ترجمت مخاوف الجاليات المسلمة والعربية في أوروبا من احتمال صعود اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، إلى واقع، بعد أن حققت الأحزاب اليمينية في الانتخابات الأوروبية 2024 مكاسب تاريخية، حسب النتائج التي تم الإعلان عنها الإثنين 10 يونيو/حزيران 2024.
وتصدّرت كتلة حزب الشعب الأوروبي، التي تضم مجموعة من الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة، نتائج الانتخابات بحصولها على 184 مقعداً. وجاء التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين من يسار الوسط في المركز الثاني بعدما حصد 135 مقعداً.
بينما حلت كتلة “تجديد أوروبا”، التي تضم حزب النهضة وهو حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المركز الثالث بعدما حصلت على 82 مقعداً.
وحلت في المرتبة الرابعة كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، التي تضم حزب “إخوة إيطاليا” بزعامة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني.
ورغم أن اليسار لا يزال يحافظ على الأغلبية داخل البرلمان الأوروبي، إلا أن أحزاب اليمين بدأت بالصعود وحصلت على مكتسبات إيجابية مقارنة مع الاستحقاقات الأوروبية السابقة.
اليمين يحقق نتائج تاريخية
لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، تصدر الائتلاف اليميني المتكون من الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي النتائج في ألمانيا بنسبة 30.3% وحصوله على 28 مقعداً.
كما حصل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف على المرتبة الثانية بنسبة 15.6% بـ15 مقعداً، 6 مقاعد منها جديدة مقارنة بالولاية السابقة.
في حين حصل حزب ديمقراطية اجتماعية، وهو حزب المستشار الألماني أولاف شولتز على المرتبة الثالثة يليه حزب الخضر.
أما في فرنسا فقد أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون، مساء الأحد 9 يونيو/حزيران 2024 حل الجمعية الوطنية (البرلمان) بسبب النتائج التي حققها اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية 2024.
وترأس الحزب اليميني المتطرف التجمع الوطني نتائج الأحزاب الفرنسية في الانتخابات الأوروبية الأوروبية، بنسبة 31% و30 مقعداً 12 مقعداً منها جديد مقارنة بالولاية الماضية.
وفي إيطاليا حصل حزب إخوة إيطاليا اليميني المتطرف بقيادة جورجيا ملوني رئيس الوزراء على 28 في% بحصولها على 14 مقعداً إضافياً مقارنة بالولاية الماضية.
أما في إسبانيا فقد حصل الحزب الشعبي صاحب الأيديولوجية اليمينية الوسط على الصدارة بـ22 مقعداً، 9 مقاعد منها جديدة مقارنة بالولاية السابقة، وحصل على نسبة 34%.
في حين حصل الحزب اليساري الاشتراكي العمالي الإسباني الذي يقود الحكومة الإسبانية على المرتبة الثانية بنسبة 30% وحصل على 20 مقعداً.
وفي المرتبة الثالثة بخصوص إسبانيا حل حزب فوكس اليميني المتطرف بنسبة 9%، وحصل 3 مقاعد مقارنة بمقعدين في الولاية السابقة.
رهاب الإسلام ومحاربة الهجرة
تُعرف الأحزاب اليمينية في جميع الدول الأوروبية بدون استثناء بمعاداتها للمهاجرين من جميع الجنسيات، ورهاب الإسلام والمسلمين.
ومن المتوقع أن تتغير سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه المهاجرين والمسلمين لا سيما في الدول التي تعرف ارتفاع عدد المهاجرين من الدول العربية، ودول جنوب الصحراء كألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا.
وقال جمال ريان مرشح للانتخابات الأوروبية عن حزب الخضر الألماني إن النتائج التي حققها اليمين المتطرف ستؤدي إلى خلق قوانين أكثر تعسفية تضيق على المهاجرين.
وأضاف المتحدث لـ”عربي بوست” أن المهاجر سيتعرض لضغوط على مستوى الحقوق الخاصة بممارسة الشعائر الدينية، أو على مستوى الحقوق القانونية المرتبطة مثلاً بالإقامة والحصول على الجنسية، أو أيضاً على مستوى الحقوق المادية.
وأشار المتحدث إلى مشروع القانون الذي تقدم به اليمين المتطرف في الجمعية الوطنية في فرنسا، والذي يسعى إلى حرمان المتقاعدين من تعويضاتهم إن كانوا يعيشون خارجها.
