كشفت دراسة جديدة نشرتها مجلة nature ecology أن الفيلة الأفريقية تنادي بعضها البعض وتستجيب للأسماء، وهو أمر لا تفعله سوى قِلّة من الحيوانات البرية.
الأفيال تميز نفسها بأسماء محددة
واستخدم الباحثون خلال الدراسة تقنيات التعلم الآلي لتحليل 469 نداءً من نداءات الاتصال والتحية والرعاية الصادرة عن أفيال السافانا البرية في كينيا، والتي كشفت أن الأفيال الأفريقية تستخدم أسلوباً من التواصل لم يُلاحظ سابقاً لدى بقية الحيوانات، ووجدوا أن هذه الأفيال تميز نفسها بأصوات محددة للتعرف على بعضها البعض.
وتوضح كايتلين أوكونيل-رودويل، وهي باحثة في سلوك الأفيال بكلية الطب بجامعة هارفارد ولم تشارك في الدراسة: “قد يبدو بديهياً لي وللباحثين الآخرين في دراسة الأفيال أن هذه النداءات دقيقة للغاية، حيثُ من المُلاحظ أن فرداً معيناً يستجيب، ولكن لم يُثبت أحد ذلك سابقاً”.
الدمدمات السرية للفيلة
وعادة ما يرتبط صوت الفيل بصوت البوق العالي، لكن الصوت الأكثر شيوعاً بينهم هو الدمدمة ذات التردد المنخفض. بعض الدمدمات تكون عميقة جداً بحيث لا يستطيع البشر سماعها؛ حيث نستطيع سماع الترددات حتى حوالي 20 هرتز، بينما تصل ترددات هذه الأصوات إلى نحو 5 هرتز.
ومع ذلك، فإن الأفيال تمتلك تكويناً فريداً للأذن يمكّنها من سماع هذه الدمدمات من مسافة تصل إلى 1.5 ميل. تعتبر هذه الميزة مهمة لأن إناث أفيال السافانا تعيش في مجتمع معقد يعتمد على التفرق والاجتماع، حيث تنقسم وتتجمع الوحدات العائلية الموسعة بشكل منتظم لمتابعة مصادر الغذاء وتجنب الحيوانات المفترسة.
الفيلة تستجيب بسرعة عند سماع أسمائها
وعادت جويس بول، المؤلفة المشاركة في الدراسة وأحد مؤسسي منظمة “أصوات الفيلة” الخيرية، التي تدرس سلوك الفيلة منذ ما يقرب من خمسين عاماً إلى ملاحظاتها الميدانية القديمة لتتبع التفاعلات، لتتمكن في النهاية رفقة زملائها من تحديد 101 نداءً و117 مستقبلًا لهذه النداءات.
ثم قاموا بقياس الخصائص الصوتية للنداءات من خلال تقنيات التعلم الآلي لتحديد ما إذا كانت تحتوي على علامات صوتية فردية، ونجح النموذج في التنبؤ بالفيل المستقبل للنداء بدقة تفوق بكثير معدل الصدفة. وقد تبين أن هذه الأصوات لم تكن مجرد محاكاة كما تفعل الدلافين، حيث لم يجد الباحثون أي دليل إحصائي على أن الفيلة كانت تقلد أصوات بعضها البعض.
ثم قام الباحثون بالتحقق من نتائجهم من خلال تجارب ميدانية، اقتربوا من 17 فيلًا برياً وقاموا بتشغيل نداءات موجهة لكل منهم عبر مكبر صوت. ولاحظوا أن الفيلة نادراً ما تفاعلت مع “أسماء” الحيوانات الأخرى، ولكنها استجابت بسرعة لأسمائها الخاصة. تقول بول: “كانت الاستجابة واضحة جداً، حيث يرفع الفيل رأسه بسرعة، وتنتشر أذناه، ويفتح فمه على مصراعيه”.
وأشار مايكل باردو، المؤلف الرئيسي للدراسة والمتخصص في علم السلوكيات والذي يعمل الآن في جامعة كورنيل، إلى أن الباحثين لم يتمكنوا من تحديد أي جزء من النداء يميز فرداً بعينه، وكانت البيانات غير حاسمة فيما إذا كانت عدة أفيال تستخدم نفس الاسم لفيل واحد.
قد يكون السبب أن التسجيلات لم تحتو على أمثلة كافية، أو أن الأفيال المختلفة تستخدم نسخاً متنوعة من نفس الاسم، وأضاف المصدر نفسه بأنه قد يتطلب تحليل هذه النداءات بدقة جمع المزيد من عينات الدمدمات، وهي مهمة شاقة تتطلب قضاء ساعات طويلة بجوار الفيلة المدروسة.
ارتباط التسميات الصوتية للفيلة بتطور اللغة
وعلى الرغم من أن فهم البشر لتواصل الفيلة لا يزال محدوداً، يرى جورج ويتيمير، كبير مؤلفي الدراسة وعالم الأحياء بجامعة ولاية كولورادو، أن وجود تسميات صوتية فردية في نداءات الفيلة يشير إلى قدرة على التفكير المجرد، ويعتقد أن ظهور مثل هذه التسميات قد يساعد في فهم كيفية تطور اللغة البشرية في المجتمعات المعقدة، مثل مجتمعات الفيلة أو أسلاف البشر، حيث يفقد الأفراد التواصل البصري في كثير من الأحيان، وهنا قد تكون الحاجة إلى تحديد وجذب انتباه الآخرين سبباً في تطوير القدرات العقلية واللغة.
وتولد غالبية الحيوانات وهي مزودة بمجموعة محددة من الأصوات للتواصل، ومع ذلك يمكن لعدد قليل منها، مثل الطيور المغردة، تقليد الأصوات التي تسمعها في محيطها.
ووفقاً لما ذكرته الدراسة تستطيع بعض الأنواع الأخرى، مثل أنواع معينة من الدلافين والببغاوات، تقليد الكلمات البشرية المستخدمة للإشارة إلى أشياء معينة في بيئتها، مثل الببغاء الذي يشتهر بطلب البسكويت. وما هو أكثر ندرة من ذلك هو القدرة على تعيين أصوات محددة -أشبه بالأسماء- لأفراد القطيع أو المجموعة، ويُعتقد أن بعض الأنواع من الدلافين والببغاوات ذات اللون البرتقالي تخصص نداءات معينة لكل فرد، والتي يميل الحيوان إلى الرد عليها.
ومع ذلك، في هذه الحالات، تتكون النداءات من حيوان يقوم ببساطة بتقليد الصوت المميز لحيوان آخر، يشبه الأمر شخصاً يكرر اسمه باستمرار مثل “مارك”، وأنت تكرر هذا الاسم بدورك لجذب انتباهه، ومن ثم يستجيب الشخص الآخر بنفس الاسم، كما قد يقلد الدولفين “صافرة التوقيع” الخاصة بدولفين آخر من أجل لفت انتباهه، ويستجيب الدولفين الثاني بتكرار الصافرة نفسها.