في الفضاء له حضور وفي أعماق الأرض تجده، يحاول الدخول إلى أدمغة البشر، وفي الوقت نفسه يسعى لفرض سيطرته على منصات التواصل الاجتماعي!

هذا ليس لغز، وإنما نقصد إيلون ماسك، أكثر شخصية أثير حولها الجدل في عصرنا الحالي. فكيف كانت البداية؟

هنالك في منزل والديه في بريتوريا في جنوب أفريقيا، كانت أولى خطوات ماسك لدخول عالم التقنية ورجال الأعمال، فحين كان في الـ12 تمكن من تصميم لعبة فيديو أطلق عليها "بلاستار" وباعها لإحدى المجلات بمبلغ 500 دولار.

صفقة اللعبة تلك رغم بساطتها كانت أولى محاولات ماسك لدخول عالم التقنية والأعمال حتى غدا اليوم من أبرز أثرياء العالم بثروة تجاوزت 208 مليارات دولار.

 

إيلون ماسك والبدايات

ماسك ذو الخمسة عقود والذي ينحدر من أصول أفريقية قضى طفولته ومراهقته في صحاري القارة السمراء رفقة والده المالك لعدة مناجم تستخرج الأحجار والنفائس.

أكمل إيلون دراسته الجامعية في الولايات المتحدة، حيث حصل على البكالوريوس في الفيزياء والاقتصاد من جامعة بنسلفانيا، وأتيحت له الفرصة لإكمال الدراسات العليا في التخصص ذاته من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، لكنه تركها بعد يومين فقط، لأنه شعر أن الإنترنت لديه القدرة على تغيير المجتمع أكثر بكثير من العمل في الفيزياء.

عام 1995، أسس ماسك شركة "زيب تو" المختصة بتقديم الخرائط والأدلة التجارية للصحف الإلكترونية. وبعد 4 سنوات من تأسيسها، باعها ماسك إلى شركة "كومباك" مقابل 307 ملايين دولار، ثم أسس بعد ذلك شركة خدمات مالية عبر الإنترنت أطلق عليها "إكس دوت كوم"، التي أصبحت فيما بعد "باي بال"، والتي باعها أيضا عام 2002 مقابل 1.5 مليار دولار.

في عام 2002 أعلن ماسك تأسيس شركة سبيس إكس لإنتاج صواريخ الفضاء بأسعار مناسبة، هذه الشركة تعد بداية انطلاق ماسك القوية، ففي خلال فترة وجيزة صارت منافسا قويا لأضخم الوكالات الفضائية الدولية.

أنتجت سبيس إكس نماذج صواريخ عديدة، لكن أبرزها كان صاروخ "فالكون 9" وصاروخ "فالكون هيفي"، مما جعل وكالات الفضاء الدولية تضعها لتكون ناقلا في برنامج العودة إلى القمر القادمة. في الوقت نفسه، تعمل سبيس إكس -عبر مركبتها "ستار سيب"- في نقل الإمدادات إلى محطة الفضاء الدولية.

وكانت سبيس إكس بمثابة مدخل لإيلون ماسك إلى مجال الاتصالات والإنترنت، ففي عام 2015، أعلن ماسك عن إطلاق شركة "ستارلينك" التي مهمتها نشر شبكة من الأقمار الصناعية بغية بث الإنترنت الفضائي إلى جميع البلدان.

عام 2018 أطلقت ستارلينك المجموعة الأولى من الأقمار الصناعية، وتملك الآن 4500 قمر حول الأرض، وتهدف الشركة إلى إحاطة الأرض بـ42 ألف قمر.

في مطلع الألفية الثالثة أيضا، كانت بدايات شركة "تسلا" المنتجة للسيارات الكهربائية، والتي تطمح الآن لتكون الأولى في المجال والتحول نحو السيارات ذاتية القيادة.

خلال سنوات قليلة أثبتت تسلا نفسها بوصفها رقما صعبا، إذ وصلت مبيعاتها عام 2023 إلى قرابة 1.8 مليون سيارة.

لم تتوقف طموحات ماسك في مجال التنقل عند هذا الحد، بل بسبب الزحام الخانق في لوس أنجلوس، حاول ماسك طرح نظام التنقل في الأنابيب الفراغية "هايبر لوب" ووضع لها ميزانية مالية لهذا الأمر، لكن مشروعه لم يكتمل.

 

إيلون ماسك والقفزة الثانية

يمكن تقسيم مراحل صعود إيلون ماسك إلى 3 مراحل، ما سبق ذكره كان المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية فكانت اتجاه ماسك نحو شركات الطاقة وأبحاث الدماغ.