وقال إن الهدف سيكون هو التضييق على المهاجرين في كل الدول الأوروبية، والاكتساح على مستوى البرلمان الأوروبي سيمنح اليمين إمكانية التنسيق والضغط على المستوى الأوروبي وليس داخلياً فقط.
من جهته يرى عبد الغاني بلحلومي، مرشح لانتخابات البرلمان الأوروبي في بروكسيل أن صعود أحزاب اليمين في البرلمان الأوروبي سيؤدي إلى تضييق الدول الأوروبية على المستوى الاقتصادي على الشراكات المهمة للبلدان الأصلية للمهاجرين المتواجدين فيها، وستصعب المأمورية أمام الفلاح الذي يصدر إلى أوروبا.
أما بخصوص الجاليات المسلمة والعربية، يقول المتحدث سيكون هناك تضييق أكثر على مستوى حصولها على الحقوق التي تضمنها القوانين الأوروبية.
مثلاً سيتم تشديد فرص الحصول على الإقامة والجنسية، سيتم سن قوانين تضيق من حصول الأجانب على حقوق أكبر، خاصة إذا كان عددهم يتجاوز 200 أو 250 نائباً عوض 110 من اليمين المتطرف في تشكيلة البرلمان الأوروبي.
وقال المتحدث إن هؤلاء سيؤثرون بعدم التصويت لصالح قوانين أفضل في مجال الهجرة، إن كان داخلياً أو على المستوى البرلمان الأوروبي.
الخطاب الشعبوي لليمين
يقول عبد الغاني بلحلومي، مرشح سابق لانتخابات البرلمان الأوروبي ببلجيكا إن اليمين المتطرف في بلجيكا كما في باقي الدول الأوروبية، خلال حملته الانتخابية وعلى مر السنوات الماضية، تبنى خطاباً شعبوياً واعتمد على تزوير الحقائق.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ”عربي بوست” أنه من بين أسباب تفوق اليمين في الانتخابات الأوروبية 2024 هو بناء خطابه على التمييز ضد الأجانب خاصة منذ اندلاع أزمة الهجرة واللجوء نحو أوروبا بسبب الأزمات في مختلف دول العالم.
وقال المتحدث إن اليمين في جميع دول أوروبا استغل الأزمة الإنسانية بطريقة خبيثة، ليصبح بمرور الوقت، الخطاب اليميني المتطرف خطاباً متداولاً وعادياً ومؤثراً في المجتمع خاصة في الشباب.
في بلجيكا التصويت واجب، والامتناع عليه يجعل الشخص متابعاً قانونياً، بينما في فرنسا هو حق فقط وأكثر من 60% من الناخبين لا يشاركون، أغلبيتهم من المهاجرين، والسبب قلة الوعي السياسي في صفوف هذه الفئة، وهو ما يفسح الطريق أمام اليمين، يضيف المتحدث.
وقال المرشح السابق في الانتخابات الأوروبية إن اليمين أصبح يحكم فعلياً في السويد وفي هنغاريا وفنلندا وسلوفاكيا، والآن في فرنسا وفي البرتغال أيضاً والعديد من الدول الأوروبية الأخرى اكتسح فيها اليمين الانتخابات.
في الجهة الفلامانية، اليمين المتطرف له شعبية منذ سنوات، وهذه السنة هو من حقق أكبر عدد من المقاعد داخل البرلمان الأوروبي، رغم أن من ضمن الساكنة نسبة كبيرة من المهاجرين من أصول مغاربية وتركية.
وقال عبد الغاني بلحلومي في تصريحه لـ”عربي بوست”: “صحيح أن اليمين لم يحققوا 50% من المقاعد في البرلمان الأوروبي، لكن هذا التصاعد لا يبشر بخير أبداً”.
من جهته يقول جمال الريان، المرشح عن حزب الخضر الألماني إن سبب صعود اليمين في الانتخابات الأوروبية هو الأزمة الاقتصادية بعد جائحة كورونا وبعد الحرب الأوكرانية.
وأشار مرشح حزب الخضر إلى أن المواطن الأوروبي صار يبحث عن ضحية لأجل تفريغ مكبوتاته، ووجدوا الهجرة والإسلام طريقاً لذلك.
