنة الماضية فقط.
وحسب ما رصد “عربي بوست” فإن متوسط أسعار الأضاحي في المغرب هو 400 دولار، ويمكن أن يصل السعر إلى 700 وينزل إلى 300 دولار، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 150 إلى 200 دولار مقارنة بالسنة الماضية.
الجزار عوض الكساب
أمام هذا الغلاء اضطرت العديد من الأسر المغربية لترك السوق، والتوجه إلى المجازر المعروفة، والأسواق الكبرى من أجل اقتناء قطع اللحم والكبد وبعض أجزاء الخروف التي تقترن بالوجبات التي يعدها المغاربة خلال الأيام الثلاثة الأولى لعيد الأضحى.
على غير العادة وعلى الساعة العاشرة ليلاً، قبل ليلتين قبل العيد، ما زال عبد الله، وهو جزار في مدينة الصخيرات الواقعة جنوب العاصمة الرباط، فاتحاً أبواب مجزره، الذي لا يزال تستقبل الزبائن إلى حدود تلك الساعة.
وانشغل الجزار عبد الله، حسب ما رصد “عربي بوست” في تقطيع الخرفان أجزاء كبيرة، ويعد “القطبان” ولحم “المروزية” هي المأكولات التي يُعدها المغاربة في الأيام الأولى من عيد الأضحى.
وقال عبد الله لـ”عربي بوست” إن “الجزارة من المهن التي كانت تعرف ركوداً في عيد الأضحى، فقد كان الجزار يُغلق محله أسبوعاً قبل العيد، قبل أن يفتحه بعد أسبوعين أو أكثر، اللهم بعض الجزارين الذين يفضلون فتح محلاتهم من أجل مساعدة الأسر على تقطيع أضاحيهم”.
وأضاف المتحدث أن الوضع هذه السنة استثنائي جداً، فقد بقيت ليلتان قبل العيد ونحن ما زلنا نفتح أبواب المجازر، نستقبل زبائن كثراً يطلبون لحم الخروف، بعدما كنا نستقبل فقط من يرغبون في لحم البقر، وهم قلة لا يتعدون أصابع اليد الواحدة.
وأمام مجزرة عبد الله يقف صف طويل من المواطنين ينتظرون وصول دورهم للحصول على بعض الكيلوغرامات من اللحم، كل على حسب ميزانيته، وأغلبهم لم يتوفق هذه السنة في شراء أضحية العيد بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار.
تقول سعاد، وهي موظفة متقاعدة تنتظر دورها لشراء اللحم لـ”عربي بوست”: “في ظل هذا الغلاء لم نستطِع شراء كبش العيد، لقد تعودنا على شرائه بسعر لا يتجاوز 2000 درهم (200 دولار)، وهو الأمر الذي لم نتوفق فيه هذه السنة.
واستنكرت المواطنة سعاد الارتفاع الكبير في الأسعار، رغم أن الأجور لم تتغير، وقالت لـ”عربي بوست”: “أقل كبش يمكنني شراؤه سعره 3500 درهم (350 دولاراً) كيف يمكنني شراؤه ومعاشي لا يتجاوز 3000 درهم (300 دولار).
تدخلت سيدة أخرى سمعت ما دار بيننا وسعاد، قالت إن “زوجها أستاذ في الثانوي، ولها ولدان، وقرروا جميعاً أن لا يشتروا خروف العيد هذه السنة، وذلك بعدما اقتنعوا أن اقتناءه سيضر بميزانية الأسرة كثيراً”.
“باك العيد” في الأسواق الكبرى
بدورها سارعت الأسواق التجارية الكبرى في المغرب إلى تخصيص عروض بمناسبة عيد الأضحى كـ”باك بولفاف” أو “باك 400″، يحتوي على “أحشاء الخروف، الرأس، الأرجل، والشحم”.
فيما كان أفضل العروض، عبارة عن خروف كامل بالإضافة إلى رأس جاهز للطبخ، وأحشاء نظيفة بسعر لا يتجاوز 2000 درهم، وهو العرض الذي نفد يومين قبل وصول العيد.
يقول ياسين مسير شركة لـ”عربي بوست”: “جئت بالأمس إلى هنا متأخراً فلم أتمكن من الاستفادة من هذا العرض، وهو الأمر الذي لم يتحقق اليوم كذلك، بعد أن بيع آخر خروف قبل دقائق”.
في المقابل قال مستخدم في أحد الأسواق التجارية الكبرى في المغرب إن “الطلب كان كبيراً على هذه الخرفان، كما بيعت القطع الكبيرة من لحم الخروف كالكتف والفخذ”.