ففي عام 2016 استحوذ ماسك على شركتين، الأولى للطاقة الشمسية وتدعى "سولار سيتي" مقابل 2.6 مليار دولار، والثانية "بورينغ كومباني" المتخصصة في حفر الأنفاق والنقل الكهربائي.

لكن الحدث الأكبر في تلك المرحلة كان تأسيس شركة "نيورالينك" الخاصة بأبحاث الدماغ.

سعى ماسك من خلال هذه الشركة تطوير رقاقات مزروعة في الدماغ قادرة على "التواصل" (أي الارتباط) مع أجهزة الكمبيوتر والهواتف.

وتهدف الشركة إلى المساعدة في علاج أمراض الدماغ الشديدة على المدى القصير، بهدف نهائي هو تعزيز القدرات المعرفية للدماغ البشري.

وبعد عدة تجارب على الحيوانات، أعطت إدارة الغذاء والدواء الأميركية الضوء الأخضر للشركة في مايو/أيار 2023 لبدء اختبار الرقائق على البشر، ووصلت القيمة السوقية للشركة إلى 5 مليارات دولار في يونيو/حزيران العام الماضي.

 

صناعة الهواتف وتطبيقات التواصل هدف ماسك الثالث

في هذه المرحلة أصبح ماسك رقما يهدد منصات التواصل الاجتماعي، فبينما انضم ماسك إلى تويتر كمستخدم للتطبيق عام 2009، أصبح مالكا له عام 2022 بصفقة بلغت 44 مليار دولار.

منذ توليه إدارة تويتر، انقلب حال التطبيق والشركة رأسا على عقب. وكانت البداية فصل عشرات الموظفين، وتغيير سياسة المحتوى فيه مرورا بتبديل اسم التطبيق إلى "إكس" بدلا من تويتر.

خلال هذه المرحلة، أجريت تغيرات عديدة في خوارزميات تويتر التي تخص المحتوى، مما جعل التطبيق محل هجوم معظم الأطراف المتخاصمة على الأرض واتهام المنصة بميولها لطرف على حساب آخر وعرضها أخبار فئة دون أخرى.

كما سمح للمستخدمين بشراء علامة التحقق الزرقاء مقابل 8 دولارات شهريا، وأعاد عديدا من الحسابات المحظورة، أبرزها حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وانخفضت عائدات الإعلانات بشكل حاد، إذ قامت عديد من الشركات بسحب إعلاناتها من المنصة.

ما أن استقر عمل إكس، حتى اتجه ماسك لتطبيق شعار "إكس تطبيق لكل شيء"، فأضاف ميزة مكالمات الصوت والفيديو للتطبيق، وقال ماسك في ذلك الوقت: "إن ميزات الاتصال ستعمل على جميع الأنظمة، ولن تكون هناك حاجة إلى رقم هاتف".

وبسبب التوقعات عن هيمنة منصات الفيديو على المحتوى في الإنترنت بنسبة تتجاوز 82%، أعلن ماسك طرح منصة فيديوهات أطلق عليها "إكس تي في" من المتوقع أن تكون منافسا قويا لمنصات يوتيوب ونتفليكس وأمازون برايم.

بعد ذلك، جرى الترويج لإنشاء ميزة الاجتماعات الفيديوية على مساحة تطبيق إكس، أطلق عليها "إكس كونفيرنسس"، وهو ما يعني منافسة تطبيقات زووم وميت ذات الخاصية المشابهة.

لم يتوقف ماسك عند هذا الحد، بل خرجت تسريبات تقول عن عزمه صناعة هاتف جوال اختار له اسم "إكس فون" أتاح له مزايا تؤهله لمنافسة كبرى الشركات، من ذلك أنه آمن من الاختراق بدرجة عالية. وفيه اشتراك مجاني في إنترنت منظومة أقمار ستارلينك، إضافة لاشتراك مجاني نوع بريميم في منصة إكس.

وفي ظل الحديث عن روبوتات الدردشة العاملة بالذكاء الاصطناعي والمنافسة المحتدمة بين شركات غوغل ومايكروسوفت و"أوبن إيه آي"، طرح نموذج ذكاء اصطناعي في منصة إكس أطلق عليه اسم "غروك" من إنتاج شركته التي أسسها لهذا الغرض واسمها "إكس إيه آي".

ووفقا لتقارير جديدة، فإن "إكس إيه آي" جمعت حاليا 6 مليارات دولار من أصل 18 مليار دولار تحاول الوصل إليها بعد أسابيع من أجل استكمال مشاريع أبحاثها.

ويتوقع ماسك أن يتم تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تتغلب على ذكاء البشر في العام القادم، وهو ما يقول عنه باقي المختصين أنه يتطلب 3 عقود أخرى.