وقال المتحدث إنه لولا الحروب لما كان هناك لاجئون، ولولا الاستعمار لما كان هناك نهب لخيرات بلدان العالم في كل من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وأكد أن الأوروبيين يتحملون مسؤولية ما قاموا به، فتجويع السكان الأصليين هو ما يدفع هؤلاء الأشخاص للبحث عن مكان أفضل للعيش.
وأفاد أن الحروب تغذيها أسلحة أوروبا والغرب عموماً، ما يحصل في أوكرانيا وغزة وكل بؤر التوتر، ولو توقفت الدول المصدرة عن بيع هذه الأسلحة لتوقفت هذه الحروب وما كان هناك لجوء أصلاً.
الأحزاب اليمينية المتطرفة استعملت اللجوء والإسلام كدين موسوم بالإرهاب وكاره لليهودية لتغذية التطرف المجتمعي، مع العلم أن كل خطابهم كذب وتلفيق.
واستعمالهم الخطاب الشعبوي جعل المواطن العادي يحمل المهاجرين والأجانب الذنب في الأزمة الحالية، وانعدام الأمن حملوه للإسلام عبر ربطه بالإرهاب.
من جهته يقول حسن حسين، محلل سياسي، خبير في السياسة الأوروبية والشأن السياسي الألماني وملف الهجرة لـ”عربي بوست” هناك أسباب عديدة ومتشعبة تسببت في صعود اليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي.
وقال المتحدث إن أقوى سبب يُعلل هذه النتائج هو تجاهل النخبة السياسية لما يعبر عنه عموم المواطنين الأوروبيين الذين تأذوا من العولمة والتغيرات التي يعيشها الغرب، فصار اليمين البديل الذي وجده المواطن الأوروبي.
وأشار المحلل السياسي في تصريحه إلى أن مخاطر اليمين في البرلمان الأوروبي لا تهدد الأجانب والمهاجرين واللاجئين، بل تهدد النظام الديمقراطي في أوروبا والعالم الغربي برمته.
وقال المتحدث إن الاتحاد الأوروبي انطلق كآلية لخدمة النظام الرأسمالي والشركات العملاقة، ولم يتنازل عن هذا الدور لفائدة المواطنين، باستثناء أنه ضمن لهم السفر الحر، لكنه لم يقدم شيئاً مما جعل اليمين بديلاً لهم، بما أنه الجهة التي ترفض كل هذه الأمور.
ومن بين أسباب تصاعد اليمين يقول المتحدث هو تجاهل النخبة قضية الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، إذ يجب أن تلتزم الحكومات بقراراتها، خاصة مكافحة أسباب الهجرة ما يعني الاستثمار في الدول النامية في أفريقيا والشرق الأوسط، والإسهام في حل النزاعات القائمة التي تسبب الهجرة.
وأشار المحلل السياسي إلى أن وعود الحكومات الأوروبية هذا لم يتم تنفيذه إطلاقاً، وتم تجاوزه، ولهذا السبب يجب إعادة النظر في هذه القضايا وتنظيم الهجرة لتفادي حصول أزمات أكثر في أوروبا، وأنا لا أستبعد الآن أن تبدأ حالة من حالات حروب الشوارع المدن إذا استمر الأمر هكذا.
وقال المتحدث إنه في ألمانيا مثلاً يمكن أن تندلع مشادات خطيرة بين النازية الجديدة مع مجتمع المهاجرين واللاجئين الذين يتعرضون لاعتداءات متكررة على أيدي عناصر يمينية متكررة في السنوات الأخيرة.
ملف المناخ كان من بين الملفات التي استعملها اليمين المتطرف وعبرها جرد حزب الخضر من مقاعد كثيرة.
من الممكن أنه سيعيد النظر في ملف المناخ وآرائه في الموضوع بما أنه بدأ يحصل على أصوات المزارعين الأوروبيين الذين وجدوا فيه بديلاً، لكنه لن يعيد النظر في ملف الهجرة أبداً.
مظاهرات الفلاحين الأوروبيين قبل الانتخابات جعلت المواطن يظن أن اليمين المتطرف هو من سيحل أزمة الفلاحين، وهذا غير صحيح بتاتاً، لأنه رغم ما حصله من مقاعد، إلا أنه لا يملك بعد القوة الكافية للضغط بحسم في القوانين والتشريعات والقرارات.