وأضاف المتحدث لـ”عربي بوست” أن هذا النوع من اللحوم كان يعرض كل سنة لكن بكميات قليلة؛ لأن الطلب كان منخفضاً، لكن هذه السنة كل شيء تغير، اللحوم التي يتم عرضها تشترى في الساعات الأولى من اليوم.
وأشار المتحدث إلى أن السوق الذي يشتغل فيه حاول توفير كميات كبيرة من الخرفان المذبوحة، ومن قطع اللحم الكبيرة، ومن “أسقاط” الخروف لكن كل هذه الكميات نفدت قبل العيد بيومين.
وقدر المتحدث بيع أكثر من 200 خروف مذبوح في اليوم في الفرع الذي يشتغل فيه فقط، في حين أن الفروع الأخرى من السوق الكبير تعرف أيضاً اكتظاظاً على جناح الجزارة، لا سيما في المدن الكبرى كالدار البيضاء وطنجة والرباط.
أسعار “غلبت” متوسطي الدخل
بأحد الأسواق الخاصة ببيع أضاحي العيد، بمدينة الصخيرات المغربية، التقت “عربي بوست” بمواطنين يشكون الأرقام الخيالية التي تباع بها أضحية هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية فقط.
يقول “محمد” موظف بإحدى الإدارات بالعاصمة الرباط: “الثمن مرتفع، غلبنا الحولي (الكبش) هذا العام، أتيت وفي جيبي 3500 درهم لكي أشتري أضحيتي ككل سنة، غير أنني وجدت نفس حجم الخروف الذي كنت أشتريه كل سنة بلغ 5000 درهم هذه السنة”.
يوضح نور الدين رجل أمن خاص، أن هناك باعة و”كسابة” يستغلون غياب الرقابة ويعرضون الأضاحي بأسعار مرتفعة، خصوصاً أن الأسعار في السوق لا تقل عن 3000 درهم، عكس السنوات الماضية التي كانت فيها الأسعار تبدأ من 1500 درهم.
من جهتهم، أكد مجموعة من التجار في السوق أن ارتفاع تكاليف التربية والعلف من أسباب ارتفاع سعر الأضحية، في الوقت الذي تقول فيه الحكومة إنها دعمت مربي المواشي وحاولت استيراد رؤوس الأغنام لتفادي ارتفاع السعر.
يقول أحمد فلاح بائع خراف في سوق تقليدي وسط الصخيرات في حديثه لـ”عربي بوست”: “مكرهين على رفع الأسعار لضمان ربح بسيط، بعدما غامرنا بتربية القطيع في ظل الجفاف وغلاء العلف”.
من جهته، يقول رشيد الصديق، رئيس المركز المغربي للمواطنة، إن الأسر المتوسطة تعيش مرحلة صعبة، تحتاج لضخ مبالغ مالية مهمة خاصة أمام تزايد المناسبات، إذ بعد العيد مباشرة ستأتي العطلة الصيفية ثم دخول الدراسة.
وأضاف الصديقي في حديثه لـ”عربي بوست” أن الدعم الذي قدمته الدولة لم تستفِد منه الأسر وظل حكراً على التاجر فقط مثلما حدث في السنة الماضية، والنتيجة هي ارتفاع الأسعار بشكل غير طبيعي.
مغاربة “مامعيدينش”
في مواقع التواصل الاجتماعي، انتشر هاشتاغ #مامعيدينش (ليس هناك عيد)، دعت من خلاله مجموعة من الصفحات المواطنين المغاربة لمقاطعة العيد، كرد احتجاجي على ارتفاع سعر أضحية العيد.
تحت هذا الهاشتاغ، نشرت العديد من الفيديوهات التي ترصد قصصاً إنسانية أو جولات داخل أسواق الأضاحي، ومقاطع تظهر الأزمات التي مر منها المواطن المغربي، وتبرر ضرورة مقاطعة شراء الأضحية.
كما بدأت تنتشر يوماً بعد يوم تدوينات لأشخاص معروفين بمكانة اجتماعية واقتصادية لا بأس بها يعلنون عن تخليهم عن فرحة العيد هذه السنة، بسبب ما وصفوه بجشع “الكسابة” وقبلهم “الشناقة” (سماسرة العيد).
أظهرت تلك الفيديوهات والتدوينات أن الفقراء وذوي الدخل المحدود ليسوا المتضررين الوحيدين من غلاء الأسعار، سواء في الأضاحي أو المواد الاستهلاكية الأخرى، بل حتى متوسطي الدخل أنهكت قدرتهم الشرائية أمام هذا الارتفاع، وأصبحوا أول المطالبين بإيجاد حل لهذا الوضع.